يدقق البروفيسور بوعزة بوضرساية، أستاذ التعليم العالي بجامعة الجزائر 02 وعميد جامعة برج بوعريريج، في أهمية إنشاء مدرسة تاريخية وطنية للتصدي للأقلام المأجورة التي تحاول تشويه تاريخ الجزائر عبر العصور.
أكد البروفيسور بوضرساية، في حوار لـ “الشعب أونلاين”، أن هذه المدرسة التاريخية موجودة بروادها الأوائل في التاريخ وبالإنتاج العلمي التاريخي، تتطلب فقط التفعيل، خاصة وأن هناك ارادة سياسة جسدها رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، في تصريحاته وتوجيهاته لتحصين الذاكرة الوطنية.
كيف نكتب تاريخ الجزائر، ونسجل الذاكرة؟
البروفيسور بوعزة بوضرساية: أعتقد أن الإشكالية تنصب حول نقاط أو تساؤلات أساسية، أولا، هل استطعنا الى حد الساعة تشكيل مدرسة وطنية جزائرية؟
الهدف الأسمى هو التصدي للأقلام التي حاولت وتحاول تشويه تاريخ الجزائر عبر عصوره، سواء القديم أو الوسيط أو الحديث والمعاصر، بما في ذلك الثورة، وهذا أساسي.
والنقطة الثانية هي: الى أي مدى وصلت هذه المدرسة من حيث الإنتاج، الذي له منهج معين؟. وما هي المسؤوليات الملقاة على عاتقها في المستقبل؟
هل استطعنا إلى حد اليوم أن نكتب تاريخا يتماشى وطموحات السلطات العليا وكذلك متطلبات الوقت الحالي؟، ما يمكن ان نقدمه للناشئة لأنهم الأساس ومستقبل البلاد، حتى لا نفسح المجال لبعض المؤثرات الخارجية التي بإمكانها أن تؤثر سلبا على عامل من عوامل الشخصية الوطنية وهو التاريخ الوطني.؟
الكل يعلم أنه إذا حاولنا الإجابة على هذه النقاط الأساسية نرى أولا القاعدة، فهي مهيأة لتكملة البناء الذي قام به جهابدة التاريخ الأوائل.
عندما حاول البعض ان يُجرّح في تاريخ ثقافتنا رد الدكتور أبو القاسم سعد الله، بموسوعة في تاريخ الجزائر الثقافي أثبت للأعداء أن للجزائر ثقافة عبر العصور، وهذه الثقافة هي جزء لا يتجزأ من الحضارة العربية الإسلامية.
إذن نحن اسهمنا بمنتوجنا وموروثنا الحضاري في أكبر حضارة عرفتها الإنسانية وأعتقد أن هذا مهم جدا.
النقطة الأخرى، في تاريخ الجزائر الحديث نجد المؤرخ الكبير الأستاذ ناصر الدين سعيدوني، ألمّ بهذا الموضوع وطرحت بالنسبة لهذه الفترة اشكالية كبيرة هل نقول الجزائر العثمانية أم نقول التواجد العثماني أو نقول الجزائر في الفترة الحديثة؟، إذن هذه كلها تساؤلات أطلق عليها تسمية اشكالية كتابة التاريخ أي كيف نكتب تاريخ الجزائر؟.
أقلام مأجورة تحاول تشويه موروثنا الثقافي والحضاري
اذن علينا كتابة التاريخ كتابة احترافية موضوعية ولابد ان تكون كتابة وطنية، هناك معطيات عديدة وأسباب لأن هناك اقلام مأجورة تحاول تشويه موروثنا الحضاري وتاريخنا وبالتالي هذا التشويه ينعكس على الذاكرة الوطنية، إذن عملية لشل الذاكرة الوطنية وهذا لا يمكن بحال من الأحوال أن نتغاضى عنه.
هذه الإنشغالات هي التي جعلت رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، يولي إهتماما كبيرا بالذاكرة الوطنية وكتابة التاريخ الوطني.
ومن هذا المنحى جاءت فكرة عقد ملتقى جامع وشامل لكل المؤرخين والباحثين، الذين لديهم باع في كتابة التاريخ الوطني مثل الإعلامي محمد عباس، من خلال الشهادات التي جمعها حول تاريخ الثورة.
وأيضا المؤثرين مثل محمد دومير، رغم أنه ليس مؤرخا، لكنه أعطى دفعا قويا من حيث الإهتمام بالتاريخ الوطني، وله متتبعون كثر في مجال ليس تخصصه.
هو بيطري استطاع التأثير على شريحة كبيرة من الجزائريين من خلال نفض الغبار على جوانب متعلقة بتاريخنا الوطني، وهذا مهم، وبالتالي كان لزاما علينا كمسؤولين على هذا الملتقى أن نوجه الدعوة لكل الباحثين والمؤرخين دون استثناء او اقصاء، وطبعا هذه الفكرة تبنتها وزارة المجاهدين وذوي الحقوق، قرابة ثلاث سنوات كنا قد تحدثنا مع وزير المجاهدين وذوي الحقوق، العيد ربيقة.
لظروف لم نتمكن من عقد هذا الملتقى الى أن حان الوقت اليوم فتجسد بناء على التوجيهات القيمة والسديدة لرئيس الجمهورية، والاهتمام بالذاكرة الوطنية والتاريخ الوطني.
انشاء مدرسة جزائرية بأقلام وطنية مطلب المؤرخين والباحثين منذ سنوات، هل هو كفيل بتحصين الذاكرة الوطنية؟
السؤال المطروح هل هذه المدرسة موجودة أم لا؟ حينها نقول ما هو الدور المنوط بهذه المدرسة.
أقول أن المدرسة موجودة، المدرسة الجزائرية في التاريخ انجبت مؤرخين ولها رواد، كتبت في 2007 كتاب حول “رواد المدرسة التاريخية الجزائرية”، المدرسة مربوطة بالانتاج على غرار المدارس في الرياضة التي انجبت أبطالا.
اليوم المدرسة التاريخية موجودة بناتها وروادها هم جهابدة التاريخ وفي كل التحصصات اذا تحدثنا عن التاريخ القديم نجد محمد الصغير غانم، محمد البشير شنتي، محمد الطاهر عدواني، والناشئة التي جاءت فيما بعد وهو الجيل الثالث من الباحثين.
في التاريخ الوسيط نجد الاستاذين موسى لقبال وحاجيات، في الحديث لدينا الأستاذ ناصر الدين سعيدوني، ومولاي بلحميسي، والعديد من هؤلاء الذين يعتبرون جهابدة في الحقل التاريخي.
في التاريخ المعاصر نجد الدكتور محمد العربي الزبيري، والمرحوم جمال قنان، هذه هي المدرسة الاولى.
اذن اللبنات الأولى لبناء هذه المدرسة موجودة والانتاج العلمي والبشري موجود، المكتبة الجزائرية تشبعت بالإنتاج التاريخي، اليوم فيه أجيال من الباحثين الذين تسلموا راية الكتابة التاريخية بموضوعية ومنهجية واكاديمية وهم كثر، أجيال تتعاقب.
المدرسة الجزائرية التاريخية موجودة بؤرخيها تحتاج دفعا ودعما ماديا ومعنويا
نتحدث عن انشاء مدرسة تاريخية، هي موجودة بؤرخيها تحتاج دفعا ودعما ماديا ومعنويا، أعتقد أنه أن الأوان من خلال توجيهات رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، ان نعيد للمؤرخ كرامته ومكانته في المجتمع.
التاريخ لا يحتاج من يرعاه لأنه واضح المعالم بدليل أن كل تصريحات وتوجيهات رئيس الجمهورية، تصب في هذا المنحى أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نترك تاريخنا للتشويه والتزوير من طرف اقلام مشبوهة وأجنبية حتى أن بعض الجيران الأشقاء سطوا على موروثنا الثقافي.
ويدعون أن الشيخ بوعمامة، والأمير عبد القادر، ليسوا جزائريين والمخزن المغربي يدعي أن تندوف وأدرار وتلمسان، وغيرها من الولايات ليسوا مدن جزائرية.
اين نحن من صمام الأمان، الذي يجعل منا ان نثبت الذات التاريخية الجزائرية اعتقد ان توجيهات الرئيس تبون، سديدة وصائبة، اذن علينا نحن فقط ان نتحرك لأن كل الأبواب فتحت من طرف السلطات العليا لذلك بادرنا الى عقد الملتقى الوطني حول اشكالية كتابة التاريخ الوطني، الذي اختتم مؤخرا، حيث وجهت دعوات لكل المؤرخين، والباحثين من مختلف جامعات الجزائر.
حضر في اليوم الأول ما يقارب 140 مؤرخا وازداد العدد في اليوم الثاني، ناهيك عن الجمعيات المحلية والوطنية المهتمة بالتاريخ، أخذنا نماذج فقط لأنه من الصعب جدا توجيه الدعوة للكل.
وجهت دعوة الى جمعية وطنية كنموذج، هذا مؤشر، ووجهنا دعوة الى جمعية محلية مهتمة بالتاريخ لها نشاط، معناه اننا سنفتح الأبواب الى كل من يسعى الى خير هذا الوطن والحفاظ على ذاكرة الامة الجزائرية.
التاريخ المحلي جزء من التاريخ العام
هل يمكن استغلال التاريخ المحلي في كتابة التاريخ؟
أكيد هو جزء لا يتجزأ من التاريخ العام، مثل الإيستوغرافية كلها فروع للتاريخ العام، بعد الاعلان عن توصيات الملتقى اكيد نركز على توجيهات رئيس الجمهورية، ونجسدها في الواقع من أجل خدمة التاريخ الوطني من خلال مؤسسات يكون لها دفع للاهتمام بالتاريخ الوطني.
تاريخنا يدرس في الجامعات الامريكية. أجدادنا وصلوا الى إيرلندا والولايات المتحدة الأمريكية، وحتى بلاد القوقاز
وأكيد توجيه التاريخ وطنيا يخدم المصلحة الوطنية، ويكون صمام الأمان للحفاظ على معلم من معالم الشخصية الجزائرية الوطنية، لا نخجل، لأن تاريخنا يدرس في أعتى الجامعات على غرار الولايات المتحدة الامريكية. تاريخنا ناصع أجدادنا وصلوا الى ايرلندا والولايات المتحدة الأمريكية، وحتى بلاد القوقاس، هناك مراسلات تشهد على قوتنا البحرية في الفترة العثمانية مع العديد من دول العالم انذاك الفاعلة.
تاريخنا مشرف منبثق من مبادئ أول نوفمبر، التي تجسدت في ثورة أول نوفمبر 1954، اليوم مرجعيتنا هي مبادئ أول نوفمبر وانتماءنا للحضارة العربية الاسلامية.
مرجعيتنا هي هذا التاريخ الناصع، الذي لابد من المحافظة عليه لأنه هو الممول الرئيسي للذاكرة الوطنية، هناك جوانب اخرى علينا الإهتمام بها مستقبلا.
عندما نتحدث عن الموروث الشعبي الذي لديه علاقة بالذاكرة الوطنية، المقاومة والثورة في الشعر الشعبي، الحياة الإجتماعية والإقتصادية في الشعر الشعبي، كل هذه المقومات تنصهر في بوتقة الذاكرة الوطنية.
نحن مجبرون أمام محكمة التاريخ أن ندافع على التوجه الوطني في كتابة تاريخية موضوعية علمية اكاديمية واحترافية.
صدرت العديد من المذكرات الشخصية لبعض المجاهدين والمجاهدات، هل يمكن اعتبارها مصدرا في كتابة التاريخ؟
المذكرات الشخصية مصادر من الدرجة الثانية
أي مدرسة تاريخية تعتبر المذكرات الشخصيات عامل من عوامل دعم الكتابة التاريخية. تبقى المذكرات مصادر لكن من الدرجة الثانية لمعطيات عديدة، المذكرة تختلف عن الوثيقة لأن اصحابها من يكتبها بذاتية.
الكتابة الذاتية تجبر المؤرخ على التقيد بشروط الكتابة التاريخية، علينا قراءة المذكرات بتمعن قراءة معمقة ومتأنية، نأخذ ما يفيد ونبتعد عما لا يفيد.
المذكرات تكتب بذاتية وتحيز والكتابة التاريخية ليس فيها تحيز، هنا تكمن الموضوعية.
يبقى الأسلوب الذي كتب به صاحب المذكرة هذا شأنه. علينا ان نتمحص ونسلط الضوء على الحقائق التي ورد حولها اجماع، اعتقد اننا بأمس الحاجة لشهادات من تبقوا من المجاهدين، نطلب من آباءنا المجاهدين كتابة المذكرات لأنها تفيدنا. وتلقي الضوء على العديد من جوانب الثورة في كل المجالات سواء الصحية أو الاجتماعية أو الثقافية أو السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية حتى الحياة اليومية والطابع الإجتماعي في 1954 كان متميزا.
المجتمع الجزائري في الفترة الاستعمارية الفرنسية كان يعيش حياة بائسة بعدما كان في حياة رفاه انتقل الى حياة البؤس الذي تولد عنه مقاومة، هذه الأخيرة نتج عنها استرجاع السيادة الوطنية وطرد الاستعمار الفرنسي بدون رجعة، إذن يجب أن نتابع هذه الديمومة التاريخية، التي ولدت طبقة من المؤرخين هدفهم الأساسي هو الحفاظ على هذا العامل الأساسي في بناء الشخصية الوطنية.