خمسة مشاريع، تعدّ الأكبر في الجزائر، سُطرت وفق رؤية رئيس الجمهورية، يُرتقب إنجازها بسرعة قياسية مع شركاء أجانب كبار يتمتعون بتجربة رائدة وخبرة تقنية متطورة، يعوّل على إدماجها ضمن حلقة الاستغلال الأمثل، لتكون رافدا تنمويا صلبا ومستداما يحرك الحياة الاقتصادية ويدعم المنظومة الاقتصادية من خلال تنويع مواردها، طرح أكده خبراء لـ”الشعب”.
ملف: فضيلة بودريش وهيام لعيون وإيمان كافي
تأتي في مقدمتها مشاريع فلاحية مبهرة تشمل زراعة القمح والحبوب مع الشريك الإيطالي، لن تقتصر على منطقة الجنوب الكبير وحدها بل ستوسّع على مختلف ربوع الوطن في ظلّ وجود أراضي زراعية خصبة في الهضاب والشمال على حدّ سواء.
وإلى جانب ذلك، فإن الاكتفاء الذاتي من الحليب يسير في الطريق الصحيح، لأن الاستثمار المميز مع الشريك القطري، ينطلق من الأساس وبالتحديد من محطة تربية الأبقار وزراعة أعلافها لتتشكل صناعة متكاملة للحليب قائمة بذاتها تكون متطورة ومنتجة.
من جهة أخرى، حقّقت استثمارات صناعة الأسمدة والبتروكيميا طفرة جديدة في استغلال أمثل ومربح أكثر للموارد الباطنية، بدل تسويقها خاما بأسعار منخفضة، مشروع سيؤهلها لتتبوأ الصدارة وتكون لها مكانتها المستحقة.
وفي سياق هذا التحوّل الاستثماري العميق، يندرج مشروع إنتاج الهدروجين من الطاقة الشمسية والرياح، لتمويل أوروبا وتنويع مصادر الطاقة التقليدية الأحفورية، استثمار ثمين يحقق حركية اقتصادية ستكون مواردها مكملة وفي نفس الوقت بديلة عن موارد الطاقة التقليدية.
رئيس منتدى الاستثمار وتطوير المؤسّسات: مشاريع رائدة ستحوِّل الصحراء الجزائرية إلى سلّة غذاء
حدّدت الدولة عددا من الأولويات تتعلّق بقطاع الزراعة، منذ تولّي رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون الحكم في البلاد، تهدف أساسا إلى تقليص فاتورة الاستيراد وتحقيق الأمن الغذائي، وفق رؤية شاملة بدأت بتحسين مناخ الاستثمار وجلب المستثمرين الأجانب.
أعلنت الجزائر عن خطوات جديدة في مجال خطّتها لتحديث الزراعة، وتستعد لتنفيذ مشروعين فلاحيين ضخمين، يتعلق الأول بمشروع “بلدنا” القطري لإنتاج الحليب المجفّف في جنوب البلاد، والذي أطلق عليه “مشروع القرن”، إلى جانب مشروع مع الشركة الإيطالية “بونيفيكي فيراريزي”، بولايتي أدرار وتقرت، بهدف إنتاج القمح والبذور باستخدام أحدث التكنولوجيات لتتحوّل الصحراء الجزائرية إلى سلة غذاء الجزائريين.
يرى رئيس منتدى الاستثمار وتطوير المؤسّسات يوسف ميلي، أن الدولة تعوّل كثيرا على مشاريع استثمارية كبرى تماشيا وتحسين مناخ الاستثمار في البلاد، والتوجّه لتكريس اقتصاد التنمية الزراعية عبر مختلف مناطق الوطن عبر تسطير مختلف البرامج والسياسات الاقتصادية، تساهم في النهوض بالقطاع الزراعي وتطويره، بهدف زيادة الإنتاج وتشغيل اليد العاملة وتوفر بيئة اقتصادية.
منظومة متكاملة
يكتسي مشروع “بلدنا” لإنتاج الحليب المجفف بولاية أدرار، بالغ الأهمية فبدل اقتناء الحليب المجفف من الشركات الأجنبية في الخارج، سيتم إنتاج الحليب في الجزائر.
ويوضح أن المشروع “منظومة متكاملة زراعية صناعية لتربية الأبقار وإنتاج الحليب المجفّف ومشتقاته عن طريق الشراكة بين شركة “بلدنا” القطرية والدولة الجزائرية، ممثلةً في الصندوق الوطني للاستثمار لتربية الأبقار الحلوب وإنتاج مسحوق الحليب بقيمة تتجاوز 3.5 مليار دولار.
يتربع المشروع على مساحة إجمالية قدرها 117 ألف هكتار مكونة من ثلاثة أقطاب، تحتوي كل منها على مزرعة لإنتاج الحبوب والأعلاف، ومزرعة لتربية الأبقار وإنتاج الحليب واللّحوم، ومصنع لإنتاج مسحوق الحليب”، بحسب وزارة الفلاحة والتنمية الريفية.
وأبرز ميلي أن هذا الاستثمار يعتبر فكرة خلاّقة وممتازة، ومشروع سيكون له أثر جدّ ايجابي على مناخ الاستثمار في الجزائر، حيث سيشجّع الكثير من الشركات الأجنبية على الدخول في هذه المنافسة، باعتبار أنّ هناك سوقا مهمة لاستهلاك الحليب وهي السوق الجزائرية، بالإضافة إلى وجود تسهيلات كبيرة مع إمكانيات هامة تتميز بها الجزائر، من خلال توفر المساحات الشاسعة في الجنوب، ووفرة المياه الجوفية، مع العلم أن لديها أكبر الاحتياطات في مجال المياه الجوفية.
صورة مغايرة
كما أشار رئيس منتدى الاستثمار، إلى أنّ الكثير من الشركات الأجنبية في مجال إنتاج الحليب ستأخذ هذه التجربة بعين الاعتبار وسوف تراقب نجاحها وعندما يتحقق النجاح سيكون هناك إقبال من شركات أخرى على ضوء النتائج المحققة.
أما بالنسبة للتجربة الايطالية لزراعة القمح في الجزائر، فقد شدّد المتحدّث على أنها ستكون أيضا فرصة لنقل هذه التكنولوجيا العالية جدا إلى الجزائر، خاصة وأن عملية إنتاج الحبوب أصبحت تتميز بها عالميا، مع بداية التخلي عن الفلاحة التقليدية في ظل توفر الإمكانيات الجغرافية، من حيث طبيعة الأرض الفلاحية ومن ناحية المناخ ووفرة المياه والمساحات الشاسعة، كما يعطي فرصه أيضا للشركات الأخرى لولوج السوق الجزائرية، وهذا يؤثر على مناخ الاستثمار، إذ يعتبر هذين المشروعين مهمين جدا بالنسبة للاقتصاد الجزائري.
بالمقابل، قال الخبير في مجال الاستثمار، إن الإيطاليين لديهم خبرة كبيرة في هذا الجانب، لافتا إلى أن الهدف الأول من هذه الشراكة إدخال التكنولوجيا إلى الفلاحة الجزائرية وتحقيق طفرة في الاستثمار في الجزائر.
مقوّمات كبيرة
وحول سؤال متعلق بإمكانيات الجزائر من أجل تحقيق اكتفائها الذاتي من القمح وبودرة الحليب التي تستوردها حاليا، أوضح ميلي، أن الاكتفاء الذاتي في مادة القمح ليس بالمستحيل ما دامت الإمكانيات والأراضي الفلاحية واليد العاملة والأموال متوفرة.
وأضاف “مقارنة بمستوى الاستهلاك الجزائري للقمح، يستهلك المواطن الجزائري ما يقارب 250 كيلوغرام في السنة، في حين أن متوسط الاستهلاك العالمي هو 170 إلى 180 كيلوغرام في السنة، وباحتساب هذه النسبة العالمية، فإن الجزائر لديها اكتفاء ذاتي، لكن معا احتساب النسبة العالية لاستهلاك القمح بالنسبة للجزائري والمقدرة بـ 250 كلغ، فإننا دائما نحتاج إلى الاستيراد، لذلك فإن الجزائر تملك كل المقوّمات لتحقيق الاكتفاء الذاتي حاليا”.
وبهذا الخصوص، أبرز المتحدث أن الجزائر تستطيع اقتحام مجال التصدير من بابه الواسع، في ظل وجود كل المؤهلات، لكن مع ضرورة دعم وتنظيم النشاط الفلاحي بصفة عامة، والفصل بين الفلاح البسيط والفلاح المستثمر وإعطاء الدعم لمستحقيه.
كما تحدّث رئيس منتدى الاستثمار عن نقطة تأثير هذين المشروعين، القطري لإنتاج الحليب المجفف والايطالي لزراعة الحبوب، على التنمية المحلية، وقال إن “المشروع الجزائري ـ القطري يجعل من ولاية أدرار قبلة لإنتاج الحليب ويشجع المستثمرين سواء كانوا جزائريين وأجانب للتوجه نحو الاستثمار في هذا المجال، والانتقال إلى ولاية أدرار والعمل هناك وتشجيع جميع الفلاحين وجميع مربي الأبقار لإنتاج الحليب وجلب اليد العاملة في المنطقة الصحراوية، مع ما سيرافقه من خدمات لوجستية من توفر الطاقة والبضائع أو الخدمات البشرية في إطار توفير الدعم اللوجستي الاحترافي، على غرار النقل وبالتالي تحسن النشاط التجاري والمساهمة في النمو الاقتصادي للجزائر”.
وأشار ميلي بالمناسبة إلى أنّ تعزيز النمو الاقتصادي عن طريق تحسين مناخ الاستثمار وترقية الصادرات، يمنح الجزائر متنفسا فيما يخصّ التخلي التدريجي عن موارد البترول، حيث توجد إرادة قوية للسلطات العليا في البلاد، من خلال التركيز أكثر على الجانب الصناعي والفلاحي، لأن ما نستطيع أن نصدره بحاويتين أو ثلاثة من الصناعة، يقابل تقريبا 100 أو200 حاوية من الفلاحة.
وخلص رئيس منتدى الاستثمار إلى التأكيد على أن المستقبل يدفعنا على انتهاج هذا النهج الاقتصادي الذي يقطع أشواطا في سبيل التخلي التدريجي عن التبعية النفطية، والتخلص من المخاوف الكبيرة المتمثلة في تقلبات أسعار النفط في العالم.
الخبير محفوظ كاوبي: تعميق الاستثمار في7 قطاعـات.. عهد جديد من الازدهار
يتوقّع البرفسور محفوظ كاوبي الخبير الاقتصادي، أن تدخل الجزائر عهدا جديدا مختلفا عن مسارات سابقة، في خضم شروعها في تجسيد مشاريع استثمارية ضخمة لم يسبق لها مثيل، مستندة على تجربة سابقة استخلصتها في دروس عديدة، جعلت هدفها الجوهري واضحا.
ويرى الخبير أن 7 قطاعات ستصنع الفارق التنموي، وتضع الجزائر في صدارة الدول ذات التجارب الاقتصادية المهمة والناشئة، وكل ذلك سنعكس على آلة التصدير، بفضل هندسة تنموية يقودها رئيس الجمهورية بداية من مشاريع البتروكيميا وصناعة الأسمدة لتمويل قطاع الفلاحة ودعم الصناعة الغذائية.
حدّدت الجزائر رهاناتها المستقبلية بإطلاق مشاريع ضخمة ذات طابع استراتيجي، بينها مشروع الفوسفات والأسمدة الزراعية مع الصين، بغلاف مالي لا يقل عن 7 ملايير دولار، وهذه المشاريع تتضمن أبعادا تنموية جمة، وصفها الخبير الاقتصادي محفوظ كاوبي، بأحد أهم الدعائم الأساسية للإستراتيجية الوطنية للتنمية الاقتصادية المعتمدة منذ عام 2019، وتشمل إطلاق مشاريع مهيكلة.
وبينما تعد هذه الدعامة عنصرا من بين أهم العناصر الأساسية لهندسة التنمية الوطنية، المعتمدة أيضا على تنويع الاقتصاد الوطني والزيادة في حجم الاستثمارات في القطاعات الإنتاجية، الهدف منها يكمن ـ حسبه ـ في إقامة مشاريع مهيكلة أو مشاريع كبيرة من أجل تثمين القدرات المنجمية التي تزخر بها الجزائر، سواء في مجال الفوسفات أو الحديد والبتروكيميا بصفة عامة وغيرها من المجالات التي تعتبر ثروة حقيقية.
وأشار كاوبي في نفس المقام إلى أن الجزائر تهدف من خلال المشاريع المهيكلة تثمين هذه الثروة، عن طريق استغلالها والحصول على عائدات مالية أكبر، تمكنها من تحويل هذه العائدات المالية إلى رأسمال، يستثمر في قطاعات أخرى من أجل تحقيق هدف التنويع الاقتصادي المنشود.
اندماج اقتصادي
وفي حين الهدف الثاني المسطر من خلال هذه المشاريع المهيكلة، أكد الخبير كاوبي، إحداث اندماج اقتصادي من خلال توفير مواد أولية أساسية للعديد من القطاعات الأخرى والتي تمّ الإعلان عنها في قانون الاستثمار، وذكر أنه نراها من خلال منظومة القطاعات، وهذا ما يمنح أولوية لـ 7 قطاعات تشكل الأولوية والأفضلية للاقتصاد الوطني.
وتشمل القطاع المنجمي والبتروكيميا والصناعات الثقيلة والصناعات الميكانيكية وصناعة الحديد والفولاذ وإلى جانب الصناعة الصيدلانية والغذائية، وبالإضافة إلى القطاع الفلاحي والتكنولوجيات الجديدة.
واعتبر الخبير كاوبي، أن الهندسة لهذه القطاعات، تحتاج لأن تكون لها دينامكية حيوية، حاملة لدعائم الأفضلية، كما يمكن أن تؤسس لصناعة حقيقية على أرضية الميدان، كما تحتاج إلى رأسمال من أجل الاستثمار، وهذا الأخير يمكن أن يوفر من خلال عائدات استغلال هذه القطاعات المهيكلة.
وإلى جانب ذلك أوضح الخبير أنها تحتاج كذلك إلى مدخلات، بعد أن أصبحت المواد الأولية في العالم، عنصرا أساسيا لنجاح المعادلتين الاقتصادية والإنتاجية، في ظل الزيادة في أسعار هذه المواد عبر الأسواق العالمية وأمام التذبذب المسجل في عمليات التموين عالميا.
أولوية التموين
قال كاوبي إن العمل منصب على إرساء دعامات أساسية لإقامة صناعة حقيقية، وليس فقط عن طريق إعطاء الأولوية على الأمد القصير، ولكن من خلال إدماج الأخير في معادلة أعمق وذات أهمية، عبر تزاوج في معادلة الأمدين البعيد والمتوسط على حدّ سواء.
وبخصوص مشروع الفوسفات وصناعة الأسمدة، أكد البرفسور كاوبي، أنه يعتبر عنصرا أساسيا ومدخلا رئيسيا في قطاعين أساسيين، والمتمثلين في الفلاحة والصناعات الغذائية، ولأن هذه الصناعة الغذائية المهمة في الاقتصاد، تعتمد أساسا على ضرورة توفر بصفة دائمة منتوج فلاحي ذا نوعية وبكميات منتظمة، من أجل إرساء دعامات صناعة غائية حقيقية. وقال الخبير حول مشروع الفوسفات، إنه لا ينبغي أن ننظر إليه فقط من خلال تكلفة المشروع الضخمة والمقدر قيمتها بحوالي 7 ملايير دولار، ولكن يجب أن ننظر إليه من خلال الآثار الإيجابية التي سيمنحها للقطاع الفلاحي وكذلك لقطاع الصناعات الغذائية الوطنية، من خلال حل مشكلة التموين بهذه المادة وتوفيرها بأسعار منخفضة، وهذا من شأنه أن يعطي تنافسية أكبر لهذا القطاع. وبالموازاة مع ذلك سيمكن من تحرير قدرات الاستثمار في الجزائر.
قدرات أكبر
نجاح رؤية رئيس الجمهورية، ترجمت على أرض الواقع من خلال تسجيل نتائج إيجابية مشجعة وبداية قطف ثمار هذه السياسة على ضوء توافد عدد كبير من المستثمرين المحليين للتواجد في القطاع الفلاحي، وهذا ما سيعطي الأفضلية حسب تقديرات الخبير كاوبي من حيث تكلفة الإنتاج ووفرة المدخلات.
وإلى جانب ذلك حول الجزائر إلى وجهة جاذبة للاستثمارات الخارجية في المجال الفلاحي والصناعة الغذائية، على خلفية أنه في هذا المجال بدأت كذلك النتائج تظهر شيئا فشيئا، ويمكن أن تكون أفضل مع انطلاق هذه المشاريع ودخولها حيز الإنتاج، زيادة بطبيعة الحال إلى تمكين الجزائر من حيازة قدرات أكبر للتصدير نحو الأسواق الخارجية.
وأشاد الخبير والأستاذ الجامعي في هذا المجال بنوعية الشركاء، على اعتبار أن الصين تعد من كبار المستهلكين وفاعلا مهما على مستوى الأسواق العالمية لهذه المادة الحيوية، إلى جانب أن الشرك الصيني سيضخ أغلفة مالية للمشروع ويوظف الخبرة التقنية وفوق ذلك يساعد الجزائر على التموقع عبر الأسواق العالمية.
وكل ذلك يعد من أهم المقومات المدرجة ضمن هذه الشراكات، كما يعتقد كاوبي، بأنه على صعيد هذا المستوى ينبغي ربح معركة التحكم في الوقت والمتغيرات التي يمكن أن تؤثر سواء بالسلب أو الإيجاب على تجسيد المشروع على أرض الواقع.
نهج استراتيجي
ومن جهة أخرى وفيما يتعلق بقطاع البتروكيميا، أفاد الخبير أنه يعد بدوره من بين الدعائم الأساسية، لهندسة التنمية في الجزائر، ويصنف قطاعا ذا أولوية نتيجة علاقته بمجموعة من القطاعات الأخرى سواء كانت صناعات بلاستيكية أو الأسمدة وما إلى غير ذلك.
وللجزائر في هذا القطاع إمكانيات كبيرة وتقاليد مهمة، لأن تحويل الغاز لمنتجات مشتقة، يمكن أن يضاعف ثلاث مرات من الفوائد التي يمكن جنيها مقارنة ببيع الغاز أو البترول مادة خام، وهذا الهدف تضمنته تصريحات رئيس الجمهورية وجاءت واضحة للغاية، لأنه انتهى زمن تصدير هذه المواد الباطنية على شكل مادة خام.
وسارعت الجزائر في عهد الرئيس تبون، أضاف الخبير إلى جعل التحويل كنهج استراتيجي، الهدف منه خلق قيمة مضافة ومناصب شغل خاصة على صعيد تثمين والزيادة في مداخيل الجزائر من تصدير هذه المواد عن طريق طرحها بالأسواق الخارجية مواد محولة، وهو أمر أساسي يضفي ديناميكية أكبر في الزيادة من حجم الناتج الداخلي الخام والرفع من إمكانيات الجزائر في خلق مناصب شغل جديدة.
وتحدّث الخبير، عن قيمة الشراكة وما ستقدمه للجزائر في قطاع البتروكيميا، موضحا أن إنتاج مادتي البيوتين والبوليفوتين، أمر مهم، خاصة أن الشراكة تتمّ مع دول رائدة في هذا المجال، علما أن قطر لها أريحية من الناحية المالية، ويمكن أن تساهم بصفة جيدة من خلال توفير الموارد المالية وحل مشكلة التمويل لمشاريع ذات أهمية.
وتستفيد الجزائر في القطاع الميكانيكي وصناعة السيارات، على خلفية أن 70 بالمائة من تصنيع السيارات يتمثل في فولاذ ومواد بلاستكية محولة، وهذا ما يجعل عملية التحويل في مجال البتروكيميا، أحد الدعائم الأساسية العاكسة للرؤية الصائبة المنتهجة من طرف الجزائر والهادفة إلى تثمين قدراتها وعدم الاكتفاء بتصديرها مواد خام.
سيكون لهذا الأمر أثر مباشر سواء عن طريق إرساء صناعة حقيقية وخلق ثروة ومناصب شغل وكذلك جني عوائد مالية مضاعفة من تصديرها مواد خام، وبالإضافة إلى تأثير صناعات البتروكيميا على قطاعات أخرى على غرار الفلاحة والقطاع الصناعي، لأن التكامل بين القطاعات سيكون له ايجابيات تدعم الاقتصاد الوطني وتقلل من تبعيته للخارج سواء من ناحية المدخلات أو التمويلات.
عوائد مالية
وفي سياق حديثه عن المشاريع العملاقة المنتظر أن تتجسّد في الوقت الراهن، وتوصف بأنها مشاريع المستقبل المزدهر، قال الخبير إنها بمثابة قاطرة إذا نجحت ستجر القطاعات السبعة الأساسية في المنظومة الاقتصادية وتحتاج إلى تكامل كبير وتربطها علاقة طردية.
واستطرد الخبير قائلا في هذا السياق: “إن نجاح هذه الاستثمارات ضروري تجسيد العملية التنموية، لأن الجزائر تحوز على تجربة نصف قرن من النمو، واستخلصت دروسا من التجارب الماضية، ولأنها في السابق كانت دولة فتية مستقلة حديثا، بينما في الوقت الراهن تعزّزت وصار لديها كوادر وتجارب، ومن خلال منح الأولوية لهندسة تقنية ومالية ستتمكن من إعطاء نضج أفضل للمشاريع”.
ولم يخف الخبير مزايا المشاريع المهيكلة الكبرى عندما تدخل حيز السريان، لأنه ينتظر الكثير من المشاريع العملاقة التاريخية بعد تجسيدها على أرض الميدان، خاصة تلك المرتبطة باستغلال الموارد المنجمية والبتروكيميا وإقامة مشاريع السكك الحديدية وغيرها من المشاريع الكبرى، وأثرها سيكون مهما من خلال توفير عوائد مالية مثمنة للثروات الباطنية وستجعل لها رأس مال كبير.
الباحث في اقتصاديات الطاقة الدكتور اسماعيل زحوط: إنتاج الهيدروجين الأخضر.. الجزائر تراهن على الريادة
تتوّجه الجزائر اليوم نحو إطلاق العديد من المشاريع الضخمة، التي تهدف إلى تجسيد الإستراتيجية الوطنية لتطوير الهيدروجين الأخضر والقادرة على جعل الجزائر موطنا إقليميا لإنتاج وتصدير هذه الطاقة النظيفة ومشتقاتها.
استحدثت الجامعة الجزائرية تخصصات جديدة في مجال التكوين والبحث العلمي حول الهيدروجين الأخضر، في إطار مساعي الدولة لتطوير هذا المجال، الذي سيضمن من خلال هذه التخصّصات الجديدة إعداد إستراتيجية شاملة تواكب التطورات العلمية والتقنية التي يشهدها العالم، والعمل على تعزيز قدرات بلادنا كذلك بالاستفادة من فتح المجال للتعاون مع الدول ذات الخبرة والرائدة في هذا المجال الحيوي.
وتطمح الجزائر وفق رؤية إستراتيجية للسلطات العمومية لأن تكون قطبا هاما في إنتاج الهيدروجين الأخضر، وذلك بالارتكاز على إمكانياتها المعتبرة في هذا المجال، حيث باشرت بإطلاق عدة مشاريع في سياق برنامج تطوير قطاع الطاقات المتجدّدة، ضمن مساعي الدولة في رفع رهان الاستثمار في إنتاج مزيج طاقوي خارج نطاق الطاقات الأحفورية، وتأتي هذه المساعي في ظل توجه عالمي للحصول على مصادر نظيفة للطاقة، الأمر الذي من شأنه مجابهة تغير المناخ وإيجاد مصادر بديلة للطاقة.
كما تراهن الجزائر من خلال استثماراتها في تجسيد مشاريع ضخمة لإنتاج الهيدروجين الأخضر على ما تتوفر عليه من إمكانيات ومزايا تجعلها تطمح في تصدّر الدول الموردة لهذه الطاقة النظيفة، ولعلّ أبرزها قربها الجغرافي من الأسواق الأوروبية، مع بنية تحتية مناسبة من خطوط الأنابيب وغيرها، لاستغلالها في تصدير الهيدروجين إلى الخارج.
وتشير قراءات المختصين إلى أن الجزائر تسعى إلى تطوير قطاع الهيدروجين عبر 3 مراحل رئيسية، انطلاقا من مرحلة البدء والتكوين بهدف اكتساب التكنولوجيا والمهارات وتكوين العناصر البشرية، تمهيدا لإطلاق إنتاج الهيدروجين، ثم مرحلة التوسّع وإنشاء السوق في ضوء المشروعات التجريبية، ومن ثمة الانطلاق في مرحلة التصنيع والتصدير.
وانطلاقا من ورقة الطريق المعدّة، فإن اهتمام الجزائر بمشاريع إنتاج الهيدروجين الأخضر برز أكثر وبشكل واضح خلال السنوات الأخيرة، حيث تسعى من خلاله إلى تحقيق أمنها الطاقوي كخيار استراتيجي يمكّنها من تنويع مصادرها الطاقوية المتجدّدة، بالإضافة إلى تعزيز صادرتها في قطاع الطاقة، وهو ما أكدّته عدّة تقارير أشارت إلى توجه الجزائر فعليا إلى عقد اتفاقيات تعاون وشراكة لتزويد بلادنا دولا أوروبية من بينها ألمانيا بشحنات من الوقود الأخضر.
بدائل متمّمة
وبهذا الصدد يقول الباحث في اقتصاديات الطاقة والتنمية المستدامة الدكتور إسماعيل زحوط، أنه لابد لنا أن نشير إلى أن الجزائر قد وضعت إستراتيجية شاملة عبر عدة قطاعات وزارية مهمة في إطار مجابهة التحدّيات الأمنية المقبلة، ومن أبرزها التحدّيات المرتبطة بالأمن الطاقوي وضمان ديمومة واستقرار الأسواق الطاقوية التقليدية للجزائر، ممثلة في السوق الطاقوية الأوروبية خاصّة الغربية، ولهذا فقد برز ملف الهيدروجين الأخضر كأحد البدائل المتممة لإستراتيجية التحوّل الطاقوي، لاسيما أن الجزائر تحوز على مقدّارت كبيرة جدا تؤهلها لتكون من أهم المصدرين والمنتجين له.
وقال موضحا “نجد أن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون قد أعطى بعدا كبيرا لأهمية إدماج طاقة الهيدروجين الأخضر ضمن السياسات الطاقوية المستقبلية، حيث أنه من الطاقات النظيفة والجديدة التي تعتبرها الوكالة الدولية للطاقة مستقبلا للحياد الكربوني العالمي”.
وتستهدف الجزائر من خلال ذلك –بحسبه- إلى الوصول لما يفوق المليون طن من الهيدروجين الأخضر في حدود سنة 2040 وهو ما سيغطي حوالي 10 بالمائة من الطلب الأوروبي على طاقة الهيدروجين الأخضر، 35 بالمائة موجهة لدولة ألمانيا التي عقدت شراكة هامة ومباحثات مع الجزائر لتكون المورد الأكبر لها من شمال إفريقيا في مجال الهيدروجين الأخضر، خاصة أنها بعد الأزمة الأوكرانية أصبحت تبحث عن تنويع إمدادتها الطاقوية وتنويع مزيجها الطاقوي بين الطاقات الأحفورية التقليدية والطاقات المتجددة والفحم والهيدروجين الأخضر النظيف.
بنى تحتية ومراكز البحث
وأشار الدكتور زحوط أيضا إلى أن الجزائر بالتنسيق مع إيطاليا بدأت بالعمل على تخصيص أنبوب لنقل طاقة الهيدروجين الأخضر عبر جزيرة سردينيا باتجاه أوربا الغربية والوسطى، مع العلم أنها تحتل المرتبة الثالثة في مجال تأمين احتياجات السوق الطاقوية الأوروبية من الغاز الطبيعي.
وأوضح أن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون كان قد أكد على التزام الجزائر ووفائها لشركائها الطاقويين، حيث دعا شركة سوناطراك إلى رفع تصديرها إلى أكثر من 100 مليار متر مكعب عبر زيادة الإنتاج وتحقيق اكتشافات جديدة وتحسين المكامن البترولية والغازية التي رصدت لها ما يقارب 41 مليار دولار للأربع سنوات المقبلة.
وأكد المتحدث أن الجزائر تؤسس في الوقت الحالي لجعل كل الظروف مواتية لتحقيق إنتاج الهيدروجين الأخضر وتصديره، حيث أنها سجلت استثمارات موسّعة في مجال الطاقات المتجدّدة، تجعلها من الدول العربية والإفريقية المتصدّرة، بالإضافة إلى حيازتها على الإمكانيات الضخمة المتاحة في مجال الطاقات المتجدّدة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح وتوفّرها على البنى التحتية المهمة ومراكز البحث والجامعات التي أصبحت تفتح تخصّصات ذات صلة بالهيدروجين الأخضر وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجال الطاقات المتجدّدة والجديدة.