طفرة اقتصادية كبيرة تشهدها الجزائر، مترجمة جهود إصلاحات وإرادة حكيمة لرئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون. الهدف كبير واستراتيجي، يتمثل في وضع الجزائر على سكة الازدهار والنمو. بدأت بوادر هذا النجاح تظهر بشكل مبهر، من خلال ورشات التنمية والأداء العالي بوتيرة متصاعدة في عدة قطاعات.
الصناعة عمود فقري للاقتصاد الوطني، وهي واحدة من القطاعات المحورية في ضخ الثروة وتلبية الطلب الوطني، بينما تمثل الفلاحة الحامل لمفاتيح الأمن الغذائي، والممسك بدواليب سلة الغذاء، وقد أحدثت ثورة مدهشة في تأمين الأسواق المحلية بكل ما يحتاج المواطن، وهي تتجه بثبات إلى كبح وتيرة الاستيراد وتقليصه إلى مستويات ضئيلة.
ملف: فضيلة بودريش وهيام لعيون وإيمان كافي
المتتبع للمسار التنموي للجزائر خلال السنوات القليلة الماضية، يمكنه الوقوف على وتيرة ممتازة في مجال النهوض بعدة قطاعات مركزية للآلة الإنتاجية الوطنية، تحذوها إرادة سياسية وقدرات محلية لليد العاملة، وثروات طبيعية وباطنية، وما لا يخفى أن قطاع الفلاحة تمكّن منذ أيام من لفت الانتباه الدولي، بعد أن نجح في الرفع من منتجات الحبوب بشكل جذب الإعجاب والتقدير.
ولن تتوقّف جهود الجزائر عند تنمية قطاع واحد، فقد سطّرت بعث مختلف المنظومات في وقت واحد، لتكون نتائج النمو والتنمية المستدامة متوازنة ومتناسقة ومتكاملة، إلى جانب الصناعة وما شهدته من إرساء لبنى تحتية للتصنيع سواء في السيارات أو النسيج أو قطع الغيار، وكذا البلاستيك والحديد، وكلها مشجعة تدفع إلى التفاؤل، يضاف إليها الخطة الاستعجالية لتحديث الزراعة، وما أسفر عنها من نتائج أولية فاقت التوقعات، وجعلت المنظمات الدولية تصنف الأمن الغذائي الجزائري في الخانة الخضراء عالميا.
الخبير الفلاحي لعلى بوخالفة: الخطّة الاستعجالية لتطوير الفلاحة.. نجاح باهر
تسير الجزائر بخطى ثابتة في مجال ترقية وتطوير القطاع الفلاحي لتحقيق الأمن الغذائي، لاسيما فيما يخص المحاصيل الإستراتيجية وما يتعلق بزراعة الحبوب، فقد فتحت باب الاستثمار واسعا في إطار الحدّ من الاستيراد، وتقليص فاتورته وتحقيق الاكتفاء الذاتي الذي يعتبر جزءا لا يتجزّأ من السّيادة الوطنية، ويعدّ الرهان الأكبر للسلطات العليا في البلاد منذ بدء الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية ضمن رؤية شاملة واستشرافية لرئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون لهذا القطاع، وهو الذي وضع انشغالات المواطن في صلب اهتمامات الدولة.
أكّد الخبير الفلاحي، لعلى بوخالفة، أنّ الأمن الغذائي يعتبر جزءا لا يتجزأ من السيادة الوطنية، علما أنّ الجزائر تمكنت من ضمان اكتفائها الذاتي من كافة المواد الغذائية، خاصة الخضروات واللحوم، وكذا الفواكه والبقوليات الجافة والتمور، إذ لم تعد تستوردها، بل إنها تنتج محليا وتغطي احتياجات الجزائريين بنسبه 75 %، وهذا باعتراف منظمة “الفاو” التي وضعت الجزائر في “الخانة الخضراء”، أي لا فرق بيننا وبين الدول العظمى.
تطوير الزّراعات الإستراتيجية
بالمقابل شدّد بوخالفة على “أنّنا نبقى مرتبطين باستهلاك بعض المواد ذات الاستهلاك الواسع، كالحبوب، الزيوت، السكر، الحليب، اللحوم الحمراء، وهي مواد استراتيجية ذات استهلاك الواسع، حيث نستورد الحبوب بنسبة تتراوح ما بين 70 إلى 80 قنطار سنويا، مما يكلف خزينة الدولة 3 ملايير دولار، أما بالنسبة للمواد الأخرى فتقدر تكلفتها بـ 10 ملايير دولار سنويا، لكن ومنذ تولي رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون سدة الحكم، تنبّه إلى هذا الجانب، وحاول بكل الوسائل تقليص هذه التبعية من خلال اعتماد خطة استعجالية للرقي بهذا القطاع ضمن أحد التزاماته الذي يحمل رقم 18”.
في نفس السياق، قال الخبير الفلاحي إنه ضمن المخطط الإستراتيجي لتنمية إنتاج الحبوب في الجزائر 2023-2028 الذي تم إطلاقه في سبتمبر 2023، تبنّت بلادنا عدة إجراءات لبعث الاستثمار الفلاحي بالمناطق الجنوبية، حيث المساحات الشاسعة ووفرة المياه الجوفية، فضلا عن إيصال المستثمرات الفلاحية بالطاقة عن طريق شركه سونلغاز، حيث تم ربط 750 ألف مستثمرة فلاحية بالكهرباء، إلى جانب فتح المسالك التي تسهل التنقل إلى المزارع من أجل تطوير الزراعات الإستراتيجية، ومع إعادة استعمال المياه المستعملة في السقي الزراعي في مناطق الشمال، باتت اليوم كل الظروف مهيأة لتطوير هذا القطاع.
وتحدّث بوخالفة عن النجاح الباهر في إنتاج القمح بجنوب البلاد، وقال إنّها رُسّخت عبر مشاهد تناقلتها وسائل إعلام ثقيلة ومواقع التواصل الاجتماعي بكثرة. ووصف الخبير الفلاحي، تلك المشاهد بـ “الكفاح الصارم” لإنجاح الفلاحة بالجزائر، حيث أصبحت تعتمد اعتمادا كليا على إنتاج الحبوب في الصحراء، موضحا أن المعدل السنوي لإنتاج القمح في الجزائر كان 17 قنطارا، وهو رقم ضئيل، لهذا رفعت الجزائر من نسبة إنتاج الهكتار الواحد من القمح إلى ما لا يقل عن 40 قنطارا، وتوجّهت إلى الفلاحة الصحراوية واستصلاح أراضيها التي تمكنها من تقليص فاتورة الاستيراد إلى 50 %، لأن استغلال مليون هكتار بمعدل إنتاج 40 قنطار في الهكتار الواحد، يساوي إنتاج 40 مليون قنطار، وهو ما يلبّي 50 % من احتياجات الجزائريين من القمح، ونأمل أن نصل إلى 60 أو 80 قنطارا في الهكتار مستقبلا، يقول بوخالفة.
وأشار بوخالفة إلى مشروع آخر بمنطقة جنوب البلاد، يتمثل في استغلال الأراضي الصحراوية بين الجزائر وايطاليا، عبر مساحة تقدّر بـ 36 ألف هكتار مخصصة لإنتاج القمح، إذ تهدف كل هذه المشاريع إلى تحقيق الأمن الغذائي كليا عبر قطاع الفلاحة، الذي يكتسي أهمية كبيرة من أجل بناء الاقتصاد الوطني، لتصبح بذلك الجزائر قطبا فلاحيا بامتياز، ينافس الدول الرائدة في هذا المجال.
آفاق واعدة ينبغي استغلالها
شدّد محدّثنا – بالمقابل – على أنّ “هناك آفاق واعدة ينبغي أن تستغل بطريقة علمية من خلال إدماج التقنيات الحديثة للبحث العلمي التي تمكننا من تطوير الفلاحة ورفع الإنتاج، خاصة المردودية، وهذا باحترام ما يسمى “المسارات التقنية”، من اختيار البذور التي تتناسب مع المناخ والتربة، إلى جانب اختيار الأسمدة وأوقات استعمالها، فضلا عن محاربة الأعشاب الضارة واستعمال الري الذكي”.
من جهة أخرى، أشار المتحدث إلى ما يسمى بالزراعة الزيتية على غرار السلجم الزيتي ودوار الشمس، حيث قال إنّ “هذه النباتات تمكّننا من استخراج الزيوت، في انتظار انتعاش هذه الشعبة على ضوء تشغيل معمل جديد في ولاية جيجل الذي سينطلق خلال الأيام المقبلة، يضاف إلى معمل سيفيتال لتلبية الاحتياجات الوطنية، ولم لا كسب رهان التصدير”.
مشروع القرن قادم.. قريبا
إلى جانب ذلك يقول الخبير الفلاحي: “هناك مشروع لغرس الشمندر السكري الذي سيمكّننا من إنتاج السكر، إضافة إلى بعض المشاريع التي سجلت بالنسبة لشعبة الحليب، أو ما يسمى بمشروع القرن بين الجزائر وقطر، الذي سيستغل على مساحة تقدر بحوالي 117 ألف هكتار مع استغلال 270 ألف بقرة حلوب.
وأضاف: “من أهداف المشروع تقليص الاستيراد إلى 50 % لأننا نستورد حاليا 336 ألف طن من بودرة الحليب، حيث يقسم هذا المصنع إلى ثلاثة أقطاب، قسم لزراعة الحبوب والأعلاف الخضراء وقطب مخصص لتربية الأبقار وقطب آخر مخصّص لبناء وتشييد المصانع التحويلية التي ستمكنّنا من تحويل الحليب الطازج إلى بودرة الحليب، حيث من المنتظر أن ينتج هذا المشروع في بداية اشتغاله خاصة الثلاث سنوات الأولى 33 ألف طن من بودرة الحديد، ويصل ألإنتاج إلى 90 ألف طن من بودرة الحليب خلال ست سنوات المقبلة، بينما سينتج في الأخير 193 ألف طن من بودرة الحليب وهو ما يمثل 50 % من الاحتياجات التي نستوردها من الخارج”.
أبرز القرارات لتطوير الفلاحة
في جوابه على سؤالنا المتعلق بأهم القرارات التي اتخذتها السلطات العليا في البلاد في سبيل ترقية القطاع، قال الخبير الاقتصادي بوخالفة، إنّ الدولة اتخذت عده قرارات لصالح القطاع الفلاحي بصفة عامة، ولفائدة ما يسمى بالزراعات الإستراتيجية بصفة خاصة، وهي زراعة الحبوب ـ القمح بنوعيه الصلب واللين، والشعير والنباتات الزيتية.
وأضاف: “كان أول قرار اتخذه رئيس الجمهورية هو استرجاع الحبوب إلى وحدات الديوان الجزائري للحبوب والبقوليات الجافة، ورفع أسعار شراء القمح بنوعيه من الفلاحين لتشجيعهم على مضاعفة الإنتاج، كالتالي، القمح الصلب من 4500 دج إلى 6000 دج للقنطار الواحد، القمح اللين من 3500 دج إلى 5000 دج للقنطار، الشعير من 2500 إلى 3400 دج للقنطار الشوفان من 1800 إلى 3400 دج للقنطار، إذ تعتبر هذه الأسعار تحفيزية تشجع الفلاحين على الإنتاج بكميات أكثر وتشجع المستثمرين الجدد للانخراط في هذه العملية”.
إلى جانب ذلك – يقول المتحدث – رفع دعم أسعار الأسمدة من 20 إلى 50 % نتيجة ارتفاعها عالميا، مع تسهيل ترخيص وتسهيل استيراد قطع الغيار، خاصة ما تعلق بالجرارات الكبيرة التي لا يتعدى عمرها خمس سنوات بجميع أنواعها بعد وقفها في سنة 2019، مع تعويض الفلاحين المتضررين في الكوارث الطبيعية، وتمكينهم من البذور بصفة مجانية، وهناك أيضا ما يسمى بتشجيع ودعم الري الذكي لأن هذا النوع من الري مكننا من اقتصاد أكثر من 50 % من المياه للحفاظ على الثروة المائية، وهي التي تعتبر جزءا من الأمن المائي للبلاد الذي يساهم في ضمان الأمن الغذائي.كما اتخذت الدولة عده قرارات أخرى، منها تصفيه المياه المستعملة وتوجيهها إلى الفلاحة، حيث ارتفع العدد إلى 200 حوض لتصفية المياه المستعملة وتوجيهها للفلاحة، ويؤكّد محدثنا على مبادرة أخرى ذات أهمية كبيرة تتمثل في توجيه فائض المياه وتصفيه مياه البحر إلى الفلاحة، يضاف إلى احتواء الجزائر لأكبر ثروة مياه جوفية تقدر بـ 45 ألف متر مكعب، يمكن استغلالها لمده طويلة تصل حتى 5 آلاف سنة، موجودة في الصحراء الكبرى ومشتركة مع بعض دول الجوار، مثل ليبيا.
وخلص الخبير الفلاحي إلى التأكيد على أن الدولة ماضية في تنفيذ خطتها الاستعجالية لتحديث الزراعة وبلوغ الهدف الأسمى وهو ضمان الأمن الغذائي، باهتمام من أعلى المستويات، تتمثل في تعليمات يسديها رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، خلال اجتماعات مجلس الوزراء، حيث تُتخذ قرارات لصالح الفلاحة بصفه عامة أو ما يسمى بالزراعات الإستراتيجية بصفه خاصة، وهذا بالرغم من الظرف الدولي الصعب، فضلا عن التغيرات المناخية التي تشهدها عديد مناطق العالم.
الخبير الاقتصادي أحمد حيدوسي: الاستثمار الصّناعي..رهان التّفوّق وأدوات الإنجاز
حسم الخبير الاقتصادي، الدكتور أحمد حيدوسي، في مسألة شق الجزائر للنهج الصحيح، وانفتاحها على مختلف الاستثمارات الضخمة ذات القيمة المعتبرة في القطاع الصناعي، متوقّعا أن تحدث ثورة صناعية كبيرة ومهمة على الصعيد الإقليمي، تتناسب مع حجم ووزن الجزائر في الخارطة العالمي، وأكّد حيدوسي على ضرورة التنويع في المشاريع، لأنها تساهم في خلق فرص عمل جديدة وتعزز النمو الاقتصادي، مقترحا الاهتمام أكثر بالاستثمار في مشاريع بقطاع الصناعات التحويلية والطاقة المتجددة، بالإضافة إلى التكنولوجيا الرقمية.
ركّز الدكتور حيدوسي، في قراءة معمقة حول واقع الاستثمار في قطاع الصناعة من حيث أهمية المشاريع التي تم إطلاقها، على ما شهده القطاع مؤخراً من حركية تستدعي الإعجاب والاهتمام، في ظل ما وصفه بتزايد الاهتمام بالمشاريع الصناعية المتسمة بالابتكار والانفتاح على التكنولوجيا المتقدمة، ولقد ظهر ذلك جليا بمعرض الإنتاج الجزائري الأخير، أين تم الوقوف على منتجات ذات جودة عالية، كانت إلى وقت قريب حكرا على بعض الدول الصناعية فقط، وكذلك من خلال الأرقام المسجلة في عدد من الاستثمارات منذ إطلاق الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار، حيث سجلت أكثر من 7 آلاف مشروع استثماري.
وقال حيدوسي في السياق، إن الرقم يتضمن عددا مهما متعلق بالصناعة، مثلما حدد قانون الاستثمار المشاريع التي تحظى بالأولوية لدى الحكومة، وهذه المشاريع تمثل أهمية كبيرة للاقتصاد الوطني، لأنها تساهم في خلق فرص عمل جديدة وتعزز النمو الاقتصادي. أما الاستثمار في مشاريع مثل الصناعات التحويلية والطاقة المتجددة والتكنولوجيا الرقمية، فقد أوضح الخبير أنها بدورها تعكس توجها نحو تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على قطاع المحروقات، علما أن هذه المشاريع – يقول حيدوسي – تساهم في تحسين البنية التحتية الصناعية، إلى جانب أنها تسمح في زيادة الكفاءة الإنتاجية، ممّا يجعلها عنصرا حيويا في إستراتيجية التنمية المستدامة.
مشاريع مهيكلة
في ظل انجذاب مستثمرين أجانب كبار في عدة قطاعات صناعية للتواجد بالسوق المحلية، وما ينتظر من مشاريع عملاقة مقرر إطلاقها على صعيد رفع الناتج الداخلي الخام، يتوقع الدكتور حيدوسي أن يفضي اقتحام المستثمرين الكبار للقطاعات الصناعية إضافة هامة، وهناك مستثمر آسيوي سينجز مشروعا ضخما يقدّر بملايير الدولارات، سيكون لها تأثير إيجابي كبير على رفع الناتج الداخلي الخام، ليس فقط من حيث ضخامة المشاريع، على اعتبار أن الحديث في الوقت الحالي جار حول مشاريع مهيكِلة لها تأثير اجتماعي واقتصادي، إلى جانب خلق القيمة المضافة بشكل مستمر من دون انقطاع عن طريق تحويل التكنولوجيا، واستغلال وتثمين الموارد المحلية.
واعتبر حيدوسي أن دخول المستثمرين الأجانب، سواء عن طريق الشراكة مع المستثمرين المحليين أو الولوج المباشر، من شأنه أن يسمح بجلب خبرات عالمية، وتقنيات متقدمة، إلى جانب رؤوس أموال ضخمة، ممّا سيعزّز القدرة الإنتاجية ويحفّز النمو الاقتصادي، كما يمكن لهذه الاستثمارات أن تساهم في تحديث وعصرنة القطاع الصناعي بشكل أكبر، عن طريق منحه بعدا دوليا، من شأنه أن يحسن من جودة المنتجات، ويزيد من القدرات التصديرية على اعتبار أن نقل التكنولوجيا والخبرة، ينتظر منه أن يعزز القدرة التنافسية للصناعة الوطنية على الصعيدين الإقليمي والدولي.
رهان الصّناعة
ووقف الخبير مشرحا حجم وطبيعة المشاريع الصناعية المتطلب استحداثها في قطاع الصناعة، ولم يخف أن هذا الرهان يحتاج إلى التركيز على الاستثمار في هذا النوع المهم من المشاريع وبكثافة في المرحلة الراهنة، كونه يعول عليه في ضخ أكبر قدر من القيمة المضافة من خلال تثمين الموارد المحلية، وهذا ما يسمح بخلق أكبر عدد ممكن من مناصب العمل.
وفي سياق متصل، قال حيدوسي إن القطاعات الإستراتيجية حددها قانون الاستثمار، وتمتلك فيها الجزائر ميزة تنافسية عالية، وذكر من بينها قطاع الصناعات التحويلية و الصناعة الصيدلانية، وإلى جانب البتروكيميائية والطاقات المتجددة، على خلفية أن هذه القطاعات الإستراتيجية تضمن نموا مستداما وتنوعا للاقتصاد الوطني، وتدفع عجلة التنمية الاقتصادية مع تعزيز القدرة التنافسية للصناعة الوطنية على الساحة الدولية.
وبما أنّ الجزائر تتهيأ لتكون بلدا ناشئا، تناول الدكتور حيدوسي قدرة هذه المشاريع الاستثمارية على تحقيق الأهداف التنموية الكبرى، بحيث تكون علامة فارقة في الحياة الاقتصادية، وذكر أن البلدان الناشئة تتمثل في تلك التي تسجل معدلات نمو سريعة ومتواصلة على مدار عدة سنوات، ممّا يسمح لها بالتحول من اقتصاد يعتمد على الصناعات التقليدية إلى بلد يعتمد على الصناعات التكنولوجية الحديثة المتطورة.
واعتبر حيدوسي أن عدد المشاريع الاستثمارية المسجلة بالجزائر مهم من حيث الكم والنوع، كونها قادرة على تحويل البلاد إلى بلد ناشئ ومزدهر، إذا تمت إدارة هذه الاستثمارات بفعالية وكفاءة، مع القدرة على جلب استثمارات وتحفيزها، وبالإضافة إلى تسهيل تدفقها نحو الاقتصاد الوطني. وعاد الخبير ليثمّن ما تمتلكه الجزائر من إمكانات معتبرة تسمح لها بالتحول فعلا إلى اقتصاد ناشئ مزدهر، ممّا يرفع من مستوى معيشة المواطن ويعزّز من مكانة الجزائر على الصعيدين الإقليمي والدولي.
وخلص الخبير إلى القول أنّ الاستثمار الصناعي، جاذب لرؤوس الأموال ومحقق للتفوق التكنولوجي، ويرى أن النظرة الجزائرية تسير بشكل صحيح لبلوغ التطلعات المسطرة، لأن الصناعة يقاس بها مدى تطور الدول اقتصاديا. وتمثل الصناعات التكنولوجيا جانبا مهما يمكن للمؤسسات الناشئة وبابتكارات الشباب أن تحقق كثير من المزايا بينها توفير تكنولوجيا متطورة بكفاءات جزائرية إلى جانب تسويقها في أسواق خارجية، وتحصيل موارد مالية بالعملة الصعبة.
الخبير محسن بـن الحبيب: السّياحة.. عملاق يتأهّب لنهضة شاملة
يتوجّه قطاع السياحة بالجزائر اليوم نحو تفعيل مساهمته في تحقيق النمو الاقتصادي المنشود، حيث يلعب هذا القطاع دورا محكما في تحريك العجلة التنموية للعديد من اقتصاديات الدول عبر العالم، وعلى هذه الخطى تسعى الجزائر اليوم لتجسيد إرادتها في تطوير وتنمية السياحة بأشكالها المتنوعة، وتعزيز إمكاناتها وقدراتها في هذا المجال.
في ظل الاهتمام الذي تبديه الجهات المسؤولة لبناء اقتصاد وطني قوي، من خلال تنويع مصادر الدخل الوطني، فإن السياحة تعتبر من بين أهم المصادر الاقتصادية التي يمكن الاعتماد عليها، وأكد الخبير في المجال السياحي، البروفيسور محسن بن الحبيب، أن الجزائر تملك كل المقومات الطبيعية، وتعد وجهة سياحية فريدة من نوعها، فيها كلّ ما يُثير شغف المسافرين، فهي تتجلى في لوحة فنية غنية بالألوان، تتناغم فيها معالم طبيعية جذابة مع شواطئ خلابة وجبال شامخة وصحراء شاسعة، ناهيك عن تراث حضاري عريق يمتد عبر آلاف السنين، من مواقع أثرية تروي حكايات الحضارات القديمة، إلى أسواق نابضة بالحياة تُعبق بعبق التوابل.
تحديد الدّيناميكية الأساسية
غير أنه وراء هذه الصورة البديعة – يقول محدّثنا – يكمن قطاع سياحي يتأهّب لإطلاق إمكاناته الهائلة عبر تجسيد مشاريع واستثمارات ضخمة تسمح بتحقيق الانطلاقة الحقيقية للسياحة في بلادنا، وفي هذا الإطار، تطرّق المتحدث إلى واقع الاستثمارات السياحية بالجزائر التي يمكن أن تجعلها وجهة سياحية واعدة، وذكر بن الحبيب – في هذا الشأن – أنّ معدل الزوار الوافدين إلى الجزائر يشكّل مؤشرا مهما وعنصرا رئيسيا في المساهمة المباشرة للسفر والسياحة، وحسب التقرير الصادر عن المنظمة العالمية للسياحية سنة 2023، فقد حقّقت الجزائر 27.0 مليار دينار جزائري في عام 2022، ومن المتوقع أن يصل إجمالي عدد السياح الدوليين بحلول عام 2033 إلى 3.304.000، مما يولد إنفاقا قدره 36.4 مليار دينار جزائري، أي بزيادة قدرها 2.6٪ سنويا منذ عام 2023.
وبما أنّ جعل الجزائر وجهة سياحية واعدة أضحى هدفا استراتيجيا للحكومة، فقد أعدّت جملة من الإجراءات لتعزيز قطاع السياحة، وجعله أكثر جاذبية للمستثمرين والسياح على حد سواء، وقد تضمن المخطط التوجيهي للتهيئة السياحية آفاق 2030 إرادة الدولة لتطوير هذا القطاع، من خلال تحديد الأهداف المرجوة والتي تم تحديد خمسة ديناميكيات أساسية من أجل تحقيقها، ويحتل الاستثمار مكانة بارزة ليكون محركا للنمو، واعدا لتوفير الثروة ومناصب الشغل، وهو ما يتقاطع مع رؤية منظمة السياحة العالمية في يوم السياحة العالمي 2023، باعتبار الاستثمارات واحدة من الأولويات الرئيسية لتعافي السياحة والنمو والتنمية في المستقبل.
وأبرز التقرير الصادر عن المنظمة العالمية للسياحية سنة 2023، أنه من المتوقع أن تصل حصة السفر والسياحة من إجمالي الاستثمار الوطني إلى 3.1 % في عام 2033، في ظل الفرص التي يتيحها قانون الاستثمار والذي يمنح المستثمرين في مجال السياحة تسهيلات لإنجاز مشاريعهم، وهو ما أشار إليه الوزير في تأكيده “توفّر 249 موقعا للتوسع السياحي، تمّ من بينه تهيئة نحو 70 موقعا وبرمجة 50 موقعا بغية تهيئته مستقبلا من أجل وضعه في متناول المستثمرين لإنجاز مشاريعهم في مختلف مناطق الوطن”.
إنشاء مشاريع سياحية صديقة للبيئة
قال بن الحبيب إنّ قطاع السفر والسياحة في الجزائر – حسب تقرير المنظمة العالمية للسياحية لسنة 2023 – وفر 203.705 فرصة عمل مباشرة في عام 2022 أي بنسبة قدرت بنحو (1.9 % من إجمالي العمالة)، وهذا يشمل التوظيف في الفنادق ووكلاء السفر، وكشف التقرير ذاته أنه من المتوقع بحلول عام 2033، أن يوفّر القطاع 271.972 وظيفة مباشرة أي بنسبة (2.1 % من إجمالي العمالة)، وهو ما يمثّل زيادة قدرها 2.4% سنويا عن عام 2023.
وتستهدف الحكومة الجزائرية – حسب الخبير – تنفيذ العديد من البرامج الكبرى، أبرزها برنامج القطب السياحي المتكامل، حيث يهدف إلى إنشاء 5 أقطاب سياحية متكاملة على مستوى عال من الجودة، تشمل فنادق ومرافق ترفيهية وقرى سياحية، من أجل رفع طاقة الإيواء وبرنامج تنمية السياحة الصحراوية الذي يهدف إلى تطوير السياحة في المناطق الصحراوية، من خلال إنشاء مشاريع سياحية صديقة للبيئة وبرنامج “تثمين المواقع الأثرية والتاريخية”، حيث يهدف إلى ترميم وصيانة المواقع الأثرية والتاريخية، وتحويلها إلى وجهات سياحية جاذبة.
وتعتمد الرؤية الجديدة لتطوير السياحة في الجزائر – يقول بن الحبيب – على تنويع المنتجات السياحية لتشمل السياحة الثقافية والسياحة العلاجية والسياحة البيئية والسياحة الرياضية، فضلا عن التركيز على السياحة الداخلية، من خلال تشجيع الجزائريين على قضاء عطلاتهم في بلدهم، بالإضافة إلى الترويج للوجهة السياحية الجزائرية على المستوى الدولي، من خلال المشاركة في المعارض والفعاليات السياحية العالمية.
وعلى الرغم من التحديات التي قد تواجه السياحة في الجزائر، إلا أن هناك إرادة قوية لتطوير هذا القطاع وتحقيق نجاحات ملموسة، حسب نظرة البروفيسور محسن بن الحبيب وهذا ما يمكن تجسيده من خلال الاستفادة من الموارد الطبيعية والثقافية الغنية، وتشجيع الاستثمارات والابتكار في السياحة، بما يمكّن الجزائر من تبني مكانة قوية كوجهة سياحية متميزة على الصعيدين الإقليمي والعالمي.