قطاع السياحة واحد من أهم القطاعات الذي تعول عليه السلطات العمومية من أجل انطلاقة في عهد اقتصادي جديد لا يرتكز على المحروقات، تكون فيه السياحة بجميع أنواعها رافدا أساسيا يساعد على الخروج من تحت عباءة النفط والغاز.
تسعى السلطات العمومية إلى دعم مداخيل خزينة الدولة بالتوجه إلى قطاع السياحة بغرض المساهمة في كبح الاعتماد على النفط والغاز، ولو تدريجيا في ظل السياسة العامة للدولة المبنية على ضرورة تنويع مصادر الدخل الوطني.
وتزخر الجزائر بمناطق ومعالم أثرية تجعلها قبلة السياحة في المغرب العربي، ما يوجب التركيز عليها بعمليات ترميم تلعب دورا مهما في استقطاب السياح في الداخل والخارج، إضافة إلى عديد المناطق الطبيعية، مع مناخ مساعد على جعل هذا القطاع أساسا لدعم الاقتصاد الوطني المبني على المحروقات بنسبة كبيرة.
رافد اقتصادي مهم ..
دور السياحة مهم بالجزائر، في الظرف الحالي، الذي تدعو فيه السلطات إلى تنويع مصادر الدخل وزيادة الصادرات.
وفي هذا السياق، يرى الباحث بمركز البحث في الاقتصاد التطبيقي من أجل التنمية، محمد حيمران، أن هذا المسعى يعتمد على خطوات مهمة، منها تشجيع وترميم المواقع التاريخية والطبيعية التي تزخر بها الجزائر والحفاظ عليها، مع تحفيز بناء الفنادق وإعادة تأهيلها، خاصة أن الجزائر بعد الاستقلال كانت تملك حظيرة فندقية مكونة من 5.922 سرير.
وشدد حيمران، في اتصال هاتفي مع “الشعب أونلاين”، على أن السياحة شكلت 10 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في 2019، وبلغت قيمتها 19 تريليون دولار، وهو ما يجعل قطاع السياحة أكبر بثلاث مرات تقريبا من قطاع الزراعة، عالميا.
ودعا المتحدث إلى وضع استراتيجية واضحة المعالم على المدى الطويل بغرض تحديد عدد معين من السياح الأجانب، الواجب استقطابهم، خاصة أن الديوان الوطني للسياحة كشف عن هدف المنشود عام 2030 والمتمثل في استقطاب 12 مليون سائح.
المعالم الأثرية “ثروة حية”
تتناثر المناطق والمعالم الأثرية في الجزائر دون استثناء، نظرا للتاريخ الكبير لهذا البلد، من عهد الدولة النوميدية، ثم التواجد الروماني إلى الفتوحات الإسلامية المزينة بالطراز العمراني الجزائري المغاربي، لاسيما في عهد الدولة الزيرية والجزائر إبان الفترة العثمانية.
وتعد قصبات دلس، بجاية، تلمسان والتنس، إحدى هذه المعالم التاريخية المهمة المزينة ببيوت ذات طراز جزائري خالص، إضافة إلى القصور التي كانت ولا زالت شامخة في قصبة الجزائر التي تحرسها القلعة الكبيرة من ٱعالي باب الجديد.
وفي هذا الصدد، أشار محمد حيمران، إلى أن السياحة ترتبط ارتباطا وثيقا بالمعالم والمواقع الأثرية، التي تعتبر مقوما رئيسيا في دفع عجلة التنمية السياحية المستدامة، ما يستلزم تأطير الزيارات التي تكون في الغالب دون تنظيم مسبق من قبل المؤسسات والوكالات.
ويرى الخبير الاقتصادي، أن واقع السياحة في الجزائر بدأ يتخلص تدريجيا من النقص، والتأخر الذي يحول بينه وبين مواكبة عجلة التنمية المستدامة بسبب فقدان سياسة راشدة في ّ استغلال هذه المقومات، خاصة المعالم والمواقع الأثرية التي تستهوي العديد من الزوار ّ الباحثين عن الثقافة والاستكشاف.
وأضاف في هذا السياق: “يجب أن نكون واقعيين، الثقافة السياحية عند أغلب الجزائريين غائبة تماما، وما يؤكد ذلك الظواهر السلبية التي تطغى على أي زيارة لبعض المناطق الأثرية مثل رمي الأوساخ في المواقع الأثرية وفي محيطها ّ الخارجي، أو سرقة ونهب عناصر متعلقة بالتراث الثقافي”.
وشدد حيمران على أن المعالم الأثرية تسمح بدفع عجلة التنمية ّالمستدامة من خلال تأهيلها واستغلالها وهي مقوم أساسي للسياحة لأنها تدر الكثير من المداخيل وتحسن من الناتج الداخلي الخام.
وأوضح الباحث بمركز البحث في الاقتصاد التطبيقي من أجل التنمية، أن الجزائر تنفذ حاليا مشروع ترميم شاملا لـ249 موقعا تاريخيا بهدف جذب المستثمرين والسائحين.
وتابع في السياق: “من أجل خلق منظومة سياحية متكاملة تسعى الدولة الى زيادة حجم الاستثمارات العمومية وقد أوصى رئيس الجمهورية الأربعاء الفارط بالقيام بإنشاء الوكالة الوطنية للتجهيزات العمومية هو خيار استراتيجي”.
إمكانيات تطوير السياحة متوفرة
وأكد المتحدث الاستمرار في تشجيع منح تأشيرات الفيزا للسياح حيث تمنح التأشيرة للسياح المتجهين الى الجنوب الكبير بمجرد الوصول إلى المطار، وهي تأشيرة مجانية تمنح في مطار الجزائر، مع ضرورة مواصلة تقديم التسهيلات للمستثمرين لإنشاء التجهيزات السياحية في جميع أنحاء الجمهورية، لأن كل منطقة لها خصوصياتها.
ومن الناحية الأمنية، ذكر الخبير ذاته أن المشهد تغير في الجزائر اليوم وأصبحت المخاوف الأمنية غير مطروحة..
وشكل المخطط التوجيهي للتهيئة السياحية (2030) الإطار الاستراتيجي المرجعي للسياسة السياحية في الجزائر، لذلك وجب ﺗﻔﻌﻴﻞ ﺗﻄﺒﻴﻖ ﺍلمﺨﻄﻂ ﺍﻟﺘﻮﺟﻴﻬﻲ ﻟﻠﺘﻬﻴﺌﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺣﻴﺔ 2030 ﻭﺗﻄﻮﻳﺮ ﺍﻟﺴﻴﺎﺣﺔ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻴﺔ ﻷنها ﺗﺸﻜﻞ ﻋﺎملا هاما لجذب السياحة الأجنبية.
وواصل في السياق: “حسن تجسيد المخطط التوجيهي للتهيئة السياحية يجعل السياحة قطاع مساهم في تنمية الاقتصاد وأحد بدائل قطاع المحروقات في المدى الطويل، ورافد مهم على المدى المتوسط، ويضمن اشراك القطاعات الأخرى مثل قطاع الأشغال العمومية، قطاع الفلاحة وقطاع الثقافة”.
مشاريع ترميم في مدينة الجزائر
وتملك مدينة الجزائر عددا لا يستهان به من المناطق والمعالم الٱثرية والتاريخية القادرة على استقطاب عدد كبير من السياح، من داخل الجمهورية وخارجها، وهو ما دفع السلطات المحلية لترميم قصور ومدارس في القصبة وبلديات ٱخرى.
وتعوّل مصالح ولاية الجزائر على مشاريع المخطط الأبيض، الخاص بالتهيئة الحضرية وإعادة تأهيل البنايات، بما فيها مدينة القصبة العتيقة، وما تتضمنه من معالم تاريخية وحضارية دينية وثقافية، والمندرج ضمن النظرة الاستراتيجية لتطوير وعصرنة العاصمة.
مع تنفيذ المخطط الدائم للقطاع المحفوظ لقصبة الجزائر، الذي مس مشاريع ترميم تم الانتهاء منها وقدرت بـ7 مشاريع متمثلة في مسجد الداي بقلعة الجزائر، دار البارود، دار جميلة بوحيرد، ضريح سيدي عبد الرحمان الثعالبي، دار بشطارزي، واجهات عمارات ساحة الشهداء ومقهى أمحمد العنقى.
وهناك مشاريع أخرى قيد الترميم عددها 12 مشروعا، أبرزها قصر حسن باشا، مسجد البراني، جامع سيدي عبد الله، جامع السفير، المقر السابق للمقاطعة الإدارية لباب الوادي، وسجن سركاجي.