نغوص مع المدير الفرعي المكلف بالمتابعة والتقييم بوزارة الفلاحة، صابر تواتي، في تفاصيل كثيرة تخص إجراء الإحصاء العام الثالث للفلاحة بالبلاد، قبل وأثناء العملية ووصولا إلى معالجة البيانات والخروج بنتائج ومؤشرات..
في لقاء خص به “الشعب أونلاين”، يجيب تواتي عن أسئلة عديدة، ما هو الإحصاء العام ولماذا؟ أهميته؟ ما يسبقه من تحضيرات؟ كيف يُجرى عمليا وتنظيميا، من هي شريحة الفلاحين المستهدفة؟
قبل الخوض في تفصيل الأسئلة المذكورة وأخرى، يذكر المتحدث أن الجزائر أجرت الإحصاء العام للفلاحة مرتين سنتي 1973 و2001، وبين إحصاء وآخر هناك تحولات تستوجب الوقوف عليها، ويبرز الدور الهام الذي تكتسيه المعلومة في عالم اليوم.
مرّ على آخر إحصاء 23 سنة، وهي فترة سجلت فيها الفلاحة بالجزائر تحولات هامة، من حيث رأس المال والإمكانيات، ما يقتضي تحيين المعلومات وضبط القدرات والاحتياجات، الإمكانيات والوسائل، الهياكل، الاستثمارات، عدد الفلاحين.. إلخ.
وعن التحولات الهامة التي يسجلها قطاع الفلاحة بالجزائر، يقدم المتحدث مثالا، ويقول: ” في وقت سابق لم نتحدث عن الفلاحة بالجنوب، في السنوات الأخيرة أصبحت لدينا منتجات فلاحية وفيرة من الجنوب الجزائري.”
مشروع الإحصاء العام الثالث الذي انطلق يوم 19 ماي ويستمر إلى غاية 17 جويلية المقبل، سبقته مراحل ومحطات تحضير مست جوانب تشريعية، تقنية وتنظيمية، وسبقتها أيضا تجارب بولايات عين تموشنت، ميلة، تيبازة وغرداية.
في هذه التجارب أُجري إحصاء عام وشامل (سنة 2022)، بمشاركة الغرفة الوطنية للفلاحة، والصندوق الوطني للتعاضد الفلاحي، لذلك فور رفع التجميد عن المشروع كانت هناك أرضية انطلاق.
وأولى التحضيرات بالجانب التشريعي الذي تقتضيه العملية (المرسوم التنفيذي المعدل والمتمم لمرسوم 2001)، بمشاركة قطاعات وزارية ومختصين وخبراء، إضافة إلى إجراء دراسة مالية.
ومن الجوانب الهامة التي تسبق عملية الاحصاء مدانيا، يضيف المصدر، الشق الخاص بضبط استبيان الإحصاء، بإشراك فاعلين كثر من قطاعات وزارية، خبراء ومختصين أخذت ملاحظات وأرائهم بعين الاعتبار.
وخضت المسودة الأولية للاستبيان لتنقيحات وتعديلات عديدة، قبل أن يتم اعتماد النسخة النهائية من قبل اللجنة الوطنية المشرفة على عملية الإحصاء برئاسة وزير الفلاحة.
أهمية الإحصاء الثالث
يشير صابر تواتي إلى أهمية الإحصاء الحالي، بالنظر إلى المقاربة المعتمدة وفقا لتوصيات منظمة العالمية للزراعة “فاو”، المرتكزة على مقاربة معيارية تعتمد على استمارة تحتوى أسئلة هيكلية تخص قطاع الفلاحة، ما يسمح بضبط قاعدة بيانات شاملة لقطاع الفلاحة، تشمل الهياكل والاستثمارات، الري وطرقه، استخدام الأراضي واستعمالها.
في هذا الشق، يُقسم استبيان الإحصاء إلى أبواب عديدة، منها تعريف بالمستثمر، المستثمرة، الوضع القانوني للعقار الفلاحي المستغل، أنظمة الري، المعدات والآلات، التمويل والتأمين، استغلال الأراضي واستعمالها، إلى جانب أسئلة تخص محيط المستثمرة مثل الخدمات القريبة.
وقبل الانطلاق في الإحصاء، أجريت عملية تجريبية شهر فيفري، شملت 6 بلديات نموذجية بـ 6 ولايات، خلصت إلى إضافة تعديلات وفق النتائج المتوصل إليها، مثلا سجلنا اختلالا في أسئلة كانت غير مناسبة أو بحاجة إلى تعديل وضبط أكثر، أو تقتضي إدراج توضيحات معينة.
تنظيميا، يشرف على الإحصاء العام هيكل تنظيمي يتشكل من 29 مشرفا وطنيا، كل مشرف يتكفل بولايتين، و120 مشرفا ولائيا بمعدل 2 في كل ولاية، ومراقب لكل 4 أعوان إحصاء وعددهم قرابة 7 آلاف عون.
إعداد الخرائط والقوائم الأولية
أجريت عملية جرد أولى شهر ماي 2023 وتكررت 3 مرات، خاصة بإعداد قوائم الفلاحين المحتمل استهدافهم في الإحصاء العام.
ويشرح المصدر أكثر بقوله: ” عندما يخرج أعوان الإحصاء إلى الميدان تكون لديهم ورقة طريق يتبعونها، وربما يجدون فلاحين مسجلين ضمن القوائم مثل يحدث أن يجدوا فلاحين غير مسجلين.”
ويقصد بإعداد الخرائط تقسيم كل ولاية إلى مناطق تدخل، وكل منطقة يشرف عليها عون إحصاء، ولا يحق له ولوج حيز منطقة أخرى، وكل منطقة تدخل مقسمة إلى مسارات محددة يتبعها العون.
ومن أجل تنظيم عملية الإحصاء وتحصيل أرقام وإحصائيات دقيقة، توجد القوائم الأولية الولائية للإحصاء، وهي آلية تسمح بالتحكم أكثر في العملية.
وتعتبر هذه القوائم بمثابة العينة المحتملة في كل ولاية، ويعطي تواتي أمثلة عن ذلك “مثال في سكيكدة نتوقع أزيد من 44 ألف فلاج، الطارف نحو 18 ألف فلاج ، قالمة وسوق أهراس نحو 22 ألف فلاح، تيزي وزو 90 ألف فلاح.”
“وتمثل القوائم الأولية ورقة طريق يستند إليها أعوان الإحصاء غير أنه يمكن إحصاء فلاحين غير مدرجين في هذه القوائم، مثلما قد يسقط فلاحين من الإحصاء بسبب التوقف عن النشاط.”
ويوضح المسؤول ذاته أن الخرائط وما تتضمنه من مسارات، والقوائم الأولية، هي جوانب تقنية تنظيمية بحتة، تساعد أعوان الإحصاء في العمل، وتسمح بضبط العملية ميدانيا “لا مجال للعشوائية”، وتتيح القوائم الأولية للمشرفين على المستويين المحلي والمركزي، متابعة تقدم عملية الإحصاء.
من هو الفلاح المعني بالإحصاء..
بالنظر إلى التنوع الفلاحي الكبير الذي تزخر به الجزائر، يصعب ضبط معايير موحدة تخص الفلاح المعني بعملية الإحصاء، ويُؤخذ بعين الاعتبار خصائص كل ولاية، وهذا ما يشرحه تواتي بمثال:
” لو نتخذ قرارات ومعايير على أساس المساحة المزروعة تساوي أو تزيد مثلا عن 1 هكتار، بهذه الطريقة سنقصي شريحة واسعة من فلاحين يخلقون ثروة ومردودية عالية في مساحة زراعية صغيرة.”
“وهو مثال ينطبق على ما نطلق عليه بفلاحة التراث، اعتماد معيار مماثل معناه عدم إدراج فلاحة الفقارة بأدرار في عملية الإحصاء، لذلك تركنا الأمر مرتبط بخصوصيات منطقة، وإلى التجارب المحلية وخبرة أعوان الإحصاء الذين تلقوا تكوينا خصيصا لهذه العملية.”
لذلك يقول المتحدث إن مفهوم الشريحة المقصودة في هذا الإحصاء تختلف من منطقة إلى أخرى “إذ لا يمكن تطبيق معايير معينة خاصة بمنطقة على منطقة أخرى، هناك فلاحين ينتجون ثروة في مساحة صغيرة جدا قد تعادل مساحة هكتارات بمناطق أخرى.”
أعوان الإحصاء..
من متطلبات إنجاح عملية الإحصاء، في مراحلها الميدانية، ما تعلق باختيار الأعوان المناسبين لتأدية المهمة، اذ ينشط أغلبهم في قطاعي الفلاحة والجامعات المحلية، وهم جزء من البيئة التي يجرون فيها عملية الإحصاء، ويواصل في هذا الشقق: “ركزنا على الشباب ولمسنا حماسا والتزاما كبيرين من قبل الأعوان في أولى ساعات انطلاق العملية، وهناك مشاركة مميزة للعنصر النسوي.”
وتولي مصالح وزارة الفلاحة أولوية هامة التكوين وهو ما عملت عليه قبل انطلاق العملية بتسطير مخطط اتصال وتحسيس، بإشراك الغرفة الوطنية للفلاحة، اتحاد الفلاحين وهيئات تحت الوصايا.
إلى جانب لجان وطنية ومحلية، إذ نُظمت سلسلة من الخرجات الميدانية إلى غاية عشية انطلاق الإحصاء، وخصص مكلف بالاتصال على مستوى كل ولاية.
تحديات ميدانية
في سؤال حول ما يمكن ان يعترض عملية الإحصاء من صعوبات أو عراقيل، يُشير المتحدث الى أن أكبر تحدي يتمثل في الجانب اللوجيستيكي “عملية إحصاء ضخمة تدوم مدة شهرين يلزمها إمكانيات لوجيستيكية كبيرة، وهو تحد تم تذليله بفضل اللجان المحلية برئاسة الولاة، هؤلاء رفعوا التحدي لأقصى الدرجة، هناك ولاة يقفون شخصيا على العملية ويتابعون مع مديري المصالح الفلاحية كل التفاصيل من خلال تقارير مفصلة.”
في العمل الميداني، يضيف، لا توجد صعوبات بعينها إلا في حالات بمناطق معينة قد تتعلق بخصوصية المنطقة وطبيعة النشاط “هناك تحديات تقنية أخذناها بعين الاعتبار.”
التاريخ المرجعي
في السياق ذاته، يقول تواتي أن يوجد من يحاولون طرح مسألة إحصاء الثورة الحيوانية تزامنا مع عيد الأضحى على أنها مشكل، لذلك أوجدنا في عملية الإحصاء ما يسمى بـالتاريخ المرجعي ” حددنا تاريخ 19 ماي لإحصاء الثورة الحيوانية، بحيث لو يخرج العون في آخر يوم من الإحصاء تكون الأسئلة ماذا كان لدى الفلاح في 19 ماي.”
ويتابع: ” استفدنا كثيرا من التجارب السابقة ومن تجارب إحصاء تخص قطاعات أخرى مثل الإحصاء العام للسكان، من خلال التواصل مع الأشخاص الذين أشرفوا على العملية، وتطرنا إلى ما يمكن أن نواجهه من نقائص ميدانيا، أو أي جزئية يمكن أن تؤثر على العملية
بوتوكول تحصيل المعلومات
معلومة دقيقة.. هو الشطر الثاني من شعار الإحصاء العام، ومن أجل تحقيق هذا المبتغى في جمع وتحصيل المعطيات والمعلومات في عملية ضخمة، هناك ما يسمى بـ بوتوكول الإحصاء، فما هو؟
يقصده به، حسب تواتي، الجوانب المتعلقة بتوثيق المعلومات في استبيان الإحصاء، شكلا ومضمونا، بحيث قد ترفض استمارة مع ان المعلومات صحيحة بسبب عدم احترام العون للبروتوكول الواجب التقيد به.
ويعنى البروتوكول بتفاصيل دقيقة تخص كيفية كتابة الأرقام والحروف، التعامل مع الفراغات، الأسئلة التي لا يُجيب عنها الفلاح، أوالاجابات التي يكون فيه تناقض، حيث تحتوي الاستمارة على اجبارية وأخرى اختيارية، وأسئلة ذات خيارات متعددة.
ومن بين مهام مراقبي الإحصاء (مراقب لكل 5 أعوان)، متابعة ملء الاستبيانات ومراقبتها، قبل أن تحميلها في المنصة الرقمية التي تحتوي على برامج وأدوات مراقبة بحيث يتم تمحيص الإجابات.
وفي حال وجود أخطاء يعطي التطبيق إشارات وقد لا يعتمد الاستبيان إلا بعد التصحيح الخطأ.
ما بعد الإحصاء..
بلغة الأرقام والإحصائيات، معالجة البيانات وتحليلها وفق مؤشرات مدروسة، هي آخر مرحلة يتم التوصل فيها إلى نتائج نهائية.
“لدينا خوادم مركزية مؤمنة لاستقبال المعلومات في قاعدة بيانات من ثم معالجتها، بناء على تصورات كثيرة، بداية نحن مطالبين بتقديم مؤشرات أولية للجمهور بعد انتهاء عملية الإحصاء، وهناك نتائج نهائية نتوصل إليها بعد مدة معينة..”، يقول المتحدث.
وفي مسألة المؤشرات، يوضح تواتي أن هناك مؤشرات رئيسية وأخرى ثانوية “ما يهمنا أكثر الصنف التصنيف الأول وهي تلك المؤشرات غير قابلة للتغيير في فترة زمنية قصيرة، وتغييرها يكون مؤثرا.
بينما تتميز المؤشرات الثانوية بسرعة التغير، وهذه عادة ما نشتغل عليها في تحقيقات ميدانية تدعم الإحصاء العام، مثل: المردودية في منتجات معينة مؤشر ثانوي قابل للتغيير في فترة زمنية قصيرة بسبب الظروف المناخية، الزراعات أو المنتجات المرتبطة بتساقط المطر.
وتساعد المؤشرات، يضيف صابر، في بناء تصورات يرتكز عليها مستقبلا في تخطيط لسياسيات وبلوغ أهداف ” لنتائج عملية الإحصاء عموما، وما نحصله من معلومات دقيقة حول فلاحتنا، أبعاد إستراتيجية.”