تؤكد وردة أيوب عزيزي في حوار مع “الشعب” أن الإبداع عندها حالة من الدهشة تعيشها كل يوم، وضوء تسكبهُ فوق الحروف مكتشفة نفسها معه يوميا في المطالعة والقراءة، وأكدت الشاعرة على أنه لابد من غربلة من يدّعي أنه روائي جيد في زمن أصبح دخيلا على المواهب الصادقة والتي تستحق قلما ناقدا حصيفا وبصيرا وموجها في آنٍ واحد.
وردة أيوب عزيزي أديبة وشاعرة جزائرية، صدر لها ديوان “أعوذ بربكَ صُني”، “صوفية في محراب عشق”، “ثكلى تحت جذع الصبر”، “كتاب مساكب الضوء”، ومخطوطان قيد الطبع. شاركت الشاعرة في العديد من الملتقيات والمهرجانات والأمسيات الأدبية داخل الوطن وخارجه، كما فازت في العديد من المسابقات الوطنية، ونالت جوائز تكريمية منها جائزة عبد الحميد بن باديس للشعر بقسنطينة وجائزة في مدح الرسول بسطيف، وجائزة بمصر والأردن في الشعر العمودي. كتب عن شاعريتها ما يزيد عن عشرين ناقدا وشاعرا عربيا، وترجمت قصائدها إلى الفرنسية والإنجليزية والصربية والكردية .
”الشعب”: من هي وردة أيوب عزيزي الانسان قبل أن تكون شاعرة؟
وردة أيوب: وردة إنسانة تحب الجمال؛ تحبُ الأشياء على بساطتها وعفويتها، تحبّ أن تكون فراشة هذا الوجود وأن تنثر عبيرها شعرًا ونثرا وأن تلونهُ إبداعا تسكبهُ دهشة على الورق! فلا وقت للفراغ مع الابداع. كما يقول روجر فريتس: إن توقفك عن التعلم لقلة الوقت يشبه إيقاف ساعتك على أمل تثبيت الزمن.
أن تكون إنسانا يعني أن تتميز، تتفرد، تمنح، تعطي دون مقابل، تحب الآخرين، وتسامح فالإنسانية جوهر الحياة و«من تخلى عن إنسانيته لم يستحق الحياة”.
لماذا اخترت كتابة الشعر وليس جنسا أدبيا آخر؟
أحيانا أحسُّ بأن الشعر من اختارني صدفة، لم أكن على أهبةِ الاستعداد له، فباغتني بل راودني عن نفسه، الشعر عندي أفضل الأجناس الأدبية.
منذ تذوقتُ طعم الشعر لم أستطع الولوج إلى كتابة القصة أو الرواية، مع إنني كتبتُ القصة والومضة من قبل، وخضت تجربة الرواية، ولكن لا مفر. فالشعرُ مرآتنا الصادقة التي نرى من خلالها صفاء أرواحنا، ليس الشعر ذلك النظم الذي يرهقنا فقط بل هو متعة من خلالها نتذوق الجمال، فهو اندهاشٌ في لحظتهِ وصورته وجماليته، هو من يسكبُ عبق معانيه، يحاكي الواقع المسكون بهواجسنا، المسكونُ بالقضايا الإنسانية، والسياسية والاجتماعية فالشعر هالة من الضوء والدهشة، فدائما الشاعر لا يرضى عن تجربته الإبداعية الأولى بحكم قلة خبرته على صعيد الانفتاح الشعري. أنا مثلا لم أرضَ عن كل ما قدمتهُ ولكن أحاول أن أجتهد أكثر وأطوّر تجربتي الشعرية، لأن الكثير من الابداع لايزال ينتظرني كون الشاعر مسؤول عن قلمه.. ويبقى الشاعر أو الأديب يتعلم وينهل من معارف العلوم لآخر شيبة جهد من عمره.
فالإبداع عندي حالة من الدهشة أعيشها كل يوم، وضوء أسكبهُ فوق الحروف واكتشف نفسي معه يوميا في المطالعة والقراءة، والاحتكاك الثقافي له النصيب الأوفر من ذلك،ووردة أيوب ستظل تُطاردُ أحلامها بالكتابة.
حدثينا عن إصداراتك؟
من إصداراتي الشعرية “أعوذ بربّكَ صني” مجموعتي الأولى كانت من تقديم الشاعر “محمد شايطة” و«صوفية في محراب عشق” الديوان الثاني الحائز على جائزة عبد الحميد بن باديس في الشعر العمودي، كان من تقديم الدكتورة العراقية “كوكب البدري” والبروفيسور الفلسطيني “لطفي منصور”، أما ديوان “ثكلى تحت جذع الصبر” فقد كان من تقديم وزير الثقافة الأسبق الدكتور “صلاح جرار” والشاعر الكبير والإعلامي السعودي “محمد الجلواح”، كما أنتظر ديواني الرابع، الذي سيُتوّجني به تقديمًا الشاعر الليبي الكبير “جمعة الفاخري” كما صدر لي كتاب “مساكب الضوء” (حوارات ورؤى مع مبدعين عرب. أذكر منها صلاح جرار وجمعة الفاخري، والإعلامي السعودي الشاعر محمد الجلواح، الدكتورة ربيعة برباق.. أحييهم من نافذة هذا اللقاء.. وشعراء وشاعرات من مصر والأردن وليبيا واليمن وسوريا والعراق ولبنان وألمانيا والجزائر طبعا، أطباء، خبراء.. سكبوا دهشة الحرف عسجدا على بياض القلب وزخرفوها على امتداد هذا الحقل الثقافي. وإن شاء الله أتفرّغ للجزء الثاني منه.
هل يعكس ديوانك تجربتك الشخصية أم أن لقصائدك جذورا أخرى؟
بصراحة لكل ديوان تجربته ومذاقه ونكهتهُ الخاصة، تارة تراني “الصوفية” التي تتدثرُ بالنبل والوفاء في محراب إخلاصها وتارة “الدرويشة” وأحيانا أخرى “العابدة” و«الناسكة” وتارة الشاعرة الجريئة والمتمردة وتارة الواعدة والحالمة وتارة ألبس ثوب الحزن، أقرأ كفّ اليتامى والأرامل والحزانى في الكثير من نصوصي وأحاول أن أمسح دمعتهم، لأخفف عني وعنهم وطأة الأوجاع والأحزان.
كيف تجدين الساحة الشعرية اليوم، وهل ما يزال الشعر حيا في زمن الرواية والسينما؟
يبقى الشعر حيًا في قلوب الشعراء الذين يتناولون قضايا وهموم بلدهم، الذين يحملون عبء وهموم أوطانهم؛ يحملون مشعل القضية الفلسطينية في قلوبهم، الذين يتزيّنون بالإنسانية، يرفعون لواء الوفاء.. صحيح أن موضة اليوم هي كتابة الرواية ولكن يبقى الشعر ديوان العرب الأول، فالنفور منه لصعوبة فهمه؛ وغموضه لدى الكثير من الشعراء أصبح بالنسبة إليهم دخيلا على باقي الأجناس الأخرى، لهذا تجدهم يطرقون أبواب القصة ويعزفون إلى الرواية لتِلكُم المساحة الشاسعة للبوح..، فالشعر كالمعركة يدخلها الكبار فقط.
لا أخفيك أن كل من هبّ ودب الآن أصبح روائيا، وعندما تقرأ لهؤلاء تجد لهم نصوصا نثرية، بل تجدهم لا يفرقون بين القصة والرواية ويزعم أنها رواية كتابة الرواية أكبر من هذا بكثير، فلابد من غربلة من يدّعي أنه روائي جيد في زمن أصبح دخيلا على المواهب الصادقة والتي تستحق قلم ناقد حصيف وبصير وموجه في آنٍ واحد. (هنا أتكلم عن فئة معينة بالطبع).
أظن أن من نجح في كتابة الرواية لن ينجح في كتابة الشعر؛ ومن عزف إلى الشعر ونجح لن يستطيع إلى الرواية سبيلا. لا أظن أن هنالك أديب ناجح في كتابة كلّ الأجناس أظنها مغامرة فنية ومتعة في بحر التجديد لا الترغيب. أما الحديث عن السينما فأتركه لأهل الخبرة والاختصاص.
وهل لديك ميول أو مواهب خفية غير الشعر؟
بصراحة أميل كثيرا للتنشيط الثقافي، وأحلم أن أكون إعلامية واعدة ويكون لديّ برنامج خاص بي في قناة ثقافية، وأن أعدّ فقرة تُعنى بالثقافة والشعر؛ الهدف منها – التغيير وانتشال المواهب الضائعة، والتي لاتزال راسخة في بؤرة النسيان.
هل يمكن أن تحدثينا عن مشاريعك المستقبلية؟
أولا، مشروع كبير بحجم وطن، وحلمي الذي انتظره بكرة وعشية، وسأبقى انتظره لآخر رمق في حياتي لأن يتحقق بإذن الله.
وثانيا، أن أتفرغ في إنهاء روايتي، ومجموعتي القصصية، ومخطوطات كثيرة تنتظر التنقيح والتجديد والاشتغال عليها وتطويرها إلى أن يحين صدورها بحول الله.