بعد مادتي الإسمنت والحديد والمواد الغذائية ذات الاستهلاك الواسع كالسكر والزيت، الذي تعتزم الجزائر تحقيق اكتفائها المحلي منها خلال السداسي الأول من سنة 2024، نجحت الجزائر في شطب مادتي البنزين والكيروزان من قائمة المواد المستوردة، مغيرة بذلك موقعها ضمن الترتيب العالمي من مستورد إلى مصدر لعديد المواد التي يؤهل مخزونها الجزائر لتصدر الريادة من حيث إنتاجها وحتى تصديرها، على غرار المحروقات.
أمننا الطاقوي بأيد أمينة
في هذا الإطار، رصدت سوناطراك ما قيمته 50 مليار دولار للاستثمارات النفطية، موزعة بين الاستكشاف والتنقيب والتكرير، حيث تقوم بهذا النشاط 5 مصافي تابعة لسوناطراك سيتم تدعيمها بمصفاة جديدة بمنطقة حاسي مسعود بقدرة إنتاجية ستصل إلى 4 ملايين طن/ سنويا موجهة لتلبية احتياجات الولايات الجنوبية، مع طموحات للتصدير نحو الدول الإفريقية.
أوضح الخبير الدولي في الطاقة، الدكتور بغداد مندوش، في اتصال مع “الشعب”، حول التجربة الجزائرية في مجال تكرير البترول، أن سوناطراك تمتلك 5 مصافي لتكرير البترول متواجدة بكل من أرزيو، الجزائر العاصمة، سكيكدة، بجاية وحاسي مسعود، بلغت قدرتها الإنتاجية الإجمالية، نهاية سنة 2023، 30 مليون طن/ سنويا، ما يعادل 55% من الإنتاج الموجه للاستهلاك الوطني من البنزين والنفط، فيما توجه 45% المتبقية من مادة النفط ومادة الفيولكول وبعض المدخلات المستعملة في صناعة مواد التجميل والمواد العطرية، إلى التصدير. إضافة إلى مصفاة لتكرير المحروقات الجد خفيفة أو ما يسمونها “الكوندونسا”، تستعمل كمدخلات للصناعات الخفيفة وتحليل تكرير البنزين.
وعن توزيع القدرات الإنتاجية لسلسلة المصافي هذه، أجاب مندوش أن القدرة الإنتاجية لمصفاة سكيكدة تقدر بـ16 مليون طن/ سنويا بالنسبة لجميع المواد البترولية. وكانت سونطراك قد أطلقت، خلال السداسي الأول لسنة 2023، مشروعا لتوسعة المصفاة والرفع من قدراتها الإنتاجية إلى 1.2 مليون طن/ سنويا من الغاز المميع، بهدف تلبية الاحتياجات الوطنية آفاق 2036. كما تنتج مصفاة الجزائر العاصمة 2.7 مليون طن/سنويا، في حين تنتج مصفاة أرزيو 5 ملايين طن/ سنويا، حيث خضعت هي الأخرى لأشغال توسعة من أجل الرفع من إنتاجها من مادة “البنزن” المستعملة في مختلف الصناعات كصناعة العجلات والأحذية والملابس.
مشاريع توسعة لمضاعفة الإنتاج
أما بخصوص المصفاة المتواجدة على مستوى حاسي مسعود، التي يعود تاريخها إلى الفترة الاستعمارية، أي ما قبل الاستقلال، أشار الخبير الطاقوي إلى أنها مستغلة في تلبية الحاجيات المحلية لسوناطراك. في هذا الصدد، كانت سونطراك قد قامت بأشغال صيانة كبرى شملت جميع المصافي، بهدف مضاعفة قدرتها الإنتاجية من 30% إلى 35% من أجل تغطية كاملة لاحتياجات السوق الوطنية من مادة البنزين، الذي توقفت الجزائر تماما عن استيراده منذ سنة 2022، وهو ما ثمنه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون خلال خطابه للأمة أمام البرلمان بغرفتيه، نهاية السنة الفارطة، معبرا عن ارتياحه لما وصل إليه الإنتاج الوطني من اكتفاء محلي في العديد من القطاعات، مكن من تحرير الاقتصاد الجزائري، الذي ظل رهينة الاضطرار للاستيراد لعقود طويلة من الزمن، رغم توفر كل المؤهلات من ثروات طبيعية وإمكانات إنتاجية وبشرية لتحقيق الاكتفاء الذاتي من العديد من المنتجات، بما فيها الوقود الذي تراوح استهلاكه المحلي سنة 2023 ما بين 3.5 إلى 4.5 ملايين طن/سنويا، وهو نفس الإنتاج الإجمالي للمصافي الخمس للبلاد وبالتالي تمكنت هذه الأخيرة من تغطية كلية للاحتياجات الوطنية من مادة البنزين.
مراحل متقدمة في إنجاز المشروع
عن مشروع المصفاة الجديدة المتواجدة بحاسي مسعود، موضوع تعليمة رئيس الجمهورية خلال ترؤُّسه مجلس الوزراء، أول أمس، فمن المتوقع أن تصل قدرتها الإنتاجية إلى 4 ملايين طن/ سنويا، -بحسب ذات المتحدث- موجهة لتلبية احتياجات الجنوب الجزائري وتصدير الفائض نحو الدول الإفريقية المجاورة.
واعتبر بغداد مندوش مشروع مصفاة حاسي مسعود، تعزيزا لنشاط المصفاة المتواجدة بأدرار التي تعمل على تلبية احتياجات الولايات الجنوبية وحقول سوناطراك والحقول المجاورة لها. للتذكير، فقد بلغت الدراسات بخصوص مشروع المصفاة الجديدة لتكرير البترول بحاسي مسعود، مرحلة جد متقدمة من حيث الأغلفة المالية المخصصة، وقد تم فتح الأظرفة التقنية منذ ما يقارب سنة. وما يبعث على الفخر والاعتزاز- بحسب ذات المتحدث- هو أن نشاط تكرير البترول بالمصافي التابعة للشركة البترولية “سوناطراك” عبر المديرية المركزية للتكرير، يتم بسواعد وإمكانات وخبرة جزائرية 100%. إضافة إلى امتلاك “سونطراك” لمصفاة ضخمة لتكرير البترول بصقلية الإيطالية، بقدرة إنتاجية سنوية تقدر بـ10 ملايين طن/ سنويا، تزود من خلالها زبائنها بكل من إيطاليا، إسبانيا، فرنسا واليونان ومصر، حيث بلغ رقم أعمالها سنة 2022، 7 ملايير دولار.
في شق متصل، ذكر الخبير الاقتصادي أن الجزائر قد استهكلت خلال سنة 2022، 3.3 ملايين طن من البنزين، وهو ما يقل عن استهلاكها لهذه المادة سنة 2021 بنسبة 3%. و1.5 مليون/ طن بالنسبة للغاز المستعمل للسيارات سنة 2022، الذي تحرص السلطات العمومية على تحفيز وتعميم استعمالاته كطاقة نظيفة صديقة للبيئة، تمكن من الحفاظ على إنتاج الجزائر من البنزين وتوجيهه للتصدير. إضافة إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من مادة الكيروزان المستعمل في مجال الطيران تحديدا من طرف شركة الخطوط الجوية الجزائرية، التي يتم إنتاجها من طرف مجمع سونطراك، مما يسمح بتوفير من 1.5 إلى 2 مليار دولار قيمة فواتير استيراد مادة الكيروزان، كانت الخزينة العمومية تتكبدها سنويا.