كثيرا ما نطالع كتابات (محلية وعربية) تنتقد بواكير أعمال الأدب، وتتبّع عثراتها، وتنقّب عن أخطائها، وتنهال عليها (ركلا وتعنيفا)، وترتكب – في معظمها – أحكاما إطلاقية في حقّ الكتبة الجدد، حتى إن القارئ يظن أن (الناقدين الزّعفانين) يملكون الساحة الأدبية، أو أنهم تلقوها إرثا خالصا لهم، لا يسمحون بأن يقربها إنس بعدهم ولا جان.. والعجيب أن الكتابات (الناقدة) إياها، تتفق جميعها على (التّنطع) بـ»معلومات» غاية في البساطة، لا تترك مجالا للشكّ بأن «حراس الأدب» مجرّد مبتدئين يحسّون في أنفسهم بـ»الزّهو»، ويبذلون جهودهم لـ(الظهور) على حساب الموهوبين وبواكير أعمالهم..
ولم يكن من أخلاق النقاد عندنا أن يضعوا (حجر العثرة) على طريق الموهوبين، وإنما كانوا يستبشرون بكلّ من في قلبه ذرّة من محبّة الكتابة، ويبذلون ما وسعهم كي يمّهدوا سبل التفوّق، ويعدّوا أدوات الإحكام، بل إنهم كانوا يحرصون على كل بارقة أمل، فيسارعون إلى توليها بالعناية، تشجيعا وتنويها، وإشادة وتوجيها، إلى أن تكتمل الموهبة، لا يرجون من ذلك جزاء ولا شكورا.. ثم خلف من بعدهم خلف نصّبوا أنفسهم (قياصرة للأدب)، لا يشتغلون إلا بمنع هذا، وقمع ذاك، والاستهزاء بأولئك، مع أنهم – هم أنفسهم – لا ينتجون شيئا ينفع..
وقد يكون في الموهوبين من يتوسم في «بدايته» الكمال بسبب جائزة أصابها، أو رواية شبيهة طبعها، فيزهو ويختال و(يرغي ويزبد)، ولكن هذا لا يستدعي مطلقا إقصاؤه، ولا معاملته بقسوة؛ لأنه – في حالته هاته – أحق بالعناية وأولى بها، والواجب يقتضي مساعدته والأخذ بيده إلى أن يستوي عوده، وتستقيم رؤيته، فنكون قد ربحنا أديبا جديدا، عوضا عما نعاني من (خسارات) مجانية..