الأصل والمنطلق، طبعا، هو أنّ مصدر الحوار في أيّ مجال هو الإنسان، المحور المشترك بين الحضارات والقيم مهما كان حجم التباين الثقافي ومسافة التباعد الجغرافي. وعندما ترتبط الثقافات المتباينة والمسافات المتباعدة باحترام قيم وعادات الآخر حتما يكون الانسجام والتكامل، وبالتالي تحصين الأمم والشعوب من الاهتزازات والأزمات التي عاشها العالم في العصر الحديث الناتجة عن ممارسات التفوّق والاستغلال والهيمنة والتوسّع والأحادية قادتها في العصر الحديث القوى الغربية الكبرى.أتناول باختصار في النقاط التالية:
– مفهوم الحضارة.
– مفهوم وأبعاد الحوار الحضاري.
– آليات للحوار الحضاري.
– الغرب وحوار الحضارات.
– الحضارة الشرقية وحوار الحضارات، الصين نموذجاً.
– الحوار الحضاري العربي – الصيني.
– آليات لتعزيز الحوار الحضاري العربي – الصين.
– حوار الحضارات والمستقبل العالمي المشترك.
أولا. مفهوم الحضارة:
بالمفهوم البسيط،الحضارة هي قيم وثقافة وفكر وعلوم وإبداعات فنية واختراعات لمجتمع ما أو مجتمعات معينة وأنماط حياة سياسية واقتصادية متميّزة ومتنوّعة للأمم والشعوب. فهي انعكاس لتعايش مجتمع وأمة أو مجتمعات أو أمم يتم فيها تجاوز التباين والخلافات القومية من أجل الوصول إلى توافق حول الأوليات والقواسم المشتركة محورها الإنسان والمنافع الإنسانية المعنوية والمادية المتبادلة. ضمن ذلك، كان مصدر ومرجعية الحضارات المتنوّعة والمتعدّدة (الحضارة الصينية، الحضارة الإسلامية، الحضارة العربية والحضارة الشرقية ككلّ، الحضارة الرومانية، الحضارة اليونانية…الخ). المنطلق هو أنّ الحضارة نمط حياة لانسجام حضارة وتواصل الحضارات يسمو فيها التعايش السلمي من أجل تبادل التجارب والمنفعة المتبادلة.
يفترض أنّ الأصل في كلّ حضارة هو التواصل والتكامل مع الآخر. فالصراع الذي شهدته الإنسانية لا علاقة له بمفهوم الحضارة والتحضّر التي هي قيم ومكوّنات إنسانية. الحضارة ليست شعاراً أو مبادرة ذاتية لهويه خاصة أو منظومة قائمة على التعدّدية السياسية والديمقراطية وحقوق الإنسان في الشكل مثل ما تقدّمه القوى الغربية الكبرى. فما حدث من صراع في العالم كان باسم الحضارة الغربية وليست الحضارة الغربية نفسها. فمن حيث الطرح والمحتوى النظري للحضارة الغربية فهي لا تختلف كثيرا عن الحضارات الأخرى، الفارق يظهر في الممارسات الميدانية. الثورة الفرنسية مثلا قامت على أساس بعد إنساني، ولكن في التطبيق آلت لمضاعفة الاستعمار الفرنسي في العالم لتصبح فرنسا ثاني أكبر إمبراطورية استعمارية في العالم، ونفس الشيء ينطبق على بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية والقوى الغربية، وكلّ الذين هيمنوا على العالم لقرون بمبرّر إنساني وديمقراطي في المحتوى، واستعماري توسّعي في البعد والممارسات الميدانية، وما زالوا كذلك، بل أكثر من ذلك، باسم العولمة والشعارات الإنسانية والديمقراطية والتي هي محلّ استهتار وانتقاد شديد من الشعوب الغربية نفسها وحتى من طبقات سياسية متعدّدة بما فيها عناصر من داخل السلطات الغربية، على غرار ما يحدث منذ بداية (7 أكتوبر 2023) عدوان الكيان الصهيوني على الشعب الفلسطيني بغزّة . الغرب ممثلا في هرم السلطة يقف ويدعم الاعتداء مؤكّدا أنّ ما يسمى بحقوق الإنسان والديمقراطية والتحضّر أو التنوّع الحضاري، وسيلة لتحقيق أغراض سياسية واقتصادية واستراتيجية وليست هدفا في حدّ ذاتها.
ما حدث في الحرب العالمية الأولى والثانية، صراع قوى غربية كبرى داخل حضارة واحدة (الحضارة الغربية) حول من يستفيد أكثر، متجاهلين ثقافة وحضارة الآخر من أجل الموارد الطبيعية والاقتصادية للغير، تجاهل أدّى في النهاية لمقاومتهم وإخراجهم كقوى استعمارية مباشرة ومواجهتهم حالياً كقوى غربية كبرى تريد أن تهيمن على العالم باسم العولمة والتي هي في الحقيقة استعمار جديد. تاريخ الغرب هو صراع وقمع وإبادات جماعية منذ الحملات الغربية التوسّعية الأولى حول من يستفيد أكثر. ذلك ما عبّر عنه مفكّرون من الغرب مثل “روجي غارودي” بأنّ تاريخ الغرب هو تاريخ الإبادات الجماعية للإنسان من الهنود الحمر وإفريقيا (نخاسة الزنوج التي أفنت 100 مليون إفريقي)”.
ما يحدث حالياً باسم الحضارة الغربية التي تقدّم على أساس التفوّق على الآخرين، هو في الحقيقة بأهداف وأبعاد تعميق استمرار الهيمنة على الأمم والشعوب، خاصة بعد تفكّك المعسكر الاشتراكي أين قدّمت الأحادية كهزيمة للحضارات والبدائل الأخرى وتفوّق المشروع الغربي الليبرالي المحتوى والرأسمالي- الامبريالي المشروع الذي تبنّاه مفكّرون مثل فرانسيس فوكوياما (الانتصار المطلق للمنظومة الغربية ونهاية التاريخ) صامويل هنتنغتون (صراع الحضارات،صراع الحضارة الغربية مع الحضارات الأخرى وفي مقدّمتها الإسلامية والكونفوشيوسية).
ثانيا. مفهوم وأبعاد الحوار الحضاري:
تاريخ البشرية مليء بتواصل وتعايش الحضارات المتعدّدة في العالم (الصينية، الإسلامية، الفرعونية، الآشورية، الإفريقية، العربية، اليونانية..). فالأصل في وجود الإنسان هو تداول الكلام مع آخر أو الآخرين ليتطوّر داخل المجتمع الواحد أو خارجه. من هذا المنطلق يفترض أنّه لا يوجد شيء اسمه تفوّق الحضارات مثلما تقدّم به “فوكوياما” أو صراع الحضارات مثلما تقدّم به “صامويل هنتنغتون”. فالحوار يقوم على المساواة والاحترام المتبادل وليس التفوّق والصراع. غير ذلك يؤدّي إلى هيمنة دولة أو ثقافة معينة، وبالتالي المسّ بأسباب الأمن والاستقرار والتعايش السلمي على حساب حوار الحضارات، الذي يؤسّس لاكتساب التجارب العلمية والثقافية والتطوّر الصناعي والتكنولوجي الحتمي لأيّة نهضة صناعية أو تنمية مستدامة تصبو إليها الأمم والشعوب جمعاء.
تتطلّب التحدّيات المشتركة للإنسانية احترام التوارث الحضاري وليس فرض تميّز أو تفوّق حضارة على حضارة أو حضارات أخرى. حوار الحضارات هو بديل حتمي للصراع والحروب والكراهية والصدام والتهميش والقمع والسيطرة، وفي نفس الوقت، نهج واختيار للمساواة والمنفعة المتبادلة والتعايش السلمي.
الاهتمام المتزايد بالحوار خاصة منذ تفكّك المعسكر الاشتراكي أو ما يروّج له الغرب بزوال الشيوعية أو الاشتراكية راجع في الواقع إلى الأزمات الاجتماعية والدينية والثقافية والاقتصادية والأمنية التي يعيشها العالم بخلفيات وأبعاد غربية على حساب الإنسان أو الإنسانية جمعاء محورها المشترك هو الإنسان. احتواء الأزمات والصراعات يتطلّب تعميق ومضاعفة الحوار من خلال:
^ اعتماد مناهج ومفاهيم وآليات حوار قائمة على دراسة الخلفيات والأسباب الحقيقية للأزمات الناتجة عن التحوّل الذي شهده العالم بعد تفكّك المعسكر الاشتراكي من جهة، وعن تضاعف أهمية التكنولوجيا من جهة أخرى.
^ التفكير في المستقبل يدفع بالبحث عن الحوار مع الآخر من منطلق الاعتراف المتبادل بالحضارات الإنسانية المتعدّدة. الحوار بين الأمم والشعوب بديل للعنف والقوّة والاتجاه نحو عالم خال من الأزمات والصراعات.
^ الحوار ليس بهدف إدماج الحضارات أو فرض ثقافة معينة على الآخرين على النمط الذي تقدّمه المنظومة الغربية الهدف هو تحديد وتثبيت قواسم إنسانية مشتركة، يتطلّب ذلك:
- الاعتراف المتبادل بالثقافة والقيم المتنوّعة والمتباينة في العالم.
- الابتعاد عن التحجّر والتطرّف والتمسّك بالمسلّمات التي هي حواجز لأيّ حوار عملي وجاد.
- البحث في الأولويات والاهتمامات المشتركة وتجاوز الموضوعات محلّ تباين أو خلاف.
- أن يقود الحوار فعاليات إنسانية متباينة حضاريا ومتوافقة في مضمون وهدف وبعد الحوار وفي مقدّمتها احتواء أسباب الخلافات والصراعات.
- يجب أن يتناول الحوار كلّ الأزمات الإقليمية والدولية من منطلق أنّها تؤثّر على مبدأ التعايش السلمي، الهدف الأسمى لحوار الحضارات من أجل التعايش السلمي بين الأمم والشعوب.
ثالثا. آليات للحوار الحضاري:
هناك آليات متعدّدة لا يمكن ذكرها كلية في هذه الدراسة، وما يمكن ذكره هنا ما يلي:
- اعتماد الإنسان كمتغير أساسي للتواصل بغضّ النظر عن ثقافة أو جنسية أو مكان تواجده.
- تكثيف المنتديات العالمية للتواصل بين الأمم والشعوب لخلق عوامل وأسباب نجاح الحوار.
- مضاعفة تواجد مراكز ثقافية عبر مختلف الدول والهيئات الإقليمية والدولية للتعريف بثقافة وعادات ومكتسبات الآخر. ذلك في حدّ ذاته تواصل وحوار مباشر يؤسّس للتوافق والقواسم المشتركة.
٤. تكثيف التواصل والتعاون العلمي بين الجامعات ومراكز البحوث، رهان أساسي لتبادل التجارب العلمية والفكرية ضمن ووفق البحث عن المنافع المتبادلة ومضاعفة التواصل بين الباحثين والمفكرين الذين يشكّلون روافد إنسانية طلائعية ونخب فكرية لحوار الحضارات.
- دعم روابط وجمعيات الصداقة بين الشعوب في العالم. ذلك كان رافداً أساسياً لتواصل الدول والشعوب بما فيها دول وحكومات متعدّدة متعادية على غرار ما تم بين الشعب الصيني والشعب الأمريكي لعقود من الزمن، قبل قيام العلاقات الصينية – الأمريكية في السبعينيات من القرن الماضي، مثلما قام به أمريكيون أصدقاء للصينيين على غرار “سيدني ريتنبرغ” (Sidney Rittanburg) أو “إيدغارسناو” (Edgar Snaow) و«آن لويس سترونغ” (Anne Louis Strong)، وما تقوم به جمعية الصداقة الأمريكية – الصينية
- اعتماد المنفعة المشتركة والمصالح المتبادلة بين الأمم والشعوب والتي هي أصل ومنطلق الاهتمامات الإنسانية جمعاء بغضّ النظر عن التباين في الثقافات والمعتقدات.
- دعم نظام دولي متعدّد الأقطاب وإبعاد الأحادية القطبية التي مصدرها الغرب. ذلك لصالح الجميع بما فيها الشعوب والدول الغربية في مواجهة عناصر متطرّفة تبحث عن مصالحها الخاصة على حساب الشعوب بما فيها الشعوب الغربية. المبادرات الصينية مثل الحزام والطريق ومنظمة شانغهاي والتنمية العالمية المشتركة هدفها هو إبعاد الانحرافات التي مارستها الأحادية القطبية خاصة منذ تفكك المعسكر الاشتراكي في بداية التسعينيات من القرن الماضي لدرجة اهتزاز وظيفة ومهمة تأسيس منظمة الأمم المتحدة والقانون الدولي والشرعية الدولية ككلّ. فالمبادرات المذكورة أعلاه خارج المنظومة الغربية في مضمونها، هو لتصحيح المسار الدولي المتفق عليه في المؤسّسات والمنظمات الدولية وفق وضمن ميثاق الأمم المتحدة، وليس في مواجهة الغرب كما تقدّمه الوسائل الإعلامية والمصادر السياسية الغربية.
رابعا. الغرب وحوار الحضارات:
كما تم ذكره، نظرياً، المنظومة الغربية دستوريا وقانونيا وإعلامياً تتضمّن المتغير الإنساني للتواصل بين الأمم والشعوب، ولكن عند التطبيق، العكس هو الصحيح. باسم حقوق الإنسان والديمقراطية يمارس الاستعمار والتوسّع والهيمنة وتمارس ما يسمى بالعولمة التي هي في الحقيقة استعمار جديد للهيمنة على موارد وإمكانيات الشعوب بأساليب وطرق أخرى. وضمن ذلك يقدّم الغرب العولمة بأبعاد إنسانية وفي الحقيقة هي استمرار للهيمنة الغربية بما فيها تقديم مظاهر وسلوكيات تتناقض مع قيم وطبيعة الإنسان لدرجة الانحراف بمبرّر الحرية وحقوق الإنسان (الشذوذ، ضرب القيم، عدم الاعتراف بثقافة الآخر…).
تضاعفت المنظومة الغربية ضمن هذا الطرح، خاصة بعد مرحلة ما بعد الاستعمار المباشر، وبالأخصّ بعد تفكّك المعسكر الاشتراكي في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، تزعّم هذا الطرح صامويل هنتنغتون باعتبار صراع الحضارات هو الذي يسود بعدما يسمى بالحرب الباردة ومعه كذلك “فرانسيس فوكوياما”، باعتبار أنّ الحضارة الغربية انتصرت وهي التي تسود في حضور فشل الإيديولوجية الاشتراكية بقيادة الاتحاد السوفيتي.
بالغرب في حدّ ذاته، ظهرت أفكار تنتقد رواد المنظومة الغربية الرأسمالية المحتوى مثل “روجي غارودي” الذي طرح ضرورة انتقال العالم من القطبية الثنائية وعدم الانحياز إلى عالم متعدّد الحضارات ومتعدّد الأقطاب وليس دخول المنظومة الغربية في صراع مع الحضارة الإسلامية والحضارة الشرقية ككلّ. فالمنظومة الغربية بطرحها في العقود الأخيرة هو لتفريغ الوطن من قيمه ووطنيته وانتماءاته الدينية والثقافية وخصوصياته الاجتماعية والسياسية، ليصبح العالم عبارة عن حضارة واحدة تصنعها القوى الغربية الكبرى بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
مقاربة صامويل هنتنغتون المتمثلة في صراع الحضارات بعيدة عن الموضوعية؛ لأنّ الأصل والمنطلق الطبيعي الإنساني هو الذي يجب أن يسود، وبالتالي لا يوجد صراع حضارات أو تفوّق حضارات. يظهر الصراع عند البحث عن المصالح المادية والتميّز والهيمنة، أما التباين بين الثقافات والحضارات فهو واقع طبيعي كوني قائم، وإدارته هي التواصل وتجاوز الخلافات من خلال القيم والمصالح المشتركة.
لا يمكن تقديم الحضارة الغربية بقيادة القوى الغربية الكبرى ذات أولويات إنسانية أكثر من أنها بأبعاد توسعية في العالم. وما تحقّق بما يسمى بالحضارة الغربية هو في الحقيقة نتاج لممارسات استعمارية واستغلال موارد وإمكانيات الشعوب. وصول الغرب لنهضة صناعية وتكنولوجية راجع للاستعمار والهيمنة والتوسّع في العالم لأكثر من 300 سنة. بالمقارنة.. الصين مثلا وصلت لنهضة صناعية وتكنولوجية كبرى تجاوزت الغرب في فترة قصيرة لا تتجاوز أربعة عقود بإمكانياتها الذاتية وليس بالاستغلال والتوسّع.
خامسا. الحضارة الشرقية وحوار الحضارات.. الصين نموذجاً :
في مقابل الطرح المادي المنطلق للمنظومة الغربية تأتي الحضارة الشرقية القائمة على التباين في الثقافات والقيم والتواصل المتبادل. تعتبر الصين نموذجاً لذلك. يتمثل المنظور الصيني في أن التباين والاختلاف الثقافي والحضاري متغيّر للتواصل والتعاون وتبادل التجارب والمكتسبات وليس للتفوق والتميز.
عاش الشعب الصيني، وتعيش الصين الحديثة هذا المنظور وتلك المقاربات في مواجهة التحديات والممارسات الغربية والاستفزازات بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ضد استرجاع أراضيها وجزرها المفصولة عن الصين الأم، وفي مقدمتها تايوان، أو بابتزاز الصين من خلال ما يسمى بحقوق الإنسان للتجمعات الصينية الموجودة مثلاً بـ«شينجيانغ” بمبرر الدفاع عن المسلمين هناك، أو التبت، بمبرر الدفاع عن هوية سكان التبت، وفي الحقيقة أن ذلك لا علاقة له بمصالح سكان “شينجيانغ” والتبت.
الهدف هو المسّ بنهضة الصين الصاعدة ودورها الدولي والإقليمي المتزايد وطرحها الديمقراطي والإنساني الفعلي ضمن التنمية العالمية المشتركة، والمنفعة المتبادلة من خلال مبادرات متعدّدة في العقدين الأخيرين على غرار مبادرة الحزام والطريق، والتي هي تحويل الفكر والتجارب القديمة إلى مشاريع مستقبلية للإنسانية جمعاء بما فيها الإنسان الغربي من خلال التوافق والانسجام بدل الصراع، كما عبّر عن ذلك الرئيس “شي جينبينغ” في لقاء الحزب الشيوعي الصيني مع الأحزاب السياسية في العالم (15 مارس 2023) بأن التعايش السلمي ومنع الحروب وإبعاد التوترات واحترام التنوّع الحضاري شروط مصيرية لنهضة وتعاون الأمم والشعوب.. ذلك ما تقوم به الصين في مناطق متعدّدة في العالم بالوساطة لحلول سياسية للأزمات الإقليمية والدولية (أوكرانيا، الشرق الأوسط: إيران والسعودية).. تعتبر الصين وسيط أمثل للأزمات بحكم أنها كانت وما زالت بعيدة عن الصراعات والتدخلات العسكرية.
الشعوب تواقة لوضع حدّ للمآسي الاجتماعية والأزمات الاقتصادية والأمنية التي تعيشها والتي هي سبب وخلفية ومنطلق الاحتجاج والمقاومة من أجل التغيير. المتغير الاقتصادي والتنمية المستدامة من خلال الاستثمار في البني التحتية هي رهان تعايش وتكامل الأمم والشعوب في مواجهة الاستغلال والتوسّع الغربي على غرار ما يحدث في إفريقيا في الوقت الراهن.
سادسا. الحوار الحضاري العربي ـ الصيني:
يشكّل التواصل والحوار العربي ـ الصيني نموذجا مثالياً لحوار الحضارات بحكم العمق التاريخي العريق والمجال الحضاري والجغرافي المترابط (الحضارة الشرقية) والتحديات المشتركة للطرفين من طرف الغرب في العصر الحديث.
ترجع العلاقات العربية – الصينية بمحتوى التواصل الحضاري إلى أكثر من 2000 سنة، منطقاتها كان طريق الحرير الذي يضمن التبادل التجاري واكتساب الصناعات الصينية في مجال صناعة الخزف والورق وتبادل التجارب في مجال الاختراعات والمعارف الطبية والفلكية والتواصل الثقافي والدبلوماسي التي فتحت المجال للتعاون الصيني العربي وأسست لتواجد جاليات عربية بالصين بما فيها تبني الصينيين للثقافة الإسلامية والدخول في الإسلام في أماكن متعدّدة بالصين ليصبح ذلك رافداً للتواصل بين العرب والمسلمين من جهة والصينيين من جهة أخرى.
مع تأسيس جمهورية الصين الشعبية (1949) التي كانت نتاجاً لتحدّ طويل للاستعمار المتعدد للصين (الاستعمار الغربي والياباني)، أصبحت الصين قوة أمامية في مناصرة الشعوب والأمم ضد الاستعمار والهيمنة.. يأتي في مقدمة ذلك العالم العربي. عقب انتصار الثورة الصينية معظم الدول العربية كانت تحت الاستعمار. بل أكثر من ذلك الاختراق الغربي للعالم العربي تضاعف بعد الحرب العالمية الثانية من خلال تأسيس الكيان الإسرائيلي (1948). هذا الأخير الذي أصبح محطة أساسية للاستعمار الغربي في المنطقة، مثلما عبر عنها الرئيس الصيني ماوتسي تونغ”.. لآسيا بوابتان يدخل منهما الاستعمار، بوابة غربية واسمها (الكيان الصهيوني) وشرقية واسمها تايوان”، الصين نفسها كانت في مواجهة الغرب على حدودها الشرقية عبر تايوان الصينية.
وجدت الشعوب العربية والشعب الصيني أنفسهم في جبهة واحدة ضد الاستعمار والهيمنة الغربية. شكّلت الثورة المصرية في المشرق العربي (1952) والجزائرية (1954-1962) في المغرب العربي مجالين كبيرين للدعم الصيني العربي المتبادل.
أصبحت المبادئ والمنطلقات المشتركة للثورة الصينية والثورات العربية مرجعية ومصدر دعم لتحرير الشعوب من الهيمنة والتمييز العنصري. وضع عمق الترابط والدعم المتبادل العربي ـ الصيني لتصبح الدول العربية قوة دعم لاسترجاع الصين لمكانتها في الأمم المتحدة سنة1971.
لعبت الجزائر دوراً أساسياً في طرد تايوان من منظمة الأمم المتحدة واسترجاع الصين لمكانتها في المنظمة، وينتقل حجم التعاون العربي – الصيني من أقل من 40 مليار دولار قبل التسعينيات من القرن الماضي، إلى أكثر من 400 مليار دولار سنة 2023 وانضمام كل الدول العربية، تقريباً، في مبادرة الحزام والطريق (20 من 22 دولة عربية) وتدخل دول عربية في العقد الأخير في علاقات تعاون استراتيجي مع الصين.
يرجع التطور السريع والمتزايد في العلاقات العربية ـ الصينية إلى:
- الصعود السلمي للصين والتطور الصناعي والتكنولوجي الصيني المتزايد بمنظور وآليات المنفعة المتبادلة.
- المنظور العربي للصين يتمثل في أنها كحضارة ودولة عبر تاريخها العريق لم تمارس فيه الاستعمار والتوسّع، بل الصين نفسها كانت ضحية لذلك.
- التوجّه العربي المتزايد للانتقال من الصناعات التقليدية إلى التطور الصناعي والتكنولوجي والرقمنة أين أثبتت الصين تفوقها ودعمها للآخرين لاكتساب ذلك.
- متغيّر النفط والغاز وحاجة الطرفين لذلك. العالم العربي بحاجة لتصدير النفط والغاز والموارد الأولية مقابل عائدات لدعم المشاريع التنموية، والصين بحاجة لذلك لصناعاتها واقتصادياتها الكبيرة والمتطوّرة.
سابعا. آليات لتعزيز الحوار الحضاري العربي ـ الصيني:
الحوار الحقيقي هو الذي يستهدف التنمية والرفاهية للشعوب، وليس البحث عن الفوارق في الثقافات والمعتقدات.. التطور الصناعي والتنمية لا يتماشى مع القوى الغربية الكبرى؛ لأنه يبعد التبعية ويزيح الروابط الاستعمارية. العناصر الفاعلة في المنظومة الغربية تريد وتعمل على ترسيخ التبعية واستمرارها على حساب الأولوية القصوى وهي التنمية البناءة والمستدامة؛ وذلك لأسباب متعددة من بينها:
- أن التنمية تكشف خلفية الاستعمار والذهنية الاستعمارية بترك الشعوب تعاني التخلف والتهميش.. شعوب العالم تدرك الفارق بين الصين والغرب.. الشعوب العربية والإفريقية عاشت الدعم الصيني للمشاريع التنموية حتى في العقود الأولى عقب تأسيس جمهورية الصين الشعبية رغم الحصار والانغلاق الغربي على الصين خلال هذه الفترة (1949-1980) بما فيه الدعم الصيني لمشاريع تنموية بإفريقيا والعالم العربي ومناطق أخرى من العالم مثل خط السكة الحديدية الكبير الممتد على مسافة طويلة بين تانزانيا وزامبيا (1900كلم)، السدود المتنوعة وصناعة الخزف والصناعات الميكانيكية والفلاحية عبر دول متعددة بإفريقيا والعالم العرب. وفي العقود الأخيرة، تضاعف دعم الصين للبنى التحتية لمختلف دول العام، يأتي العالم العربي في مقدمة ذلك (الموانئ، الطرقات، السكك الحديدية، السدود،الصناعات الفلاحية والميكانيكية، الطاقة الشمسية، الصناعات البترولية.. إضافة إلى العمران والمؤسسات الصحية والهياكل الإدارية….).
– 2. تكشف ممارسات وسلوكيات المنظومة الغربية المتطرّفة في تأزيم الأوضاع باسم صراع الهوية أو العقيدة، وبالتالي خلق بيئة للاستثمار في الأزمات من خلال سوق الأسلحة التي تتطلب وضعا متوترا لمضاعفة الطلب على الصناعات والتجهيزات العسكرية مصدرها الشركات والمؤسسات الصناعية الغربية المنتشرة عبر العالم.
شكل التواصل الحضاري العربي – الصيني نموذجاً أمثل للعالم من خلال:
- مبادرة الحزام والطريق بمحتواها الثقافي والعلمي والاقتصادي والصناعي والتكنولوجي رافداً أساسياً ومجالا أكبر للتعاون العربي ـ الصيني ومستقبل العلاقات العربية ـ الصينية، أثبتت أنها في مستوى تطلعات الشعوب والأمم للتنمية والمنفعة المتبادلة، وها هي السعودية مثلاً تتحول من دولة تتحفظ في العلاقات مع الصين عقب تأسيس جمهورية الصين الشعبية، إلى دولة في مقدمة الدول العربية في حجم التعاون والتبادل الاقتصادي مع الصين.
- تشكّل القمم العربية على مستوى هرم السلطة مجالاً أوسع وواعدا للعلاقات العربية ـ الصينية وأكثر التزاماً بمبادئ وأطر العلاقات العربية ـ الصينية. شكلت القمة العربية ـ الصينية بالمملكة العربية السعودية (من 09 إلى 10 ديسمبر 2022) محطة جدّ هامة في تاريخ العلاقات العربية ـ الصينية. قمة توصلت إلى الاتفاق حول 8 نقاط للتعاون بين الصين والعالم العربي متمثلة في الأمن الغذائي، الصحة، التنمية الخضراء، الابتكار، أمن الطاقة، الحوار بين الحضارات، العمل المشترك لتأهيل الشباب والأمن والاستقرار الإقليمي والعالمي. تمّ التأكيد في هذه القمة على القيم المشتركة للإنسانية والرفاهية والمساواة والديمقراطية البناءة والحرية، وحق الشعوب في اختيار الطرق الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تتماشى مع أوضاعهم الوطنية ورفض التدخل في الشؤون الداخلية بحجة الديمقراطية وحقوق. نقاط تعكس المنظور الصيني الموثق في الكتاب الأبيض للصين المتضمن الشراكة الإستراتيجية عبر التعاون الاقتصادي والتعايش السلمي، وعبر عنه الرئيس الصيني شي جينبينغ في مناسبات متعدّدة بأن حوار الحضارات يتمّ من خلال التنوع الحضاري الذي هو مسار يعزز التعايش السلمي ويصنع الأسس الحقيقية للتنمية العالمية المشتركة.
- العلاقات العربية الصينية على المستوى الثنائي في مختلف المجالات تشكل رافدا مباشر ومصدرا ثابتا لتعزيز الحوار العربي الصيني من خلال مؤسسات رسمية لذلك (السفارات) وفي مقدمتها تفعيل الاتفاقيات الثقافية والإعلامية المصادق عليا بين الطرفين على غرار ما تمّ بين الجزائر والصين عقب زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى الصين (جويلية 2023).
- توجيه الإعلام لتقديم صورة مضيئة عن الحضارتين العربية والصينية في مواجهة التغليط والتشويه الإعلامي الغربي.
- منتدى التعاون العربي ـ الصيني: يشكل المنتدى الذي تم تأسيسه منذ عقدين مجالاً أساسياً للتعاون العربي ـ الصيني والتواصل الحضاري بين الشعوب العربية والشعب الصيني، لأنه قائم على نبذ الانحياز الأيديولوجي وتجاوز صراع الحضارات واحترام طرق التنمية الوطنية وإقامة علاقات على أساس التسامح والتواصل الإنساني.
- الأحزاب السياسية: العلاقات العربية – الصينية على المستوى الحزبي تضاعفت في العقد الأخير وآخرها حوار الأحزاب السياسية العربية مع الحزب الشيوعي الصيني (67 حزبا ومؤسسة عربية :11-15جويلية 2023)، والذي انتهى بالاتفاق حول رفض سياسة القوى والهيمنة والعمل على الدعم المتبادل وتدعيم السلام في الشرق الأوسط وتعزيز المشاريع التنموية الوطنية المشتركة، كل حسب وضعه، ورفض الإرهاب بديانة أو عقيدة أو ثقافة معينة، وتعزيز التواصل الإنساني لدعم حوار الحضارات واحترام تنوع الحضارات في العالم وتعزيز القيم الإنسانية المشتركة وإدراك أهمية التراث العالمي وتعزيز التبادل والتواصل الإنساني.
- تشكل رابطة جمعيات وروابط الصداقة العربية – الصينية والتي تحت إشراف جامعة الدول العربية محطة جد هامة للتواصل والترابط بين الشعوب العربية والشعب الصيني من خلال جمعيات وروابط الصداقة العربية – الصينية وجمعية أصدقاء الشعب الصيني مع البلدان الأجنبية.
- التعاون والتبادل العلمي بين الجامعات ومراكز البحوث خاصة ما يتعلّق بالاهتمامات الوطنية للدول العربية في التنمية والتكنولوجيا حيث أثبتت الصين دعمها لذلك.
- تعزيز وتكثيف المراكز الثقافية الصينية بالعالم العربي، والعربية بالصين لتعميق ثقافة التواصل بين الشعوب العربية والشعب الصيني خاصة تدريس اللغة العربية بالصين والصينية بالدول العربية.
- تشجيع التواصل الإنساني من خلال السياحة التي تشكل مجالا ميدانيا للتواصل واكتشاف حضارات الجانبين (الثقافات المتنوعة، المعالم الأثرية، التاريخ، العادات والتقاليد، الطبيعة…)
- الرياضة لها تأثير متزايد على الجماهير. التكثيف من تنظيم مباريات ولقاءات رياضية ودية دوريا في مختلف الرياضات بين الأمم يعمق العلاقات الإنسانية ويضاعف التواصل.
يمكن تقديم الحضارة الغربية بقيادة القوى الغربية الكبرى ذات أولويات إنسانية أكثر من أنّها بأبعاد توسّعية في العالم. وما تحقّق بما يسمى بالحضارة الغربية هو في الحقيقة نتاج لممارسات استعمارية واستغلال موارد وإمكانيات الشعوب. وصول الغرب لنهضة صناعية وتكنولوجية راجع للاستعمار والهيمنة والتوسّع في العالم لأكثر من 300 سنة. بالمقارنة.. الصّين مثلا وصلت لنهضة صناعية وتكنولوجية كبرى تجاوزت الغرب في فترة قصيرة لا تتجاوز أربعة عقود بإمكانياتها الذاتية وليس بالاستغلال والتوسّع، كما سبق القول.
حوار الحضارات والمستقبل العالمي المشترك:
المحور السابع في هذه الدراسة حول “آليات لتعزيز الحوار الحضاري العربي – الصّيني” يتكامل مع المحور الثامن والأخير بعنوان “ حوار الحضارات والمستقبل العالمي المشترك”. انطلاقا من أنّ مضمون وأهداف حوار الحضارات هي التواصل بين الثقافات المتعدّدة ومبادئ وقيم الأمم والشعوب المختلفة أينما كانت وكيفما كانت دون استثناء ورفض الإقصاء والتطرّف بإشراك كلّ الثقافات والقيم والسلوكيات الإنسانية في حوار يعتمد فيه الإنسان العامل المشترك للبحث عن العدالة والمساواة ورفض التمييز والعمل معاً للوصول للتنمية والرفاهية المشتركة والمنفعة المتبادلة للأمم والشعوب، فإنّ ذلك يتطلّب:
على الغرب الإدراك بأنّ الأحادية في المنظور والبعد لن تجد لها مكانة في العقود وربما في السنوات القليلة القادمة، كما صاغها الفيلسوف من الغرب”روجي غارودي”.. إنّ الغرب مطالب بالخروج من الفكر المسدود والتوجّه نحو حوار حقيقي بين الحضارات المتباينة، والمقصود هنا الغرب المتطرّف، حتى لا ندرج الغرب ككلّ. بالغرب إنسانيين.. هناك فئات ونخب متعدّدة يكتبون ويرافعون من أجل احترام التنوّع في الثقافات والحضارات من أجل عالم. المعنيون بالغرب في دراستنا هذه هم المتطرّفون الذين اهتماماتهم وأولوياتهم هي المصالح المادية الخاصة على حساب أغلبية الشعوب بما فيها الشعوب الغربية.
– احترام قيم وثقافات الشعوب المتنوّعة هي التي يجب أن تسود والخروج منها بتوافقات إنسانية مشتركة تضمن خصوصيات كلّ ثقافة أو حضارة وتعزّز القواسم الإنسانية المشتركة وفي مقدّمتها التنمية والأمن والاستقرار والتعايش السلمي.
– التكثيف من تواصل البرلمانات بحكم أنّ العلاقات البرلمانية تعكس تأصيل وممارسة بمقاربات شعبية، وهي أقرب للإنسجام مع مطالب الجماهير للعدالة والمساواة والتنمية والرفاهية في مواجهة العنصرية والكراهية والفقر والتهميش.
– استمرار الذهنية الغربية المتطرّفة ذات الخلفية والبعد الاستعماري يمسّ مصالح الجميع بما فيها الغربية منها كدول وشعوب. ما يحدث حالياً في إفريقيا من احتجاجات ومظاهرات وانقلابات على مستوى هرم السلطة هو نتاج لرفض الممارسات الغربية في القارة. الحلّ للغرب هو في الحوار وتفهم الطرف الآخر.
– مهما كان حجم المصالح الغربية المادية أثناء الأزمات والتوترات، فإنّها لن تستمر في حضور الرفض الشعبي خارج المحيط الغربي للممارسات الغربية ووجود قوى كبرى غير غربية تقدّم بدائل متمثلة في التنمية المشتركة والمنفعة المتبادلة والتي سوف يكون لها الثقل الأكبر في التعامل مع مختلف الحضارات والأمم والشعوب.
– العالم دون استثناء بما فيها العالم الغربي يواجه تحدّيات مشتركة وفي مقدّمتها الأزمات الاقتصادية، التغيرات المناخية، الأوبئة، الأزمات الإقليمية والعالمية، تتطلّب مواجهتها جماعياً كلّ من موقعه، وليس بتبنّي سياسات الاستفزاز والمواجهة على نمط التدخّلات العسكرية التي مارستها وتمارسها المنظومة الغربية والتي أدّت إلى التوتّر والصراع والأزمات واللاّ استقرار والتهميش والهجرة.
– على الفاعلين في المنظومة الغربية أن لا يقدّموا قراءات مغلوطة عن حوار الحضارات والمبادرات خارج المنظومة الغربية (مبادرة الحزام والطريق، منظمة شانغهاي…)، والتي هدفها هو إرجاع الغرب إلى أصل التوافق الدولي، القائم على الشرعية الدولية والنظام الدولي وميثاق منظمة الأمم المتحدة ومؤسّساتها الدولية، وإرجاع هذه الأخيرة إلى وظيفتها الأصلية وليست الانحرافات التي مارستها وتمارسها القوى الغربية باسم الشرعية الدولية مثل الازدواجية والتدخّلات العسكرية في العالم.
– المنظومة الغربية والقوى الحية خارج هذه الأخيرة تعنيهم جميعاً محاربة الكراهية والعنصرية من منطلق أنّ الإنسان أينما كان يبحث عن الأمن والاطمئنان والتنمية والرفاهية. على المنظومة الغربية أن تتبنى المستقبل المشترك للإنسانية جمعاء من خلال ديمقراطية أكثر عدلاً في العلاقات الدولية، وحوكمة عالمية أكثر مساواة وإلا فإنّ القوى الصاعدة وهي تتزايد (الصين، روسيا، البرازيل، جنوب إفريقيا…) والتي حاليا تشكّل 35 %من الاقتصاد العالمي متجاوزة ما يسمى بمجموعة الـ7 الكبار وتطوّر الوضع الدولي المستقبلي ككلّ سيفرض عليها القبول بالتحوّل إلى عالم متعدّد الأقطاب.
– لم يبق الغرب هو السائد في توجيه وتسيير المنظومة الدولية بحكم أنّ هناك قوى بديلة وحضور دولي خارج الغرب، ممثلة مثلاً في الصين وروسيا ودول أخرى بآسيا وأمريكا اللاتينية وإفريقيا تقيد التطرّف الغربي الذي لا يخدم الغرب نفسه، قبل أن يمسّ بالشعوب والأمم خارج الغرب.
– الحوار يعزّز التعايش بين الحضارات المتباينة وفي مقدّمتها الاستفادة من مكاسب وتجارب الغير، حيث أنّ الجميع بحاجة إليها.. الثقافة والعلوم التكنولوجية ليست الآن حكراً على طرف مثلما ما كان عليه الوضع في القرنين الماضيين حينما القوى الغربية الكبرى فرضت إرادتها على حساب الآخر.
– تشجيع وتفعيل منتديات علمية عالمية للقيادات والشخصيات الفكرية في العالم، المدافعة عن القضايا العادلة، والمنادية إلى تعزيز التفاهم بين الشعوب والحضارات والثقافات على أسس إنسانية.
– دعم وتكثيف إنشاء مراكز دراسات إستراتيجية كبرى للبحث في مواطن التباين والانسجام والعمل على تحديد المجالات والاهتمامات المشتركة، وتوظيف ذلك كمحطة ومجال للأمن والاستقرار.
– حوار الحضارات يمكن أن يصل إلى مستوى التوافق وحتى التكامل بين الغرب والشرق على نمط ما حدث أثناء المقاومات ضد الاستعمار والهيمنة، حينما كانت هناك قوى غربية أمامية بجانب حركات التحرّر والاستقلال الوطني، مثلما ما تم بالجزائر وجنوب إفريقيا، وبالصين أثناء الحصار الغربي عليها.
– الحوار يؤسّس لتسوية الأزمات أو المجابهة على غرار ما قامت به الصين (مارس 2023) في الدفع والإشراف على الحوار والوساطة بين المملكة العربية السعودية وإيران، بدلاً من الخلاف أو الصراع لأكثر من أربعة عقود.
– مصالح العالم الاقتصادية متشابكة ولا يمكن إدارتها من منظور وإرادة سياسية أحادية الجانب، خاصة عندما يتعلّق الأمر بالشركات متعدّدة الجنسيات والتي هي متواجدة في كلّ أنحاء العالم، والتعامل معها من الصعب أن يكون أحادي الجانب. إذن الحوار والتواصل هو الحلّ وليس الاختيارات السياسية والإستراتيجية الهجومية بخلفية وبعد توسّعي على حساب الآخر.
– العمل على تكييف وتوجيه حوار الحضارات من مجرد فكرة نخبة من العلماء والفلاسفة إلى سياسة ثقافة عالمية، كما عبر عنها الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي (1999) أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.
– لابد من الوصول إلى تعددية قطبية تعزّز التنوّع والاختلاف الثقافي والحضاري ضمن قواسم مشتركة تهم الجميع. التطرّف الأحادي يتجه لمخاطر إنسانية جماعية إقليمياً ودولياً بما فيها المخاطر على المجتمع الغربي نفسه. نسبة عريضة من النخب السياسية والثقافية والإعلامية الغربية تنذر بذلك وتعمل على توقيف مسار ما يسمى بعولمة الأفكار والاقتصاد الليبرالي المتطرف، وتعمل على تقديم مبادرات تقترب من الآخرين خارج المنظومة الغربية، هؤلاء هم الذين يجب التواصل معهم لدعم مخارج وبدائل تنسجم مع مبدأ حوار الحضارات.