أخضع رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، عمل الجهاز التنفيذي إلى التقيد بالآجال الزمنية المعقولة، حرصا على مصداقية الدولة من جهة وحرصا على فعالية الجهد العمومي في الاستجابة لمتطلبات الاقتصاد الوطني المنتج وتطلعات المواطنين في التنمية، وهو نهج جديد استدعى تغيير الذهنيات وفرض المبادرة وإيجاد البدائل.
يشير مختصون، إلى أن الرئيس تبون أصدر قرارات جريئة وحاسمة على مستوى اجتماعات مجلس الوزراء التي ترأسها بشكل دوري أو استثنائي منذ مطلع 2020، ربط معظمها بآجال زمنية محددة، وبالأخص المشاريع الاقتصادية ذات الأولية والقرارات والإجراءات الموجهة لفائدة فئات مهنية وكل المواطنين.
انتهاج معيار الأجل الزمني، والمتابعة الحثيثة والدورية من قبل القاضي الأول في البلاد، يشكل نقلة نوعية في تسيير شؤون الدولة وإدارة مواردها الاقتصادية والتعامل مع انشغالات وتطلعات المواطنين.
هذه المقاربة هي «ما يجب أن يكون»، لكن الذهنيات المرتبطة بالبيروقراطية والغش والتقاعس والتحايل حافظ على سطوتها لعقود طويلة، وفرضت نفسها كأمر واقع، ظهر في مقاومة التغيير، مثلما سجله متابعون خلال فترة سابقة.
الخاسر الأكبر من ثقافة «اللاّوقت»، برأي مراقبين، هو الخزينة العمومية بالدرجة الأولى، حيث أهدرت مئات الملايير ترتبت عن عمليات إعادة تقييم المشاريع في كل إضافة ملاحق للتكلفة الأصلية وأحيانا مراجعة حتى سعر الصرف للعملة الصعبة في المشاريع الموكلة إلى شركات أجنبية، إلى أن آلت الأوضاع إلى نتائج كارثية.
وشكلت المشاريع العالقة أو المجمدة، عائقا حقيقيا أمام الجهاز التنفيذي، حيث ورّث محفظة مشاريع متوقفة أو معطلة، وارتبط إعادة بعثها بترتيبات إعادة التقييم المالي والمطالب الملحة للمواطنين وممثليهم من منتخبين ومجتمع مدني، وتتم عمليات رفع التجميد عنها تدريجيا من قبل وزارة المالية.
ولو تم إنجاز كل تلك البرامج في أوقاتها المحددة، لما تعطلت مصالح الساكنة في معظم مناطق الوطن كل هذه المدة ولما تحملت الدولة كل هذه الأعباء، ففي بعض الأحيان تصل تكلفة ملاحق عقود الإنجاز إلى ضعف التكلفة الأساسية للمشاريع.
ودفع حرص الرئيس تبون على إصلاح هذا الجانب، ودعوة الجهاز التنفيذي إلى تفعيل المبادرة وطرح البدائل التي تظهر في طريق تنفيذ بعض القرارات بسبب الحواجز والقوانين. وقد سمح قانون المالية التصحيحي، على سبيل المثال، وفق خبراء، بإحداث انطلاقات نوعية في أشغال عديدة للمنشآت الاقتصادية الحيوية، على غرار مصنع سحق البذور الزيتية «كتامة فود»، بعد وضع صيغة ملائمة لتحرير البضائع المتواجدة في الموانئ وتحت الحراسة الجمركية منذ عدة سنوات.
القرار سيسمح بدخول المصنع حيز الخدمة في النصف الأول من سنة 2024، ما يجعل الجزائر قطبا إفريقيا ودوليا في إنتاج الزيت وتصديره وكذا الأعلاف الحيوانية.
وضمن هذا المنطلق، ربط رئيس الجمهورية المشاريع الحيوية للبلاد، بالآجال الزمنية. فقد أمر بإنجاز خط السكة الحديدية بشار- تندوف (950 كم)، بمعدل 2 كلم في اليوم، ووفق توزيع المقاطع بين شركات الإنجاز، ما من شأنه تسريع الاستفادة من حديد غارا جبيلات حتى ينقل إلى محطة التحويل في بشار ثم إلى الشمال للتصدير وتموين مصنعي توسيالي بوهران ومركب الصلب ببلارة بجيجل بالمادة الأولية.
على صعيد آخر، لم يترك السيد الرئيس أي مبرر لتأخر عمليات استغلال مناجم الفوسفات المدمج ببلاد الحدبة والرصاص والزنك بوادي أميزور وغارا جبيلات، حيث تم رصد 18٪ من إجمالي الميزانية السنوية لعام 2024، لنفقات الاستثمار.
وسيتكفل الصندوق الوطني للاستثمار بتمويل قدره 126.2 مليار دج لمشروع الفوسفات الذي يشمل 4 ولايات، و285.27 مليار دج لمشروع غارا جبيلات. كم تم توفير الأرصدة المالية اللازمة لمحطات تحلية مياه البحر ضمن المخطط الاستعجالي 2022-2024، قصد تجاوز شح المياه السطحية.
إنجاز هذه البرامج في آجالها المحددة والمعقولة، سيضمن الاستجابة السريعة لاحتياجات المواطنين، ويرفع وتيرة النمو الاقتصادي للبلاد ضمن توجه التغيير الهيكلي له، ويحقق أهداف رفع الصادرات خارج المحروقات وامتصاص البطالة وخلق الثروة.