لن يخطئ المتتبّع الحاذق لشريط الأخبار اليومي، ملاحظة العدد الكبير لـ «الأيام الدراسية» التي تنظّمها كلّ القطاعات دون استثناء، كما لا يمكن أن يُغفل طبيعة الأسئلة التي تتناولها النّدوات والملتقيات بالتفكيك والتّشريح، فهي تشترك في كونها تطرح أعمق الإشكاليات المتعلقة بالواقع المعيش، بداية من «المرور» و»المخاطر السيبرانية»، إلى نظريات التسيير الاقتصادي، وطبيعة المجال المالي، وأسئلة أخرى في «التشريع» و»التقنين» ومجالات أخرى لا تقل أهمية، على غرار ما تقدّم «التعليم العالي» و»الثقافة»..
ونعترف أنّنا لم نكن نسمع من قبل سوى عن نشاطات مناسباتية يطلق عليها أصحابها أسماء فخمة من قبيل (ندوة) و(ملتقى) و(يوم دراسي)، وهي – عادة – تركّز على (المجاملات) و(تقديم القرابين) لهذا أو ذاك، فهي أصلا تتأسس على «مغالطات» و(هلوسات) وكثير من الغموض ينتهي بها إلى «توصيات» فارغة، لا تسمن ولا تغني..
وليس يخفى أنّ الأسئلة الحصيفة إنما هي منتج مباشر لوضوح الإشكاليات، وبما أنّ الحال كانت تسير على منهج (كعْوَرْ كي يقتنع الأعْوَر)، فإنّ القصد لم يكن يتجاوز إقامة (الهيلولات) كي يقال عندنا (هيلولة)، ثم يعود المحاضرون والدّارسون إلى قواعدهم سالمين، غير أنّ الأمر اختلف اليوم، وصارت الأسئلة المطروحة تمتلك القوة على تحفيز (النّورونات) كي تشتغل وتقدّم ما ينفع الناس، وهذا انتقال عظيم في أسلوب التفكير، نعتقد أنّه يمرّ في صمت دون أن يحظى بالعناية اللازمة..
بصراحة، كنّا نطمح إلى محاولة الإقناع بأهمية «الدراسة المعمّقة» لكل ما يطرح الواقع من إشكاليات، غير أن الدّينامية التي عرفتها ساحة الدّرس عبر جميع القطاعات، تجاوزت مطمحنا، وهذا يثلج الصدور، ويطمئن النفوس على أنّ جزائرنا الجديدة اختارت الوجهة الصّحيحة..