حاول كثير من الباحثين المرموقين تحويل كرة القدم إلى علم يمتاز بـ «الدّقة»، وتزخر المجلاّت المحكّمة بأكثر من 20 ألف مقال، لم تترك شاردة ولا واردة إلاّ أحصتها، غير أنّ المقابلات الكروية لا تكفّ أبدا عن «الإمتاع» بـ (المقالب) التي تحدثها، والمفاجآت التي تصطنعها، فلا تعترف بنظرية مجرّبة، ولا بقاعدة مدروسة..والمدرّبون – في الأخير – لا يضبطون خطط المواجهات على نظريات مضبوطة، وإنّما يحاولون قدر الإمكان أن يحصروا عددا لا بأس به من الاحتمالات المفتوحة على الممكن، ليضعوا لها ميكانيزمات لا يضبطها سوى (الممكن) هي الأخرى، ما يعني أنّ «التّكهّن» بنتيجة (منطقيّة)، أو ضمان فوز معين، غير ممكن على الإطلاق.
ولا ننكر أنّ «كرة القدم» تطوّرت بشكل غير مسبوق، لكن تطوّرها لا يمكن أن يقصد إلى إعداد (خلاصة) تضمن الفوز، أو (إكسير) يفرض مسارات مضبوطة للكرة، وهذا ليس عيبا في اللّعبة، فـ «الانفتاح على الممكن» هو ما يصنع التشويق، وهو ما يفرض على (المناصر) متابعة أطوار المنافسة إلى آخر لحظة، وكرة القدم لا تعترف بفريق قوي وآخر ضعيف، ولكنها ظروف «تتسلّل» إلى الميادين، ولا تعترف مطلقا براية حكم التماس.
الحاصل إذن..أنّ المطلوب من «كرة القدم» لا يمكن أن يتعدى «الفرجة» و»الاستمتاع» بالقدرات الفنية التي يظهرها اللاعبون، ولقد كان من حسن حظّنا، أنّنا عشنا زمنا كان المتفرّجون يصفّقون فيه للفريق الخصم حين يصنع اللّقطة الجميلة، ولا يرون أي نقص في تلقي هدف..فهو الممكن على الدّوام..
نعم..نحب أن نصدح بانتصارات الفريق الذي نهوى، لكنّنا نعرف أنّ كرة القدم ليست علوما دقيقة، وعادتها أنّها تصيب مرّة، وتخيب أخرى..