تحسّن المؤشرات الاقتصادية والمالية، في التراجع المحسوس للواردات، وهو هدف جوهري مرجو من الجهود المبذولة منذ أربع سنوات، من أجل بلوغ أعلى درجات النجاعة الاقتصادية المسطرة ضمن برنامج رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون.
ملف: فضيلة بودريش وهيام لعيون وإيمان كافي
بات الاستيراد يشمل الضروريات من المواد الأوّلية التي تصّب في تنمية مختلف القطاعات الصناعية والفلاحية، وذلك بفضل الرؤية السديدة الواضحة والعزيمة القوّية للجزائر، إذ عرفت التجارة الخارجية مستويات عالية من الدّقة والضبط والفعالية.
ومن أجل ضخّ حجم كبير من الأموال في استيراد العديد من المواد الضرورية، بات الارتكاز على البحث العلمي رهانا حتميا من أجل جعل الاستيراد في خدمة الآلة الإنتاجية وتنمية الاقتصاد الوطني بشكل مستمر وبالاعتماد على القدرات المحلية وتطويرها والاعتماد على الكفاءات والتسيير الجيد.
وكان رئيس الجمهورية قد حسم في ترسيخ الحوكمة وتجاوز مرحلة تضخيم الفواتير، بعد تبني نظرة الاستهلاك المنتج والقادر على مضاعفة إيرادات الخزينة العمومية.
في السياق، يؤكد خبراء لـ “الشعب” أن تخفيض الواردات يمنح جرعة أمل للمنتوج الوطني ومعه المتعامل الاقتصادي من أجل اقتحام مجالات أخرى يملك العديد من المشاريع ويستطيع فيها أن يصنع منتوجا بتكلفة منخفضة وجودته تضاهي ما يطرح في الأسواق الخارجية.
أستاذ اقتصاد: الصناعات التحويلية تجربة رائدة في خفض الواردات
يعرف اقتصاد الجزائر حاليا ديناميكية غير مسبوقة خلال السنوات الأخيرة، إذ عرفت الصادرات خارج المحروقات مستوى لم تشهده البلاد منذ الاستقلال في منحى تصاعدي مستمر، بعدما كان الاستيراد هو المتحكم الأول في الاقتصاد الوطني طيلة عقود ماضية، غير أن سياسة الحكومة اليوم وبتعليمات من الرئيس عبد المجيد تبون المبنية على مرافقة المصدرين، وتقديم تسهيلات لهم، واتخاذ إجراءات فعّالة، بدأت تؤتي أكلها.
تتجه منتجات الجزائر تدريجيا نحو الأسواق الخارجية، وتساهم في الرفع من الناتج الداخلي الخام خارج المحروقات واحتياطي الصرف، في وقت تحرص الجزائر على بلوغ هدف لرفع قيمة صادراتها خارج المحروقات إلى 30 مليار دولار في آفاق 2030.
يندرج تخفيض فاتورة الاستيراد في إطار الإرادة السياسية ووجود إمكانيات كبيرة لترقية الصادرات في الكثير من القطاعات خاصة الفلاحة، البناء والصناعة، أمر انعكس إيجابا على قدره الاقتصاد الوطني في الولوج نحو الأسواق الخارجية بمرافقة الدبلوماسية الاقتصادية التي لعبت دورا في تعزيز المنتوج المحلي بالخارج.
في السياق، يؤكد البرفيسور غزي محمد العربي أستاذ الاقتصاد بجامعة المسيلة، أنه منذ سنة 2019 تراجع الواردات الجزائرية من سنة لأخرى، خاصة ما تعلق باستيراد المواد المصنعة محليا أو تلك التي يمكن إنتاجها محليا ولو بنسب إدماج متباينة.
وأوضح أن الجزائر عرفت خلال السنوات القليلة الماضية إعادة ضبط قوائم المواد المستوردة (أولية ونصف مصنعة وكاملة الصنع)، وكذا ضبط الاحتياجات الوطنية لكل مادة أو منتوج مستورد وهو الأمر الذي صاحبه إعادة ضبط القائمة الوطنية للمستوردين.
خفض الفواتير
هذه الإجراءات ــ يقول غزي ــ كانت ضرورية وسابقة في تاريخ الاقتصاد الوطني وأتت بثمارها إيجابا على صعيد بعث عجلة الإنتاج الصناعي (الصناعات التركيبية أوالتحويلية)، فتحوّلت الجزائر من دولة مستوردة إلى دولة مصدرة في بعض المنتجات على غرار الاسمنت في ظرف وجيز، وهذا المكسب يعد نتاج لسياسة ترشيد الواردات مع التوسع في الاستثمار في هذه المادة الحيوية.
وكمثال على ذلك تطرق الخبير الاقتصادي إلى قطاع الصناعات التحويلية، حيث أكد أن الشعبة تسجل حاليا تخفيضا شبه كليا للمنتوجات الغذائية المستوردة وتطور كبير للمنتوج الوطني الذي أخذ طريقه للمنافسة، لافتا إلى أن منحى ارتفاع الصادرات خارج المحروقات والمتوقع بلوغها 30 مليار دولار في آفاق 2926، مرتبط الاستمرار في تطبيق الإجراءات والتدابير المتخذة إلى غاية اليوم، والاستمرار في معالجة كل المشاكل المرتبطة بالتصدير خاصة.
وأضاف الخبير في هذا السياق قائلا: “إن تحقيق معدل صادرات يزيد عن 23 % مثلا للوصول بالصادرات خارج المحروقات إلى 30 مليار دولار في آفاق 2030، ويتوقف أيضا على معدلات نمو الاقتصاد الوطني، خاصة معدل نمو الصناعات خارج المحروقات وكذا القطاع الفلاحي، فكلما حققنا معدلات نمو أكبر في هذه القطاعات، انعكس ذلك إيجابا عن طريق المساهمة في تخفيض فواتير الاستيراد وتحقيق الاكتفاء الذاتي ثم رفع قيمة الصادرات”.
بالمقابل أشار ذات المتحدث إلى أن القطاع الفلاحي، خلق قيمة مضافة في السوق المحلية، تحتاج إلى التصدير وإلى إيجاد أسواق خارجية، وهذا ما تم تجسيده من خلال التسويق نحو دول الاتحاد الأوروبي أو القارة الإفريقية، خاصة ما تعلق بالمواد الغذائية، تحديدا شعبتي البطاطا والبصل، والعديد من الخضر والفواكه، إلى جانب التمور التي شهدت قفزه نوعية في التصدير.
التحكم في الاستيراد
وبخصوص سؤال يتعلق بالتحكم في استيراد المواد الأولية، أوضح الأستاذ الجامعي، أن “عملية ضبط استيراد الموارد الأولية على طبيعتها أمر يمكن التحكم فيه وتسييره، وذلك بإحصاء احتياجات المؤسسات لتلك المواد مقارنة مع مخرجاتها من المنتجات النهائية وعدم العودة إلى طرح إشكالية تضخيم الفواتير لأن آليات الرقابة مُفعّلة بهذا الخصوص، ليبقى العمل على توفير ما أمكن من المواد الأولية محليا، هدف يجب العمل عليه على المدى المتوسط والطويل”.
وتحدث ذات الخبير، عن ارتفاع نسبة الإدماج في القطاع الصناعي، والتي قال إنه “يجب العمل على رفعها من سنة إلى أخرى وصولا إلى الاندماج الكلي في بعض الصناعات وشبه الكلي في صناعات أخرى، ولن يتم ذلك إلا من خلال مواصلة تفعيل كل عمليات الشراكة الجادة والتي تبنى على أساس أهداف مسطرة، تستهدف التحكم في التكنولوجيا وتحقيق الجودة ورفع نسب التكامل والإدماج، علما أن القوانين بهذا الشأن لا تكفي وحدها، بل يجب تفعيل العمل الرقابي أكثر”.
بالمقابل، قال الخبير الاقتصادي إنه في السنوات القليلة الأخيرة سجل بلوغ حجم الصادرات 54.75 مليار دولار، وقد بلغت الصادرات خارج المحروقات 5.07 مليار دولار، إلى غاية نوفمبر 2023، كما بلغت قيمة الواردات 44,32 مليار دولار. خلال نفس السنة، حيث صاحب ذلك تراجع في فاتورة الاستيراد، فيما تم تسجيل فائض في الميزان التجاري، خلال الفترة الممتدة من جانفي إلى غاية نوفمبر 2023، قدر بــ 10.42 مليار دولار أمريكي.
إجراءات تحفيزيـة
وتحدث عن سجل انخفاض في عدد المستوردين وزيادة في عدد المصدرين، مؤكدا أن انخفاض عدد المستوردين بحوالي ثلثي العدد من 43 ألف إلى 13 ألف مستورد بحسب إحصائيات سنة 2022، في إطار تحقيق مسعى الجزائر الجديدة، يعكس المكاسب المحققة وانتهاء مرحلة استيراد كل شيء بطريقة غير منظمة.
ولفت الأكاديمي، إلى أن “هذا الانخفاض في العدد جاء بالتأكيد كنتيجة لكل الإجراءات الجريئة التي اتخذتها السلطات، ومن ناحية أخرى، يأتي ارتفاع عدد المصدرين الفعليين إلى 1628 متعامل حاليا مقابل 475 مصدر في 2010، ما يعتبر أمر جيد ولكن يجب مواصلة الاجراءات التحفيزية وتثمينها وتطويرها خاصة الجبائية والجمركية والإدارية والبنكية. فالرقم القديم ضعيف بالنظر لقدرات التصدير الجزائرية على الأقل في القطاع الفلاحي، وهذا الارتفاع في العدد يعكس بالتأكيد قيمة الصادرات مستقبلا، لكن يبقى التحدي الأكبر هو تنويع الصادرات كمًا وكيفًا.
وبخصوص زيادة نسبة الصادرات خارج المحروقات وعلاقتها بتقوية اقتصادنا الوطني عبر تحقيق مداخيل بالعملة الصعبة، وأثر ذلك على معدلات نمو اقتصادنا فقال الخبير: “إن ذلك ممكن إذا ما تمت إعادة استثمار المداخيل من العملة الصعبة في الرفع من الاستثمار الداخلي.
وأوضح في هذا الإطار “إن تشجيع الدولة للمنتجين المصدرين على إعادة استثمار الأرباح المحققة من خلال تحفيزات ضريبية تختلف جوهرا في النسب بين إعادة الاستثمار في الأرباح المحققة من أنشطة البيع في السوق المحلي وأنشطة البيع، من خلال التصدير (مع شرط ضمان تموين السوق الوطنية أولًا)، سوف يؤدي إلى زيادة التصدير وإعادة استثمار المداخيل بالعملة الصعبة ومن تمة التوّسع في الإنتاج وخلق الثروة والرفع من معدلات النمو”.
تخفيف العراقيل البيروقراطية
وفي السياق أشار ذات المتحدث، إلى أن الحكومة ألغت الكثير من العراقيل البيروقراطية، خاصة على مستوى الجمارك والموانئ إلى جانب إقرار تسهيلات جبائية وبنكية مقارنة بالسنوات الماضية، ووجد المتعامل الاقتصادي كل التسهيلات التي تحفزه على التصدير.
وهذا ما يتطابق مع تصريح وزير الصناعة والإنتاج الصيدلاني، علي عون، حيث أكد أن قطاع الفلاحة يعتبر قطاع استراتيجي للاقتصاد الوطني، والذي تمثل فيه الصناعة الغذائية النسبة الأكبر والتي تساهم بـ 50 بالمائة من الناتج المحلي الخام الصناعي خارج قطاع المحروقات.
وهذا ما جعل الحكومة وبتعليمات من رئيس الجمهورية، ــ يقول غزي ــ تفكر في إنشاء المجلس الاستشاري للمصدرين، بصدور المرسوم التنفيذي رقم 23-290 المؤرخ في 3 أوت 2023، المعدل والمتمم للمرسوم التنفيذي رقم 04-173 المؤرخ في 12 جوان 2004 والمتضمن تشكيل المجلس الوطني الاستشاري لترقية الصادرات وسيرها.
ويوضّح أن الخطوة كفيلة بتوضيح معالم سياسة التصدير في بلادنا والذي ينحصر دوره بالدرجة الأولى في الاستماع لانشغالات المصدرين، مع تشخيص للمشاكل واقتراح للحلول وللآليات مع أخذ بعين الاعتبار كل العراقيل التي تصادفهم، ووضع رؤية حقيقية لعملية التصدير والبحث عن أسواق خارجية للمنتوج الجزائري، مبرزا أن ما يضمن ترقية المنتوج الوطني وتسويقه دوليا، هو العمل الرقابي الذي يبقى الأهم لأنه وحده الذي يحدد المسؤوليات.
الخبير هواري تغرسي: الاستثمار الخاص رافعة تجعل الاستيراد مكمّلا للإنتاج
تحدّث الخبير الاقتصادي هواري تغرسي عن مرحلة جديدة من الاستيراد، تكون فيها خطة ورؤية تفضي إلى تحقيق أثار إيجابية على الاقتصاد الوطني، ويرى أن الاستيراد العقلاني ينبغي أن يكون متوافقا وملبيا للاحتياجات الأساسية للسوق، بينما الاستيراد الاستهلاكي من دون نتائج انتهى عهده، ولا يمكن العودة إليه كونه يتسبب في تآكل الموارد المالية من احتياطي الصرف.
أكد تيغرسي أن الاستثمار خاصة من طرف القطاع الخاص، سيقوم بدوره في امتصاص فاتورة الواردات، لأن تكلفة الإنتاج المحلي منخفضة عن نظيرتها المستوردة، وفوق ذلك فإن القطاع الخاص صار يساهم بشكل كبير في امتصاص البطالة وتلبية الطلب الوطني وأعطى مثالا بالصناعات التحويلية خاصة الغذائية.
اقترح هواري تغرسي الخبير الاقتصادي، وضع إستراتيجية واضحة تكون شفافة ودقيقة للاستيراد، مؤكدا أن انخراط القطاع الخاص للاستثمار في القطاعات المدمجة، قادر على رفع التحدي القائم من أجل ترشيد الواردات وكبح الاستيراد في مجال الكماليات أو بالنسبة للمنتجات المصنعة محليا.
ورافع عن رؤيته المتمثلة في التعويل على البحث العلمي وتشجيعه للخفض من مستوى الواردات بشكل لا يتضرر معه ميزان المدفوعات، مراهنا في نفس الوقت على البحث والتكنولوجيا كأداة ناجعة في مسار كبح الواردات.
وأعطى مثالا على ذلك بقطاع النسيج وحاجته إلى مادة البلاستيك، علما أن الجزائر كانت تملك قاعدة صناعية ضخمة واحترافية في هذا القطاع الحيوي والمهم في اقتصاديات الدول المصنعة.
وذكر أن قطاع النسيج وحده يساهم بما يناهز 5 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، وفي ظل الجهود المبذولة مسطر رفعه على الأقل إلى حدود 10 بالمائة، إلى جانب القطاع الفلاحي المحتاج لكميات معتبرة من الأسمدة وهذا القطاع الكبير بإمكانيات ضخمة وغير محدودة، ويساهم بحوالي 18 بالمائة من الناتج الداخلي الخام.
وأوضح الخبير تغرسي أن الجزائر بدأت تتهيأ من أجل التخلص من استيراد الأسمدة عبر تصنيعها محليا والتحول من بلد مستورد إلى بلد مصدر لهذه المادة المهمة والضرورية في قطاع الفلاحة.
وأشار الخبير إلى أن بعض المتعاملين الاقتصاديين، صارت لديهم مخابر بحث على مستوى مؤسساتهم في تقليد جديد لم يكن مسبوقا من قبل وهذا ما يعكس المستوى الذي بلغه أداء المنظومة الاقتصادية وجودة منتجاتها بفضل انفتاحها على العلم والتكنولوجيا وحاجتها المتزايدة لمخبر بحث لتقديم الأفضل ولتكون في مستوى عال من التنافسية.
ومن الطبيعي أن ينعكس ذلك ـ بحسبه ـ على تنافسية المنتجات في السوق المحلي وفي أسواق خارجية عند تصديره، مشددا على الدفع بالقطاعين العمومي والخاص إلى الاستناد إلى مخابر بحث، لأن التكنولوجيا تتغير والعلم يتطور يوميا لأننا نعيش اليوم الثورة الصناعية الرابعة.
وأثنى الخبير الاقتصادي هواري تغرسي، على الصرامة المفروضة على الواردات وهذا من شأنه أن يضع حدا لأي تجاوزات قد تظهر فجأة، علما أن تجربة الجزائر التي خاضتها في مجال تطهير المستوردين غير الحقيقيين، أثمرت بانخفاض الفاتورة إلى مستويات مطمئنة.
وأثار الخبير تغرسي طرحا آخر مفاده أن الواردات القادرة على مضاعفة الموارد، لذا ينبغي تشجيعها، ويقصد بذلك الواردات الموجة للآلة الإنتاجية، والمنتظر أن تحقق أرباحا مضاعفة مقارنة بالغلاف المالي المخصص في الاستيراد، وعلى سبيل المثال يتم إنفاق نحو200 مليار في الاستيراد.
وإذا حققت هذه الواردات أرباحا تناهز 400 مليار دولار، فهذا الاستيراد ينبغي بحسب تقدير تغرسي، أن يستمر بصرامة وفعالية، لأنه يختلف عن الاستيراد الاستهلاكي المتسبب في تآكل احتياطي الصرف دون أن يقدم أي قيمة مضافة ويكتفي فقط بإغراق السوق بسلع يكون المستهلك في غنى عنها أو تؤثر سلبا على المنتوج المحلي، وأحيانا أخرى تتسبب في إغلاق العديد من المصانع بفعل التنافسية أو تفضيل العديد من المستهلكين للمنتوج الأجنبي المستورد.
أخلقة الاستيراد
وعاد تغرسي للحديث عن الأشواط المقطوعة في مسار ترشيد الواردات وإرادة الدولة في تعميم الرقمنة وتوسيع نطاق الحوكمة، لأن العاملين الأساسيين سيفضيان دون شك إلى اختفاء ظاهرة الغش وتضخيم الفواتير، والاستيراد من أجل الاستيراد، عن طريق أخلقة الاستيراد وجعله في خدمة الاقتصاد والآلة الإنتاجية، وانقلبت المعادلة، فبعد أن كان الاستيراد طاغيا استبدل بالتصدير وتنويع الصادرات الجزائرية نحو أسواق خارجية.
وأشار الخبير، إلى أن الجزائر عازمة على كسب ثورتها الاقتصادية بكل ما أوتيت من إمكانيات، ومختلف المشاريع صارت تجسد بثقة وشكل تدريجي ومنظم، ومدركة جيدا بأهمية الاستثمار خاصة الاستثمارات الكبرى القادرة على تغيير كل شيء للأحسن، وجعل هذا الاستثمار رافعة تجعل الاستيراد مكملا لعملية الإنتاج، أوما يطلق عليه بالاستيراد الضروري، خاصة أن الجزائر وبعد توجهها إلى استغلال العديد من ثرواتها الباطنية والطبيعية، وحتى الاهتمام القائم بإنتاج بعض المواد الأولية التي تدخل في تصنيع المواد الصيدلانية، كما تحدث عنه في السابق وزير الصناعة، وهذا ما يرشح تسجيل المزيد من التراجع في فاتورة استيرادها، إلى جانب بداية نجاح ثورة القمح، لأن هذه الثروة الخضراء بدورها ستسمح بخفيض فاتورة استيراد القمح بأنواعه إلى جانب الحبوب ومواد فلاحية أخرى على غرار الحليب.
المحلل الاقتصادي هواري عبد القادر: تشجيع الإنتاج المحلي أحدث الفارق في معادلة الصادرات والواردات
اعتبر المحلل الاقتصادي الدكتور هواري عبد القادر لـ”الشعب”، أن رسم معالم جديدة للاقتصاد الوطني، ساهم في تشجيع المنتوج الوطني والتقليل قدر الإمكان من الواردات، مما أدى فعليا إلى تواصل انخفاض الواردات، لافتا إلى أن الجزائر راهنت على رفع قيمة صادراتها خارج المحروقات التي بلغت 7 مليار دولار سنة 2022، وهي التي لم تكن تتجاوز 1.7 مليار دولار سنة 2019، وتسعى إلى بلوغ رقم 15 مليار دولار سنة 2024.
أكد أستاذ الاقتصاد الدولي بجامعة فرحات عباس سطيف 1، أن الحديث عن هذه النقلة النوعية التي يشهدها الاقتصاد الوطني اليوم، يستوجب في البداية إعطاء نظرة حول التطور التاريخي للواردات الجزائرية منذ سنوات السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، حيث كان احتكار الاستيراد من طرف الدولة ولا دخل للخواص في هذا المجال، وبعد الإصلاحات في بداية التسعينيات بدأ التحرير التدريجي للتجارة الخارجية، خاصة الاستيراد.
وذكر بمنح الخواص الحق في الاستيراد تحت رقابة البنوك، وفي أفريل 1994 تم إلغاء كل القيود المتعلقة بالاستيراد، خاصة ما تعلق بالمواد الاستهلاكية والمعدات الموجهة للصناعة وهوما فتح الباب على مصراعيه للمستوردين لإغراق السوق الجزائرية بكل المنتوجات، لكن انخفاض أسعار البترول وضعف مستويات احتياطي الصرف في هذه الفترة حال دون الإغراق الكلي بالمنتوجات المستوردة.
رفع الصادرات
ومع مطلع القرن الجديد وبانتعاش أسعار البترول وارتفاع احتياطي الصرف ومنح امتيازات للخواص، أصبحت السوق الجزائرية تعجّ بالمنتوجات الأوروبية والصينية والآسيوية في كل القطاعات، وهوما ساهم بشكل كبير في تقليص والتأثير على المنتوج الوطني.
وتطورت الواردات الجزائرية من 9.17 مليار دولار سنة 2000 مثل التجهيزات الصناعية التي بلغت أكثر من 3 ملايير دولار منها وفاتورة الغذاء حوالي 2.5 مليار دولار إلى أقصى مستوى لها سنة 2014، حيث وصلت إلى أكثر من 58 مليار دولار، مثلت منها التجهيزات الصناعية 19 مليار دولار والمنتجات نصف المصنعة 12 مليار دولار والأغذية حوالي 11 مليار دولار.
وبعد الأزمة النفطية وسياسات التقشف، ومن بينها سياسة تقييد التجارة الخارجية للحفاظ على احتياطي الصرف في مستويات معقولة، بدأت الواردات في الانخفاض تدريجيا بداية من 2015 إلى 2019 لتصل إلى حوالي 42 مليار دولار.
إلا أنه وبعد رسم معالم جديدة للاقتصاد الوطني، تهدف إلى تشجيع المنتوج الوطني وزيادة حجم الصادرات خارج المحروقات، والتقليل قدر الإمكان من الواردات تواصل انخفاض الواردات، وفي الوقت نفسه وخلال الفترة الأخيرة راهنت الجزائر على رفع قيمة صادراتها خارج المحروقات التي بلغت 7 مليار دولار سنة 2022 وهي التي لم تكن تتجاوز 1.7 مليار دولار سنة 2019، وبهذا الرهان تسعى الجزائر إلى بلوغ رقم 15 مليار دولار سنة 2024 كما أكد المتحدث.
وعن أثر تخفيض قيمة الواردات، قال المحلل الاقتصادي هواري عبد القادر، إن له عدة آثار إيجابية على الاقتصاد الوطني، أهمها أن تحفيز الإنتاج المحلي قد يؤدي إلى تقليل الواردات وزيادة الطلب على المنتجات المحلية.
كما يمكن أن يحفز الشركات الجزائرية على زيادة الإنتاج وتحسين جودة المنتجات لتلبية الطلب المتزايد، إضافة إلى ذلك سوف يؤدي التقليل من حجم الواردات إلى الحفاظ على احتياطيات العملة الصعبة واحتياطي الصرف أيضا، وتحسين الميزان التجاري برفع مستوياته وزيادة الفجوة بين الصادرات والواردات، وهو ما يؤدي بالضرورة إلى تحسين ميزان المدفوعات ورفع قيمة الفائض فيه.
من جانب آخر وبطريقة غير مباشرة يساهم التقليل من الواردات في زيادة فرص الشغل الناتج عن انتعاش المؤسسات الجزائرية التي ستزيد من إنتاجها، جراء زيادة الطلب عليه بعد حلول منتوجاتها محل المنتوجات المستوردة.
جودة المنتوج
وعن كيفية المضي قدما في خفض قيمة الواردات لما لها من انعكاس إيجابي على الاقتصاد الوطني، أكد محدثنا أننا حتى نزيد من تقليل الواردات أكثر يجب علينا اتخاذ بعض الإجراءات تجاه المنتج والمنتوج المحلي، أهمها تشجيع المنتوج المحلي من خلال زيادة الدعم سواء المالي أو الفني أو الإعفاءات الضريبية، أيضا تشجيع الابتكار وروح المقاولة وهوما نلاحظه من خلال تشجيع المؤسسات الناشئة التي ستعمل كمحرك لعجلة التنمية، مما يسهم في تحسين جودة المنتوج المحلي الذي سيحل محل المنتوج الأجنبي ويؤدي إلى الاستغناء عنه تدريجيا.
وبالنسبة لزيادة نسبة الإدماج في الصناعات، أكد أنها لابد أن تكون تصاعدية، وعلى المنتج الذي يرغب في التركيب مبدئيا أن يتعهد بزيادة نسبة الإدماج سنويا في أي نوع من أنواع الصناعات.
وأفاد أن “ذلك يتم عن طريق خلق مؤسسات صغيرة ومتوسطة تتخصص كل منها في إنتاج جزء ولو بسيط من مكونات المنتوج، تمنح لهذه المؤسسات إعفاءات ضريبية وتحفيزات مالية ودعم بحثي يجعلها تتخصص وتتقن الجزء المراد إنتاجه، ومع زيادة عدد هذه المؤسسات تدريجيا يزيد عدد الأجزاء المنتجة محليا، وهو ما يوصلنا مستقبلا إلى صناعة محلية خالصة تغنينا عن الاستيراد”.
أما فيما يخص دور المواطن في هذه المعادلة الاقتصادية، فقد ذكر أنه لا بد من زرع ثقافة الاعتزاز بالمنتوج الوطني وعدم الانبهار بكل ما هو مستورد، وغرس هذه القيم يبدأ من المناهج التربوية هذا من ناحية المستهلك، ومن ناحية المنتج فلا بد عليه أيضا إدراك حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه والتي تعتبر رسالة، بالإضافة لكونه يهدف إلى تحقيق الربح فهو مطالب بأن يكون صاحب العلامة البديلة عن المنتوج المستورد، ولم لا الطموح للتصدير وغزو الأسواق الدولية.