شهدت الدّبلوماسية الجزائرية بداية العام الجديد زخما ملحوظًا، خاصة مع تولّيها عضوية مجلس الأمن غير الدائمة خلال الفترة 2024-2025.
تميّز النشاط الدبلوماسي بتعدّده على المستويين الإقليمي والدولي، حيث اتّخذت الجزائر خطوات فعّالة لتعزيز حضورها في المنظمات الدولية، خاصة منظمة عدم الانحياز حيث تعتبر الجزائر عضوًا فعّالًا في هذه المنظمة التي تسعى للحفاظ على السلم والأمن الدوليين، ومواجهة التحديات العالمية بشكل عام وفق نظرة جديدة تتوافق مع رهانات العصر، وكانت الجزائر قد شاركت في القمة 19 لحركة عدم الانحياز، بالعاصمة الأوغندية كامبالا.
ويجمع الملاحظون أنّ العودة القوية للدبلوماسية الجزائرية المرتكزة على المبادئ الإنسانية الكبرى وحق الشعوب في تقرير مصيرها من أجل استعادة الأمم المتحدة لمكانتها وضمان الامتثال للقانون الدولي. ملف: علي مجالدي وحمزة محصول وزهراء بن دحمان وحياة كبياش وكمال زقاي
تجريم العدو الصّهيوني..أولوية جزائرية
أكّدت الجزائر حضورها النشط في مجلس الأمن الدولي من خلال الانتصار للقضية الفلسطينية وللقانون الدولي، واستطاعت أن تبرهن على قدر عال من التنسيق في العمل الثنائي والمتعدد خارج المجلس وداخله من أجل تحقيق الحد الأدنى من التوافقات حيال الملفات العاجلة.
لا يمكن وصف الشهر الأول، لبداية ولاية الجزائر في مجلس الأمن بصفة العضو غير الدائم إلا بالمشرّف جدا، ليس فقط بسبب الدعم المطلق والطبيعي للقضية الفلسطينية، ولكن لحرصها على استعادة الأمم المتحدة لمكانتها من خلال ضمان الامتثال للقانون الدولي.
وسجّلت الدّبلوماسية الجزائرية أسبوعيا مواقف واضحة وصريحة، من كافة القضايا المعروضة للنقاش أو التصويت أمام الدول الأعضاء، وأخذت الأوضاع في فلسطين وغزة تحديدا، خاصة ضمن عهدتها الجديدة وخلال جلسات مجلس الأمن التي انعقدت لحد الآن، حجر الزّاوية الذي ينبغي الانتباه إليه لمعالجة الأوضاع الخطيرة في الشرق الأوسط، وقالت بشأن هذه الأوضاع إنّها تتّجه نحو الانفجار الكبير في حالة استمرار غض الطرف عن المأساة البشعة التي يعيشها الشعب الفلسطيني.
في مستهل بداية مهمّتها، امتنعت الجزائر عن التصويت على قرار يدين هجمات الحوثيّين على السفن المتجهة نحو الكيان الصهيوني بالبحر الأحمر، وقالت إنّها لا يمكن تشارك في قرار يتجاهل الرابط الموجود بين تلك الأحداث، وما يجري في غزة من جرائم إبادة جماعية.
ثم بادرت الجزائر بطلب عقد جلسة لمجلس الأمن، لبحث خطر التهجير القسري للفلسطينيين خارج أرضهم، وأكّد السفير بن جامع أنّه لا ينبغي على المجتمع الدولي السكوت أبدا أمام هذه المخططات القائمة “بالضم، والاستيطان والإبادة والسجن للفلسطينيين”، وقال “إن الصمت هنا تواطؤ”.
وتبنّى المجلس فيما بعد وبالإجماع، بيانا قدّمته الجزائر من أجل توسيع تدفق المساعدات الإنسانية في غزة، وضمان وصولها لكافة المناطق المتضررة من القصف الوحشي والانتقامي للكيان الصهيوني منذ السابع من أكتوبر 2023.
وتنفيذ لتوجيهات رئيس الجمهورية، سارعت البعثة الدبلوماسية الجزائرية في نيويورك إلى طلب عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي، لبحث إعطاء الصيغة الإلزامية لقرار محكمة العدل الدولية ضد الاحتلال الصهيوني الصادر في 26 جانفي الماضي، عقب دعوى الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب إفريقيا.
تحرّك الجزائر السريع لا يتوقف عن كونه نصرة للشعب الفلسطيني، بل أيضا لصالح القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، الذي ضاع تحت أٌقدام الصهاينة الذين ألفوا ضرب الشّرعية الدولية عرض الحائط.
وأكّدت البعثة الدبلوماسية الجزائرية أمام مجلس الأمن، أنّ وقت الإفلات من العقاب قد انتهى، ولا أحد فوق المحاسبة أمام القانون الدولي، وطالبت المجلس بإصدار التدابير اللازمة لتفعيل حكم محكمة العدل الدولية، خاصة في شقه المتعلق بالتصدي لكل خرق للبنود المنصوص عليها في اتفاقية مكافحة جرائم الإبادة الجماعية التي أقرتها الأمم المتحدة.
وفي الإجتماع الماضي الذي خصّص لمناقشة الضربات الأمريكية ضد كل من سوريا والعراق، دعت الجزائر بكل وضوح إلى احترام سيادة البلدين وسلامتهما الترابية، وحذّرت من أنّ الوضع في الشرق الأوسط قريب من الانفجار أكثر من أي وقت مضى، وأكّدت الصلة الوثيقة بين التطورات الخطيرة في المنطقة وبين العدوان الصهيوني المستمر ضد الفلسطينيين.
على صعيد آخر، يلاحظ على التحركات الجزائرية النشطة في مجلس الأمن، أنّها قائمة على التنسيق والعمل الدبلوماسي المكثف، مع الدول الأعضاء داخل المجلس خاصة العشرة الذين لا يتمتّعون بحق النقض (الفيتو)، وكذلك الأعضاء الخمسة الدائمين.
وتعتمد على العمل الثنائي والمتعدّد في التحضير للملفات أو مشاريع القرارات، وضمن هذا النطاق يسجّل الاتصال الهاتفي الذي جمع وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج أحمد عطاف بكاتب الدولة للشؤون الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن، أمس الأول، حيث وزّعت الجزائر قبل أيام قليلة مشروع قرار على مجلس الأمن يطلب الوقف الفوري لإطلاق النار في غزة لأغراض إنسانية، مع منع تهجير الفلسطينيين وضمان دخول المساعدات الإنسانية على نطاق واسع.
وتدير الجزائر النقاش حول النّص، من مقاربة ضمان الحد الأدنى من التوافق على الصيغة التي ستطرح في التصويت لاحقا، مع ضمان عدم تعرّضه للفيتو من قبل الخمسة الدائمين.
وضمن أجندة مجلس الأمن غير المتعلقة بالجرائم الصهيونية في فلسطين، كرّست الجزائر التشاور الثنائي مع الدول، بخصوص الملفات التي تخصّها، حيث أجرى الوزير عطاف أمس الأول، مكالمة هاتفية مع نظيره الصربي، قبيل عقد جلسة حول قضية كوسوفو داخل المجلس.
وتراهن دول أخرى مثل ليبيا والسودان، على حضور الجزائر داخل مجلس الأمن لإعطاء دفع واضح وقوي لمسارات الخروج من الأزمات التي تعاني منها، مستندة لدورها الدبلوماسي وقدرتها على بلورة المواقف.
الجزائر ترفع مستوى التنسيق الدولي لنصرة المستضعفين
رفعت الجزائر منذ بداية عضويتها بمجلس الأمن، مستوى التنسيق الثنائي والمتعدّد الأطراف من أجل حفظ الأمن والسلم الدوليين، ونصرة القضايا العادلة والشعوب المستضعفة، ودعم حقهم في تقرير المصير والتمتع بالحرية والكرامة، وإيجاد الحلول السلمية المستدامة للأزمات والصّراعات باعتماد الحوار والتفاوض، واستبعاد لغة القوة والسلاح.
وقدّمت الجزائر منذ شهر جانفي الماضي، مساهمات نوعية في القضايا الإقليمية والدولية المدرجة على جدول أعمال مجلس الأمن الأممي، استعرضت فيها رؤيتها في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين، الذي يتطلّب مثلما دعت إليه دائما إلى إجراءات دولية منسّقة وملموسة، يلعب فيها مجلس الأمن دورا حاسما في صونها بموجب المواثيق الأممية حتى يكون في مستوى التطلعات والآمال التي وضعتها فيه جميع الشعوب.
فالحاجة ماسّة اليوم في ظرف اشتدّت فيه الصراعات والاستقطاب إلى تعزيز كل الجهود، وتركيزها على تعزيز السلم والأمن الدوليين عبر إعادة تنشيط العمل متعدد الأطراف في إطار شراكة دائمة لإيجاد الحلول السلمية المستدامة للأزمات في كل من ليبيا، ومالي والسودان وسوريا والعراق وغيرها من الدول، وكذا دعم القضيتين الفلسطينية والصحراء الغربية، ودفع المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته في تصفية الاستعمار، وتمكين الشعوب المستضعفة من حقها في تقرير المصير والعيش بسلام.
وفي أول تدخّل للجزائر بصفتها عضوا منتخبا في مجلس الأمن الدولي، خلال مناقشة هذه الهيئة الأممية التطورات في البحر الأحمر، رافع الممثل الدائم للجزائر لدى الأمم المتحدة لممارسة ضبط النفس، والبعد عن تصعيد الموقف في البحر الأحمر لمنع نشوب نزاع إقليمي.
وقامت الجزائر بعدّة تحركات ومبادرات، سواء من طرف وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج أحمد عطاف، أو أعضاء الوفد الجزائري في مجلس الأمن، من أجل إعادة إدراج القضية الفلسطينية في جدول الأعمال الدولي، ووضعها ضمن الأولويات، وقد نجحت في ذلك حيث تمّ عقد أكثر من جلسة، تحدثت فيها بصوت قوي ومسموع لرفض تهجير الفلسطينيين، ووقف الاعتداء الوحشي على الفلسطينيين بقطاع غزة، بعدما تجاوزت الأمور أسوأ ما يخطر على بال البشر، أمام صمت دولي مفضوح.
كما قدّمت الجزائر أمام مجلس الأمن الدولي، مشروع قرار لوقف النار في غزة، وذلك في خلال انعقاد جلسة لمناقشة الحكم الذي أصدرته محكمة العدل الدولية، وأمر إسرائيل باتخاذ ما بوسعها من إجراءات لمنع حصول أعمال إبادة جماعية في غزة، ينص المشروع على وقف فوري للنار لأسباب إنسانية، ورفض التهجير القسري للفلسطينيين، والتزام جميع الأطراف جانب القانون الدولي، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية بشكل سريع ومن دون عوائق إلى القطاع المحاصر.
وطالب الجزائر المجتمع الدولي بتسوية سلمية للقضية الفلسطينية وفقا لحل الدولتين، الذي وافق عليه المجتمع الدولي منذ عقود خلت، وضرورة تجاوز نهج الوضع الراهن ومعالجة الأسباب العميقة للصراعات والأزمات، وإيلاء المزيد من الاهتمام لمسار السلام ومصير الأطفال في الصراعات المسلحة، واقتراح نموذج جديد لعمليات السلام يكون مكيفا أكثر مع السياق الحالي، فضلا عن العمل جنبا إلى جنب مع المنظمات الإقليمية، لاسيما الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية.
ودقّت الجزائر في مناسبات عديدة ناقوس الخطر بشأن خطر انتشار الصراعات على المستوى الإقليمي، ودعت إلى مضاعفة الجهود لوقف التصعيد في المنطقة بأكملها.
ورفعت الجزائر مؤخرا، مستوى التنسيق المغاربي والإقليمي، حيث قاد وزير الشؤون الخارجية أحمد عطاف، بصفته مبعوثا لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، مؤخرا، عدة مشاورات ثنائية مع نظرائه التونسي، الليبي والموريتاني من أجل تعزيز التعاون في القضايا الدولية ذات الاهتمام المشترك، على رأسها تطورات الأوضاع الأمنية والسياسية في منطقة الساحة الصحراوي التي تشكل مصدر انشغال متزايد مشترك لدى هذه البلدان.
أمّا مع وزير الشؤون الخارجية بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية محمد سيداتي، فأكّد وزير الخارجية دعم الجزائر للجهود الأممية الرامية إلى إحياء العملية السياسية لتسوية النزاع بالصحراء الغربية على أساس ممارسة الشعب الصحراوي لحقه غير القابل للتصرف وغير القابل للتقادم في تقرير المصير، وفقا لقرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن الأممي ذات الصلة.
وتضطلع الجزائر بدور ايجابي في محيطها الإقليمي، وبمساهمتها من موقعها كعضو غير دائم بمجلس الأمن في الدفع لإيجاد حلول سلمية لكل هذه الأزمات التي تعصف بالأمن والاستقرار إقليميا ودوليا.
وتعتبر الجزائر من الدول الرائدة في حفظ السلام والأمن الدوليين، ولها تاريخ طويل من المشاركة في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في العديد من البلدان، مثل الكونغو والصومال والبوسنة والهرسك واليمن والعراق والصحراء الغربية وغيرها.
أستاذ العلوم السياسية رابح لعروسي: لهذا استرجعت الجزائر دورها المحوري إقليميا ودوليا
كثّفت الجزائر من تحرّكها على جميع الجبهات بمجرد تبوئها لمقعدها في مجلس الأمن، يقول الدكتور رابح لعروسي أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، حيث تعرف الدبلوماسية نشاطا غير منقطع، وسعيا متواصلا لإقناع المجتمع الدولي بعدالة القضية الفلسطينية والمرافعة لوقف العدوان على غزة، وكذا لإسماع صوت إفريقيا الغائب بمجلس الأمن الدولي.
وأكّد الأستاذ لعروسي على أنّ النّشاط المكثف للدبلوماسية الجزائرية، جاء بعد أن أعادت توجيه البوصلة في إطار رؤية محدّدة وواضحة، مكّنتها من استعادة دورها على المستوى الإقليمي والدولي، وذلك بشهادة القوى الكبرى والمنظمات والمؤسسات الدولية، والتي أعادت تحليل تقديرات الواقع لمكانة الجزائر في الخارطة الدولية، إقرارا منها بأهمية الجزائر إقليميّاً قارياً ودوليا.
كما أبرز مسعى الجزائر الحريص والدّؤوب للوقوف إلى جانب جيرانها ودول القارة الإفريقية، ودعمها في مواجهة الإرهاب والتطرف العنيف، والدفاع على سيادة البلدان والاعتماد على الحلول السياسية في حل النزاعات بعيدا عن لغة التدخل والسلاح، إلى جانب نصرة القضايا العادلة، مشيرا إلى أنّ هذه المقاربة أصبحت محل تقدير واحترام وموثوقية عالية تحظى بها الجزائر، ويتم التأكيد عليها في مختلف المحطات واللقاءات الإقليمية والدولية.
وتعد مشاركة الجزائر في قمّة عدم الانحياز الأخيرة في أوغندا فرصة للتأكيد على الرؤية الجزائرية، سيما ما تعلق بحل النزاعات ودعم القضايا العادلة على غرار القضية الفلسطينية والصحراوية، وذكّر المتحدّث في هذا الإطار برسالة رئيس الجمهورية التي تعتبر – كما قال – بمثابة خارطة طريق للمؤتمر، حيث حدّد المعالم الجديدة والأدوار المنتظرة من تكتل عدم الانحياز سيما ما تعلق في مجال التعاون بين دول جنوب – جنوب، ما يؤهّلها لتكون رقما فاعلا في مسارات التفاوض في قطاعات مختلفة على غرار التجارة والاستثمار والتنمية، والانخراط في المساعي الرامية إلى الحد من مشاكل دول الجنوب التي تعرف صعوبات الحل من طرف الهيئات والمؤسسات الدولية كالمناخ والفقر.
يعتقد لعروسي أنّ قمة دول عدم الانحياز تمثّل فرصة أيضا للمرافعة القوية فيما تعلق بإدارة النزاعات، في ظل إخفاق المجتمع الدولي في إيجاد حل لهذه الأخيرة، على غرار ما يحدث مع الشعب الفلسطيني من إبادة ممنهجة من طرف الإحلال الصهيوني، وقد تمّ التأكيد على نفس المواقف في قمة مجموعة 77 + الصين، التي عرفت هي الأخرى إعلاء صوت دول الجنوب والصوت الجزائري كان حاضرا ومدويا، مشيرا إلى أنّ الجزائر تدرك بأنّ هذه المجموعة هي من بين التجمعات الدولية التي يمكن أن تؤثر في صناعة القرار، سيما على مستوى الهيئات والمؤسسات الدولية، في ظل التغيرات الجيواستراتيجة في العالم.
ولفت الدكتور لعروسي إلى أنّ الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة يمثّل نقطة انعطاف قوية في العلاقات بين الدول، أمام الصمت الرهيب والسقوط الحر للمجتمع الدولي إزاء جرائم الكيان الصهيوني ومنهج الإبادة الذي يعيشها الشعب الفلسطيني، الأمر الذي يضع الدول والمنظمات الدولية أمام امتحان صعب يتعلق بغياب الضمير الإنساني لسماع صوت الحق وأحرار العالم في المطالبة الفورية في وقف العدوان وإنقاذ البشرية في المنطقة، غير أنّ صوت الجزائر لم يسكت، بل رافعت من مختلف المنابر من أجل تبني مقاربة سياسية متكاملة الأبعاد، وهو ما يؤهّلها للعب أدوار متقدمة سيما ما تحمله من ثقل سياسي واقتصادي.
وذكر لعروسي في السياق بقمّة برازفيل المنعقدة الاثنين الماضي، والتي خصّصت لدراسة الملف الليبي من طرف لجنة دول الإتحاد الإفريقي التي تعد الجزائر عضوا فيها، حيث كان لها رأي من الأزمة الليبية والمتمثل في دعم الجهود الإفريقية، والتي من شأنها إنهاء الأزمة والانقسام الذي يعرفه هذا البلد الشقيق منذ أكثر من 10 سنوات، وقد جدّدت تأكيها على موقفها الثابت، والذي يدعو إلى وقف التدخل في الشأن الداخلي لليبيا، وأن يكون الحل بين الإخوة الليبيين في إطار مشروع المصالحة الوطنية، والذي سيكون محور مؤتمر المزمع شهر أفريل القادم.
كل هذه الجهود التي تبذلها الجزائر في الفضاء الإقليمي سيما الإفريقي – يضيف المتحدّث – تترجم الإلتزام بالمبادئ الصلبة للسياسة الخارجية للجزائر، والتي لم ولن تحيد عنها انطلاقا من مناصرة القضايا العادلة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وحل النزاعات عن طريق لغة العقل بعيدا عن استعمال القوة، ناهيك عن الدفاع على سيادة الدول في إطار ثلاثية الأمن والسلم والتنمية.
الباحثة نصيرة يحياوي: الدّبلوماسية الجزائرية عادت بقوّة إلى السّاحة الدّولية
أكّدت الباحثة والخبيرة البروفيسور نصيرة يحياوي، “أنّ الدبلوماسية الجزائرية تشهد عودة قوية على الساحة الدولية، وتعرف نشاطا وحضورا مكثّفا وفاعلا في مختلف الندوات والملتقيات الإقليمية والعالمية بفضل سياستها المتوازنة تجاه القضايا والنزاعات التي تعرفها الساحتين الإفريقية والعربية خصوصا القضية الفلسطينية ومنطقة الساحل”، مشيرة في هذا الخصوص إلى “أن ما يميز الدبلوماسية الجزائرية حاليا اعتمادها على مبدأ التكامل ما بين الشق السياسي والاقتصادي والظهور كقوة إقليمية لا يمكن تجاوزها في حل الأزمات التي تعصف بعدد من الدول”.
ثمّنت الباحثة في المجال السياسي والاقتصادي البروفيسور نصيرة يحياوي الدور المتنامي للدبلوماسية الجزائرية تجاه مختلف القضايا الاقليمية والدولية الراهنة، خصوصا منها الأزمتين الفلسطينية والليبية ومنطقة الساحل الإفريقي، وقالت في هذا الخصوص “أنّ الدبلوماسية الجزائرية رجعت بقوة الى الساحة الدولية، وتعمل على توظيف كل قوتها السياسية والاقتصادية للمساهمة في حل النزاعات الإقليمية والدولية بالنظر الى ما تمثله من وزن بالمنطقة بفضل موقعها الاستراتيجي الرابط ما بين أوروبا والعمق الافريقي، إلى جانب ما تتمتع به من ثروات، وكلّها عوامل أعطت للجزائر هذا الثقل، وبالتالي لا نتصوّر حلاّ لأي قضية أو نزاع إقليمي من قبل الدول الكبرى دون المرور على الجزائر والاستعانة بخبرتها الدّبلوماسية”.
وأعطت الخبيرة السياسية والاقتصادية نصيرة يحياوي عدة أمثلة على هذه الحركية الفعالة التي تقوم بها الدبلوماسية الجزائرية في السنوات الأخيرة، وتنظيمها لعدة لقاءات وندوات إقليمية ودولية، إضافة الى القمة العربية التي جاءت في وقت حسّاس من أجل لمّ الشمل العربي، وأكدت بالقول “لقد تحوّلت الجزائر الى قبلة دولية لحل النزاعات بالطرق السلمية، ومعارضة التدخل الأجنبي الذي لا يخدم أمن ومصلحة هذه البلدان على غرار ليبيا الشقيقة، حيث تبذل الدبلوماسية الجزائرية دورا كبيرا للم الشمل، وضرورة إنهاء التواجد الأجنبي وسحب المرتزقة وتشجيع الحل السلمي بين الأخوة الفرقاء، والوصول الى حل ليبي ليبي مثلما أكّد عليه وزير الشؤون الخارجية الجزائري خلال زيارته الى ليبيا، مع دعم مشروع المصالحة الوطنية بإجراء انتخابات حرة لإنهاء الصراع”.
وأكّدت الباحثة “أنّ القضية الفلسطينية المركزية لم تغب عن أعين الدبلوماسية الجزائرية، وظلت إحدى اهتماماتها الرئيسية منذ عقود وليس فقط منذ بداية العدوان الصهيوني الهمجي على قطاع غزة، حيث رمت الجزائر بكل قوتها من أجل وقف العدوان، وإصدار قرار لوقف لكل الانتهاكات والمجازر المرتكبة ضد الأبرياء، كان آخرها تقديم مشروع قرار لمجلس الأمن للمطالبة بوقف فوري لاطلاق النار بغزة لدواعي انسانية مع رفض التهجير القصري وإدخال المساعدات، وهذا دعما لباقي الجهود الأخرى منها المطالبة بمحاكمة العدو الصهيوني على جرائمه، وتشجيع مبادرة جنوب افريقيا التي إطلقتها لمحاكة قادة الصهاينة وإعطائها قوة الزامية وتنفيذية على أرض الواقع”.
كما شكّلت القمّة 19 لحركة عدم الانحياز التي احتضنتها العاصمة الأوغندية كمبالا مؤخرا تضيف الباحثة ـ منبرا مواتيا لتنسيق الجهود وعرض وجهات نظر الجزائر حول القضية الفلسطينية من خلال دعوة رئيس الجمهورية المجتمع الدولي إلى تكثيف الجهود الجماعية للمرافعة لصالح القضية الفلسطينية والانصياع للشرعية الدولية والقرارات الأممية التي يفترض أن تكون ملزمة للجميع، مع دعوة أعضاء الحركة إلى التأكيد بصوت عال، أنّ زمن اللاّعقاب قد ولّى وتثمين موقفها الثابت تجاه القضية الفلسطينية”.
من جهة أخرى، حاولت الباحثة يحياوي الربط بين الشقين السياسي والاقتصادي في بناء دبلوماسية قوية قادرة على التأثير في القرار الدولي والاقليمي بتأكيدها “أنّ الجزائر تسعى الى تفعيل الشق الاقتصادي باستضافة منتدى الدول المصدرة للغاز نهاية شهر فيفري الجاري، الذي يعتبر شكلا آخر من أشكال الدبلوماسية الاقتصادية نظرا لما يشكله الغاز والبترول من ضغط وتأثير على مجمل القرارات، وبالتالي فإنّ التواجد في السوق الإفريقي معناه التواجد في القرار الافريقي، خاصة أن بعض الدول غير الافريقية أو الاستعمارية تحاول بشتى الطرق السيطرة على القرار السياسي مثلما يحدث حاليا من تكالب على دول الساحل ومالي، الذي يشير بوضوح إلى وجود أطراف خارجية تسعى وراء مصالحها الاقتصادية”.