تستهدف الإستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجستية إلى تعزيز التنوع والتكامل بين كافة أنماط النقل بما يواكب حجم التحديات في هذا المجال الحيوي في ظلّ التطور الاقتصادي المطرد الشامل والمستدام، الذي تشهده الدولة في مختلف المجالات، ولعلّ أبرزها البيئة والصناعة والسياحة.
مقارنة مع أنواع النقل البري الأخرى، يحتل النقل السككي، مركز الصدارة في الاهتمام على المستوى الوطني، باعتباره أحد الركائز الأساسية للحياة الاقتصادية والاجتماعية التي تقضي تنمية شاملة لكافة المقومات الطبيعية والإنسانية والمادية في أي بلد.
ومرّت خطوط السكك الحديدية الجزائرية، بعدة محطات أساسية ومهمة، حتى أصبحت تكتسي أهمية محورية في منظومة النقل للمسافرين والبضائع، والجزائر تسير بخطى ثابتة لتطوير القطاع وتوطيد مكانته، جنبا إلى جنب مع مسيرة التنمية الشاملة والمستدامة للبلاد، خصوصا المناطق الداخلية والجنوبية.
من هنا، فإن هذا النوع من أنظمة النقل البري، يعتبر جزءا لا يتجزأ من خطة التنمية الشاملة العادلة، من حيث توزيع الثروة والفرص والإمتيازات بين شمال الجزائر وعمقه، بما يساهم في التقليل من الفوارق التنموية التي تفرضها الطبيعة الجغرافية، ناهيك عن تعزيز القدرة التنافسية للمناطق البعيدة والمعزولة، كما أكد لـ«الشعب” عبد القادر مزار، مدير مركزي ومكلف بالاتصال لدى الوكالة الوطنية للدراسات ومتابعة إنجاز الاستثمارات في السكك الحديدية.
وأوضح مزار أن “الدولة الجزائرية، تسعى لاحتلال مركز ريادي في منظومة النقل السككي، خاصة وأنها تنفرد بموقع جغرافي استراتيجي مميز، يسمح لها بربط دول عربية وإفريقية عبر شبكة من السكك الحديدية، ما يضاعف من جاذبية السوق الوطنية، إضافة إلى تشجيع الاستثمار”.
وأضاف أن النقل السككي، يعرف عبر التاريخ، بأنه محرك النمو الديمغرافي والاقتصادي، باعتباره وسيلة نقل جماعي بامتياز، لما يقدمه من أداء حسن وموثوق وسرعة في النقل والاستمرارية، ناهيك عن دوره في خفض انبعاثات الكربون، وتقليل معدلات حوادث المرور”.
استراتيجية تطوير النقل السككي..
ولتحقيق هذه الأهداف وأخرى – يضيف المتحدث – اعتمدت الدولة الجزائرية على مشاريع البنية التحتية الكبرى للسكك الحديدية، ونتيجة لذلك عرفت الشبكة الوطنية نموا يزيد عن 150% بـ4722 كلم من شبكة السكة الحديدية المستغلة، وأكثر من 2618 كلم، يتمّ إنجازها، وفق ما أشير إليه.
وأفاد محدثنا أن “الوكالة الوطنية للدراسات ومتابعة إنجاز الاستثمارات في السكك الحديدية، بتفويض من الوزارة الوصية، كسبت الرهان بإنجاز أزيد من أربعة مشاريع بطول يتعدى 710 كلم في سنة 2023، وسط طموحات كبيرة لبلوغ 6500 كلم على المدى القريب، وأكثر من 8000 كلم، تعتزم الجزائر بناءها، خلال المرحلة القادمة”.
وأوضح مزار بأن “الاستراتيجية الوطنية لتطوير النقل بالسكك الحديدية بمختلف استخدامته (الركاب، البضائع، المبادلات)، تهدف إلى توسيع شبكة السكك الحديدية، باعتماد المشاريع ذات الأولوية في القطاع، خاصة ما يتعلّق بربط المراكز الاقتصادية الحيوية للبلاد ببعضها البعض تدريجيا، عبر برامج متعدّدة”.
وتابع يقول إن “الجزائر تعمل على تجسيد أحد أكبر مشاريع البنية التحتية طموحا في القارة الإفريقية، بغية تحقيق إدماج كامل لشبكتها المحلية في المنظومة الإفريقية للسكة الحديدية من خلال ربط موانئها المتوسطية بالحدود الجنوبية والشرقية للبلاد”..
واستطرد: “الهدف الإستراتيجي من هذه الخطوة المتميزة والطموحة، يكمن في فتح مسار مباشر لدول وسط إفريقيا نحو الأسواق الأوربية عبر سواحلها الشمالية، بالإضافة إلى ذلك تستهدف الجزائر زيادة التعاملات التجارية العابرة للحدود، خاصة مع دول الجوار العربية والإفريقية”.
نحو التصنيع المحلي لمستلزمات النقل السككي
وفي خضمّ حديثه، تطرّق عبد القادر مزار إلى العديد من المشاريع الاستثمارية الكبرى التي تشرف على تجسيدها الوكالة الوطنية للدراسات ومتابعة إنجاز الاستثمارات، مبرزا الجهود الحثيثة التي تبذلها الوكالة للمساهمة الجادة في تطوير هذا النوع من الصناعات من خلال مرافقة كافة الفاعلين في مختلف المراحل (دراسة، إنجاز، متابعة، هندسة)، مع خلق إمكانات جديدة تسمح مستقبلا بالتصنيع المحلي لكل مستلزمات النقل بالسكك الحديدية، من خلال استغلال الإمكانات المتاحة في النسيج الصناعي الجزائري، وفق تعبيره.
.. وهذه خطوط السكة الحديدية..
ومواصلة للحديث عن البرنامج الوطني للسكة الحديدة، كشف مزار عن “تواصل الأشغال على مستوى الورشات الكبرى لإنجاز 759 كلم من خطوط السكك الحديدية على طول الخط الخط الشمالي”، معتبرا أن هذا الخط ولواحقه، يمثل “العصب الرئيسي لشبكة السكة الحديدية الجزائرية، باعتباره نقطة انطلاق لمختلف الخطوط الاختراقية شمال – جنوب، يمتد على طول الشريط الساحلي الجزائري على مسافة 1250 كلم بملحقات يبلغ طولها 572 كلم، تعبر اثنين وعشرون ولاية من عنابة شرقا إلى تلمسان غربا، كما يضمّ 216 محطة وموقع، ويربط تسعة موانئ كبرى بشبكة السكك الحديدية”.
وأكد محدثنا “دخول حيز الخدمة 944 كلم من خطوط السكة الحديدية بمعايير عصرية على مسار خط الهضاب العليا، الموازي للخط الشمال؛ يخترق معظم ولايات الهضاب العليا على مسافة 1162 كلم، تمتد من تبسة بأقصى الحدود الشرقية إلى مولاي سليسن بسيدي بلعباس، بأقصى الغرب الجزائري، فيما تتواصل حاليا أشغال استكمال المقطع الأخير منه، والرابط بين تسيمسيلت وفرندة على مسافة 100 كلم، ليكتمل الخط من تبسة إلى سيدي بلعباس، على أن يربط مستقبلا بالخط الشمالي عبر المقطع تيارت-غليزان”.
وفي سياق متصل، نوه مزار بـ«البنية التحتية الهامة التي ستسمح بالاستغلال الأمثل لمناجم جبل العنق، الكويف، بلاد الحدبة، بوخضرة والونزة، وغيرها من المناطق الاستراتيجية على طول الخط المنجمي الشرقي الذي يعد رابطا حيويا بين مناجم الجنوب الشرقي للبلاد؛ حيث يعبر خمس ولايات، تمثل ما يزيد عن مليون نسمة من عنابة شمالا نحو مناجم جبل العنق جنوبا على مسافة422 كلم”.
وأشار محدثنا إلى أن “الأشغال متواصلة على قدم وساق من أجل تحديث وازدواجية المقطع الرابط بين جبل العنق ووادي الكبريت على مسافة 176 كلم، إضافة إلى ربط بلاد الحدبة على مسافة 23 كلم، وإنجاز الخط الاجتنابي لمدينة تبسة على مسافة 43 كلم، بينما انطلقت شهر أوت الفارط أشغال عصرنة وازدواجية المقطع الشمالي، الرابط بين عنابة وبوشقوف على مسافة 45 كلم، على أن تنطلق الأشغال في شطره الثاني، الممتد من وادي الكبريت إلى بوشقوف قريبا على مسافة 151 كلم، ليتم تمديده لاحقا نحو الواد بشرق الصحراء الجزائر”.
الخط المنجمي الغربي.. المشروع الأكـبر..
ولفت مزار إلى “دخول حيز الخدمة الخط الرابط بين وهران وبشار على مسافة 700 كلم، وقد جهز بأنظمة الإشارة والاتصالات، وذلك ضمن الخط المنجمي الغربي الممتد من وهران شمالا إلى غارا جبيلات جنوبا، مرورا بكل من سيدي بلعباس، النعامة، المشرية، بني ونيف، بشار وتندوف على مسافة 1650 كلم، فيما انطلقت الأشغال في سبتمبر الماضي على مستوى مقطعه الثاني، الرابط بين بشار وغارا جبيلات، مرورا بتندوف على مسافة 950 كلم، كأضخم مشروع للسكة الحديدية في تاريخ الجزائر”..
من سكيكدة إلى جن جن
وفي الوقت نفسه، وصف محدثنا الخط الاختراقي الشرقي بأنه “همزة وصل هامة بين مينائي سكيكدة وجن جن، مرورا بقسنطينة، وصولا إلى تقرت، ومنه إلى القطب البترولي بحاسي مسعود على مسافة 807 كلم؛ حيث جهز المقطع الرابط بين القرزي وتقرت على مسافة 264 كلم بأحدث أنظمة الإشارة والاتصالات، في حين تبقى الأشغال جارية لإيصاله إلى المدينة الجديدة لحاسي مسعود والقطب البترولي على مسافة 154 كلم، وبسرعة 220 كلم في الساعة”..
خط الوسط… من العاصمة إلى حدود النيجر
وقال مزار إن الخط الإختراقي- وسط، دخل الخدمة في 18 أكتوبر الماضي في مقطعه الرابط بين بوغزول، عين وسارة، حاسي بحبح، الجلفة وسيدي مخلوف، وصولا إلى الأغواط على مسافة 250 كلم، فيما ستنطلق قريبا أشغال إنجاز الشطر الرابط بين بوغزول والشفة (البليدة) على مسافة 251 كلم، وذلك على مسار هذا الخط العابر للصحراء والذي يربط الجزائر العاصمة كلم بسرعة قطارات، تصل إلى 220 كلم في الساعة، يعبر ولايات المدية، الجلفة، الأغواط، غرداية، المنيعة، عين صالح، تمنغست وإن قزام، وصولا إلى الحدود مع دولة النيجر، كما تتفرع منه حلقتان؛ تمتد الأولى شرقا من الأغواط نحو تقرت، فيما تتجه الثانية غربا من غرداية نحو بشار”..
وكشف محدثنا عن دراسة معمقة، تجرى حاليا حول الخطوط التي تشكل حلقة الجنوب الغربي التي تتفرع عن الخط الاختراقي وسط العابر للصحراء، تنطلق من غرداية وتتجه غربا لتربط جميع مدن واحات الجنوب الغربي (المنيعة، تيميمون، أدرار، بني عباس وبشار) على مسافة 1500 كلم، لتربط لاحقا برج باجي مختار والحدود الجزائرية المالية، انطلاقا من أدرار على مسافة 800 كلم..
كما أكد انطلاق الدراسة الخاصة بالخطوط التي تتشكّل منها حلقة الجنوب الشرقي؛ وهي حلقة تتفرع أيضا من الخط العابر للصحراء، تمتد من الأغواط، غرداية، ورقلة، حاسي مسعود – المدينة الجديدة، نحو تقرت والواد على مسافة 425كلم، تهدف إلى ربط مدن وسط وشرق الصحراء ببعضها البعض، ومنه بالشبكة الوطنية للسكة الحديدية، وفق تعبيره.
مشاريـع انطلقت..
وبخصوص الخطوط الحديدية الجديدة التي دخلت حيز الخدمة، تحدث مزار عن خط تيسيمسيلت – بوغزول – المسيلة، وهو أحد مقاطع خط الهضاب العليا للسكة الحديدية، يمتد على مسافة 290 كلم من المسيلة إلى تيسمسيلت، مرورا ببوغزول بسرعة قطارات، تصل إلى 160 كلم/ساعة، يعبر ولايات المسيلة، المدية، الجلفة، تيارت وتيسمسيلت..
واستنادا إلى الشروحات المقدمة لـ«الشعب”، يضمّ هذا الخط سبع محطات عصرية، تضمّ جميع المرافق الضرورية لراحة المسافرين بكل من عين الحجل، بوطي السايح، البيرين، الشهبونية، سيدي لعجال، حاسي فدول والعقيد بوقرة، ومحطتين مختلطتين لشحن وتخزين البضائع ببوغزول وتسمسيلت، كما زود بورشتين لصيانة القطارات وجهز بأنظمة حديثة للإشارة والإتصالات..
المحطة المختلطة بوغزول
وتعتبر محطة السكة الحديدية المختلطة لنقل المسافرين والبضائع بمدينة بوغزول التابعة لولاية المدية، نقطة تقاطع بين محورين رئيسيين لشبكة السكة الحديدية، خط الهضاب العليا للسكة الحديدية والخط العابر للصحراء الجزائر العاصمة – تمنغست، وبالنظر لموقعها الاستراتيجي ينتظر أن تلعب المحطة مستقبلا دورا رئيسيا في الربط بين الشمال والجنوب، وبين شرق البلاد وغربها..
كما أشار إلى مقطع السكة الحديدية سعيدة ـ فرندة بطول 120 كلم وبسرعة قطارات تصل إلى 160/الساعة، يندرج ضمن خط السكة الحديدية سعيدة – تيارت، ويربط المحطة المختطلة في سعيدة بفرندة في ولاية تيارات..
ويضمّ هذا الخط الجديد، محطتين عصريتين جديدتين بكل من فرندة وعين كرمس، كما تمّ تدعيم محطة سعيدة بجناح مخصص لنقل البضائع، جهز هذا المقطع بأنطمة الإشارة والاتصالات العصرية، وفق المصدر نفسه.
وتطرّق المتحدث إلى خط السكة الحديدية الجديد عين البيضاء – خنشلة، معتبرا أنه أحد روافد خط الهضاب العليا للسكة الحديدية، ومشروع استراتيجي أقرته الحكومة لولاية خنشلة، ضمن المخطط التكميلي للتنمية لسنة 2021، دفعا منها للحركية التنموية بالمنطقة وإدماجا للولاية في المنظمة الإقتصادية للبلاد.
وأفاد مزار بأنه “خطّ مخصّص لنقل المسافرين والبضائع، يمتد على مسافة 51 كلم، ليربط ولاية خنشلة بعين البيضاء في ولاية أم البواقي بسرعة قطارات، تصل إلى 160 كلم/س، وقد أسندت مهام إنجازه على مقطعين لتجمعي مؤسسات وطنية، يراقبها ويتابعها، تجمع مكاتب الداسات العمومية”.
يتضمن إنجاز هذا الخط بناء ثلاث محطات لنقل المسافرين بكل من فكرينة، متوسة وبغاي ومحطة واحدة مختلطة لنقل المسافرين والبضائع بخنشلة، إضافة إلى تشييد عديد المنشآت الفنية وتجهيزه بأنظمة الإشارة والاتصالات..
آفاق مستقبلية..
وجدّد مزار الحديث عن عزم الحكومة على إطلاق برنامج كبير لإنجاز أكثر من 9600 كلم من البنية التحتية للسكة الحديدية، تمتد من الحدود الجنوبية والشرقية نحو الموانئ الرئيسية شمال البلاد، وقال إن «الحكومة الجزائرية تسعى لتجسيد هذا المشروع، وفق مقاربة جديدة تتحوّل على إثرها من التمويل التقليدي للمشاريع الكبرى نحو الشراكة مع القطاع الخاص في تمويل استثماراتها، مع ضرورة إدراج الطاقات المتجدّدة في البنية التحتية والحلول التقنية التي تتلاءم مع الطبيعة الجغرافية للمناطق التي سيتمّ ربطها، بغية تحقيق تنمية مستدامة”.
وأردف يقول إن السلطات العمومية سطرت برنامجا ضخما من أجل المرحلة القادمة، يتماشى مع مقاربتها، والتي تقتضي التحوّل من النمط التقليدي في تمويل المشاريع المهيكلة للدولة إلي البحث عن شركاء محليين وأجانب لتنفيذ هذه الإستثمارات كآلية لترشيد النفقات العمومية وتسريع وتيرة الإنجاز”، وعاد ليذكر بأن “السلطات العمومية، كلفت الوكالة بتوسيع الشراكة الدولية والتمحيص والتدقيق في انتقاء المؤسسات الوطنية والأجنبية القادرة على تجسيد البرنامج، وفق شروط مالية ومادية وتقنية محددة، تتماشى مع المقاربة الجديدة للسلطات العمومية في إنجاز المشاريع المهيكلة للبنية التحتية”.