حمل خطاب رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون أمام قمة حركة عدم الانحياز، تأكيدا على سعي الجزائر من أجل عمل دولي متعدّد الأطراف، باعتبارها مبدأ قارا في سياستها الخارجية، ما ينسجم أيضا مع الأهداف التأسيسية للحركة والشعوب التواقة إلى نظام دولي أكثر عدلا.
عزم الجزائر على اضطلاعها بالمساهمة في العمل الدولي المتعدد الأطراف، لا يتوقّف عن كونه أحد المحدّدات الرئيسية لسياستها الخارجية، وإنما نظرا للحاجة الراهنة الملحة إلى أصوات متّزنة تراعي مصالح المجموعة الدولية على أسس القانون الدولية والمساواة والحرية. وبرزت الحاجة إلى نظام دولي متعدّد الأطراف، بشكل متزايد في السنوات الأخيرة، بعد حالة العجز التي أصابت الأمم المتحدة وأجهزتها الدائمة وعلى رأسها مجلس الأمن الدولي، ما أدّى إلى جنوح عديد القوى خاصة المشبّعة بالفكرة الاستعماري على إدارة ظهرها للقانون الدولي، واللجوء إلى فرض الأمر الواقع باستخدام القوى العسكرية أو النفوذ الاقتصادي كأداة للإخضاع. الجزائر قدّمت خلال القمّة 19 لحركة عدم الانحياز بالجارية بكمبالا، عاصمة أوغندا القراءة السليمة لواقع العلاقات الدولية، من خلال تأكيدها على حاجة الأخيرة إلى قيم الحركة أكثر من أي وقت مضى، وفرض المنطق السليم والصحيح على الظروف الدولية الراهنة المتسمة بكثير من التوتر. وفي كلمته، أكّد رئيس الجمهورية التزام الجزائر بالعمل على تعزيز «تعدّدية الأطراف»، والتي تعني عدم الانسياق وراء حالة الاستقطاب الخطيرة بين القوى الكبرى حاليا، وأيضا العمل على احتوائها والقيام بجهود خاصة من أجل تذليل التناقضات التي من شأنها أن تنتهي في وقت قريب إلى كارثة.
ومن منطلق موقعها كعضو غير دائم بمجلس الأمن الدولي، إلى غاية نهاية 2025، فإنّ كلام رئيس الجمهورية سيترجم ضمن ورقة طريق الوفد الجزائري بالأمم المتحدة ومجلس الأمن، والقائمة على تنسيق دبلوماسي مكثف مع الدول العشر الأعضاء من أجل امتصاص المشاحنات المتصاعدة بين الأعضاء الخمس الدائمين قصد ضمان الحد الأدنى من التوافق. وبالتزامها بالعمل المتعدّد الأطراف، تؤكّد الجزائر وفاءها لموقعها الجديد كحامل لتطلّعات الشعوب العربية والإفريقية، والعمل وفق أهداف حركة عدم الانحياز القائمة على تغليب الحلول السلمية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، واحترام سيادة الدول ووحدتها الترابية، وأيضا دعم قضايا التحرر وعلى رأسها القضية الفلسطينية والقضية الصحراوية. واقترحت الجزائر، في قمّة كمبالا، تفعيل تكتل دول حركة عدم الانحياز داخل مجلس الأمن، بمعنى زيادة التنسيق وتوحيد المواقف بين الدول الأعضاء في الحركة، والتي تحوز على عضوية غير دائمة في هذه الفترة داخل المجلس، ومن شأن ذلك إحداث التوازن في صياغة وتبني القرارات النهائية الصادرة.
ولا يتوقّف المسعى الجزائري على الجوانب السياسية للعلاقات الدولية فحسب، إذ تحظى فرص التنمية العادلة باهتمام الجزائر منذ سنة 1973، تاريخ قمة حركة عدم الانحياز التي احتضنتها آنذاك، وطالبت بنظام عالمي عادل خلافا للسائد إلى غاية اليوم، والذي أجحف حقوق شعوب الجنوب في التنمية واستغلال مواردها بالشكل الأنسب.
رصيد الجزائر في النضال من أجل عالم أكثر عدلا، تتساوى فيه فرص الشعوب وتنصاع فيه جميع القوى إلى القانون الدولي والإنساني، سيوظّف في هذه الظروف الحالية التي عادت فيها حمى الاستقطاب، ونمت فيها الأطماع التّوسّعية لكثير من القوى، بينما تعمل قوى وظيفية أخرى على تمرير الأجندات التخريبية المشبوهة الرامية إلى إعادة رسم الخارطة الجيوسياسية لمناطق واسعة من العالم.
الدور الجزائري إلى جانب الدول التي تشاطرها ذات المبادئ والقيم داخل حركة عدم الانحياز، من شأنها وضع حدّ لحالة الانفلات التي تشهدها العلاقات الدولية، وأن تصب المياه الباردة على العداء المستعر بين عديد الأطراف المغامرة.