عرف قطاع صناعة الملابس والنسيج في الجزائر، أوج نشاطه سنوات السبعينات والثمانينات، حيث برزت علامات جزائرية، استطاعت ولوج الأسواق الخارجية، وكسب ثقة الزبون الوطني والأجنبي على حدّ سواء، لكن هذا النشاط عرف انتكاسة خاصة بعد العشرية السوداء، وقرارات الغلق، التي طالت وحدات صناعية، ومحلات للبيع، ما فتح الباب على مصراعيه للاستيراد غير المدروس، وبروز ظاهرة “تجارة الكابة”، لتتحوّل الجزائر بعدها إلى “بزار” كبير مفتوح على كل أنواع الألبسة والأحذية لمختلف الماركات، ولكن ليس بأقل جودة عن المنتوج المحلي، الذي فقد مكانته لصالح منتجات دول أسيوية وأوربية.
ملف: زهراء بن دحمان وسعاد بوعبوش وأم الخير سلاطني
النهوض مجددا بهذا القطاع تطلّب إجراء دراسات مفصلة للقطاع، جعلت السلطات العمومية تفهم الوضع بكثير من الدقة والعمق، سمحت لها باستنتاج النتائج والعبر العاكسة للوضعية الحقيقية للقطاع، ومن ثم إدخال الإصلاحات الكفيلة للنهوض بالقطاع وجعله يلعب دوره الأساسي في تحريك عجلة الاقتصاد الجزائري.
وبعدما كانت الجزائر تعتمد بشكل كبير على استيراد الملابس والنسيج، أطلقت الحكومة عدة مبادرات لتعزيز الإنتاج المحلي والاستثمار الأجنبي في هذا المجال.
ومنذ 2020 ظهر الاهتمام المتزايد بعلامة “صنع في الجزائر”، وتمّ إطلاق عدة استثمارات في البنية التحتية والتكنولوجيا، من أجل تعزيز مكانة الجزائر في سوق النسيج والملابس العالمي، وقد منحت الدولة دعما للصناعة التحويلية حتى تحقق نموا مستداما وتصبح لاعبا رئيسيا في الاقتصاد الجزائري.
وعادت صناعة الملابس والنسيج الوطنية إلى الواجهة في السنوات الأخيرة، وبرزت منتجات جزائرية ذات جودة عالية بفضل إستراتيجية محكمة سطّرتها السلطات العمومية، منذ أربع سنوات، في سبيل ترقية الصناعة النسيجية، عن طريق تشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي، وتكوين اليد العاملة المؤهلة.
“جيتكس” رمز التحدي
ويعد المجمع العمومي لصناعة النسيج والجلود “جيتكس”، مثالا عن رغبة حقيقية للسلطات في النهوض بهذا القطاع، وتعزيز مكانته في السوق الوطني والعالمي للنسيج والملابس.
فهذا المجمع الذي كان يعرف سابقا باسم “سونيباك”، و«سونيتاكس”، استطاع العودة للنشاط بعد ركود دام سنوات.
وسمحت الاستراتيجية المنتهجة من قبل السلطات العمومية، بإعادة إحياء وحدات المجمع المتوقّفة، وأصبح شركة قابضة تضم 6 شركات كبرى، منها 5 شركات مختصة في الإنتاج وواحدة في التسويق، كما تملك الشركة القابضة 39 وحدة إنتاج عبر التراب الوطني توظف 8300 عامل مباشر، و48 نقطة بيع في عدة ولايات من الوطن على غرار تمنراست، مغنية، بسكرة.. وغيرها.
ينتج المجمع كل ما يحتاجه المستهلك الجزائري، من معاطف، سراويل، أقمصة، أفرشة، حقائب يد، وملابس داخلية، أحذية، بنوعية جيدة وأسعار تنافسية، وهي تعتمد على مواد محلية 100 بالمائة بالنسبة للصناعات الجلدية، حيث يتمّ تحويل الجلود عبر وحداتها المختصة.
أما صناعة النسيج، فهي تعتمد على القطن كمادة أولية وبالرغم من سعرها المرتفع في السوق الدولية، إلا أن المجمع يوفر منتجات بأسعار معقولة، وجودة عالية ومضمونة.
ومن أجل ترقية انتاج صناعة الملابس المحلية، عمد مجمع “جيتكس” إلى إبرام اتفاقية مع الجامعة الصناعية لمرافقة جيتكس لإنشاء قطب تكنولوجي للصناعات النسيجية وصناعات الجلود، ويتولى هذا القطب عدة مهام من بينها، البحث، التطوير والابتكار، تطوير التنمية المستدامة، الدراسة، التصميم والهندسة، تطوير الكفاءات، تكنولوجيات الإعلام والاتصال.
وبموجب هذه الاتفاقية ستقوم الجامعة الصناعية، في مرحلة أولى، بمرافقة مجمع جيتكس لإنشاء مخبر لمراقبة جودة منتجات النسيج والجلود، وذلك من أجل الحصول على الإشهاد (certification) على منتجاتها.
كما فتح المجمع أبوابه لأصحاب الشركات الناشئة، حيث تم توقيع اتفاقية مع الوزارة الوصية، لتخصيص فضاءات نشاط لهم ضمن الوحدات التابعة للشركة القابضة، لإنتاج أكسسوارات لمختلف الوحدات، وهذه الخطوة من شأنها استقطاب الشباب واحتضان مشاريعهم، حتى لا تضييع.
أما مصنع غليزان للخيوط القطنية الذي يعد ثمرة شراكة بين الجزائر وتركيا، فهو يعد مثالا على توسع القطاع، فهذا المصنع جزء من مشروع أكبر يتكون من 8 مصانع مدمجة، والتي من شأنها أن تعزّز الإنتاج المحلي وتقلل الاعتماد على الواردات.
وبسواعد محلية مؤهلة، يدعّم خواص السوق الوطنية بمنتجات ذات جودة عالية وسعر تنافسي، من بينهم مصنع “زين صبي” المختص في صناعة ملابس الأطفال الرضع، والذي يغطي 80 بالمائة من الاحتياجات الوطنية، محققا بذلك وحده الاكتفاء الذاتي في هذه المنتجات.
المصنع الذي تأسس في 1976، يواصل دعم السوق الوطنية بمنتجات ذات جودة، وبأسعار تنافسية، مادتها الأولية قطن 100 بالمائة.
ويمكن لرواد المراكز التجارية والمحلات، اليوم، العثور على ملابس نسائية، ورجالية، وأطفال، تحمل علامة “صنع في الجزائر” وتحمل مواصفات عالمية، نتيجة الدقة في التصميم والإبداع في التنفيذ.
تحديات وفرص
تواجه صناعة الملابس في الجزائر تحديات مثل المنافسة الخارجية والحاجة إلى تحديث التكنولوجيا ومع ذلك، هناك فرص كبيرة للنمو، خاصة مع دخول عدة ورشات ومصنع في الإنتاج، التي يتوقع أن ترفع الحصة السوقية للمنتجات المحلية.
وللحفاظ على مكانة المنتوج المحلي بين الماركات العالمية، يستدعي الأمر حسب مختصين فتح التكوين في تخصصات جديدة في مجالات النسيج والخياطة لتأهيل اليد العاملة الناشطة في هذا المجال، خاصة وأن عمليات التكوين التي تتمّ داخل المصانع لا تكفي لتغطية الطلب، وكذا العمل على إنشاء مراكز تكوين متخصصة في مجالات الخياطة والنسيج وبرمجة وصيانة الآلات الموجهة لصيانة النسيج، لمواكبة التكنولوجيات المتطورة المستعملة على المستوى الدولي.
كما يحتاج الأمر إلى تطوير أساليب تسويق المنتوج المحلي وايصاله إلى المستهلك في كل مكان، في ظلّ منافسة المنتجات الأجنبية التي اكتسحت السوق لسنوات.
أصحاب مؤسسات مصغرة: مُصرّون على النجاح وتشريف “صنع بالجزائر”
عرفت الصناعة النسيجية في الجزائر نهضة ملحوظة في السنوات الأخيرة، بفضل آليات إعادة بعث القطاع الذي كان رائدا في السبعينات والثمانينات ونافس أكبر العلامات العالمية، حيث تؤكد المؤشرات عودة الإنتاج المحلي إلى السوق بقوة خاصة مع ازدياد الطلب عليه وظهور الكثير من المؤسسات المصغرة لشباب فضّل تجسيد مشاريع خاصة واكتساح السوق الوطنية لتلبية الاحتياجات المحلية، ولما لا منافسة المنتوج المستورد، لاسيما في أوقات الذروة والمناسباتية الموسمية التي تفرض طرح منتوجات جديدة إرضاء لذوق المستهلك الجزائري الذي أصبح منفتحا وتوّاقا لكل ما هو جزائري ويحمل علامة “صنع بالجزائر”.
كشف عديد الشباب من أصحاب المؤسسات المصغرة الذين نجحوا في تجسيد مشاريع مصغرة في مجال الصناعة النسيجية والجلدية والمفروشات عن قدرتهم في تقديم منتوج جزائري 100%، يتميز بالجودة وأسعار تنافسية يرضي كل الأذواق وفئات المستهلك الوطني، ما يجعله قادرا على العودة من بعيد وأكثر قدرة على منافسة المنتوج المستورد وهو ما وقفت عليه «الشعب» في هذا الاستطلاع.
«أرويتا ديزاد» من هواية طفولة إلى علامة ألبسة بنات
في هذا السياق، تتحدث رزيقة سعادات صاحبة مؤسسة مصغرة « أرويتا ديزاد» مختصة في انتاج ألبسة بنات 100 بالمائة جزائرية تجربتها في هذا المجال، والتي لاعبت المقص وابرة الخياطة وهي في عمر الزهور بحيث لم تتجاوز التسعة سنوات، ولم تكن تدري أنه بعد التحاقها بجامعة بباب الزوار، ستترك التخصص وتتجه نحو تحقيق حلم الطفولة.
وحسب سعادات رغم فشل المشروع في بداياته لمرتين بسبب سوء التسيير في المرة الأولى وبسبب سوء التسويق في المرة الثانية، إلا أن تحليها بالإصرار جعلها تحقق هدفها في الأخير، ويرى مشروعها النور بعد أن كان هواية أطفال، مشيرة أن ما حزّ في نفسها وكان الدافع لها بعدم الاستسلام، هو المرحلة التي عاشتها الجزائر بعد كورونا وآثارها على العالم وتوقف الكثير من ورشات الخياطة، ما تسبب في ارتفاع أسعار ملابس الأطفال سيما أثناء المناسبات على غرار الأعياد واستيراد نوعية استخدم فيها أقمشة وبيعت بأسعار خيالية.
وعلى الرغم من تمكنها من خياطة الملابس التقليدية والموجّهة للعرائس، إلا أنها فضّلت أن تدخل مجال خياطة ملابس الأطفال بهدف سد العجز والتخفيف على المواطن البسيط الذي يجد نفسه عاجزا على اسعاد أبنائه أثناء المناسبات، فعمدت على المشاركة في معرض الصناعات النسيجية للتعريف بمنتوجها والاحتكاك مباشرة مع الممونين، وتجار الأقمشة، حيث كانت بالنسبة لها فرصة ثمينة خاصة وأنهم هم من تقربوا إليها لعرض خدماتهم بعد أبدوا اعجابهم بمنتوجها.
وحسب المتحدثة، لتفادي أخطاء الماضي عملت على العمل في المصانع وتحديدا في تسيير الورشة من أجل كسب الخبرة والاحتكاك بالتجار، ودراسة التجارة من خلال الدورات عبر الانترنت، ونجحت في فتح ورشتها وتخصصت في ملابس البنات، وعمدت على المشاركة في الصالونات بهدف توسيع دائرة تعاملها وعلاقاتها والاستفادة من مزايا وسائل الاتصال والتواصل التي تساعد في الانتشار.
وانتقدت سعادات سلوكات بعض أصحاب الورشات، الذين يعمدون إلى سرقة وإنتاج نفس التصاميم وفي نفس المجال، مشيرة إلى المنافسة يجب أن تكون في الجودة وليس بسرقة التصاميم، خاصة وأن المنتجين الجزائريين قادرين على تحقيق نهضة نسيجية في مختلف الشعب ومنافسة المنتوج المستورد.
«أم.بي شورت».. ملابس عصرية بهوية وطنية ترضي فئة الشباب
بدوره يمثل مهدي بوناب مؤسس علامة تجارية اسمها «أم.بي شورت»، تجربة ناجحة باعتباره نجح في استحداث مؤسسة جزائرية صغيرة ما تزال تعمل على تطوير علامتها في السوق الوطنية، حيث أنها تسوق منتوج جزائري 100%، والمتمثل في اللباس العصري أي «ملابس الشارع» الموجّه للشباب والذي يعرف اقبالا حتى من فئة الكهول.
وحسب بوناب، تنتج هذه المؤسسة المصغرة منتوج وطني، ماعدا المادة الأولية الخام المتمثلة في «القطن» حيث تستورد من طرف مؤسسة «تايال» التي تتولى تحويله إلى خيوط في الجزائر ومن ثمّ تقوم مؤسسته بتحويله لاستغلاله في مجال الملابس ابتداء من مرحلة الحياكة إلى الصباغة مرورا بالصناعة فتحديد العلامة وتسويقه.
وأوضح المتحدث، أن المؤسسة تتعامل مباشرة مع الزبون النهائي، وكذا مع الشركات المهتمة بتلبيس عمالها من منتوجهم، وحتى مع الفنانين الذين يريدون إنشاء علامتهم الخاصة من خلال مساعدتهم في المنتوج ومرافقتهم وحتى التسويق لهم من خلال مساعدتهم في طريقة البيع.
وبالنسبة للتصميم الذي يطبع على اللباس، تستعين المؤسسة بشباب مبدع من أجل التنويع في التصاميم بهدف تلبية كل الأذواق، سيما المتخرجين من معهد الفنون الجميلة، وفيهم من لا يزال يدرس، مشيرا إلى أن هذه التصاميم مستوحاة من الهوية الجزائرية وموقفها ورموزها، بحيث تكون ملابس شارع عصرية بهوية وطنية، وهذا بهدف التعريف بالجزائر وما تكتنزه من إمكانيات وتراث ثقافي، على غرار القصبة، الفنك، الصحراء، وحتى الشعارات على غرار «الحرية لفلسطين» بهدف بيعها حتى للسياح وليس فقط للمستهلك المحلي.
ويرى المتحدّث، أن منتوجه لقي اعجابا كبيرا سيما من فئة الشباب، خاصة أنه يتمّ تطويره تدريجيا بهدف إرضاء أذواق أكبر فئة من المستهلك الجزائري سواء من حيث التصاميم أو الألوان، والطموح كبير جدا خاصة وأنهم شباب وفي أول الطريق الذي شقوه بأنفسهم دون أي مساعدة أو الاستفادة من آليات الدعم التي أقرتها الدولة لصالح الاستثمار أو الشباب، حيث اعتمدوا في تجسيد مشروعهم على تأجير العقار في ثلاث أماكن، تتوزع بها ورشة الخياطة، السليغرافيا، والتسويق.
وحسب بوناب فإن هذا الأمر لم يمنعهم من تحقيق حلمهم وتجسيده على أرض الواقع واغتنام فرصتهم في السوق الوطنية والتي سيطر عليها لوقت ليس ببعيد المنتوج المستورد على حساب الإنتاج المحلي، والحلم أكبر والقادم أفضل خاصة في حال نجاحهم في توسيع المشروع.
مفروشات ذكية عالية الجودة
وفي مجال المفروشات تعد حجايجي آسيا مسيرة مؤسسة «أوراك سيما» التي أنشئت في 2009 وتنشط في مجال المفروشات والأسرة المبطنة والوسائد والأغطية وحتى أثاث الغرف المواكب العصر تجربة ناجحة هي الأخرى، وهي التي تهدف إلى تلبية مختلف أذواق المستهلك الجزائري، من خلال اعتماد التكنولوجيات الحديثة لتقديم منتوجات جديدة تواكب التطور الحاصل في هذا المجال.
وترى حجايجي، أن هذا المجال قطع أشواطا كبيرة في الجزائر بل وأصبح ينافس المنتوج الأجنبي، فمثلا منتوج مؤسستها الذي يتنوّع بين الفراش العادي إلى ملائمة صحة الانسان، على غرار فراش أو مرتبة «الروزيت» المخزنة في أكياس منفردة من أجل ضمان تهوية أكبر لجسم الانسان أثناء النوم وأريحية وتباع حسب وزن الانسان، بحيث لديها ذاكرة تسمح لها بالتكيف مع شكل صاحبها ووزنه وهي بالخصوص موجهة لمرضى العظام والمفاصل، كما يتمتّع المنتوج بشهادة ضمان تتاوح بين 5 إلى 10 سنوات.
وبالنسبة للمواد الأولية، أكدت المتحدثة أنها مستوردة وتعتمد على مادة ذات جودة عالية لأن الهدف هو جودة المنتوج وطبعا مع مراعاة الأسعار، التي هي مدروسة وهو سبب إقبال الكثير من المستهلكين، مشيرة إلى أن الشركة تعمل بشكل دوري على دراسة ذوق المستهلك من خلال الاحتكاك مباشرة معه أو من خلال صبر الآراء حول منتوج معين، وفي حال كان السعر غاليا مقارنة بالقدرة الشرائية للمواطن، تتمّ عملية الموازنة عبر التخفيف من نوعية المادة الأولية مع البقاء في خانة الجودة للحفاظ على المستهلك بهدف تمكينه من اقتناء المنتوج.
وبخصوص نوع زبائن الشركة، أشارت حجايجي، إلى أن المفروشات كانت موجهة في البداية للمؤسسات الفندقية، وحاليا تمّ التوجه نحو المدارس الخاصة والعليا، المطاعم وحتى الأفراد، من خلال الاعتماد على مختلف المكاتب والممثلين التجاريين.
وحسب المتحدثة، فإن التحديات التي تواجهها في نشاطهم تتعلق بوفرة المادة الأولية في الوقت وضمان نفس النوعية وهذا لأسباب تتعلق بالاستيراد، وبالتالي أي خلل في حلقة الاستيراد سيتأثر بها منتوجهم، خاصة وأنه ذو جودة عالية ويعتمد أيضا على عتاد جد متطور لتحقيق الجودة وربح الوقت.
وبهدف نشر هذا النوع من إنتاج المفروشات سيما المبطنة أو المحشوة، والتي تعرف نقصا في اليد العاملة المؤهلة أو من ذوي الخبرة بسبب غياب هذا التخصص على مستوى مراكز التكوين المهني، أشارت أن أبواب المؤسسة مفتوحة من أجل التمهين، لهذا حاليا تعتمد على تكوين عمالها بنفسها من خلال إدخالها مباشرة في عملية التصنيع والتعلّم بصفة تدريجية.
من الاستيراد إلى تجسيد مشروع
لأن أساس نجاح الخياطة العصرية، المتميزة بدقة التصميم والتفصيل، توفر العتاد والآليات المتطورة والحديثة، حرصت شركة «أول كونزاكومباني» حسب مديرها رامي حليس، على توفير ماكينات الخياطة الصناعية كهربائية وميكانيكية بتكنولوجيا ألمانية متطورة متعددة المهام والتصاميم مزودة بطابعة الشاشة.
وأوضح أن مجال الخياطة عرف تطوّرا كبيرا بفضل التطور التكنولوجي وهو ما انعكس على تطور الملابس ومختلف المنتوجات النسيجية، لهذا تطرح الشركة في السوق حوالي 63 نوعا من الماكنات، وفي الآفاق يمكن الوصول إلى 128 نموذج، كل واحد منها موجّه لصناعة معينة وهذا لتلبية احتياجات السوق الجزائرية.
وكشف المتحدّث عن مشروع سيتجسد في آفاق أربع السنوات المقبلة من أجل البدء في عملية تجميع وتركيب ماكينات الخياطة بالجزائر مع نسبة إدماج تصل إلى 20%، وسيتم الرفع من هذه النسبة تدريجيا وتجسيد هذا المشروع في ولاية برج بوعريريج، وهذا لأن الإنتاج النسيجي المحلي أصبح مطلوب جدا، وبالتالي يتعين تلبية احتياجات المؤسسات من الماكنات والعتاد المطلوب في هذا المجال.
وحسب حليس، ساهم التطور التكنولوجي بالكثير من الإيجابيات لهذا عمدت الشركة بتزويد السوق الوطنية بماكنات ذكية آلية تتكيّف حسب نوعية القماش وهي مزودة بناطق باللغة العربية، وبالعديد من المزايا التي تسمح بزيادة وتيرة الإنتاج وسرعة الأداء واختصار الوقت وتحويل الكثير من العمليات التي كانت في السابق يدوية إلى آلية، وبالتالي تلبية حاجيات السوق في أقصر مدة خاصة في المناسبات مثلا أو عند تسجيل طلبات مستعجلة.
الباحث عبد المجيد سجال: هكذا نضمن الإنتاج الوفير والمتقن.. بأقل التكاليف
يؤكد الباحث في السياسات الاقتصادية، الدكتور عبد المجيد سجال، أن السلع النسيجية مطلوبة جدا في الجزائر، نظرا لكثافة السكان وكذلك للعادات والتقاليد الاستهلاكية.
ويقول الدكتور سجال في تصريح لـ”الشعب”، إن المواطن الجزائري يشتري “الملابس في الأعياد والمناسبات والدخول الاجتماعي والأعراس، ويشتري كذلك منتوجات نسيجية لتأثيث البيت من الأفرشة والستائر وما شابه، ما يجعلنا نتحدث عن طلب كبير على السلع النسيجية، الذي كان يغطيه إلى وقت قريب الاستيراد سواء من الصين أو تركيا أو سوريا أو الخليج أو بنغلادش، أو دول أخرى أوروبية”.
أوضح أن الانتاج المحلي ظل محتشما لعدة أسباب، بالرغم من فرص الاستثمار في هذا القطاع، مثل الاستثمار التركي الجزائري في مصنع النسيج بغليزان وورشات صناعة الملابس الطفولية بغرداية أو شركات القماش بتلمسان أو قسنطينة أو المدية.
وأبرز الدكتور سجال، أن أهم تحدي واجه الصناعات النسيجية منذ القدم في الجزائر، هو كونها ليست موطنا للمواد الأولية كالحرير والقطن، وبالتالي فإن حياكة الأقمشة الحريرية والقطنية، لم يكن أبدا ضمن النسيج الصناعي التقليدي في الجزائر، عكس الصناعات الصوفية، في وقت كانت الثروة الحيوانية تتناسب مع عدد السكان، حيث كان الصوف كافيا لحياكة منتوجات نسيجية للاستعمالات المنزلية كالملابس والأفرشة والأغطية، غير أنه لم تكن وقتها – استراتيجية صناعية لجمع الصوف، والدليل الكميات المعتبرة من جلود أضاحي الأعياد التي ترمى كنفايات.
وقال الباحث الاقتصادي، إن أول تحدي يواجه الصناعة النسيجية في الجزائر، هو استقطاب انتاج المواد الأولية كالحرير بإنتاج دودة الحرير بغابات التوت، خصوصا بالشرق الجزائري، ثم تجريب زراعة القطن بالتكنولوجيا الزراعية، كما يتطلب هذا التحدي، التعاون بين وزارة الفلاحة وبين وزارة الصناعة لضمان جمع جلود وصوف الأغنام ووبر الإبل وبيعها للمصانع مادة خام أو نصف مصنعة، والعمل على تشجيع العائلات الريفية على جمع وبيع الصوف بخلق نقاط تجميع بكل مجمع ريفي.
ولفت إلى أن ضمان وفرة المادة الأولية، هي أول خطوة نحو تجهيز اليد العاملة المؤهلة، من خلال التكوين المهني وكذلك الجامعة بفتح تخصصات “الديزاين” والمودة، وتأتي بعدها، خطوة تشجيع الاستثمار في هذا القطاع الحيوي، بخلق العقارات الصناعية متعددة الطوابق على غرار النموذج الصيني بحيث يتخصص كل طابق في مادة نصف مصنعة، زيادة على التفكير في توفير المورد المائي الوافر والمناسب لمثل هذه الصناعات.
الاعتماد على المكننة
وتحدث الدكتور سجال عن ضرورة الانتقال من ثقافة الصناعة التقليدية، إلى ثقافة الصناعة التجارية التسويقية، سواء من خلال “الديزاين” أو التغليف أو التسويق، لافتا، أن الصناعة التقليدية الآن، أصبحت مكلفة في غياب المكننة والاحتراف في التسويق، مستعرضا العوائق التي تكبح تسويق الصناعات النسيجية التقليدية وتضعها بعيدا عن المنافسة، بفعل تكلفة الانتاج المرتفعة التي تؤثر على سعر السلع، وتحول دون مواءمتها للقدرة الشرائية للمواطن، حيث يعتقد المتحدث، أنه لابد من ادخال المكننة النسبية في الصناعات التقليدية النسيجية، لضمان إنتاج أكبر كمية وفي وقت محدود، ما يعني تدني التكاليف الوحدوية وبالتالي ضمان الميزة التنافسية السعرية.
تكوين في التصميم والتسويق
واقترح المتحدث، جمع حرفيي النسيج في منصة رقمية وطنية لضمان الربط بين مقدمي المواد الأولية، الحرفيين، المصممين والتجار الالكترونيين، وعقد اتفاقية بين وزارة السياحة والصناعات التقليدية وبين وزارة الخارجية، لفتح متاحف تجارية مصغرة بكل سفارات الوطن عبر العالم، ما يضمن تصريف منتوج الحرفيين وضمان أسواق خارجية تعريفا بالبراند الجزائري.
زيادة على ذلك، دعا المتحدث إلى خلق حاضنات تصنيع مهمتها تصنيع المنتجات من خلال التصنيع التعاقدي في حاضنة التصنيع، والتي تكون في شكل مصنع مجهز بالماكنات الحديثة نسجا وتصميما وخياطة وتغليفا، على أن تأخذ حاضنة التصنيع عمولة مقابل هذه العملية، فنضمن – حسبه – الانتاج الوفير والمتقن بأقل تكاليف ممكنة، ونضمن خلق العديد من العلامات التجارية، لافتا أن هذا الأمر يتطلب كذلك استراتيجية دقيقة في التكوين المهني، الذي يجب أن يخترق أسوار الإقامات الجامعية، بفتح ورشات تعليم الخياطة بالمساء وتعليم الديزاين والتسويق الرقمي.
وأوضح الباحث الاقتصادي، أنه على الرغم من التحديات المتعلقة بقلة المواد الأولية، برزت الصناعة النسيجية في الجزائر مؤخرا، بعد إعادة الاعتبار لها عن طريق منح الدعم وإعادة تفعيل المصانع المغلقة، مثل سونيباك الذي تحول إلى جيتكس، أو إقامة مصانع بشراكة أجنبية مثل مصنع “تايال”، مشيرا على سبيل المثال، إلى شركات صناعة الألبسة الجلدية في المدية، التي تنتج كميات كبيرة جدا، لكن العامل المشترك هو ضعف دقة التفاصيل في الخياطة، وقلة اليد العاملة المؤهلة وغياب المكننة الحديثة.
لهذا كان لابد من استقطاب الحرفيين المكونين من الخارج والتعاقد معهم، من أجل تدريب حرفيين جزائريين، فصناعة النسيج تحتاج استراتيجية دولة بكل قطاعاتها، أولها قطاع الفلاحة، السياحة، الصناعة، التكوين المهني والتعليم العالي، البنوك ومختلف المتدخلين في ترقية الاستثمار الصناعي، حتى ترافق سلسلة العناقيد الصناعية، من توفير المادة الأولية إلى الإنتاج والتسويق،
العناقيد الصناعية من أجل التحكّم في سلسلة الإنتاج
وأشار الدكتور سجال، إلى أن العناقيد الصناعية هي فكرة قابلة للتجسيد، أمام توفر ارادة سياسية عالية لإنعاش الاقتصاد الوطني وتطويره وتنويعه بعيدا عن التبعية لقطاع المحروقات، من خلال خلق مناطق صناعية متخصصة في مجالات معينة تجمع كل المتدخلين فيها من المادة الأولية الى المادة نصف المصنعة إلى المنتج النهائي، حيث تتجسّد الفكرة في قطاع النسيج، في شكل مصنع لتكرير الصوف ومصنع للملابس ومصنع للأفرشة ومصنع لصناعة الخيط ومصنع للقماش.
بولنوار: أكثر من 3 آلاف ورشة صناعة الملابس
اعتبر رئيس الجمعية الوطنية للتجار والحرفيين الحاج الطاهر بولنوار، قطاع النسيج والملابس، من القطاعات الاقتصادية الهامة والاستراتيجية، وهو من القطاعات الخمسة الكبرى التي تمثل حجم السوق، بعد المواد الغذائية ومواد التجميل وقطع الغيار.
وأوضح في تصريح لـ«الشعب” أن هذا القطاع الاستراتيجي أهمل في السنوات الماضية، وباتت السوق الوطنية تعتمد على الاستيراد، بنسب عالية، لكن في السنوات الأخيرة، عرفت صناعة النسيج في الجزائر انتعاشا خاصة بعد جائحة كوفيد 19، واصفا هذا الأمر بـ«المشجع”، حيث أصبحت صناعة النسيج الوطنية تغطي 30-50% من احتياجات السوق، خاصة بالنسبة لملابس الأطفال وملابس النساء.
وتحدّث بولنوار عن وجود أزيد عن 3 آلاف ورشة لصناعة الملابس عبر الوطن، رفعت من مستوى انتاجها لتغطية الطلب المحلي، لكنها دائما ما تشكو من نقص المادة الأولية وغلائها في السوق العالمية.
وأوضح الطاهر بولنوار، أن تحسن انتاج الملابس في الجزائر كما ونوعا، أدى إلى انتعاش صناعة النسيج، في المناسبات الاجتماعية على غرار عيد الفطر والدخول المدرسي، وما لوحظ من انعكاس ايجابي لانتعاش مجال انتاج الملابس، هو تراجع الأسعار واستقرارها بما يتلاءم مع القدرة الشرائية للمواطن.