حققت الجزائر انتصارا دبلوماسيا جديدا ملهما للعالم أجمع، بعد أن فرضت جهودها الدؤوبة لحل الأزمة السياسية في دولة النيجر بشكل سلمي وداخلي، نفسها على أرض الواقع، وحيّدت شبح التدخل العسكري والفوضى الخلاقة متعددة الأطراف والأجندات التي كانت تتهدد منطقة الساحل وغرب إفريقيا بأكمله.
يقول أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة قسنطينة-3، البروفيسور بوروبي عبد اللطيف، إن الوساطة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وجهان لعملة واحدة للدبلوماسية الجزائرية أثناء حلّ النزاعات الدولية، في ضوء تغليبها للحلول السلمية والدفع بآليات الدبلوماسية لفك الأزمات والصراعات، وفق المبادئ والشرعية الأممية.
وأكد الخبير السياسي بوروبي عبد اللطيف، في تحليل خصّ به «الشعب»، أن قرار سلطات نيامي الجديدة القاضي بقبول مبادرة الجزائر لحل الأزمة النيجرية، يرجع إلى واقعية طرحها ونظرتها، وهي تصور عن ديناميكية الدبلوماسية الجزائرية في إبقاء الأزمات داخل حيزها الجغرافي بين المعنيين بها مباشرة، ومحاولة إبعاد التدخلات الأجنبية المبنية على المصالح المتناقضة، والدفع المستمر دائما بالحلول السلمية والوساطة من منطلق إمكانية أقلمة الحلول.
مرافقة الشعب النيجري
أبرز الأستاذ بوروبي أن هذا القبول ينطوي على عدّة دلالات لا تخرج عن إطار مرافقة الجزائر للشعب النيجري باعتبار ذلك أمرا واقعا، وكونها كانت وما تزال على اتصال دائم مع الحكام الجدد منذ الوهلة الأولى للانقلاب الحاصل، عكس ما يُروّج له من بعض الجهات بأنها تخلّت عن دورها الرّيادي في إفريقيا.
وتابع البروفيسور قائلا: «الجزائر من خلال مبادرتها لحل أزمة النيجر ذكّرت بمبادئها الثابتة في سياستها الخارجية، القائمة على تطبيق مبدأ مهم جدا متمثل في عدم التدخل في شؤون الآخرين والالتزام بالشرعية الدولية ورفض الانقلابات والعودة إلى الأطر الدستورية، وكذا عملها على تعزيز أواصر التعاون مع الجوار الإقليمي والدولي».
تفكيك أسباب التوتر
وبدوره يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الأغواط البروفيسور علي بقشيش، أن قبول سلطات النيجر للمبادرة الجزائرية يعتبر انتصارا دبلوماسيا، ودعامة للمصداقية التي تتمتع بها الجزائر على الصعيدين الإقليمي والدولي.
واعتبر الأستاذ بقشيش، في اتصال مع «الشعب»، قبول المبادرة الجزائرية في حد ذاته نجاحا آخر على أصحاب الخيارات العسكرية والتدخلات العنيفة، وهو ما يحقق رغبة الجزائر في المحافظة على استقرار دولة جارة وإرساء السلم بها، وبالتالي حماية الأمن القومي الجزائري.
كما أوضح البروفيسور، أن تلقّي السلطات الجزائرية يوم 2 أكتوبر 2023 لخطاب موافقة وزارة خارجية جمهورية النيجر للوساطة، سيفكك أسباب التوتر في المنطقة، وسيطرح إطارا سياسيا لحل هذه الأزمة من دون اللجوء إلى استعمال الوسائل العسكرية ذات التداعيات الوخيمة على الإقليم، لاسيما وأن المبادرة المطروحة تركت الباب مفتوحا أمام كل مساهمة تدعمها ضمن السياق ذاته.
وفي ظلّ هشاشة التنمية في النيجر وبلدان جنوب الصحراء بصفة عامة، عززت الجزائر مبادرتها الدبلوماسية بمحور تنموي في دول الساحل من شأنه مساعدتها على تجاوز الحالة الاقتصادية المتردية، وتجفيف مصادر التهديدات الأمنية مثل الإرهاب والجريمة المنظمة وتجارة الممنوعات والاتجار بالبشر وغيرها من المخاطر، يُضيف أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الأغواط علي بقشيش.
للتذكير، سبق وأن طرح رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، في التاسع والعشرين من أوت الفارط، مبادرة سياسية لحل الأزمة في جمهورية النيجر، ارتكزت على ستة محاور هامة، لاقت قبولا واسعا في الأوساط القارية الإفريقية ولدى الفواعل والقوى الدولية.