لم تتوقّف جهود الجزائر على مدار السنوات الأربعة الماضية، من أجل تحقيق التنمية الشّاملة لولايات الجنوب، ووضع حلول جذرية لمشاكلها التنموية، بما يحقّق الانتقال إلى الاقتصاد المنتج، في ظل حرص رئيس الجمهورية على تجاوز التبعية للمحروقات، من خلال الاستغلال الأمثل لكافة المقوّمات، ومنها الموارد المنجمية التي تزخر بها بلادنا،
يحظى مشروع الخط المنجمي الغربي للسكة الحديدية غارا الجبيلات – بشار، بمتابعة حثيثة من السلطات العمومية، وهو ما يجسّد عزم الدولة على مواصلة تعزيز استثماراتها المنجمية بالبنية التحتية الضرورية، والتي ستفتح آفاقاً تنمويةً واعدة، كما سيوفّر المشروع مناصب شغل مباشرة وغير مباشرة أثناء وبعد تجسيده، وسيُتيح للمؤسسة العمومية وشركائها في الإنجاز إبراز مؤهلاتهم، وخبراتهم في تجسيد المشاريع الإستراتيجية الكبرى للدولة.
يعتبر مشروع السكة الحديدية الرابط بين ولاية بشار ومنجم الحديد بمنطقة غار جبيلات، عصب الحياة الاقتصادية والتجارية في الجنوب الغربي، وسيضمن نقل خام الحديد إلى مراكز التصنيع، ومنها إلى التصدير، فضلاً عن نقل البضائع والأشخاص من وإلى ولاية تندوف.
مشروع ربط المنطقة بخط للسكة الحديدية يعدُّ طفرةً تنمويةً بكل المعايير، فهو وليد التحوّلات الاقتصادية التي تشهدها البلاد، باعتباره مشروعاً حيوياً سيُسهم بشكل كبير في تقليص فاتورة استيراد الحديد والصلب، وتقليل الاعتماد على المحروقات، من خلال تبني الجزائر لعقيدة تنموية جديدة، رافقها إنشاء بنية تحتية موثوق بها لتعزيز حضورها الإقليمي والدولي في الساحة الاقتصادية.
أشغال إنجاز الخط المنجمي الغربي الرابط بين بشار وغارا جبيلات مروراً بولايتي تندوف وبني عباس على مسافة 950 كلم، يعتبر تذكرة عبور نحو اقتصاد قوي، بعيداً عن ريع المحروقات، ويشكّل بالنسبة للجزائر بوابة حقيقية نحو نهضة تنموية شاملة.
وتماشياً مع المقاربة الاقتصادية الجديدة التي تنبني على تنويع مقومات الاقتصاد الوطني، من خلال تطوير الصناعة المنجمية وبعث استثمارات ضخمة مساندة لها، يبرز إلى الواجهة عملاق الحديد والصلب بغارا جبيلات، والذي يتوفّر على احتياطات هامة من الموارد الأولية. مشروع ضخم، يحظى بعناية شخصية من رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، وإشراف مباشر من السلطات العمومية، من خلال توفير بنية تحتية عصرية للسكة الحديدية، متمثلةً في توسيع وعصرنة الخط المنجمي الغربي للسكة الحديدية الذي سيربط ولاية بشار بمنجم غارا جبيلات، والذي سيشكّل حلقة ربطٍ رئيسية في سلسلة إنتاج الحديد والصلب في الجنوب الغربي للبلاد.
خط السكة الحديدية الجديد بشار – تندوف – غارا جبيلات، أو ما يعرف بالخط المنجمي الغربي، مشروع استراتيجي ضخم، وبنية تحتية ضرورية، تمّ تقسيمه الى عدة مقاطع ليسمح عند تجسيده بنقل أكثر من 140 ألف طن من خام الحديد يومياً، بمعدل 08 قطارات في كل اتجاه، وبعد إطلاق مقطعه الأول الرابط بين ولاية بشار وحدودها مع ولاية بني عباس على مسافة 200 كلم، جاء الدور على مقطعه الثالث الذي يمتد بين تندوف وبلدية أم العسل على مسافة 175 كلم.
أشغال إنجاز الخط المنجمي الغربي أوكلت مهامها الى تجمّع شركات عمومية، وقد انطلقت الأشغال الكبرى بالمشروع الذي أسفرت عنها الدراسات التمهيدية لهذا المقطع، منها أشغال التسطيح من حفر وردم تقارب 09 ملايين متر مكعب من الأتربة، بينما تتطلّب المنصة السفلية وضع قرابة 01 مليون متر مكعب من الطبقات المختلفة، ومليون متر مكعب آخر من طبقتي حجر الرص.
على مستوى هذا المقطع الرابط بين بلديتي تندوف وأم العسل، سيتم تشييد 12 جسراً للسكة الحديدية يصل طول أحدها أكثر من 02 كلم، بالإضافة الى إنجاز وحدتين من جسور الطرق تفادياً لتقاطعها مع مسار السكة الحديدية، إلى جانب بناء أكثر من 200 وحدة من المنشآت الهيدروليكية.
تندوف تجني ثمار التنمية
أشار أ – د بودالي محمد، الأستاذ بمعهد العلوم التجارية بالمركز الجامعي علي كافي بتندوف، إلى أنّ الطريق بات ممهّداً لانطلاق قاطرة التنمية بمنطقة الجنوب الغربي بأقصى سرعتها، فالسكة الحديدية التي ستكون عبر خط مزدوج، وفضلاً عن كونها ستنقل حوالي 140 ألف طن يومياً من الحديد الخام، ستتكفّل كذلك بنقل بضائع من وإلى تندوف.
هذه الكمية الكبيرة من البضائع – يواصل المتحدث – ستساهم في خفض الأسعار التي تكون نتيجة ارتفاع تكاليف النقل البري، وستضمن توفير منتجات أكثر وبكميات أكبر، الى جانب كون قدر كبير من هذه البضائع سيمر باتجاه الأراضي الموريتانية عبر المعبر الحدودي البري مصطفى بن بولعيد.
وأردف بودالي قائلاً بأن خط السكة الحديدية بشار – غارا جبيلات، “سيعمل على تدعيم المنطقة الحرة التي وُضعت أسسها على مقربة من المعبر الحدودي الرابط بين الجزائر وموريتانيا، وهو ما سيعطي جرعة كبيرة من الثقة للمتعاملين الاقتصاديين، من خلال تموين المؤسسات والشركات التي تنشط في مجال تصدير السلع نحو موريتانيا ودول غرب إفريقيا.
وقال بودالي إن “الشق الاجتماعي لا يمكن إغفاله عند الحديث عن خط السكة الحديدية بشار – غارا جبيلات، حيث سيعزّز هذا المشروع من حركة المواطنين من والى تندوف، وسيفك العزلة عن المنطقة من خلال تعويض النقص الحاصل في وسائل النقل البري.
وفي أثناء تعداد الفوائد الاقتصادية، التجارية والاجتماعية العديدة لمشروع السكة الحديدية على منطقة الجنوب الغربي، أوضح محدثنا أن عائدات الجباية التي ستضخّها الشركات العاملة بشكل مباشر أو غير مباشر في المشروع، سيوجه جزءٌ منها أو كلّها لتنمية الجماعات المحلية بولايات تندوف، بني عباس وبشار، وبالتالي سيكون للبلديات التي سيعبر منها الخط المنجمي الغربي للسكة الحديدية جزء من هذه المداخيل، وجزء مهم من التنمية نظراً لرقم الأعمال الكبير الذي سيحققه هذا المشروع.
من جهتها، أشارت الدكتورة عبد الجبار سهيلة، الأستاذة بجامعة طاهري محمد ببشار، إلى أن خط السكة الحديدية الرابط بين بشار ومنجم الحديد بغارا جبيلات يعد مكسباً حقيقياً، ومشروعاً استراتيجياً يندرج ضمن خطة لتعزيز الشبكة الوطنية اللوجيستية، بالموازاة مع الشروع في تجسيد مشاريع ضخمة أخرى بولايات الجنوب.
وأكّدت محدثتنا على أنّ تجسيد المشروع من شأنه إحداث تغييرات هامة على نمط وإستراتيجية التنمية الاقتصادية المحلية والوطنية، خاصة بولايات الجنوب ومنطقة الجنوب الغربي على وجه التحديد، مشيرة الى وجود مزايا عديدة للمشروع، باعتباره دعامة قوية للوحدات الاقتصادية بالجزائر، من خلال القضاء على البعد الجغرافي بين الوحدات الصناعية.
وأبرزت المتحدثة أن مشروع خط السكة الحديدية سيُقحِم منطقة الجنوب الغربي للوطن في سلسلة الإنتاج الوطني، لتتحول بذلك ولايات تندوف، بني عباس وبشار الى ولايات ذات وزن اقتصادي، وولايات منتجة وجالبة للاستثمار، وهي عوامل تدخل في جوهر مساعي الدولة الرامية الى إشراك ولايات الجنوب في المسيرة التنموية لبلادنا.