يقع على عاتق الإعلام الجزائري في ضوء المراجعات التشريعية والتنظيمية سارية التنفيذ، تحديات ورهانات للنهوض بالأداء المهني، والتصدي للتهديدات المتسللة عبر فضاءات نشر الأخبار المهولة، ودوائر بثّ المعلومات الخارجية المُعادية والتضليلية.
تنتظر الاعلام خطوات تنظيمية وهيكلية داخلية للرقي بالعمل الإعلامي في شتى تخصّصاته وميادينه، تماشياً مع رؤية رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون.
يعتبر قطاع الإعلام في الجزائر من المجالات الحيوية، التي تحتاج إلى رسكلة حقيقية، وإعادة ترتيب موضوعي للحقل وتنقيح شوائبه، لاسيما ما تعلق بإنشاء نقابة قوية ممثلة للمنتسبين، حتى تذود عن حقوقهم الاجتماعية والمادية، وتسهم في بلورة فضاء اتصالي وطني حيّ وقويّ، ومنسجم مع المتغيرات والتحولات الخارجية.
وفي هذا الشأن، اجتمع وزير الاتصال الدكتور محمد لعقاب، مؤخرا، بمسؤولي وسائل الإعلام في الصحافة المكتوبة والالكترونية والسمعية البصرية وكذا ممثلي عدد من الجمعيات والنقابات الوطنية الناشطة بقطاع الاتصال، واستمع للاقتراحات والانشغالات المطروحة من طرفهم، داعيا إيّاهم إلى تنظيم أنفسهم، وتشخيص الواقع بكل صدق وصراحة، للنظر في المشاكل العالقة، وفقا لتوجيهات رئيس الجمهورية.
وكان الرّئيس تبون، قد حثّ خلال لقاء دوري سابق مع الصحافة الوطنية، مُنتسبي ومِهنيي قطاع الإعلام الجزائري على إنشاء نقابة قوية للصحفيين من أجل تنظيم أنفسهم ضمن إطارها، في سياق إصلاح المنظومة الاتصالية الوطنية وتطوير الحقل الإعلامي.
تعليقاً على الموضوع، قال أستاذ قسم الإعلام والاتصال بجامعة بسكرة، الدكتور فؤاد جدو، إنّ طرح مسألة هيكلة العمل النقابي داخل قطاع الصحافة ينطوي على غرض حفظ حقوق المنتسبين له، بالموازاة مع توسّع هذا المجال سواءً في المجال البصري السمعي متعدد القنوات الفضائية والسمعية أو الإعلام الإلكتروني.
وأكّد الدكتور فؤاد جدو في تصريح لـ «الشعب»، أنّ التنظيم النقابي يُمكنه تقديم مبادرات في الجانبَيْن القانوني والتنظيمي، واقتراح إجراءات تُسهِّل العمل الصحفي والإعلامي تصبّ في مصلحة القطاع وتطويره مستقبلاً، علاوة على تمثيله في الاجتماعات والمناسبات الرسمية والرئيسية للدوائر الحكومية؛ إذ يُتيح ذلك تواصلاً وتفاعلاً بين المهنيين والمسؤولين والوزارات المعنية في البلاد.
وتابع الأستاذ قائلاً: «مسألة تنظيم العمل الصحفي في الجزائر تعتبر من بين التحديات التي تنتظر القطاع، خاصة أنّ دستور أول نوفمبر 2020 تحدَّث عن حرية التعبير، وحدَّدها كنقطة أساسية ومن بين الضمانات التي جاءت فيه، لكن من دون أنْ تتخطى حدود حريات الآخرين وبلا استخدام خطاب الكراهية».
حماية الصّحفيّين
يرى الدكتور فؤاد جدو بأنّ الهيكل النقابي الإعلامي من شأنه أن يوفر خدمات وحماية للصحفيين ويضمن حقوقهم حيال أيّ اعتداء، ويُمثل قاعدة لأخلاقيات المهنة داخل تلك البلدان، منوهاً أنّ النقابة الصحفية ليست مفهوما احتجاجيا وإنما لها دلالات مرتبطة بضمان حقوق المنتمين للقطاع الإعلامي بكل أطيافه ومكوناته.
وأشار جدو إلى أن تنظيم قطاع الإعلام ضروري، لكي ينسجم أكثر مع الانفتاح الرقمي والفضائي الذي يعرفه، وحماية الصحفيين المبتدئين من تعسف مُلاك القنوات المرئية والصحف، وكذا تحيين موضوع الأجور والضمان والخدمات الاجتماعيين.
سابقة تاريخية
من جانبه، اعتبر الدكتور عبد الرحيم لحرش، أستاذ كلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة غرداية، توجيهات وإرشادات رئيس الجمهورية للأسرة الإعلامية، سابقة تاريخية يُرجى منها بناء إعلام جزائري قوي ومُحيَّد عن شبهات المال الفاسد، ترقية المهنة وحماية الصحفي في إطار أخلاقيات المهنة التي تسمو على المزايدات والمغالطات والولاءات المشبوهة، ضمن مقاربة شاملة ترمي إلى تطوير الصحافة الوطنية وتعزيز وضعية الإعلام.
وأوضح الدكتور عبد الرحيم لحرش لـ «الشعب»، أنّ الخطوات التي تعهّد بها الرئيس تبون تُرجمت على أرض الواقع بتنفيذ إصلاحات تشريعية وتنظيمية بقطاع الإعلام، وبحرصه على «التّهيْكل» في نقابات لتكوين وتنظيم الصحفيين، ورفع مستوى الوعي الوطني لدى الأسرة الإعلامية، بهدف إنشاء إعلام قوي أمام التحديات الكبيرة التي تُواجه الجزائر اليوم.
إدراك بالحيثيات
يعتقد الأستاذ لحرش أنّ رئيس الجمهورية يُدرك تمام الإدراك ما يُحيط بالأسرة الإعلامية الجزائرية، وهي تُواجه بحرفية عالية مخططات الترويج للمعلومات المغلوطة الساعية إلى التعتيم على إنجازات الجزائر، القادرة على رفع التحديات وتحقيق النجاحات من خلال التصدي للحرب السيبرانية المسعورة المُنفذة بالوكالة أو بالأصالة من طرف محترفي الأكاذيب حقدا على بلد الشهداء.
وأبرز المتحدث ذاته، بأنّ الجزائر استرجعت دورها الريادي على الصعيدين الإقليمي والدولي، رغم محاولات المضللين التشويش على برامج الإنعاش الوطني في مختلف المجالات.
علاوة على ذلك، دعم الرئيس تبون مباشرة نضالات كافة الصحفيين وفي مختلف الوسائل على حد سواء ودون أيّ تمييز، وهو ما يعكسه دستور 2020، والإصلاحات التشريعية الإعلامية، وكذا تعزيز المنشآت المؤسساتية والشروع في تكوين العنصر البشري، مثلما أضاف الدكتور عبد الرحيم لحرش.
انفتاح متوازن
من جهته، يرى الإعلامي إبراهيم جلول أنّ قطاع الإعلام بصدد الانفتاح المتوازن والمسؤول المقرون بحرية المهنة، في ظلّ ما يكفله قانون الإعلام الجديد، ومجلس أخلاقيات المهنة، والسلطات الإعلامية على غرار سلطة السمعي البصري والسلطة المعنية بالصحافة المكتوبة.
وأشار إبراهيم جلول في اتصال مع «الشعب»، إلى أنّ رئيس الجمهورية أبدى بوضوح للأسرة الإعلامية، استعداده لترقية الصحافة في الجزائر، وإبعادها عن الأذرع الأجنبية، بمفهوم الصحافة الوطنية التي تخدم الجزائر، ولا تتلقّى أي دعم من جهات خارجية.
واستطرد محدّثنا: «كمختص وممارس أرى أنه أصبح ضرورياً تنفيذ النظرية البنيوية الوظيفية في الإعلام ضمن إطار خدمة الوطن أولاً وقبل كل شيء، وليس نشر وبث أخبار أو سبق لا نتأكّد من تبعاته، كما لا يعني ذلك السكوت عن نقائص التنمية، وكشف كل تهاون أو خروقات في إطار المهنة بمبدأ الرأي والرأي الآخر، وممارسة قاعدة حق الرد وليس التّصيد في المياه العكرة».
بخصوص ترقية العمل النقابي، لفت إبراهيم جلول إلى أهمية الانتظام في نقابات مهنية بالقطاع، كونها ستتبنّى انشغالات الصحفيين والمنتسبين والمؤسسات المعتمدة المختصة في المجال، منوّهاً أيضاً بوقوف الدولة الجزائرية إلى جانب الصحافة الوطنية، وإبعادها عن المال الفاسد ومنع استغلال الإطارات الصحفية.