تمضي الجزائر، في مسار تنويع الاقتصاد وإيجاد بدائل للمداخيل بالاستثمار في قطاعات صناعية وإنتاجية هامة، وقد وضعت مؤخرا في قائمة النشاطات المعنية بالتحول من الاستيراد إلى الإنتاج صناعة الأدوات المدرسية بأيادي جزائرية متخصصة، سمح هذا المسعى بتلبية احتياجات السوق المحلية جزئيا، في انتظار توسيع قائمة المصنعين والمنتجين ورفع القدرات الإنتاجية الوطنية بعد تقديم امتيازات وتحفيزات ستؤتي ثمارها السنتين المقبلتين، بحيث سيتم توفير أدوات مدرسية وملحقاتها طوال العام وليس في المواسم فقط وبأسعار تنافسية.
قررت السلطات المختصة، التحول من استيراد المواد المدرسية إلى إنتاجها، في خطوة ربما لم تسر البعض ممن يفضلون الحاويات والبواخر، ولكنها أثلجت صدور المصنعين والمنتجين في هذا المجال، لأن هذا القرار سيفتح الباب على مصراعيه لتنويع الإنتاج وتحقيق قيمة مضافة للاقتصاد الوطني بدل الاكتفاء بالاستيراد وإنهاك الخزينة العمومية بملايير إضافية يمكن توقيف نزيفها، عن طريق تشجيع تصنيع وتسويق المنتوج المحلي.
وفي لقاء سابق جمع وزير التجارة ومصنعين ومنتجي الأدوات المدرسية، تم وضع خطة لتسريع التحول من الاستيراد إلى إنتاج الأدوات المدرسية، بحيث تقرر تحويل المخصصات المالية الخاصة باستيراد الأدوات المدرسية إلى تصنيعها محليا بداية من السنة المقبلة.
وتحدث في لقاء آخر عن وضع خارطة طريق لتحقيق ذلك، بحيث سيكون تحقيق هذا الهدف عبر تشديد منح رخص استيراد الأدوات المدرسية، انطلاقا من السنة القادمة، مقابل فتح أبواب الاستثمار المحلي وعقد شراكات دولية.
وقال “نريد تحويل 155 مليون دولار التي وجهت لاستيراد المستلزمات المدرسية، إلى استثمارات لخلق قيمة مضافة في الجزائر”، معلنا أن الجزائر تنتج حوالي مليار قلم في السنة، وهو ما يكفي مثلما قال، لـ “تلبية حاجيات السوق الوطنية، وفتح المجال نحو التصدير”.
ودعا المنتجين والمصنعين المحليين إلى رفع نسبة الإنتاج الوطني من هذه المواد، بحيث تغطي حاليا 10 بالمائة من الاحتياجات الوطنية وهي نسبة ضعيفة يمكن رفعها أضعاف مضاعفة بالانخراط في عملية التصنيع المحلي، خاصة في ظل الامتيازات التي تمنحها الحكومة للاستثمار في هذا المجال.
مزايا عديدة
تحصي الجزائر 59 منتجا محليا للأدوات المدرسية مقابل وجود الكثير من المستوردين، لذلك تعمل اليوم على التقليل من الاستيراد ولكن ليس على حساب السوق الوطنية.
والاستثمار في المواد المدرسية يندرج ضمن التزامات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في إطار تجسيد النظام الاقتصادي الجديد للجزائر، وهو توجه سيؤدي بحسب الخبير الاقتصادي نبيل بوجمعة في تصريح لـ«الشعب” إلى استقرار السوق المحلية.
وقد كان رئيس الجمهورية قد طالب بالاستثمار من أجل الحد من استيراد المستلزمات سواء كانت مدرسية أو غيرها، وفتح الاستثمارات خاصة بعد صدور قانون الاستثمار في الجزائر لخلق قيمة مضافة في الجزائر وكذلك لمحاربة التضخم ومحاربة هروب العملة الصعبة.
تحقيق هذا التحول في الجزائر ليس مستحيلا بحسب الدكتور جمعة، وهو “ممكن جدا” مثلما قال، لأن اليوم صدر قانون استثمار يسمح للجزائري بالاستثمار في بلد دون ضغوط أو عراقيل، شيء واحد قد يعرقل بحسبه هذه الاستثمارات في الجزائر هو ضمان عدم الاستيراد من الخارج.
وأوضح الدكتور جمعة أن سوق الأدوات المدرسية يشكل ربحا مهما في الاقتصاد، بحيث يفوق رقم أعماله 200 مليون دولار، وهذا يمكن التحكم فيه بكل سهولة عن طريق حماية المصنعين الجزائريين، وقد وضعت الحكومة ضمن خطة عملها لتجسيد 54 التزام لرئيس الجمهورية قوانين حمائية لتخفيض فاتورة استيراد هذه المواد وغيرها، التي يمكن إنتاجها محليا وتغطية الاحتياجات الوطنية، قبل أن يضيف أنه يمكن اليوم أن نغطي أكثر من 10 بالمائة من الاحتياجات الوطنية للأدوات المدرسية، في حالة تم تمويل هذا السوق من طرف النظام المصرفي، والتخلي على استيراد هذه المواد، ويمكن حينها للمصنعين الجزائريين، الاستثمار فيها لكن بشرط وضع قوانين حمائية للمنتجين المحليين حتى لا تضيع استثماراتهم، بالمنافسة غير الشرعية من الأسواق الخارجية.
ما المطلوب اليوم!
يقول الدكتور جمعة، إنه يمكن اليوم تدارك العجز المسجل في بعض الأدوات المدرسية التي لا يتعدى إنتاجها معدل 10 بالمائة، خاصة بعد صدور قانون الاستثمار، الذي يسمح للشركات الجزائرية بالانطلاق في الاستثمارات في هذا المجال، وبإمكانها بسهولة تغطية أكثر من 50 بالمائة من احتياجات السوق للأدوات المدرسية ولواحقها، وفق ما يطلبه السوق.
وأضاف أنه مع التوجه لتحويل مخصصات استيراد الأدوات المدرسية إلى الاستثمار في تصنيعها محليا خاصة، يمكن للشركات الصغيرة والمتوسطة، بعد ضمان تمويلها بصفة مستمرة النجاح في تغطية احتياجات السوق الوطنية من المستلزمات المدرسية اعتمادا على المنتج المحلي حصرا وبالتالي الاستغناء عن الاستيراد وإمكانية إسهام ذلك في انخفاض أسعار تلك المستلزمات، وكذلك محاربة تضخيم الفواتير وتقليص البطالة، حيث يفتح استثمار 200 مليون دولار العديد من مناصب العمل.
واعتبر الدكتور جمعة التحول التدريجي من الاستيراد إلى الإنتاج سياسة ناجعة لرئيس الجمهورية ضمن التزاماته 54، على ضوء التوجه الجديد لتقليص فاتورة الواردات وكذلك محاربة تضخم الفواتير وتقديم السلع في الوقت المناسب، وهذا يحقق الوفرة ويساهم فعليا في تراجع الأسعار وكذلك تقليص صرف العملة الصعبة من أجل هذه الأدوات، مشيرا إلى أن رئيس الجمهورية سبق وتحدث عن ضرورة تقليص حجم الاستيراد في الجزائر، من أجل تقوية الإنتاج الوطني ومحاربة التضخم والفقر والمضاربة.
لذلك مطلوب اليوم يقول جمعة، “السماح للمتعاملين الاقتصاديين الجزائريين وأصحاب الصغيرة والمتوسطة بالاستثمار في هذا المجال لكن يجب وضع قوانين حمائية من أجل محاربة التنافس غير الشرعي في سوق المستلزمات والأدوات وتشديد منح ترخيص الاستيراد على مدى ثلاث سنوات، كما يجب تكوين قاعدة بيانات شفافة من أجل حصر وجمع كل المعلومات بالنسبة المواد وغير الموجودة من أجل حماية المستثمرين الجزائريين من الإفلاس والعواقب الوخيمة للاستثمار، في حالة فتح الاستيراد”.
دعم لا مفرّ منه
بدوره رئيس جمعية أمان لحماية المستهلك حسان منور، في تصريح لـ “الشعب” اعتبر سوق الأدوات المدرسية “سوقا مهما جدا” بما أنه يوجد أكثر من 12 مليون تلميذ متمدرس، دون احتساب الجامعيين وأيضا الأدوات المدرسية تشمل المحفظة والمئزر، مشيرا إلى أن تكلفة لوازم تلميذ واحد في العائلة تصل 10 ألاف دينار، أما السوق فتكلف طول السنة مليار دولار.
وعلى هذا الأساس يقول منور، أن جمعيته رفعت منذ 2017 اقتراحات لوزارة التجارة من أجل إيلاء الاهتمام لهذا الميدان وتعزيز صناعة إنتاج الأدوات المدرسية، خاصة وأن الدخول المدرسي لا مفر منه لأن القانون الجزائري يحتم تدريس الأبناء لذلك كل رب عائلة مجبر بقوة القانون على تدريس أبنائه إلى غاية سن 15 سنة، وهذا يقتضي شراء الأدوات المدرسية واللباس والمئزر.
وأضاف أن سوق الأدوات المدرسية كبير ومهم جدا، لأنه مرتبط بالتربية والتعليم، والأجيال القادمة، ولهذا يجب تشجيع التصنيع في هذا المجال وضبط سوق الأدوات المدرسية طول السنة وليس بداية كل موسم دراسي، لأن المعارض التي تقام أو الأسواق الجوارية هي حل مؤقت في عام واحد، ولكن لما توضع المنشآت ويعتمد توزيع احترافي تحت مراقبة ومتابعة المصالح المختصة من أجل ضمان شفافية توزيع المنتوج، وهذا الأمر سيقضي على المضاربة والبيع المؤقت، لأنه لا يخدم الاقتصاد الوطني ولا مصالح المستهلك، ولا أمنه وصحته.
خطة العودة للإنتاج
وأكد رئيس جمعية أمان لحماية المستهلك أن الجزائر تملك تقاليد في صناعة الأدوات المدرسية يمكن العودة لتصنيعها، خاصة المواد المكلفة التي كانت رائدة في إنتاجها سنوات السبعينات والثمانينات، مثل المحافظ التي نملك كل المواد الأولية لإنتاجها 100 بالمائة، وكذا المقلمة، في حين يمكن أن نسبة إدماج 50 بالمائة في الكراريس، بحكم أن الأوراق تستورد، ثم نتجه إلى صناعة مواد أخرى تدريجيا.
ومن أجل ضبط السوق، قال منور “إن هذه المهمة يمكن تحقيقها بين وزارة التجارة والصناعة، من خلال وضع خطة لإنتاج المواد المدرسية، خاصة وأن عدد التلاميذ في كل طور معروف ومنه يسهل تحديد احتياجاتهم، وكذا الإمكانيات المتوفرة وعدد المصنعين في الجزائر، وبناء على ذلك يمكن وضع خطة لتشجيعهم مدة عام أو عامين ومنحهم التسهيلات حتى نصل نسبة إدماج 50 بالمائة في 2024-2025”.
وحسب منور، من السهل الوصول إلى نسبة إدماج 100 بالمائة في المنتجات التي نملك موادها الأولية، مثل المآزر، بحيث يمكن الاستفادة من مصنع الأقمشة بغليزان لتأمين المادة الأولية، بتخصيص نسبة من إنتاجه للسوق الوطنية بدل توجيهها كليا للتصدير.
ومن أجل بلوغ الأهداف المسطرة في إطار السعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الأدوات المدرسية وفك الارتباط بالأسواق الدولية، يقتضي الأمر بحسب رئيس جمعية أمان لحماية المستهلك منح العقار الصناعي للمستثمرين وهو جاهز أو مبني، لأن إقامة مصنع يتطلب أحيانا 5 سنوات، وهذه مدة طويلة، يمكن تقليصها عن طريق كراء بعض البنايات المسترجعة في المناطق الصناعية للمنتجين للانطلاق فورا في الإنتاج وهي إجراءات استعجالية وسريعة يمكن اتخاذها للتحضير لتوفير احتياجات الدخول المدرسي القادم، وبعد عام يمكن الحديث عن أشياء أخرى، مثل تحسين النوعية، والتوزيع من أجل إيصال الأدوات المدرسية لجميع الأولياء باعتماد نظام توزيع شفاف بدون وسيط، فالمواطن يحتاج مثلما قال منور “شراء الأدوات المدرسية طول السنة، ولا ينتظر حتى أواخر شهر أوت أو بداية شهر سبتمبر من أجل الشراء، وهذا لتفادي المضاربة أو أزمات مفتعلة”.
وعن مزايا إنتاج الأدوات المدرسية في الجزائر، قال منور إنه “سيوفر العملة الصعبة وننتج أدوات بحسب طلب الجزائريين، بأسعار مدروسة يحددها المصنع بمراعاة تكلفة الإنتاج وهامش ربح معقول، ويمكن فرض رقابة على المصنعين لمنع تزوير الأعباء، لقطع الطريق أمام رفع أسعار المنتوج في شكله النهائي، سواء عند خروجه من المصنع أو عند بيعه في السوق”.
وأضاف أن التصنيع المحلي يجعلنا نتحكم في الإنتاج ويخلق المنافسة بين المصنعين وهذا يؤدي إلى خفض الأسعار، مع فرض رقابة الدولة على الإنتاج لأنها تمنح الكثير من الامتيازات لذلك يجب اشتراط ضمان توفير المنتوج بنوعية وسعر معين لا يتجاوز هامش الربح 10 بالمائة على الأقل في 5 سنوات الأولى”.
وبحسب نفس المتحدث صناعة الأدوات المدرسية لا تتطلب تكنولوجيات كبيرة، ويمكن الوصول إلى تغطية الإنتاج بنسبة 70 بالمائة، لأنه نملك المواد الخام خاصة البلاستيك، مضيفا أنه يوجد منتجين يحبون العمل، ولكن هناك من يريد بقاء ارتباط السوق المحلية بالاستيراد، وهذا أمر خطير بالرغم من وجود قرارات سيادية لتسهيل الاستثمار ولكن يوجد عراقيل يجب رفعها أمام المصنعين.