لا يمكن للجزائر اليوم أن تبقى بعيدة عن التكتلات والتحالفات الدولية، والمنتشرة في جلّ قارات العالم، وأضحت تصنع القرارات السياسية والاقتصادية على مستويات إقليمية ودولية، ولهذا تسعى الجزائر اليوم للانتماء إلى تكتلات أكثر تأثيرا، على غرار منظمة شنغهاي، خاصة وأن الجزائر اليوم تدافع عن مبدأ تعدد الأقطاب في العلاقات الدولية وإعادة روح التعاون المتعدد الأطراف.
اعتبر عبد القادر سماري، الوزير الأسبق للصناعة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، والمهتم بالشأن الاقتصادي والمتابع له، أن إنشاء منظمة شنغهاي للتعاون الذي بدأ في سنة 1996 بشنغهاي، حيث التقت الصين، كازاخستان، قيرغيزستان، روسيا، وطاجيكستان، وأنشأت هذه المنظمة، لم تكن في البداية بصيغتها الحالية، حيث كان الهدف أنذاك إبراز التعاون في المجال العسكري والأمني ومحاولة تقليص التوترات، لأن تلك الدول تملك حدودا مشتركا وطويلة جدا، بين روسيا والصين مثلا، وفي سنة 2001، تمّ تأسيس منظمة شنغهاي موازاة مع تأسيس منظمة “بريكس”، حيث أضيف لها عدة محاور، سواء كانت تجارية، اقتصادية، علمية وتقنية، إلى جانب محاور تتعلق بالتوترات الداخلية وقضايا العنف والإرهاب.
شنغهاي وليدة تحالفات دولية
ولاحظ سماري أن كل الدول الأعضاء لمنظمة شنغهاي متمركزة في قارة آسيا وآسيا الوسطى، لتنضم إليها بعد ذلك 10 دول أخرى منها الهند وإيران، وتصبح تلك الدول هي المشكلة للمنظمة، حيث تضمّ في صيغتها الحالية، 10 دول كاملة العضوية وثلاث دول كمراقبين من بينها دولة أوروبية، وهي أوراسيا، كما تضم المنظمة دول يطلق عليها “شركاء حوار”، لهم دور خاص من بينهم السعودية وتركيا.
وأضاف الوزير الأسبق أن “منظمة” شنغهاي اليوم تتوسّع من حيث الأهداف التجارية، الاقتصادية، التعليمية والاجتماعية، على ضوء ما يحدث في العالم الذي يسعى إلى تشكيل تكتلات، على غرار بناء الإتحاد الأوروبي الذي يواجه اليوم مشكل الحرب التي تدور رحاها بأوكرانيا، لذلك فقد بقيت الولايات المتحدة الأمريكية تتسيّد القطب الوحيد، ومن هذا المنظور فإن قطبي منظمة شنغهاي ومنظمة بريكس، يسعيان – كل على حدة ـ إلى دور في المنظومة العالمية، لأنه تمّ التأكيد اليوم على أن العالم لا يستطيع الاستمرار بالقطبية الأحادية، حيث خرجت إلى العلن تحالفات جديدة، على غرار التحالف بين أمريكا وأستراليا، إضافة إلى تحالف اليابان وكوريا الجنوبية، مع بروز تحالفات أخرى في أمريكا الشمالية، مثل تحالف أمريكا وكندا وغيرها من هذه التكتلات، حيث تسعى كل منها للعب دور كبير من خلال ممارسة ضغوطات على المنظومة العالمية، سواء من الناحية العسكرية أو الاقتصادية، التجارية، أو النواحي الاجتماعية المختلفة”.
الجزائر تبحث عن فضاءات تليق بها
وأكد سماري أن الجزائر المتواجدة في عدة فضاءات على غرار منظمة الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، إضافة إلى جامعة الدول العربية، فضلا عن انخراطها في حركة دول عدم الانحياز ومجموعة 77، لذلك فإنها تبحث اليوم عن فضاءات تستطيع من خلالها أن تكون لها مكانة في المجالات المتعددة، خاصة المتعلقة بمجالات التنمية.
وحول سؤال متعلق بإعلان الجزائر سعيها للانضمام إلى منظمة شنغهاي في هذا الوقت بالذات، أكد سماري أن منظمة شنغهاي استطاعت تحقيق كثير من المشاريع للدول المنضوية تحت لوائها، وفي عدة مجالات، على غرار البنى التحتية والتنمية، الطرق، وفي مجالات التعاون والتبادل التجاري، وفي المجال الاقتصادي وحتى في مجال التعاون العلمي، حيث هناك علاقات تطورت كثيرا بين جامعات الصين، الهند وروسيا وجامعات اوزباكستان.
وأبرز المتحدّث في السياق، أن تركيا التي تعتبر شريكا حوار في المنظمة، أصبح لها دور يشهد له في منظمة شنغهاي للتعاون، وتحدث الخبير عن الشروط التي تضعها المنظمة للانضمام إليها والمتعلقة بعدة نواح، منها الشروط الاقتصادية، على غرار ضرورة الانفتاح الاقتصادي على الدول، وكذا شروط إنشاء المؤسسات وجلب الاستثمار الأجنبي، لذلك – يضيف سماري – فإن الجزائر مطالبة اليوم بتحقيق كل هذه الشروط داخليا، ومن ثمّ ستكون هناك شروط سياسية، في قضية اتضاح الرؤية، وفي المواقف الدولية، إلى جانب قضايا التعاون في مجال مكافحه الإرهاب والحد من العنف في العالم.
وفي رده على سؤالنا المتعلق بالمزايا التي ستحققها الجزائر من انضمامها لهذا التكتل الاقتصادي العالمي، تحدث عبد القادر سماري، عن عدم تواجد أي دوله إفريقيه كعضو فاعل داخل هذه المنظمة، بخلاف مصر التي تعتبر شريك حوار وليست من أعضاء هذه المنظمة، أما من الدول العربية هناك المملكة العربية السعودية، لذلك فإن انضمام الجزائر سيفيد منظمة شنغهاي، بحكم أن الجزائر بوابة أساسية من بوابات إفريقيا في إطار موقعها الجغرافي والاستراتيجي، أضف إلى ذلك النمو الديموغرافي المنتظر في دول شمال إفريقيا ومنطقة دول الساحل الإفريقي، كما يمكن أن تستغلّ البنى التحتية الموجودة في الجزائر.
وضمن هذا الإطار، قال سماري، إن “الجزائر ستستفيد بانضمامها إلى منظمة شنغهاي للتعاون، أولا من تجارب هذه الدول، خاصة في البنى التحتية، علما أن هناك تحولا كبيرا في منطقه آسيا الوسطى وآسيا، سواء من حيث البنى التحتية، أو عدد السكان المتنامي”، لافتا إلى تصريح أحد زعماء دول هذه المنظمة، حينما قال إن عدد سكان هذه المنظمة يمثل نصف سكان العالم، كما أن الجزائر ستستفيد من تنويع علاقاتها واقتصادها، خاصة وأن جل هذه الدول كانت قد دعمت الجزائر منذ أشهر بأن تكون عضوا غير دائم في مجلس الأمن الدولي، ونعلم كذلك أن هذه الدول لها علاقات استراتيجية مع الجزائر على غرار روسيا والصين، حيث تعتبر هذه الأخيرة من الشركاء الاقتصاديين الأساسيين ليس فقط بالنسبة الجزائر، بل لدول إفريقيا، خاصة في المستقبل، حيث تتصدر اليوم المشهد الاقتصادي والتجاري”.