يؤكد الدكتور آصف ملحم، مدير مركز الأبحاث والدراسات “جي إس إم” بموسكو، أن انعقاد الدورة السابعة لقمة رؤساء دول وحكومات منتدى الدول المصدرة للغاز، في الجزائر، سيمنحها صبغة إيجابية وقيمة إضافية، نظراً لمكانة الجزائر وعلاقاتها السياسية المتوازنة مع دول المنتدى وجميع بلدان العالم. وقال في حوار أدلى به إلى “الشعب”، إن الدول المصدرة للغاز تثق في الجزائر وقدرتها على إنجاح هذه الدورة، بالرغم من التحديات الرّاهنة والاضطرابات الحادثة في العالم.
الشعب: ما أهمية قمّة الجزائر للدول المصدرة للغاز؟
الدكتور آصف ملحم: تُشير العديد من التقديرات إلى أن حوالي 67 % من احتياطيات الغاز الطبيعي تتركز في الدول الأعضاء في منتدى الدول المصدرة للغاز، ولو أضفنا إليها الدول المراقبة، فإن هذه النسبة سترتفع إلى حوالي 71%. من هنا نفهم أهمية وجود منصة للتشاور وتبادل الآراء، سواء على المستوى السياسي أو المستوى الفني، بين ممثلي هذه الدول حيال جميع مشاكل قطاع الغاز.
أعتقد بأن الجزائر قادرة في هذه القمة على إقناع الجميع بضرورة التوافق على مقترحات عملية مفيدة للجميع وليس للجزائر وحدها، كما أن الجزائر الآن عضو في مجلس الأمن الدولي، وتستطيع، بالتنسيق مع روسيا والصين، التسويق لأي قرارات تصدر عن القمة؛ فمجلس الأمن الدولي هو أعلى هيئة دولية معنية بحل مشاكل العالم.
ماذا يعني أن تستضيف الجزائر هذه القمة التاريخية في الظرف الدولي الحالي؟!
الظرف الدولي الراهن يفرض تحدياً جديداً أمام القمة؛ فهو معقد للغاية، ويوجد العديد من الاضطرابات في أكثر من مكان في العالم، على غرار أوروبا الشرقية والشرق الأوسط والبحر الأحمر وبحر الصين. وكل هذه الاضطرابات جميعها تشكل تهديداً مباشراً لسلاسل الإمداد بالطاقة عموماً والغاز خصوصاً، لذلك فإن انعقاد هذه القمة بالجزائر وفي هذه الظروف يدل على أمرين: الأول يتمثل في إيمان هذه الدول بضرورة الاجتماع والتشاور حول المواضيع المرتبطة بهذا القطاع، والثاني يتعلق بثقة الدول المصدرة للغاز في الجزائر وقدرتها على إنجاح هذه الدورة، فضلاً عن ذلك، فالجزائر هي أقرب الدول إلى الأسواق الأوروبية، التي تسعى دائماً إلى إيجاد مصادر بديلة للغاز، كما أنها تشكل حلقة الربط بين أوروبا والدول الإفريقية المنتجة للغاز، كما تتمتع الجزائر بإمكانات هائلة في مجال الطاقات المتجددة، وتحديداً طاقتي الرياح والشمس. فمن حيث الإمكانات، تحتل الجزائر المرتبة الأولى عربياً والرابعة إفريقياً في مجال طاقة الرياح، كما أنها تحتل المرتبة الخامسة عربياً وإفريقياً في مجال الطاقة الشمسية. ولو أخذنا مجموع الطاقتين، فإن الجزائر تحتل المرتبة الثالثة عربياً والرابعة إفريقياً، هذا طبعاً دون حساب الطاقات المتجددة الأخرى.
نعلم جميعاً أن الاستثمارات ستزداد بشكل كبير في مجال الطاقات المتجددة في العقود القادمة، وهناك آفاق واسعة للعمل في الجزائر بهذا القطاع الهام.
ما الذي يفسر الاهتمام بالطاقة الغازية خاصة من قبل الدول الأوروبية؟
تزايد الاهتمام الأوروبي بقطاع الغاز، نابع بشكل أساسي من المشاكل البيئية والتلوث الناجم عن النفط والفحم؛ فالغاز أقل تلويثاً للبيئة من النفط والفحم. وبهدف حماية الطبيعة والمناخ والبيئة بدأت كثير من الدول تدعم التحول الطاقوي، أي التحول من الطاقات الأحفورية إلى الطاقات الجديدة والمتجددة.. طبعاً عملية التحول الطاقوي ستستغرق عقوداً، لذلك في هذه الفترة لا بد من الاعتماد على مصدر آخر للطاقة، ويبدو بوضوح أن الغاز هو أفضل الخيارات.
وللاستئناس فقط، نستطيع أن نورد بعض الأرقام لكي نفهم هذه السيرورة، حيث كان النفط يساهم بنسبة 35% من حجم الاستهلاك العالمي للطاقة في عام 1990، انخفضت هذه النسبة إلى 31% في عام 2015، وأصبحت 30% في عام 2022. أما بالنسبة للغاز فكانت النسب على الشكل التالي: 18%، 21%، 22% في الأعوام 1990 و2015 و2022 على التوالي. بالمقابل كانت نسبة مساهمة الطاقات المتجددة: 12%، 14%، 17% في نفس الأعوام السابقة وعلى التوالي.
كل هذه الأرقام، ترينا بوضوح أنه يوجد نزوع عام لتقليل استهلاك النفط وزيادة نسب استهلاك الغاز والطاقات المتجددة، حتى نصل إلى مرحلة التخلص الكامل من الوقود الأحفوري.
موثوقية الجزائر وقرارها السيادي جعلاها مُوَرِّدا أساسيًا في العالم لهذا النوع من الطاقات، في رأيك كيف تستفيد الدول المنتجة الأخرى من تجربة الجزائر الرائدة ومن استقلالية قرارها السياسي والإقتصادي؟
السيادة واستقلالية القرار السياسي هما أهم عناصر قوة الدولة؛ إذ لا يمكننا أن نتصور بأن المنافع المتأتية من موارد الدولة سترتد على مواطنيها إذا لم تكن قادرة على التحكم بهذه الموارد بشكل مستقل. وأيّ كلام غير ذلك يعني أن الدولة مخترقة من مؤسسات وقوى ودول أخرى مناهضة للمصالح الوطنية العليا لهذه الدولة.
عندما تتمتع الدولة بهذه الخصائص، فإنها تكتسب احترام وثقة الأصدقاء والأعداء على حدّ سواء؛ فالمعاهدات والاتفاقيات بين الدول أو الشركات لا تكتسب الأهمية اللازمة إلا بالديمومة والثبات في هذا العالم الذي أصبحت التّغيرات العنيفة أحد سماته الرئيسية، لذلك، فإن الثقة هي أهم عنصر في بناء العلاقات بين الدول.
عوّدتنا الجزائر على قراراتها المستقلّة والشّجاعة، كما أن السياسة الخارجية الجزائرية تتمتع بقدر كافٍ من المرونة، وهذا ما يفسر علاقاتها الخارجية الناجحة مع جميع دول العالم في الشرق والغرب.
هذه العناصر تزيد من رغبة وثقة المستثمرين ورجال الأعمال للعمل بالجزائر، وهذا في النهاية سيعود بالخير والفائدة على الجميع.
علاوة على ذلك، كان العنوان الرئيسي لاستحداث منتدى الدول المصدرة للغاز هو السيادة على هذا المورد الحيوي الهام. وعليه، سيكون اجتماع الدول الأعضاء أو المراقبين في الجزائر اليوم، فرصة للتشاور والحوار والتنسيق وتبادل الخبرات على جميع المستويات. وبالتأكيد، نجاح أي تجربة أو فكرة أو مسعى أو مشروع سيستثير عند الدول الأخرى الرغبة في خوض هذه التجربة أو تحقيق هذه الفكرة أو هذا المشروع. فالمرء، – كما يُقال – عدو ما يجهل، وقد تخشى قيادات بعض الدول خوض التجارب الجديدة، و لكن وجود دول سبقت في هذا المسار سيكون دون أدنى شكّ حافزاً لدول أخرى لخوض نفس التجربة.
ما الذي يُنتظر من قمّة الغاز في الجزائر؟
بالتأكيد، سيصدر عن أي قمة مجموعة من التوصيات والمقترحات التي ستساهم في حل المشاكل المرتبطة بقطاع الغاز.. ومشاكل هذا القطاع تكون مرتبطة بأربع لاعبين عادةً: الدول المنتجة، الدول المستهلكة، دول العبور، والدول المستثمرة. ووفق تقديرنا، المشاكل والتعارضات في المصالح لا يمكن أن تنتهي، بل هي جزء من الحياة، وانعدام المشاكل يعني توقف التطور. لذلك، فإن الخطوة الأهمّ في هذا المنتدى ستكون الاتفاق على ضرورة وجود آلية معينة لحل هذا المشاكل ومعالجة الخلافات، وفي الوقت نفسه، لا يجب التوقف كثيراً في هذه اللحظة من الزمن عند شكل هذه الآلية، بل المهم الاتفاق على ضرورة وجودها؛ لأنّ قطاع الغاز في حالة تطور مستمر وستزداد المشاكل المرتبطة به وتتعقد، لذلك قد تكون الآلية إما محاولة صياغة قانون دولي يضبط العمل في سوق الغاز، أو محكمة للبتّ بمشاكل الغاز وحلّ النزاعات، أو منظمة شبيهة بمنظمة أوبيك، أو تشكيل مجموعات خبيرة متخصصة في مجال الغاز تضطلع برفع تقارير دورية للقيادات السياسية، أو أيّ صيغة أخرى.
وفي هذا الجانب، تجب الإشارة إلى أن هذه الآلية نفسها ستكون في حالة تغيير مستمر مع تزايد الاستثمارات وتطور التكنولوجيا في مجال الغاز خصوصاً وقطاع الطاقة عموماً.