لم يلبث الجيل الخامس من أنترنيت النّقال أن ثبّت لـ (وجوده) في كثير من بقاع العالم، وصار التحميل (طيّارة)، وهجم الذّكاء الاصطناعي بـ (شطارة)، حتى بدأ الحديث عن الجيل السادس القادم، وهذا يقال إنه يسمح للأجهزة الصّماء البكماء أن تتمتّع بنوع من الإحساس عجيب، ربما يخلق تنافرا أو تقاربا بين الأجهزة والآلات، فيرفض (السامسونغ) أن يدخل دارا يقيم بها (آبل)، أو يشتاق (الكوندور) إلى التعامل مع تلفزيون (سونيليك).
ولقد تحقّق لحدّ الآن شيء من الذّكاء للآلات، فصار بعضهم يتحدثون عن سيارات تسأل صاحبها عن مقصده، ثم تطلب منه (بمنتهى الأدب) أن ينشغل بما يشاء، أو ينام إذا أحسّ في نفسه الرغبة في إتمام (رقدة الصّباح اللذيذة)، بينما تسير هي نفسها إلى الوجهة المحددة، دون أن تكسر إشارة أو تتسبّب في زحمة، بحكم أنها مجهزة بجميع ما يكفل لها التعامل مع الأوضاع المفاجئة..وغير المفاجئة.
ونعترف أنّ التّطوّر في مجال الرقميات منحنا كثيرا من الأريحية في تعاملاتنا اليومية، غير أنّنا – كما قدّرنا دائما – لا ينبغي أن نضيّع معارفنا الكلاسيكية المكتسبة، مثلما لا ينبغي أن نضيّع عاداتنا وتقاليدنا الموروثة، فالتنقل إلى عرس لا يمكن تعويضه بـ (تهنئة) على فايسبوك، والمشاركة في عزاء لا تغني عنها فيديوهات ترحّم في (تيك توك)، تماما مثلما ينبغي تدريب الذاكرة البشرية على الاستيعاب والحفظ، بعد أن صار الهاتف الذكي يحفظ عنّا أرقام هواتفنا ومواعيدنا الهامة، بل ويحسب خطواتنا، ويقيس درجة حرارتنا ومستويات ضغطنا، ويعرض علينا حاجاتنا حتى قبل أن نطرح السؤال..
التطوّر مطلوب..هذا متفق عليه، لكن الاحتفاظ بالجهد البشري مطلوب هو الآخر؛ لأنّ جميع (خصلات) الآلة مرتبطة بسلك كهرباء رهيف، قد ينقطع، فيذكّر صاحبه بحكمة الجزائري القائلة: عوم، وعسّ احْوايجك..