أعلن كثير من الكتّاب، هذا العام، عن نفاد الطبعات المعروضة من كتبهم، بالصالون الدولي للكتاب، وهذا – في اعتقادنا – أمر يستحق الاهتمام لسببين اثنين، أوّلهما أنّه يمثّل «سابقة» في تاريخ الصالون الذي عوّدنا روّادُه على التفاخر بأرقام المبيعات وليس بنفاد النسخ، ما يوحي بأنّ «الكتّاب» تمكّنوا من إقناع جمهور القرّاء بمواد تستحق القراءة، وهذا أمر صحّي للغاية، غير أنّ السبب الثاني للاهتمام بـ (النفاد)، هو (أرقام السّحب) التي اتّفق النّاشرون جميعا على إحاطتها بـ «السّرية التامة»، ما يعني – تلقائيا – أنها أرقام (هزيلة) لا تعبّر بالضرورة عمّا يوحي به سيدنا (النّفاد)، بل يبدو – وفق ما بلغنا – أنّها أرقام يستحي الواحد من الناس أن ينطق أرقامها في مشهد يسارع إلى التأسيس لـ «صناعة الكتاب».
والحق أنّنا لم نجد من سَلِم من (سابقة النفاد) سوى الكتب التي تولّتها بعنايتها وزارة الثقافة والفنون، فقد حدّدت رقم السّحب لكل عنوان بـ «ألف نسخة»، وحتى إن كان «الألف» رقما بسيطا مقارنة مع عدد المكتبات البلدية عبر أرجاء الوطن، فإنّه يبدو (هرقلا عملاقا) أمام طبعات (الخمسين) أو (المائة) نسخة التي يتباهي بها المتسابقون إلى (النفاد).
ونعتقد أنّ «صناعة الكتاب» محور استراتيجي في العملية الثقافية ببلادنا، يجب الحرص على التأسيس لها، وقد يكون واضحا، من خلال التجارب في مختلف أنحاء العالم، أنّ «تراجع مبيعات الكتب»، وما يسمى «عزوف القرّاء»، لا يعود بالضرورة إلى ما اكتسح الحياة من تكنولوجيات حديثة، ولقد رأينا (رأي العين) أنّ عملا بسيطا على «أنستغرام»، تحوّل إلى الورق، فطبع ملايين النسخ، وحظي بترحاب واسع من القرّاء؛ ولهذا، ينبغي إعادة النّظر في المسألة برمّتها، والرّهان – حصرا – على المحترفين، كتّابا وناشرين وموزّعين.