الجزائر وتركيا نموذج لتعاون اقتصادي وتجاري، وتوافق سياسي رائد إقليميا وعالميا، بفضل الزخم المسجل على صعيد حركية التبادل، مستمدا القوة والاستمرارية والثقة من عمق العلاقات الثنائية المتجذرة، وكل ذلك جعل من الجزائر أهم شريك لأنقرة في القارة السمراء، على اعتبار أنها أحد الموردين الرئيسيين للطاقة والمواد الأولية، كما أن تركيا تتواجد بقوة في السوق الجزائرية من خلال قطاع البناء، واقتحمت بقوة بقطاع النسيج في شراكة يمكن وصفها بالعملاقة.
ملف: فضيلة بودريش وفايزة بلعريبي وإيمان كافي وهيام لعيون
ومن أهم مؤشرات التعاون الثنائي المنطوي على توسع استراتيجي، تكثيف الاستثمارات في قطاعات جديدة والتطلع لرفع حجم التبادل الثنائي، وتجسد كل ذلك بفضل تحول اقتصادي جزائري كبير ولافت، عزّز من حضورها كوجهة استثمارية جاذبة ومتميزة، ويمكن القول إن الجزائر وأنقرة تحرصان بحماس وإيجابية من أجل توطيد المزيد من الشراكات بهدف صياغة تنمية مشتركة في مستقبل واعد تتبدلان التجارب، وتستغلان الفرص الاستثمارية المتاحة في البلدين.
إنّ التجربة التركية في عدة صناعات حيوية ستكون في متناول مستثمرين جزائريين من أجل تحويل التكنولوجيا، وبدورهم المتعاملين الاقتصاديين الجزائريين، يمكنهم الظفر بفرص التواجد عبر السوق التركية الواسعة، وبعد تجسيد الرؤية الاقتصادية المتطابقة بين قيادتي البلدين، مرشح أن تزدهر الشراكة وتترسخ الثقة الاقتصادية والسياسية أكثر فأكثر لتفضي إلى مستوى أعلى وأكبر من التعاون المثمر لبلدين صداقتهما طويلة جدا ويضرب بها المثل.
رئيس مجلس الأعمال الجزائري التركي معمر سرامدي: 6 ملايير دولار مبادلات.. و10 مليار دولار قريبا
155 شركـة تركية ناشطة بالجزائر.. النّسيج والأشغال العمومية في الصّدارة
تتطلّع الجزائر في إطار مقاربتها الاقتصادية الجديدة إلى توسيع حافظة شركائها، ولعل تولي رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون قيادة قاطرة الدبلوماسية الاقتصادية شخصيا، أكبر دليل على الاهتمام الذي توليه الجزائر لتوسيع رقعة تواجدها الاقتصادي عبر العالم، مستفيدة من الفرص التي تطرحها متغيرات الزمان والمكان.
وأبان رئيس الجمهورية في هذا الصدد عن قدرة تفاوضية متميزة وحس استثماري لا يفوت الفرص، غير متنازل عن مبدأ الندية وقاعدة “رابح-رابح”، الركيزتين اللتين تقوم عليهما العقيدة الاقتصادية الجزائرية في توجهها الجديد.
تعد تركيا من الدول التي تتمسّك الجزائر بحسن العلاقات معها، نظرا للرابط الديني والتاريخي الذي يجمع البلدين، وفرص التعاون والشراكة المتاحة بينهما، التي بدأت بوادرها تتضح من خلال العديد من المشاريع الاستثمارية في مجالات عديدة على غرار النسيج، الحديد والصلب والبنى التحتية، حيث يعمل قائدا البلدين على رفع سقف المبادلات التجارية إلى 10 ملايير دولار.
أوضح رئيس مجلس الأعمال الجزائري التركي معمر سرامدي، في اتصال مع “الشعب”، بخصوص العلاقات الجزائرية التركية، على خلفية فعاليات معرض الجزائر الدولي، أين كانت تركيا ضيف طبعته 55 لهذه السنة، أن هذه الأخيرة يجمعها بالجزائر تاريخ طويل يعود إلى أكثر من 5 قرون، يوثقها المعمار التركي الذي لا تزال بصماته تميز العديد من المدن الجزائرية، على غرار الجزائر العاصمة التي تعتبر جامع كتشاوة صرحا معماريا مميزا، ذي رمزية حضارية ودينية مشتركة بين البلدين، وطّدتها العلاقات الدبلوماسية القوية التي تعكسها الزيارات المتبادلة للرئيسين عبد المجيد تبون وطيب رجب أردوغان، وتمّ تأكيدها مؤخرا خلال الملتقى رفيع المستوى المنعقد على هامش معرض الجزائر الدولي، في 24 من شهر جوان الماضي، بحضور نائب الرئيس التركي ووزير التجارة التركي عمر بولاط، ووزير التجارة الجزائري الطيب زيتوني، إضافة إلى 29 شركة عن الطرف التركي و168 شركة عن الطرف الجزائري لبحث سبل التعاون والتنسيق البيني.
في هذا الصدد تطرّق سرامدي إلى التصريحات القوية لوزيري التجارة حول التعاون البيني والتسهيلات الجمركية على المبادلات التجارية، إضافة إلى دراسة مشروع حول تخفيض التسعيرة الجمركية، ودراسة آليات تحصين آليات التبادل التجاري ونقل المعرفة بين الجزائر وتركيا، وولوج الأسواق الإفريقية.
مجالس الأعمال
أما على الصعيد الاقتصادي، وفي ظل تفعيل مجالس الأعمال الاقتصادية كأحد روافد العلاقات بين الجزائر وشركائها من دول العالم، يعمل مجلس الأعمال الجزائري التركي على المساهمة في دعم الدبلوماسية الاقتصادية التي يقودها شخصيا رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، في هذا الصدد تطرق سرامدي إلى الزيارات المكوكية الشرق أوسطية، التي قام بها خلال صائفة 2023 إلى كل من روسيا والصين وقطر وتركيا، ما يؤكد أن بوصلة الإستراتيجية الاقتصادية للجزائر الجديدة، تتجه شرقا في محاولة للتحرر من التبعية للاقتصاد الغربي من خلال استحداث علاقات ثنائية قائمة على الشراكات التي تستجيب للتطلعات الاقتصادية لكلا الطرفين.
وعن دور مجلس الأعمال الجزائري التركي، يقول رئيسه، إنّ هذا الأخير يعمل على توطيد العلاقات بين الشركات الجزائرية ونظيراتها التركية عبر جسر تشاركي قوامه مراعاة المصالح الاقتصادية والرؤى المستقبلية المشتركة.
فتطهير مناخ الأعمال بالجزائر ودعمه بترسانة من القوانين والتشريعات التنظيمية التي تكفل الأمان الاقتصادي للمستثمر الأجنبي، جعل الشركات الأجنبية بما فيها التركية تتوافد تباعا نحوالوجهة الاستثمارية الجزائرية، حيث بلغ عدد الشركات التركية الناشطة في الجزائر، وفق ذات المتحدث، 155 شركة رائدة في مجالات تميزت بها دولة تركيا عن غيرها من الدول، خاصة ما تعلق بقطاع النسيج الذي دخل مرحلة التصدير نحو الخارج تحديدا نحو فرنسا، من خلال مصنع “تايال” الجزائري التركي للنسيج، و«توسيالي” للحديد والصلب كأكبر استثمار بالنسبة لتركيا خارج حدودها، في هذا المجال، وأكبر استثمار على مستوى قارة إفريقيا حيث تساهم “توسيالي” بـ 17 % من العائد السنوي للبلاد، وشركات أخرى رائدة في مجال البناء والأشغال العمومية الذي افتكت تركيا ريادته بامتياز، حيث تعد هذه الأخيرة ثاني أهم شريك لتنفيذ المشاريع السكنية بالجزائر بجميع صيغها، بعد الشريك الصيني الذي يتربع على المرتبة الأولى على مدار سنوات طويلة.
آفاق مفتوحة
في ذات السياق، أضاف سرامدي أنّ الجزائر الجديدة، من خلال الحرص على الحفاظ على علاقاتها الاقتصادية خاصة مع دول أسيا وتوسيعها، تطمح إلى تنويع اقتصادها وبناء مناخ جذاب للاستثمار والانفتاح على الأسواق الدولية، والرقي بصادراتها خارج المحروقات إلى مستويات الريادة، وبالتالي فإنّ الشراكة مع تركيا ستكتسي طابعا استراتيجيا، باعتبار أن هذه الأخيرة تعد ضمن أقوى الدول اقتصاديا، محتلة المرتبة 19 عالميا، ومن أكبر المصدرين عالميا، في المرتبة 30 عالميا بالنسبة للسلع و25 بالنسبة للخدمات، حيث تصدر أكثر من 225 مليار دولار من السلع و58 مليار دولار من الخدمات، خاصة نحو أوروبا.
كما تمثل المنتجات الصناعية حوالي 78 % من صادراتها، ممّا يعكس بدون شك مستوى الإنتاجية وقدراتها التكنولوجية والتنافسية، وهو بالضبط ما تحتاجه الجزائر، حيث بلغت قيمة المبادلات التجارية الجزائرية التركية سنة 2020، 3.5 مليار دولار، ثم 4.2 مليار دولار سنة 2021 ليقفز إلى 5 ملايير دولار سنة 2023 و6 ملايير دولار خلال السداسي الأول من سنة 2024.
واعتبر رئيس مجلس الأعمال الجزائري التركي، قيمة المبادلات التجارية المذكورة سالفا، ضئيلا بالنسبة لتطلعات رئيسي البلدين، بالنظر إلى قوة ومتانة العلاقات التي تربط الجزائر وتركيا، خاصة ما تعلق بالقضايا ذات الاهتمام المشترك.
ومن أجل تجسيد الرؤية الاقتصادية الثنائية للبلدين التي يطمح الطرفان إلى رفعها إلى 10 ملايير دولار في المستقبل القريب، أردف المتحدث، تعمل وزارة التجارة وترقية الصادرات الجزائرية بالتنسيق مع وزارة التجارة التركية من أجل استحداث علاقات تجارية مبسطة ومؤهلة ذات تخفيضات محفزة على المستوى الجمركي، مستفيدة مما جاء ضمن ترسانة القوانين التنظيمية الجديدة، كقانون الاستثمار وما تمخض عنه من نصوص تنظيمية كاستحداث الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار الشباك، حيث تقوم هذه الأخيرة بدراسة الملفات الاستثمارية التي تفوق قيمتها 2 مليار دج، إلى جانب تفعيل المجلس الوطني للاستثمار، والمنصة الرقمية للعقار الاقتصادي بشقيه الصناعي والفلاحي، حيث تمكنت ذات المنصة من توزيع العقار الاقتصادي على مستوى 25 ولاية، وقانون النقد والصرف، وقانون الصفقات العمومية. كما شدّد سرامدي، مثمنا الإجراء الشجاع والنزيه الذي أقره رئيس الجمهورية المتمثل في تجريم البيروقراطية، ممّا أضفى طابع الأمان على فرص الاستثمار والشراكات التي تقترحها الجزائر.
ومن جملة ما تضمّنته التسهيلات التي يتخذها رئيس الجمهورية في كل مرة، أشار سرامدي إلى التخفيضات على القروض الموجهة للاستثمار من أجل تعزيز المستثمر الأجنبي الذي يتطلع إلى الوجهة الجزائرية كبوابة مطلة على العمق الإفريقي، خاصة بعد سلسلة مشاريع البنى التحتية وخطوط النقل البري والجوي والمعابر الاقتصادية من أجل ربط الجزائر بعواصم جاراتها الإفريقية، وجسر عبور يربط بين ضفتي حوض البحر الأبيض المتوسط.
لا تبعية اقتصادية
بالمقابل، وإضافة إلى ما سبق ذكره من عوامل الجذب الاستثماري بالجزائر، وانتعاش العلاقات الاقتصادية بين البلدين، ترى تركيا في الجزائر دولة صديقة وشريكا موثوقا ومفتاحيا، استطرد سرامدي، فالجزائر أبانت عن صداقتها لتركيا وأبانت عن موثوقيتها للعالم، من خلال وفائها بالتزاماتها التعاقدية. كما أنها شريك مفتاحي وبوابة إفريقية، ذات البني التحتية المتطورة والحديثة، غنية بمواردها الطبيعية، وصاحبة القدرات البشرية المؤهلة الهائلة.
المتعامل التركي، أكّد ذات المتحدث، مطّلع بشكل واسع على معطيات السوق الجزائرية وتطوراتها، خاصة في السنوات الأربع الأخيرة، بما فيها الكفاءات والمورد البشري المؤهل والمتمكن من مجال اختصاصه، وغير المكلفة في نفس الوقت، إضافة إلى أسعار الطاقة الضرورية لتسيير المصانع والمنشآت الاقتصادية كالكهرباء والغاز التي تعتبر منخفضة مقارنة إلى ما هي عليها بالنسبة لبلدان القارة الأوروبية.
وشجّع توفر المادة الأولية والمنشئات القاعدية المتعاملين الاقتصاديين الأتراك على الاستجابة إلى مساعي مجلس الأعمال الجزائري التركي من أجل تكوين شبكة اقتصادية قوية خاصة على مستوى المناطق الحدودية، أين تتواجد 5 مناطق حرة بكل من تندوف وتمنراست وتبسة، يمكن التسويق من خلالها للمنتجات المشتركة الجزائرية التركية.
من جهة أخرى، يقول سرامدي، تسعى وزارة الفلاحة من خلال منصتها الرقمية وقاعدة بيانات إلى تشجيع الاستثمار بالجنوب الجزائري، وتطوير الزراعة الصحراوية.
ولعل نسبة تواجد المتعاملين الاقتصاديين بـ 52 عارضا من أصل 800 عارض من 20 دولة متواجدة بالطبعة 55 لمعرض الجزائر الدولي، تؤكّد اهتمام تركيا بالاستثمار بالجزائر، حيث أشاد سرامدي بالمناسبة بجميع الهيئات والمنظمات الاقتصادية، وغرف الفلاحة والتجارة وفدراليات أرباب العمل والجمعيات المهنية ذات الطابع الاقتصادي والتجاري التي التفت عن قناعة ودعم لا مشروط لاستراتيجية رئيس الجمهورية فيما تعلق بالتحرر من التبعية الاقتصادية للمحروقات وللاقتصاديات الغربية والتوجه نحو الشراكات المربحة وتنويع الإنتاج الاقتصادي، خاصة الفلاحي منه الذي بات على أعتاب تحقيق الاكتفاء الذاتي المتوقع غضون سنة 2027.
الباحث إسماعيل زحوط: الجزائر شريك اقتصادي وطاقوي هام لتركيا
أكّد الباحث في اقتصاديات الطاقة والتنمية المستدامة إسماعيل زحوط، أن الشراكة الجزائرية-التركية تعد من بين أهم الشراكات التي تربط الجزائر بالدول الأخرى إن لم نقل أهمها، وهذا لما لها من امتدادات تاريخية وحضارية وعسكرية ودينية واقتصادية لعدة قرون ماضية، وهي كلها مؤشرات ساهمت في تقريب بعض الآراء والتوجهات بخصوص ما يحدث اليوم في الساحة الدولية والإقليمية، كما أكد الباحث في اقتصاديات الطاقة والتنمية المستدامة إسماعيل زحوط.
من بين النقاط التي أشار إليها المتحدث، الموقع الجيو ـ استراتيجي والمكانة الإقليمية للدولتين، موضحا أن التعاون والشراكة بين الجزائر وتركيا يشكل بعدا مهما بالنسبة للمحيط الجيو ـ استراتيجي للدولتين.
فالجزائر التي هي أكبر دولة عربية وإفريقية ومتوسيطة وإسلامية، من حيث المساحة وتقع كبوابة بين جنوب أوروبا وشمال إفريقيا، وتحوز على شريط ساحلي هام يقارب 1667 كم، بالإضافة إلى موارد طبيعية وبشرية ومالية مهمة جدا.
وذكر محدثنا أنّ الجزائر تشكّل سوقا استهلاكية واعدة بالنسبة للدول المصدرة وسوقا طاقوية مهمة لإمداد الدول الصناعية والمتقدمة، خاصة في الجزء الجنوب غربي لأوروبا.
وأوضح الباحث زحوط أن هناك أرقاما مهمة للشراكة الجزائرية التركية، حيث تعيش العلاقات الجزائرية التركية أفضل أيامها، بسبب توسع الاتفاقيات المبرمة مؤخرا إلى عدة قطاعات إستراتيجية، وهو ما يعبر على كثافة التعاون القطاعي الجزائري التركي والأهمية التي يوليها الطرفان لتعزيزه وتوسيعه.
وقد جسّدتها اللقاءات المتكررة التي جمعت بين الرئيسين عبد المجيد تبون ورجب طيب أردوغان، وهذا نتيجة لتكثيف الحوار السياسي رفيع المستوى وتعزيز التبادلات الاقتصادية والتجارية التي جرت مؤخرا بين البلدين.
وحسب موقع وزارة الطاقة الجزائري فإن الشراكة الجزائرية التركية، تستهدف بلوغ 10 ملايير دولار من التبادلات التجارية على الأمد المتوسط وفقا لما ذكره المتحدث.
وأكّد الباحث أن الشراكة بين الدولتين تجاوز من خلالها حجم التبادل التجاري 5 مليار دولار سنة الفارطة 2023، خارج مجال المحروقات، مما جعل الجزائر تصعد كثاني أكبر شريك تجاري لتركيا في إفريقيا.
واعتبر الباحث في الاقتصاديات إسماعيل زحوط أن الاستثمارات التي قام بها توسيالي وتيال على وجه الخصوص في الجزائر، وكذلك مشروع مجمع البتروكيماويات بين سوناطراك ورونيسونس في أضنة في تركيا، مشيرا إلى أن الجزائر شريك طاقوي هام ومضمون لدولة تركيا، وقد تجسدت أكثر هذه الثقة خلال أزمة الطاقة العالمية بعد الحرب الأوكرانية”.
كما ذكر أنه “بالإضافة إلى التبادل التجاري، فإنّ تركيا ترغب في تطوير التعاون في المجال المنجمي والفلاحي، وتعزيز تواجد الشركات التركية بالجزائر، والذي بلغ عددها لحد الآن 1300 شركة (نهاية سنة 2023)، ومن الجانب الجزائري فإنّ شركة سوناطراك ستعتمد مجموعة هامة من الاستثمارات الطاقوية في جوانب البحث والاستكشاف وتطوير المشتقات النفطية بجنوب تركيا، وقد كان من بين توصيات الرئيسين، إنشاء شركة مشتركة في البحث المنجمي والطاقوي”، وأضاف “في الجانب البنكي، تركيا تعتزم فتح فرع للبنك العمومي التركي (زراعات)، وهو واحد من أهم البنوك التجارية التركية”.
أستاذ الإقتصاد بجامعة المسيلة البروفيسور عبد الصمد سعودي: الجزائر ــ أنقرة .. خطّ مفتوح وحركة تجارية لا تتوقّف
تشهد العلاقات الاقتصادية الجزائرية التركية ديناميكية غير مسبوقة زادت زخما خلال السنوات الأخيرة، وباتت تركيا من أكبر البلدان المستثمرة في الجزائر في ظل تحسين مناخ الاستثمار في البلاد، وبدأت تسجّل أرقاما تجارية متصاعدة في إطار النمو بفعل تميّز العلاقات الدبلوماسية، ووجود إرادة سياسية قوية لدى البلدين، حفّزها عمق العلاقات التاريخية، وما الزيارات الرئاسية بين المسؤولين الجزائريين والأتراك، إلا تأكيد لمتانة العلاقة وتميزها، حيث يعوّل الطرفان على بلوغ رقم 10 ملايير دولار كاستثمارات بالجزائر، ويبقى هذا الرقم تاريخي في حقبة العلاقات الثنائية الجزائرية التركية، خاصة بعد فتح مجال الاستثمار في ميادين جديدة، وهو ما أسّس لمرحلة جديدة حيث أصبحت أنقرة أول مستثمر أجنبي خارج قطاع المحروقات بالجزائر.أكّد أستاذ الاقتصاد بجامعة المسيلة البروفيسور عبد الصمد سعودي، أن العلاقات الجزائرية التركية وطيدة جدا، خاصة في المجال الاقتصادي، وفي ظل وجود نسيج صناعي كبير جدا من قبل الأتراك في البلاد، موضحا أن أبرز الاستثمارات التركية في الجزائر تتمثل في مجمع “توسيالي” التركي للحديد والصلب المتواجد بولاية وهران، حيث حقق صادرات بأكثر من 700 مليون دولار في سنة 2021، بينما يحقق حاليا 1 مليار دولار كصادرات.
وأكّد الخبير الاقتصادي أنّ مجمع “تايبا” التركي، أقام مصنعا للنسيج بشراكة جزائرية بولاية غليزان، حيث يعد من بين الأكبر في القارة الإفريقية، كما جدد العملاق النفطي “سوناطراك” عقود توريد الغاز المسال إلى تركيا عام 2018، بكميات تصل 5 مليارات متر مكعب سنويا.
شراكة مميزة
وأوضح المختص في الشؤون الاقتصادية، أنّ الشراكة الجزائرية التركية تتّسم بكثير من الميزات مقارنة مع غيرها، خاصة مع وجود ثلاث شركاء رئيسيين في الجزائر، وهم الأتراك القطريين والإيطاليين، مشيرا إلى أنّ هذه الشراكة تعرف أيضا نموا لافتا على مستوى العلاقات التجارية في ظل وجود استثمارات كبرى، علما أنّ تركيا تعتبر الجزائر سوقا مفضلة، خاصة في بعض المواد الإستراتيجية على غرار النفط و الغاز وغيرها، إضافة إلى قطاع البناء والأشغال العمومية والري والصناعة، خاصة وأنّ أنقرة أبانت عن اهتمام الجانب التركي بالاستثمار على المدى القصير والمتوسط في قطاعي الطاقة والفلاحة اللذين تولي لهما الجزائر أهمية خاصة.
ولعل ما يميّز العلاقات الثنائية بين البلدين هو وجود توافق سياسي كبير برز من خلال تبادل الزيارات التاريخية بين رؤساء البلدين في عديد المرات، خاصة في عهد الرئيس عبد المجيد تبون والرئيس التركي رجب طيب أردوغان – يؤكد المتحدث ـ الذي شدد على أن الاستثمارات التركية نجحت في الجزائر لوجود عاملين أساسيين.
يتمثل العامل الأول ــ وفق محدّثنا ــ في وجود بيئة خاصة بعد إصدار ترسانة قانونية بالجزائر على غرار تعديل قانون الاستثمار لتشجيع الاستثمارات والقانون النقدي والمصرفي الذي يهدف إلى عصرنة الأسواق المالية وتحسين تسيير البنوك، ومرونة النظام البنكي، ما سهّل من ولوج دخول المستثمرين الأتراك للأسواق الجزائرية، وهو ما يعبّر عن الاستقرار الاقتصادي وتحويل الجزائر إلى ورشة اقتصادية كبيرة، جعلت منها قوة اقتصادية لا يستهان بها وسط قوة اقتصادات دول العالم المتقدمة.
وأضاف سعودي “أما العامل الثاني في نجاح الاستثمارات التركية في الجزائر، فيعود إلى تشابه البيئة، حتى أن تركيا باتت هي البلد المستهدف بنسبة كبيرة من قبل الجزائريين، وأضحت هناك حركية تجارية صاعدة في مجال النقل، إذ تسجل يوميا أكثر من 10 رحلات بين الجزائر وتركيا بكل من ولايات وهران، قسنطينة والجزائر العاصمة، ما يدل على وجود حركية تجارية كبيرة بين الطرفين”.
بلد مستثمر
بهذا الخصوص، قال الأكاديمي أن تركيا تعدّ أكبر دولة مستثمرة في الجزائر، خاصة وأن الأتراك يرغبون في رفع قيمة الاستثمارات إلى 10 ملايير دولار، حيث أن 1400 شركة تركية شريكة لشركات جزائرية في الجزائر، مستشهدا بأرقام رسمية تركية التي كشفت أن حجم التجارة بين تركيا والجزائر ارتفع سنة 2022، إلى 27 % مقارنة بعام 2021 ليبلغ حجم التجارة البينية بين البلدين ما يقدر بـ 6.3 ملايير دولار سنة 2023.
وهي بعض من أرقام كشفت عنها أنقرة بمناسبة زيارة الرئيس التركي للجزائر منذ 7 أشهر، أي خلال نوفمبر 2023، وهي الزيارة التي صنّفتها الجزائر في خانة “استحقاق هام” في مسار العلاقات بين البلدين، وتمّ بالمناسبة عقد عدة اتفاقيات اقتصادية، شملت مختلف المجالات، وهنا أكد الخبير على تدفق استثمارات تركيا في الجزائر، سواء في مشاريع التعدين والبنية التحتية أو في المنتجات الاستهلاكية، وباتت تركيا اليوم هي الدولة التي تنفّذ أكبر استثمار أجنبي في الجزائر، علما أن الجزائر هي الدولة الثالثة التي تزود تركيا بالغاز الطبيعي بعد روسيا وإيران.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد تحدّث من الجزائر على أن “مؤسسات وشركات البلدين تعمل معا لتطوير الشراكات في هذا الاتجاه”، معربا عن اعتقاده بأن “رجال الأعمال الأتراك سيواصلون الاستفادة بالشكل الأمثل من إمكانيات التعاون والفرص الجديدة في الجزائر بشكل خاص”، بينما وعد بمواصلة “تقديم التسهيلات اللازمة لأشقائنا الجزائريين لضمان زيادة استثماراتهم في تركيا”.
نقل التّكنولوجيا
في السياق ذاته، أشار المختص في الشؤون الاقتصادية إلى أن اقتصاد تركيا يقوم على الصناعة والسياحة والزراعة والصادرات، حيث من الممكن أن تنقل تركيا تجربتها الصناعية إلى الجزائر، مرفوقة بالتكنولوجيات المستعملة خاصة في المجال الفلاحي.
وبعد أن عاد الخبير الاقتصادي للحديث عن منصة المستثمر، وما لها من مزايا في دخول المستثمرين الأجانب للسوق الجزائرية، خاصة استهداف الأتراك، أشار إلى أنّ الاستثمار الحالي اليوم لم يعد مقتصرا على دخول رؤوس الأموال فقط، ولكن تحويل التكنولوجيا للبلد المستضيف للاستثمارات، حيث يتفوق الأتراك في التحكم بالتكنولوجيا خاصة في الصناعات الغذائية والتحويلية، علما أنّ الجزائر تحوز على إمكانيات كبيرة في المجال الفلاحي، يبقى فقط كيفية تحويل المنتجات الفلاحية إلى منتجات صناعية، وهذا ما يتطلب بعض التكنولوجيا التي يمتلكها المستثمرون الأتراك.
وأوضح الأستاذ سعودي، أنّ النسيج الصناعي في تركيا ملائم للجزائر حيث هناك نسيج صناعي في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في كل القطاعات، خاصة في قطاع النسيج، المتمثل في مصنع مدينه غليزان للنسيج، مشيدا بالتجربة التركية في مجال الصناعات الغذائية منذ بداية الألفية، حيث كان هناك تحولا كبيرا في زيادة الدخل في تركيا وزيادة عدد المؤسسات في هذا البلد، وهي تجربة يمكن للجزائر أن تستلهم منها الكثير وتطبقها على أرض الواقع.
وفي الشقّ الدبلوماسي، أشاد سعودي بدور دبلوماسية البلدين التي لعبت دورا كبيرا في ترقية العلاقات الاقتصادية، تمثلت في الزيارات الرئاسية المتبادلة مرفوقة بوفود اقتصادية هامة، وتنظيم لقاءات رجال المال والأعمال، كان آخرها عقد منتدى الأعمال الجزائري التركي في 24 جوان الماضي الذي عرف مشاركة 300 متعامل اقتصادي جزائري من القطاعين العمومي والخاص، وأكثر من 200 رجل أعمال ورئيس مؤسسة من تركيا، مبرزا أن “الدبلوماسية والإرادة السياسية المتوفرة لدى الجانبين لعبت دورا كبيرا في تفعيل العلاقات الاقتصادية”.
وعن منتدى الأعمال الجزائري-التركي، المنعقد بالجزائر الأسبوع الماضي، يرى أستاذ الاقتصاد أنه مناسبة للجانبين من أجل توطيد أكبر للعلاقات، ولجذب أكبر للمستثمرين للجزائر، وهو ما تزامن مع إطلاق منصة رقمية تعنى بالشأن الاقتصادي مهمتها تسهيل التبادل بين المستثمرين الجزائريين والأجانب، في إطار مجالس الأعمال المشتركة، وستسهل المنصة الرقمية للمستثمرين الأجانب الولوج إلى السوق الجزائرية، حيث ستساهم في تسهيل طلب التأشيرة والحصول عليها، حيث كان هذا الأمر بين أهم طلبات رجال المال والأعمال لتسهيل ولوجهم إلى السوق الوطنية، وتخفيف المراحل السابقة في حصول المستثمر على التأشيرة الجزائرية.