بتأكيد أعضاء مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة الجمعة وبالإجماع، رفض أي مشروع يتضمّن التهجير القسري للفلسطينيين من أراضيهم، تكون الجزائر قد ربحت أوّل معركة لها في أروقة لصالح الشعوب المضطهدة، نجاح ثمرة عمل في إطار متعدّد الأطراف الذي تراهن عليه خلال عضويتها التي تمتد إلى غاية نهاية العام 2025.
جاءت دعوة الجزائر على لسان ممثلها الدائم لدى الأمم المتحدة بنيويورك، السفير عمار بن جامع، خلال اجتماع مجلس الأمن حول التهجير القسري للفلسطينيين، إلى رفض مخطط تهجير الفلسطينيين، منسجمة مع المواقف التي أعلن عنها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، في خطابه أمام الجمعية العام للأمم المتحدة سبتمبر الأخير.وكان الرّئيس تبون نبّه في سبتمبر الماضي، إلى «بلوغ النزاعات والأزمات في العالم مستوى غير مسبوق»، وتسبّبت في «تشريد الملايين من الأشخاص، وحوّلت العلاقات الدولية من علاقة تعاون وتوافق إلى مواجهة وصدامات، وضعت الهيئات والمؤسسات الدولية على المحك».
تأتي دعوة الجزائر من منبر مجلس الأمن الأممي، إلى المجتمع الدولي لرفض التهجير القصري للفلسطينيين بصوت واحد، لقطع الطريق أمام مخططات الكيان الصهيوني، الذي لم يتوان في «قتل أكثر من 23 ألف شخص، منهم أكثر من 10 آلاف طفل، وتهديم أكثر من 60 بالمائة من مباني غزة»، مخطّطات مصيرها الفشل وفق ما أكّد السفير بن جامع.
ملف: زهراء بن دحمان وسيف الدين قداش وحياة كبياش وفايزة بلعريبي
الجزائر-فلسطين.. دعم متجدّد دون شروط أو قيود
حافظت الجزائر منذ عشرات السّنين على دعمها لفلسطين وقضية شعبها العادلة دون شروط أو قيود، وظلّت ثابتة على هذا النهج بالرغم من كل الضغوطات والتحديات، لأنّها تعي جيدا وهي بلد الشهداء، ثمن انتزاع الحرية، لذلك لم ولن تتخلى عن دعم الشعب الفلسطيني في كفاحه المشروع إلى غاية استرجاع حقوقه غير القابلة للتصرف أو المساومة، وإقامة دولته المستقلة، وهي اليوم تعمل على كل الجبهات لـ «كسر الصمت الدولي» تجاه ما يحدث من انتهاكات ضد شعب فلسطين الأعزل، ودفع المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته في حماية سكان غزة، وإبطال أي مشروع لتهجيرهم من أرضهم قسرا.
تظل الجزائر من أوفى الدول نصرة للقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، وذلك لأسباب تاريخية وإنسانية، فالجزائر مثلما قال رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، أمام قادة العالم في الجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة شهر سبتمبر 2023، «تعي جيدا ثمن انتزاع الحرية، وهي لن تتخلى عن مساندة القضايا العادلة ودعم الشعوب المضطهدة التي تكافح من أجل التحرر، ومن هذا المنطلق سعت دائما إلى دعم القضية الفلسطينية لتمكين الشعب الفلسطيني الشقيق من حقوقه غير القابلة للتصرف، على رأسها حقه في إقامة دولته المستقلة على خطوط الرابع من جوان 1967 وعاصمتها القدس الشريف وفق القرارات الأممية والمرجعيات الدولية ذات الصلة».
وأظهرت الجزائر، دعمها الفاعل للقضية الفلسطينية على عدة مستويات، سواء السياسي، الدبلوماسي، أو الاقتصادي، أو الإنساني، فعلى الصعيد السياسي، تتبنى الجزائر موقفا ثابتا ومبدئيا من القضية الفلسطينية، وترفض أي تطبيع مع الكيان الصهيوني، أو أي تنازل عن حقوق الفلسطينيين، أما على الصعيد الدبلوماسي فتقوم بالتنسيق والتشاور مع الفصائل الفلسطينية والدول العربية والإسلامية والهيئات والمنظمات الأممية للضغط على الكيان الصهيوني لوقف انتهاكاته، والقبول بحل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية.
هذا الدعم الثابت والدائم ليس غريبا على دولة، كانت من أوائل الدول التي اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية، حيث افتتح أول مكتب للمنظمة في صيف 1965، وأول دولة اعترفت بالدولة الفلسطينية بعدما أعلن على أرضها في 15 نوفمبر 1988 الرئيس الراحل ياسر عرفات قيام الدولة الفلسطينية، حيث أقامت معها علاقات رسمية دبلوماسية كاملة معها في 18 ديسمبر 1988.
واستمرّت الجزائر في دعمها للقضية الفلسطينية بشكل كبير، فأيّدت مبادرة السّلام العربية عام 2022، وانتهجت الجزائر سياسة التوازن والاعتدال في دعم القضية الفلسطينية، والعمل مع جميع الأطراف والقوى لإيجاد حل سلمي في الشرق الأوسط.
وخلال الحرب على غزة 2008-2009، أو بعد مجزرة أسطول الحرية عام 2010، أو الحرب على غزة 2012، وقفت الجزائر بجانب الشعب الفلسطيني، وحثّت مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والمجتمع الدولي على تحمل مسؤولياتهم لوضع حدّ لهذا التصعيد الأخير، وفي 29 نوفمبر 2012 صوتت لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 19-67، الذي ينص على منح فلسطين صفة دولة مراقبة غير عضو في الأمم المتحدة.
وخلال الحرب على غزة في 2014، طالبت المجتمع الدولي بكف الهجمات الصهيونية ضد الفلسطينيين، واحترام هدنة نوفمبر 2012، حفظا للسلم والأمن بالمنطقة، كما دعت الأمم المتحدة إلى اتخاذ اجراءات عاجلة للوصول إلى صيغة ترغم الكيان الصهيوني على وقف أعماله العدوانية على غزة.
دعم الجزائر لفلسطين لم ينحصر في إسماع صوت فلسطين المكلومة في المحافل الدولية فقط أو في الجانب المادي والإنساني، بل انتقل إلى داخل البيت الفلسطيني، لجمع شمل الإخوة المتنافرين، حيث استضافت لقاءات متتالية بعد إعلانها مبادرة للمصالحة بين الفصائل الفلسطينية في ديسمبر 2021، انتهت بالتوقيع على وثيقة إعلان الجزائر في 13 أكتوبر 2022 وحدت الجبهة الفلسطينية لمواجهة الاحتلال الصهيوني وسياسته الوحشية تجاه الشعب الفلسطيني، لاسيما في ظل تقاعس المجموعة الدولية عن ايجاد تسوية جدية وعادلة للقضية الفلسطينية.
وتواصل الجزائر اليوم جهودها الحثيثة التي كانت قد بدأت منذ نجاحها في إعادة القضية الفلسطينية إلى سلم أولويات المجموعة العربية في قمة الجامعة العربية التي انعقدت على أرضها في 1 نوفمبر 2022، لدفع المجتمع الدولي والهيئات الأممية إلى تحمل مسؤولياتها التاريخية، وايقاف المجازر والانتهاكات الجسيمة في حق الشعب الفلسطيني بقطاع غزة، الذي يتعرض إلى إبادة جماعية تحت مرأى ومسمع العالم، وبدعم مخزي من الغرب.
وترفض الجزائر عمليات الإبادة الجماعية الممنهجة للشعب الفلسطيني، وقد أكّد على ذلك رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وزير الدفاع الوطني، خلال اجتماع المجلس الأعلى للأمن المنعقد بتاريخ 16 أكتوبر 2023، الذي خصص لدراسة الأوضاع المأساوية الراهنة للشعب الفلسطيني الشقيق.
وجاء في بيان لرئاسة الجمهورية، أنّ الجزائر ترفض عمليات الإبادة الجماعية الممنهجة التي ترتكبها قوات الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة ضد المدنيين العزل، مؤكدة تضامنها الكامل مع الشعب الفلسطيني الشقيق، مع قناعتها التامة بأن الحل الجذري لا يكمن في الإبادة ولا الترحيل الجماعي، ولكن بإقامة الدولة الفلسطينية عاصمتها القدس الشريف على حدود جوان 1967، كما دعت المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته، لاسيما مجلس الأمن لضمان الحماية للمدنيين الفلسطينيين العزل.
وفي اجتماع مجلس الأمن حول الحالة في الشرق الأوسط المنعقد بتاريخ 25 أكتوبر 2023، أو في الدورة الطارئة للجمعية العامة الاستثنائية للأمم المتحدة حول القضية الفلسطينية المنعقدة بتاريخ 27 أكتوبر 2023، ضاعفت الجزائر جهودها من أجل توحيد كل الأصوات لوضع حد للعدوان الصهيوني، ووقف قصفه العشوائي على قطاع غزة، وإنهاء الحصار المفروض عليها، ورفض تهجير السكان وإغاثتهم دون قيود أو شروط، وطالبت بمعالجة أسباب الصراع برمّته، عبر إحياء مسار السلام لضمان حل عادل ودائم يفضي إلى قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، كما جدّدت دعوتها منح العضوية الكاملة لدولة فلسطين بمنظمة الأمم المتحدة، كإجراء هام يكرّس الحق القانوني والسياسي والأخلاقي لدولة فلسطين، في أن تحظى بمكانة قارة بين الأمم لإسماع صوتها والدفاع عن أولوياتها.
وتعمل الجزائر، منذ الفاتح جانفي 2024 تاريخ بداية عهدتها بمجلس الأمن كعضو غير دائم لمدة سنة، على «كسر الصمت الدولي» ازاء ما يجري في الأراضي الفلسطينية من انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان وللقانون الدولي، وهي تناضل من هذا المنبر ومن غيره لتبني مقترحاتها وتحقيق الإجماع حول تمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة وممارسة حقوقه الأساسية كاملة غير منقوصة، لاسيما الحق في الحياة والصحة والعيش في كنف الأمن والسلام، طبقا لما تنص عليه المواثيق والمعاهدات الدولية.
ناشطون وخبراء فلسطينيون: الجزائر.. صوت القضية الفلسطينية بمجلس الأمن
كانت ولا تزال وستبقى الجزائر السند الثابت والمدافع الشرس والمنافح الأصيل على القضية الفلسطينية. جاءت هذه العبارة في خطاب رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، الموجه للأمة. وفي هذا الإطار، يندرج استصدار قرار أممي مانع جامع للتصدي لمخططات الكيان الصهيوني الإرهابي القاضية بتهجير سكان غزة من أرضهم.
نجحت بذلك الدبلوماسية الجزائرية في الدفاع عن أهم مبادئها الدبلوماسية الراسخة، المتعلق بالدفاع عن الشعوب المضطهدة. وتمكنت الجزائر، في إطار العمل متعدد الأطراف، من افتكاك رفض أممي لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم، مؤكدة مرة أخرى أنها الحاضنة الفعلية والداعم الحقيقي للشعب الفلسطيني الأعزل.
قال ممثل مكتب حركة حماس بالجزائر يوسف حمدان، في تصريح لـ «الشعب»، إن نجاح الجزائر في استصدار قرار أممي يمنع التهجير القسري من غزة بإجماع دولي، يبرز ثقل الجزائر دوليا، وعدم السماح للاحتلال بفرض إرادته على الجميع والإفلات من العقاب. مشددا على ضرورة اضطلاع مجلس الأمن بمهمته التي أنشئ بموجبها وهي حفظ الأمن والسلم الدوليين.
وأشار حمدان، إلى أن دور الجزائر اليوم في مجلس الأمن يكتسي بالغ الأهمية، نظرا لقدرتها السياسية والدبلوماسية العالية، التي من شأنها إيقاف الجرائم المرتكبة في حق الشعب الفلسطيني، مضيفا أنها «قادرة كذلك على نيابة المجموعة العربية للدفاع عن قضايا أمتنا وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
من جانبه، قال مدير مركز يبوس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية، والباحث في دراسات الشرق الأوسط سليمان بشارات، في تصريح لـ»الشعب»، «إن طرح الجزائر لملف منع التهجير، واستصدار موقف دولي من مجلس الأمن، يمثل نقطة ارتكاز مهمة. فقد حاول الاحتلال الصهيوني أن يتفرّد بقراره باتجاه الشعب الفلسطيني في قطاع غزة من خلال عمليات الإبادة الجماعية والتدمير المنهجي».
وتابع يقول في السياق، «على مدار أيام الحرب الماضية كان يطرح الملف باعتباره أمرا واقعا. ولكن في ظل الجهد الدبلوماسي الدولي الذي قادته الجزائر، يمكن القول إن الاحتلال لم يعد باستطاعته أن يذهب بخطوات في هذا المسار، فالملف تحول من مجرد طرح صهيوني إلى قرار دولي وموقف دولي موحد يؤسس لمرحلة جديدة في الرؤية الصهيونية تجاه الشعب الفلسطيني».
وخلص إلى أن هذه المحطة تشكل نقطة فارقة ومهمة في تاريخ الاحتلال، الذي اعتمد سياسة التهجير منذ العام 1948 ولم يكن هناك موقف دولي رافضا لها، وهذا بالمناسبة يمكن أن يشكل مرجعية دولية رافضة، إن رغب الاحتلال بتطبيق ذات المنهجية، ليس فقط في غزة وإنما بالضفة الغربية».
وأضاف بشارات، بأن الجهد الجزائري هو تتويج للموقف الجزائري المساند للقضية الفلسطينية عبر عقود طويلة. فالجزائر التي حرصت في مواقفها الرسمية والشعبية على حماية الشعب الفلسطيني أمام مخططات الاحتلال، تحولت الآن إلى ثقل سياسي دبلوماسي يحرك المنظومة الدولية التي ستحاصر من خلالها الاحتلال الصهيوني وتمنعه من التفرد بالشعب الفلسطيني.
ويأتي الدور الجزائري الرائد في مساندة القضية الفلسطينية، ليضيف ـ بحسبه ـ مزيدا من الزخم السياسي الذي بات يتبلور في ظل هذه الحرب، وهو لا يقل أهمية عن الدعوة الدولية التي أقامتها دولة جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية.
وقال في هذا الشأن، «باعتقادي هذا يشجع باقي الدول على اتخاذ ذات المنحى والتعبير عن وقوفها التام إلى جانب الشعب الفلسطيني، بعد أن حاول الاحتلال تغييب القضية الفلسطينية على مدار السنوات الماضية. فقد عمد الاحتلال وبغطاء سياسي أمريكي، إلى إبعاد القضية الفلسطينية عن المنصات الدولية، واليوم يمكن القول إن القضية الفلسطينية عادت إلى مكانتها الدولية وعاد الاهتمام بها إلى سلم أولويات المجتمع الدولي».
بالمقابل، أوضح محمد حمامي، عضو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية وممثلها بالجزائر، في تصريح لـ «الشعب»، أن الجزائر سند وداعم للشعب الفلسطيني، مؤكدا أن «للجزائر مكانة في قلوب جميع الفلسطينيين، لأن ما يعنيها هو القضية الفلسطينية وحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، وهي الدولة العظيمة التي واجهت أبشع استعمار».
وبعدما ذكر مواقف الجزائر المشرفة والداعمة، بقيادة السيد الرئيس عبد المجيد تبون، أشار إلى أنه بدخول الجزائر لمجلس الأمن، كسب الفلسطينيون داعما حقيقا وسندا لنا ولحقوقنا الوطنية المشروعة قد تجلى في مجلس الأمن، بحيث أن الجزائر تعي جيدا أن الشعب الفلسطيني يواجه مشروعا صهيونيا مبنيا على؛ إما قتل الشعب الفلسطيني وإبادته، أو تهجيره عن أرضه. ونبه إلى أن المعركة لم تبدأ في 7 أكتوبر، بل بدأت حرب الإجرام والإعدام والمجازر منذ قيام الاحتلال الصهيوني.
وأضاف حمامي، نشعر بالفخر والاعتزاز عندما نسمع رئيسا عربيا ومسلما وإفريقيا، يقول إن ما يحدث في غزة هو وصمة عار على جبين الإنسانية، وهو ما يجعلنا نتوقع بأنه سيكون للجزائر دور هام ومهم من أجل دعم حقوق شعبنا الفلسطيني.
في سياق متصل، قال أستاذ علم الاجتماع السياسي الدكتور أحمد أبو الهيجا، إن الموقف الجزائري يشكل موقفا متقدما عن كثير من الدول فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وفي الحرب الأخيرة على قطاع غزة، موضحا أنه يتميز عن مواقف كثير من الدول في أنه لم يتسم بالضبابية في دعم الحق الفلسطيني، ولم يتنكر لحق الشعب الفلسطيني في المقاومة.
واستطرد يقول، فبينما تبدي بعض الدول التي تتعاطف مع الحق الفلسطيني مواقف غير واضحة أحيانا في بعض القضايا، لكي لا تخسر الموقف الغربي، خاصة فيما يتعلق بالمقاومة؛ لكن الموقف الجزائري بوضوحه وكذا موقف الدول التي تنحو منحاها، يعطي شرعية للعمل الفلسطيني المقاوم في مقابل محاولات أمريكا والغرب شيطنته دوليا.
وأضاف أبو الهيجا، أنه فيما يتعلق بقضية التهجير، فإن هذه المواقف العربية الواضحة التي عبرت عنها الجزائر، تقطع الطريق أمام المخططات الصهيو-أمريكية لتصفية القضية الفلسطينية، وأي محاولات لفرض أمر واقع من خلال التهجير الطوعي أو القسري.
وخلص إلى أن الشعب الفلسطيني يعول كثيرا على مواقف الدول التي يثق بها وبثبات موقفها، وهذه ميزة في الموقف الجزائري في أن الفلسطينيين يثقون في ثبات مواقفها وأنها لا تتغير ولا تخضع للضغوطات فيما يتعلق بالملف الفلسطيني. هذه الثقة وهذا الثبات في المواقف وعدم التذبذب، يجعل الجزائر طرفا موثوقا. بالتالي، فإننا وباستشراف المستقبل وتحدياته، نعتقد أن هذه الدول الموثوقة لابد وأن تلتقي مع بعضها من أجل أن تشكل سدّا أمام مخططات ما بعد الحرب، كما هو الحال خلال الحرب، وهذا ما نتطلع إليه، خاصة بعد المعركة القانونية المشرفة التي بدأتها جنوب إفريقيا.
أساتذة قانون دستوري: الجزائر حققت سابقـة تاريخية لوقف العدوان ومحاكمة مجرمي الحرب
أكد أساتذة في القانون على أهمية المساعي التي تقوم بها الجزائر على الصعيدين القانوني والدبلوماسي لوقف العدوان الهمجي على غزة، ولمحاكمة مجرمي الحرب المهندسين والمنفذين للجرائم غير المسبوقة التي مست 85٪ من سكان القطاع، في ظل استمرار الصمت الدولي المتواطئ حيال الكارثة الإنسانية في غزة.
اعتبر أستاذ القانون الدستوري محمد بودهان، في تصريح لـ»الشعب»، التصويت بالإجماع ضد المخطط الصهيوني وأي مشروع يتضمن التهجير القسري للفلسطينيين من أراضيهم وممتلكاتهم في مجلس الأمن، قرارا إيجابيا وسابقة تاريخية.
قال بودهان، إن الكيان الصهيوني محاصر الآن بعدة آليات قانونية، قضائية، سياسية ودبلوماسية، لأنه فشل فشلا ذريعا في التعقيب على الدعوى التي قام بها محامو جنوب إفريقيا، ولم يستطع الرد على الاتهامات المؤسسة والمدعمة بالأدلة القاطعة والبراهين عن جرائمه.
وأضاف في هذا الصدد، أن محكمة العدل الدولية قد جهزت قرارا بإدانة الاحتلال الصهيوني، فيما يتعلق بالإبادة الجماعية التي يمارسها على مدنيين عزل بالقطاع، خاصة وأن دولة جنوب إفريقيا، بموازاة الدعوى الأولى التي أقامتها على مستوى محكمة العدل الدولية، تقيم دعوى أخرى أمام المحكمة الجنائية الدولية، ودعاوى من دول أخرى على غرار لبنان.. وهذا ما سيشكل ضغطا على الاحتلال الصهيوني، ليخضع للعقاب الذي تعود الإفلات منه، من خلال الحماية التي توفرها له الولايات المتحدة الأمريكية.
كشف ألاعيب
واعتبر بودهان في معرض حديثه، أن ما تقوم به الجزائر على جميع المستويات والأصعدة الدبلوماسية، القانونية والمؤسساتية، مساعي وطنية ودولية كبيرة، خاصة وان الأمر يتعلق بالقضايا العادلة، كالقضية الفلسطينية وما تتطلبه من نصرة وتكثيف جهود الجميع على المستوى الجهوي والإقليمي والدولي، وبالتالي لها مسؤولية تاريخية، قانونية، سياسية ودبلوماسية أمام الأفارقة والعرب والمسلمين وأمام العالم.
وقال في السياق، «تسجل الجزائر، من خلال خطاب ممثلها الدائم للجزائر لدى الأمم المتحدة وغيره من المبادرات ومواقف إنسانية، حضورا لافتا على المسرح الدولي، إذ تندرج مساعيها في إطار القانون الدولي الإنساني، وفي إطار الاتفاقيات والمعاهدات والنصوص والصكوك الدولية، لاسيما ما تقضي به نصوص محكمة العدل الدولية وميثاق روما، وكذا النصوص الواردة في ميثاق الأمم المتحدة، أو تلك النصوص المتعلقة بالحقوق الأساسية والحريات العامة وحقوق الشعوب.
وأشار إلى أن ما يتكبده الشعب الفلسطيني، يصنف في خانة الجرائم الأكثر قسوة وبشاعة التي عرفتها الإنسانية، وأن الصمت الدولي حيال الدمار الشامل في غزة هو تواطؤ بالفعل.
وأفاد بأن تحرك الجزائر ومساعيها من خلال مجلس الأمن الدولي والمحكمة الجنائية الدولية، من شأنه كشف ألاعيب بعض الدول، وتحميل المسؤولية الأخلاقية والسياسية والدبلوماسية للجميع، لاسيما منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والمجلس الدولي لحقوق الإنسان، وخاصة المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية.
ويعتقد المتحدث، أن العضوية غير الدائمة بمجلس الأمن، فرصة للجزائر لتقوم بدورها الريادي في مسألة حماية الحقوق والحريات للدفاع عن الشعوب المكافحة والتواقة للاستقلال، لافتا إلى أن أول قضية دافعت عنها الجزائر، بعد استلامها مقعدها غير الدائم بمجلس الأمن، هي القضية الفلسطينية، وسيستمر الدفاع عن فلسطين حتى تتحصل على عضوية كاملة ودائمة في منظمة الأمم المتحدة.
ضغط دبلوماسي
من جهتها، تعتقد الأستاذة المحامية ليندة سعد العود، أن ما يحدث في غزة من دمار شامل وخرق صارخ وعلني مدوٍّ لحقوق الإنسان هنا، يجعل من الضروري المرور الى السرعة القصوى، خاصة وأنه تم تحريك 85٪ من سكان القطاع، ولم يتبق سوى 15٪ في مساكنهم ولا تزال الجريمة متواصلة.
المرور إلى السرعة القصوى يكون، بحسب ما أوضحت المحامية، من خلال استمرار الجزائر في الضغط دبلوماسيا في مجلس الأمن، وعن طريق تأسيس لجان تقوم بإعداد التقارير بالأدلة لإضافتها للشكوى الموجودة، كما يمكن للمنظمات والجمعيات الانضمام لهذه الأخيرة، مثل نقابة مستخدمي الصحة ونقابة الأطباء… من أجل الضغط. ولفتت الى ان الجزائر لم تقم بتقديم دعوى أمام محكمة الجناية الدولية كشخص معنوي، لأنها ليست عضوا في هذه الهيئة الدولية.
وأضافت في السياق، أن الدعوى الاستعجالية التي رفعتها جنوب إفريقيا لمحكمة الجنايات الدولية، تقضي بضرورة اتخاذ تدابير استعجالية ومؤقتة، تريد من خلالها إجبار الكيان على تطبيق هدنة للسماح للمساعدات الإنسانية بأن تصل القطاع الذي يعاني كارثة إنسانية غير مسبوقة، ريثما يتم النظر في الأدلة والبراهين التي قدمتها.
كما اعتبرت المحامية سعد العود صمت المجتمع الدولي على ما يحدث في غزة، يسمى بلغة القانون «عدم مساعدة الأشخاص في خطر»، وقالت إن هذا الصمت ليس تواطؤا، وإنما شراكة في الجرائم غير الإنسانية التي يعاقب عليها القانون الدولي والتي يرتكبها الاحتلال الصهيوني في غزة والضفة.
الخبير في العلاقات الدّولية زهير بوعمامة: في أوّل مرافعة لها بمجـلس الأمن.. الجزائر تنتصر لغزّة
أوضح المحلّل السياسي وأستاذ العلاقات الدولية، الدكتور زهير بوعمامة، أنّ الجزائر رافعت لرفض تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، لافتا إلى أنها أعلنت منذ انتخابها عضوا غير دائم بمجلس الأمن، عن دعمها اللامشروط للقضية الفلسطينية، وخطاب رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون حدّد جملة الأهداف والأولويات التي ستشكل محاور ستعمل الدولة الجزائرية على دعمها خلال عهدتها على مستوى مجلس الأمن أمام كبار صناع السياسة الدولية بالعالم.
ذكر الدكتور زهير بوعمامة في تصريح خصّ به «الشعب»، بأن القضية الفلسطينية ملف غير قابل للتفاوض، خاصة وأن الجزائر لم تتردد يوما في تأكيد موقفها التاريخي المعلن عنه صراحة، ونصرتها لفلسطين ظالمة أو مظلومة.
أفاد المتحدّث أنّ عضوية الجزائر بمجلس الأمن فرصة تغتنمها الجزائر للمرافعة لصالح القضية الفلسطينية ولفت انتباه المجتمع الدولي، للتنديد بما يجري من إبادة جماعية للأشقاء الفلسطينيين وسط سكوت دولي، صنّفته الجزائر على لسان ممثلها الدائم بالأمم المتحدة، السفير بن جامع، في خانة التواطؤ، ودعت من منبر مجلس الأمن إلى وقف فوري للعدوان الصهيوني على غزة.
لأوّل مرّة في تاريخه الإجرامي
وترجم المحلّل السياسي، العضوية النشطة والفعالة للجزائر على مستوى مجلس الأمن، في مبادرة هذا الأخير للدعوة لعقد اجتماع لمناقشة الموضوع المتعلق بالمخطط الصهيوني للتهجير القسري للفلسطينيين من غزة، ما تعتبره الجزائر غاية في الخطورة والاعتداء على الحق الفلسطيني في التمسك بأرضه، مخطط يعمل الكيان الصهيوني على تجسيده منذ 1948.
وتابع بالقول إنّ المخطط هدفه التنكيل بالفلسطينيين وإبادتهم بطريقة وحشية، ما دفع بالعديد من أحرار العالم إلى الانفجار أمام مشاهد يندى لها جبين الإنسانية، انحنت أمامها الرّؤوس معزية، مطالبة عدالة دولية تنصف غزة وتدفع الأذى المتواصل على الفلسطينيين من خلال مظاهرات بدول غربية وأوربية، وردود أفعال دولية جرت الكيان الصهيوني لأول مرة من تاريخه الإجرامي إلى المثول أمام محكمة العدل الدولية بدعوى قضائية حركتها جنوب إفريقيا، ودعمتها العديد من الدول المساندة للحركات التحررية والمؤمنة بحق الإنسان في الحياة، تنديدا بالتجاوزات اللاإنسانية التي طالت الأطفال والمدنيين والمدارس والمستشفيات رغم حصانة هذه الأخيرة، واعتبار الاعتداء عليها جريمة حرب.
مئة يوم وحصيلة قاربت 30 ألف قتيل، كانت كفيلة بإعادة توجيه البوصلة الجيو-إستراتيجية نحو القضية الفلسطينية كقضية مركزية، لم تتمكّن أسلحة الدّمار الصهيونية المحظورة دوليا من إخماد صوتها، بل زادت من صمود الفلسطينيين وتمسّكهم بأرضهم، استطرد ذات المتحدّث بأسف عميق، وهو ما سعت وتسعى إليه الجزائر في تدخلاتها بالمحافل الدولية، وعلى مستوى الهيئات والمنظمات الدولية، وقبل ذلك خلال القمة العربية التي احتضنت أشغالها قبل عامين.
واعتبر القرار الصادر عن مجلس الأمن بإجماع من أعضائه، القاضي بالرفض القاطع للتهجير القسري للفلسطينيين من أراضيهم، انتصارا لمسعى الجزائر وهزيمة دبلوماسية للكيان الصهيوني تضاف إلى جملة الهزائم التي تلاحقها منذ عدوانها على غزة، وجرعة أمل تشحن النّفوس الصامدة وتدعمها في إصرارها على التّمسّك بأرضها.