يتميز شهر رمضان المبارك بالمناطق النائية خاصة سكان البدو الرحل بولاية النعامة بعادات وتقاليد خاصة، فرغم صعوبة المناخ والنشاط اليومي الشاق، إلا أن للعبادة في هذا الشهر الفضيل خصوصيتها وبركتها على حد تعبير السكان.
ولاية النعامة التي تعتمد في اقتصادها على تربية الماشية باعتبارها ولاية رعوية، ويقطن الكثير من ممارسي هذا النشاط بالمناطق النائية، كما أن معظمهم بدو رحل يمارسون نشاطهم بطرق تقليدية من أجل الحفاظ على مصدر رزقهم، خاصة ببلدية الصفيصيفة الحدودية التي تنقلنا لسكان البادية بها، بمناطق النسانيس والفرطاسة لمعرفة ظروف معيشتهم خاصة خلال هذا الشهر الفضيل، وكيف يقضون يومياتهم في ظل هذه الظروف المناخية القاسية التي يميزها الجفاف والزوابع الرملية اليومية تقريبا .
رعي الماشية طيلة النهار
رجل البادية بالمناطق الحدودية لبلديتي الصفيصيفة وعين بن خليل خاصة مناطق النسانيس، الفرطاسة، والقعلول يبدأ نشاطه منذ طلوع الشمس إلى غروبها تقريبا. فمباشرة عند الصباح يقوم بعلف مواشيه، ليسوقها إلى مناطق بعيدة عن الخيم بالتوجه نحو الجبال من أجل البحث عن الكلأ وهي عبارة عن حشائش قليلة جدا في ظل الجفاف الحاد الذي عرفته المنطقة في السنوات الأخيرة.
وما يؤثر سلبا على نشاطه اليومي هو الزوابع الرملية، وفي السياق يقول أحد الموالين: “لقد تعودنا على هذا الحو منذ سنوات، نحن نرتاح حينما يكون العام خرفي اي عام ليس جافا فحتى المواشي ترتاح في جسمها ونفسيتها”، يضيف محدثنا،
وعن كيفية قضاء يومياته، وهو صائم، يؤكد المتحدث أن الأمر عادي مثله مثل بقية الايام الأخرى، فالموال يحس بالعطش فقط “ولكن رمضان ببراكته” – حسب تعبيره – “علينا أن لا نرهق أنفسنا بالمشي، وعند منتصف النهار نتوجه للبئر من أجل أن تشرب الماشية، نحاول تجميع الماشية في مكان خاصة مع الزوال حتى لا تتحرك كثيرا لان وقت الزوال يشتد فيه الحر، ومع اقتراب موعد العصر نبدأ في الرجوع إلى الخيم خاصة إذا كنا بعيدين عنها لنصل بحوالي ساعة او ساعة ونصف قبل المغرب نقوم بإعطاء الماشية العلف مرة ثانية ونتركها قرب الخيم ومع المغرب ندخلها للزريبة وهكذا يوميا”.
يوميات نساء البادية
اذا كان رجل البادية يقضي يومه مع مواشيه في الجبال، فإن المرأة البدوية هي الأخرى تقضي يومياتها في شغل الخيمة خاصة في الاعتناء بالمواشي المتواجدة بالخيمة، حيث تقدّم لها هي الأخرى العلف، كما تسهر على حلبها ومراقبتها طيلة اليوم بالقرب من الخيمة او بالسهول والمنخفضات المتواجدة قربها.
وتقول الحاجة جمعة من منطقة الغرنوق الحدودية ان يوميات المرأة البدوية تبدأ من طلوع الفجر إلى وقت متأخر من الليل من الاعتناء بالخيمة والدواب المتواجدة بها أو المواشي وعلفها إلى الطهي وجلب الحطب، وهذا يوميا سواء في رمضان او غير رمضان، إلى جانب أعمال أخرى خاصة بيوميات المرأة من طهي وتنظيف وغسل وغيرها .
الحريرة والشاي أساس مائدة الإفطار
رمضان في البادية لا يختلف كثيرا عن المدن خاصة ماتعلق بتحضير مائدة الإفطار تضيف الحاجة جمعة، حيث تقوم المرأة البدوية منذ الزوال بتحضير مائدة الإفطار التي تبقى الحريرة والمطلوع اساسها، أما عن ما يوضع في مائدة الإفطار تضيف محدثتنا: ” ان الصائم في البادية يفطر على التمر والحليب ثم الحريرة التي تميزها توابل طبيعية محلية كالقرطوفة، الزعتر وحشائش أخرى محلية وصحية، اضافة الى الكليلة وهي عبارة عن جبن مجفف مصنوع او يستخرج من اللبن، وتقدم الحريرة مع خبز المطلوع الذي يكون ساخنا حيث يتم طهيه مدة قصيرة قبل الإفطار، لتقدم بعده القهوة”،
وتضيف الحاجة: “أما مائدة العشاء فهي عبارة عن مرق عادي مع خبز المطلوع، فيما تتميز السهرة بالسمر على كأس الشاي والذي يتم طهيه على الجمر يقدم وحده أو مع الجبن او الكليلة خصراء، والجبن يصنع من الحليب بينما تصنع الكليلة من اللبن وغالبا ما تمتاز بالحموضة عكس الجبن”.
وحسب الحاجة جمعة فان في مائدة الإفطار بالبادية لا مكان للحلويات عكس المدن خاصة الشامية والزلابية وغيرها . . أما عن السهرات الرمضانية تضيف محدثتنا “فتقتصر على اللمة العائلية فقط. وفي حال وجود جيران يلتقي الشباب او حتى الكبار في إحدى الخيم او كل يوم في خيمة لقضاء السهرة مع بعض على صينية الشاي، فيما تقتصر مائدة السحور على السفة أي طعام رقيق مع الحليب او اللبن والشاي”.
أما عن التحضيرات لهذا الشهر الفضيل خاصة ماتعلق بالمواد الغذائية الأساسية أكدت الحاجة جمعة أن ” العولة ” على حد تعبيرها تكون طيلة أيام السنة وليس خلال رمضان فقط وهي المؤونة الأساسية والمتمثلة في توفير مادة السميد والفرينة، الشاي، القهوة والزيت بالكمية اللازمة إلى جانب الخضر التي يتم جلبها خلال السوق الاسبوعي، وهذا يكون باستمرار طيلة أيام السنة. وفيما يخص التموين بالحليب فيتم الاعتماد على الماشية من بقر وغنم وماعز،
كما يتم نحر شاة مع دخول الشهر الفضيل او الاعتماد على نظام ” الوزيعة ” اذا كان هناك جارين او أكثر، اي يتم ذبح شاء وتوزع بالتساوي بين الجارين او ثلاثة على الأكثر، والوزيعة تعبر عن التكافل بين أفراد المجتمع .
رمضان بين الأمس واليوم
وبالتطرق للحديث حول الفرق بين رمضان الأمس ورمضان اليوم، أكد كل من تحدثنا إليهم ان هذا الشهر الكريم فقد الكثير من خصوصياته. “فبالأمس رغم المشقة وقلة الإمكانيات إلا أنه كانت له اللمة العائلية، وروح التكافل والتآزر والتعاون، كنا نقطع مسافة 8 كلم او 10 كلم من أجل قضاء سهرة مع جيراننا البعيدين عنا”، يضيف أحد السكان “حيث تستمر السهرات حتى موعد السحور”.
وتضيف الحاجة جمعة ان”المرأة بالأمس كانت تتعب كثيرا وتبذل جهدا كبيرا في رمضان وفي غير رمضان، حيث كنا نجلب الحطب على ظهورنا من مسافات بعيدة، نقوم بتقديم العلف للمواشي وحلبها، تحضير الاكل، إلى جانب أعمال أخرى وقت الراحة، وهي اما نساجة الخيم او الافرشة وكذا بعض الصناعات التقليدية الأخرى خاصة المصنوعة من الحلفاء، كل هذا يضاف اليه صعوبة المناخ سواء كان رمضان في فصل الشتاء او الصيف، عكس اليوم، اين تتوفر امكانيات ووسائل تريح عمل المرأة”.
الراديو رفيقي الدائم..
وفي سؤالنا لأحد كبار السن بالمنطقة عن كيفية قضاء يومه في شهر رمضان المبارك أكد أن بعد الانتهاء من ذهاب الماشية للرعي، يبقى هو في الخيمة وتشغيل جهاز الراديو ” المذياع ” الذي يبقى رفيقه الدائم ليل نهار .