أثارت فكرة «موت المؤلف» نقاشا حادّا حين أطلقها رولان بارت، أول مرة، مع نهاية ستينيات القرن الماضي، واختلف النّقاد الأوروبيون والأمريكان، بين مهرول إلى تبنّيها والتباهي بها، و(شكّاك) يحاول أن يستقصي أبعادها ومراميها، ولم تجد الفكرة من تربة صالحة لترسيخ وجودها إلا بجامعات ضفتنا العربية المباركة التي اتفقت (دفعة واحدة) على تدريسها، والاعتبار بها، والمحاسبة على استيعابها، فقد تحوّلت عندنا إلى أمر واقع (باقتدار)، حتى إن الواحد من النّقاد صار يحسّ بوجع في رأسه، أو ألم في ضرسه، فيسارع إلى استخراج (شهادة وفاة) لمفهوم من المفاهيم النقدية..
والحق أن النقاد الفاعلين (الحقانيين) في بقية العالم، برهنوا على هشاشة فكرة بارت، وقدموا الأدلة الناصعة على أنها مجرد (تنمية بشرية) و(كلامولوجيا) لا تغني ولا تسمن في نقد، بل إن عميد المدرسة الأرسطية بجامعة شيكاغو، واين كلايسون بوث، ردّها ردّا جميلا (بالدليل والبرهان)، و(مسح لها جدّها الأول) في فقرة وبعض فقرة، عام 1970، وبدا بوث (في نصه النقدي) وقتها، كأنه شيخ حكيم بلحية بيضاء مسدلة، يربت على كتف رولان بارت، ويقول له بمنتهى المحبة (تكبر وتفهم يا ولدي)، ناهيك عما جاء به نقاد آخرون.. غير أن (نقدنا المبارك) صبر على الفكرة في السّبعينيات والثّمانينيات، وجلدنا بها جلدا مبرحا في التّسعينيات، ثم جاء القرن الجديد، ومضت منه عشريتان كاملتان، وما زال مصرّا على الفكرة يتعهدها بالدّرس، ويتّخذها نبراسا في الفهم، ويفرضها في الامتحانات، دون أن يحسّ بالحاجة إلى (تحيين) معلوماته، ولا إلى مراجعة معارفه، مع أنّه يعرف جيدا أن (المعرفة نسبية) وأن (الإنسان في حاجة إلى تجديد معارفه)..
هذه صورة بسيطة عن واقع النّقد بالبلاد العربية، يمكن أن نعمّمها على باقي القطاعات، دون أن نفسد لها قضية..