يؤكّد البروفيسور العيد جلولي أنّ المسرح لديه أهمية في تشكيل شخصية الطفل، من خلال تنمية مهاراته الحركية، ومن خلال طبيعة الأدوار والشخصيات التي يمثلها أو تمثل له، ويقول إنّ مسرح الطفل من أهم الوسائل التي تعتمدها التربية الحديثة في تطوير وتنمية العديد من المهارات والقدرات، ومنها القدرات اللغوية من خلال التدريب على الفصاحة والبلاغة والإلقاء والخطابة، وغرس روح المبادرة وتعزيز الثقة بالنفس وترسيخ الشجاعة الأدبية وتطوير المهارات الحسيّة والحركيّة.
يقول الأستاذ بجامعة قاصدي مرباح بورقلة، الدكتور العيد جلولي، في حديث لـ “الشعب”، إنّ مسرح الطفل جزء من أدب وثقافة الطفل، وواقعه في الجزائر لا يختلف عن واقع أدب الأطفال وثقافتهم عموما، إذ ما زال يتطلّب كثيرا من العمل والجهد، رغم ما تبذله الدولة من جهود لا يمكن إنكارها، ومن ذلك ما تقدّمه وزارة الثقافة والفنون، ولا شك أنّ أبسط مطالعة لقائمة المشاريع الثقافية والفنية التي حصلت على الدعم عام 2023، تكفل التأكيد على أنّ “مسرح الطفل” و«التظاهرات المتعلقة بالطفل عموما” كان لها النصيب الأكبر من الاهتمام. وأشار محدّثنا إلى أن وزارة الثقافة والفنون خصّصت ميزانية معتبرة، قدّرت بـ 72 مليون دينار للعروض المسرحية المخصّصة للأطفال، أو لإنجاز مسرحيات موجهة للأطفال، وسيكون لهذا تأثيره المستقبلي على مسرح الطفل، وهو أيضا دليل واضح على الوعي بأهمية غرس ثقافة المسرح في نفوس الصغار منذ سن مبكرة.
ويشير البروفيسور جلولي إلى أنّ الحديث عن مسرح الطفل متشع/عب، يبدأ بالنص المسرحي الموجّه للطفل، وقال: “ما زلنا نعاني نقصا واضحا في مجال الكتابة المسرحية للأطفال، فجلّ الفرق المختصة في مجال مسرح الطفل تبحث عن نصوص مناسبة للأطفال من جهة، وتكون عن الواقع الجزائري من جهة ثانية، ولكننا لا نملك – حتى الآن – كتّابا كثُر في هذا المجال، إذ يمكن عدّ الذين يكتبون للأطفال، وربما يعود هذا إلى أن الكتابة للأطفال صعبة أو لا تفتح أمام الكتاب أبواب الشهرة، وقد تحدّثت عن هذا الموضوع في مناسبات عديدة، وما يقال عن الكتاب يقال أيضا عن الممثلين المختصّين والمخرجين..هؤلاء عددهم أيضا قليل جدا”.
ويؤكّد البروفيسور جلولي أنّنا نواجه صعوبات جمّة عندما نريد تقييم الواقع من أجل التوصل إلى رؤية واضحة أو نظرة محددة عن واقع هذا المسرح في الجزائر، ومن بين يطرح هذه الصعوبات، عدم وجود دراسات كافية ومتخصّصة حول مسرح الطفل، عدا المذكرات والرسائل والأطروحات التي تنجز بين الحين والآخر بالجامعات الجزائرية، وتتناول بالدراسة والتحليل كتابات مسرحية أو أعمال فرق كرّست جهودها للأطفال.
وفي أثناء حديثه، تطرّق البروفيسور العيد جلولي إلى نشأة مسرح الطفل في الجزائر، وقال إنّ بدايته الأولى تعود إلى الفترة الاستعمارية، وإرهاصاته الأولى بدأت مع ظهور المدراس العربية الحرّة التي اتخذت من المسرح وسيلة تربوية، وبعد الاستقلال ظهرت كتابات محتشمة لا تشكّل ظاهرة فنية يمكن التعويل عليها في ظهور مسرح مخصّص للأطفال، ومع مطلع السبعينيات – يقول الدكتور جلولي – بدأ المسرح الجهوي لوهران يهتم بمسرح الطفل، ثم توسع إلى مسارح جهوية أخرى، ثم برزت المهرجانات المتخصّصة في مسرح الطفل، بعضها كان تحت إشراف وزارة التربية الوطنية، وبعضها الآخر تحت إشراف وزارة الثقافة والفنون، وحتى وزارة الشباب والرياضة ساهمت أيضا في هذا المجال من خلال إقامة تظاهرات حول مسرح الأطفال، ومن هذه المهرجانات، المهرجان الثقافي الوطني لمسرح الطفل بخنشلة، وتظاهرة الأيام الوطنية لمسرح الطفل التي تحتضنها مدينة بودواو ببومرداس، والمهرجان الوطني لمسرح الطفل بقسنطينة وغيرها من التظاهرات المكرّسة لمسرح الطفل. وأضاف أنّ “كل هذه المحاولات تبقى جهودا مبعثرة، ومحاولات طيّبة في سبيل إقامة مسرح للطفل الجزائري، وهذه المحاولات أيضا سرعان ما يطويها النسيان، ما لم ترتق إلى مستوى التأسيس والتقنين، ووضع استراتيجية واضحة تعتمد على التكوين وبرمجة هذا النشاط في المنظومة التربوية، بحيث يصبح المسرح مادة تدرس في كل مراحل التعليم.
مع هذا – يواصل البروفيسور جلولي – فإنّ المشهد المسرحي الخاص بالأطفال في الجزائر يشهد حركية لا تنكر، ومجهودات طيبة لا تجحد، وهي في حاجة إلى دعم وتشجيع، ولعل تأسيس مركز بحث متخصّص في أدب وثقافة ومسرح الطفل على مستوى وزارة الثقافة والفنون حان أوانه، وسيكون له تأثيره الإيجابي على مستقبل أطفالنا، وعلى توجيههم الوجهة الصحيحة التي نريد ونرغب”.