ترى الكاتبة أميرة شنوف، في دراستها النقدية المتوجة بإصدار جديد بعنوان “جدلية الاغتراب في النص المسرحي الجزائري المكتوب باللغة الفرنسية”، أن المعروف في النص المسرحي الجزائري شكل أحد أجناس الأدب الجزائري بنوعيه المكتوب منه باللغة الفرنسية والعربية، مشيرة إلى أن أزمة الاغتراب تجلت في هذا النوع من المسرح انطلاقا من الخلفية الايديولوجية التي تبناها الكاتب من خلال وعيه بهذه الأزمة يعد أول مراحل قهر هذا الاغتراب ولعل عقدة اللغة التي كتب بها النص قد شكلت محور هذا الاغتراب الذي حاول أبرز كتابه الخروج من قوقعته في طريقهم لإثبات هويتهم في ظل سيطرة الآخر ثقافيا.
تستدل الكاتبة دراستها النقدية حول الاغتراب، بالمفكر الإيطالي انطونيو غرامشي باعتباره مثقفا يساريا تبنى مفاهيم عديدة داعية للتحرر من منظور سياقه اليساري الذي يسعى من خلاله إلى التحرر ايديولوجيا، ذلك أن الارتباط بين فكرة الاغتراب التي طرحناها في النص المسرحي الجزائري المكتوب باللغة الفرنسية يتقاطع مع فكرة الاغتراب التي طرحها انطونيو غرامشي في كتابه “كراسات السجن” لأن أن هذا الأخير روّج لها من منظور سياسي إيديولوجي من جهة وثقافي من جهة أخرى، حيث يعطينا انطونيو فكرة عن المبادئ التي دافع عنها في خضم الصراع السياسي والواقع الثقافي آنذاك، وهما بالنسبة إليه يشكلان جزءا من التغيير الذي كان وهو في زنزانته يحاول بثه من خلال رسائل تشخص مناخ الاغتراب بنوعيه الفكري والثقافي.
وقد أشارت في كتابها إلى هذه الفكرة عند تحليل مسرحية محمد بودية الميلاد naissance والزيتونة Olivier التي كتبها داخل زنزانته وهو يهدف إلى إزالة وهم الاغتراب عن طريق الوعي بالواقع الاجتماعي ونقل أيديولوجيات جديدة، وبالتالي فالعامل المشترك هنا هو التوجه السياسي، الذي يرمي إلى استقلال دول العالم الثالث من الاستعمار، وبداية التمرد في حدود الذات ومن ثم الانفتاح والوعي الثوري وبمعنى آخر الخروج من الصراع النفسي إلى الوعي الاجتماعي، وهكذا جاء تركيز كتاب هذا النوع من المسرح في الجزائر بغض النظر عن هوية لغته على إزالة ظاهرة الاغتراب عن طريق الوعي بالواقع الاجتماعي، وهي الفكرة التي لم يحِد عنها أيضا المسرحي الألماني برتولد بريخت، والتي تتفق في مؤداها مع فكرة انطونيو غرامشي ومحمد بودية ونورالدين وكاتب ياسين وغيرهم.
وتشمل الدراسة بحسب الكاتبة الاستنتاج الذي تبناه هذا العمل النقدي، كونه كشف عن اشتمال مجموعة من النصوص لكتاب جزائريين اختاروا من اللغة الفرنسية وسيلة للتعبير، أمثال محمد بودية وهنري كريا نورالدين عبة، كاتب ياسين، حسين بوزاهر لملامح عديدة للاغتراب ما جعله ظاهرة فكرية جدلية خاصة وأن مسبباته كما كشف عنها النص تعود إلى ارهاصات الواقع السياسي والاجتماعي المرير التي تجاوبت معها الشخصيات ايجابا وسلبا على حسب حدة الاغتراب، كما حرص الكتاب على توجيه النزعة الاغترابية للشخصيات توجيها إيجابيا من خلال ما ينتابها من نوازع وأحاسيس وارهاصات أدت إلى انقسام الذات وهي تحاول قهر اغترابها، الذي جاء متنوعا بحسب التكوين الداخلي لها.
وتستنتج الكاتبة – في الأخير – أن هذه الدراسة تعكس الجدلية الفكرية للاغتراب داخل النص، من خلال وجود أزمة هوية متلازمة بدورها مع حالة الاغتراب الذي تعانيه الشخصية على مستويين علاقة الذات مع الذات وعلاقة الذات مع الآخر.