يرى المدير العام للبناء ووسائل الانجاز بوزارة السكن رضا بوعريوة، أن الوصول إلى سكن جزائري بإمكانات وطنية خالصة، تحقق بفضل تكييف دفاتر الشروط من خلال فرض إلزامية استخدام مواد البناء المصنعة محليا، وبفضل الإجراءات التي قامت بها السلطات العمومية في إطار خفض فواتير الاستيراد، وبالموازاة مع ذلك، توفير مناخ استثماري ملائم للمصنعين ومنتجي مواد البناء لتجسيد مشاريعهم والاستثمار بطريقة ذكية والانخراط في سيرورة النوعية.
السّياسة السّكنية للجزائر تتّجه نحو إنجاز أحياء مندمجة مجهّزة بكل المرافق
تحقيق الاكتفاء الذّاتي في كل مواد البناء.. والرّهان على المطابقة
أوضح بوعرّيوة في حديث مع “الشعب”، أن كل هذه الإجراءات ساهمت في تشجيع وحدات الإنتاج الوطنية لمواد البناء، وقيام المستثمرين الجزائريين بإنجاز استثمارات حقيقية، والبعض منهم أقام استثمارات بواسطة الشراكة، وهو ماساهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي، واليوم، أصبح العرض يتجاوز الطلب، بسبب تحقق الوفرة وفائض الإنتاج خاصة لبعض المواد البناء، ما يسمح بالقول إن: “طاقة الإنتاج الوطنية تلبي احتياجاتنا من مواد البناء”، مشيرا إلى أن الجزائر أصبحت تصدر الفائض من مادة الإسمنت نحو الخارج، حيث تنتج بلادنا 40 مليون طن، إلى جانب تحقيق وفرة في مادة حديد الخرسانة، بعدما كان الوصول إليها لا يتم إلا من خلال الاستيراد، الأمر نفس بالنسبة لما الإسفلت، حيث كانت طاقة الإنتاج لا تتجاوز 19 مليون طن سنويا، والاحتياجات كانت تقدر بـ 22 مليون طن، ما يعني أن الفارق كان خاضعا للاستيراد، وهو ما كلّف الخزينة العمومية موارد معتبرة.
وأكد المتحدّث أنه بعد تحقيق النوعية والكمية المطلوبة في تلبية الطلب العمومي، لم يعد المستثمر يهمه تسويق منتوجه بقدر ما يهمه السعي إلى مطابقة منتوجاته مع المعايير والمقاييس الدولية من خلال إصدار كل الاعتمادات اللازمة، وكل شهادات المطابقة، بقصد التسويق على المستوى المحلي أولا، وأشار إلى وجود آلية وطنية لمراقبة المطابقة عبر إخضاع المواد للتجارب والتحاليل اللازمة في المخابر، والتأكد من مدى مطابقتها.
دفاتر شروط مرنة وحلول مبتكرة
إلى جانب الاستثمار في الأنماط الهيكلية للبناء، أشار بوعرّيوة إلى أن هناك تحدّ بالنسبة لمؤسسات الإنجاز المحلي، وهو استعمال وسائل جديدة في قوالب البناء خاصة منها الخفيفة الوزن التي لا تتطلب آليات ضخمة للرفع، ناهيك عن استعمال الحلول الجديدة من مواد مضافة إلى الخرسانة، تسمح لمؤسسة الانجاز بنزع القوالب بصفة مبكرة بسهولة، والمرور إلى انجاز الطوابق العلوية، وبفضل هذه التقنية الجديدة، يتم التحكم في آجال الإنجاز، بدلا من الوسائل التقليدية التي كانت تتطلب مدى زمنيا منصوصا عليه في التنظيم التقني، من أجل نزعها.
وأكد المتحدّث أن هناك في مؤسسات الإنجاز من قامت بطلبات اقتناء قوالب خفيفة من الألومينيوم قابلة للتركيب والتفكيك، والشروع في الاستثمار في هذا النوع من أجل التمكن من تسليم سكنات في ظرف قياسي جدا، بالإضافة إلى استعمال المواد المضافة أو المساعدة في الخرسانة، بحيث أن هذه التقنيات هي ما ساهم في التحكم في الآجال وفقا لما ينص عليه القانون، خاصة وأن دفاتر الشروط مرنة ومفتوحة؛ لأن القطاع يشجع كل ما هو جديد ومبتكر، وليس هناك قيود، بل على العكس، القطاع يطمح إلى جعل وسائل الإنجاز الوطنية أكثر تنافسية، لهذا هناك إلحاح على اقتناء هذه المعدات واستعمال الأساليب الحديثة من أجل تقليص آجال الإنجاز، واحترام مبادئ النوعية.
مكاتب دراسات وطنية ترافق المشاريـع
من جهة أخرى، يعتمد القطاع على مكاتب الدراسات الوطنية في كل ما يتعلق بالدراسات أو المسابقات، حيث يحصي أكثر 9500 مهندس معماري معتمد وأكثر من 2300 مهندس مدني معتمد، بالإضافة إلى مكاتب الدراسات العمومية الموضوعة تحت إشراف الدائرة الوزارية الوصية، وهي تحت مجمع الدراسات والهندسة الذي يحصي 12 فرعا عموميا أي 12 مكتب دراسات، ناهيك عن مكتب الدراسات “الكليك” وكذلك 07 فروع للوكالة الوطنية للتعمير المختصة في دراسة المخططات العمرانية..كل هذه الوسائل البشرية التي يحوز عليها القطاع، تمكنه من تلبية احتياجاته من مختلف الدراسات بما فيها الدراسات التقنية التي حث على التخصص فيها لتلبية الشروط المنصوص عليها في دفاتر الشروط.
وفيما يخص استدامة البنايات، تحدث بوعريوة عن وجود متدخلين عدة في عملية البناء وبمهام مختلفة، ولكن من بين الأهداف المنشودة والمرجوة في البناء أولا، الصلابة ومتانة البناية واستقرارها، وهي أمور مفصول فيها، فهناك حساب تصميمي هيكلي، بسمح بتأكيد مطابقة جميع الحسابات للوثائق التقنية التنظيمية، وهو الملف الذي يعده مكتب الدراسات بعد الانتهاء من ملف الهندسة المعمارية، حيث يقوم المهندس المدني بعملية الحساب للبنايات للتأكد من سلامتها وهذه أمور مفروغ منها.
يأتي بعدها دور الهيئة الوطنية لرقابة تقنية البناء الراعية والساهرة على احترام النوعية في البنايات، سواء على مستوى التصميم بفضل وضع تأشيرها على المخططات قبل تنفيذها، ومن خلال الرقابة المنتهجة لكل مراحل إنجاز المشروع، للتأكد من أن كل التدابير المؤشر عليها في المخططات تمت بطريقة سليمة، والتأكد من نوعية المواد المستعملة على مستوى الخرسانة أو الحديد المستعمل أو التركيبة الخاصة للخرسانة، وبالتالي فالمجال المتعلق بالصلابة واستقرار المباني مفروغ منه، خاصة وأن الجزائر تعمل بالنظام المضاد للزلازل، وهو إجباري التطبيق بحذافيره من طرف جميع المتدخلين وخاصة المهندسين المدنيين.
ومع الدراسات التقنية الخاصة بالهيكل، هناك دراسات تتعلق بالتصميم المعماري ودراسات الأجزاء التقنية والثانوية التي تدخل في العناصر الثانوية للبناية والتي تتعلق بالترصيص، التدفئة والكهرباء، وهي أجزاء تخضع إلى دراسة دقيقة، ويجب أن تكون مطابقة للمعايير، وحرصا على تنفيذ هذه الأجزاء وفقا لما هو معمول به، تم توسيع صلاحيات الهيئة الوطنية للمراقبة التقنية للبناء، من خلال إجبارية إخضاع جميع الدراسات المتعلقة بالأجزاء الثانوية والأجزاء التقنية إلى رقابة الهيئة الوطنية للرقابة التقنية للبناء ومراقبتها قبل تنفيذها.
وفيما يخص الديمومة، أكّد المتحدّث أن هذه النقطة تراعى خلال عملية الدراسة، من خلال اختيار نوعية مواد البناء ومدخلاتها التي يجب أن تكون متكيّفة مع الوسط، فهي تختلف من وسط لآخر، فهناك تدابير خاصة بالنسبة للبناءات القريبة على البحر، أو بالمناطق الجبلية، بحيث يتم اختيار نوعية اسمنت مقاوم للظروف الطبيعية والمحيط الخارجي للبناء، وكذلك الأمر بالنسبة للتأكد من الأساسات في حال ما إذا كان هناك مياه، أو وجود عناصر كيميائية في التربة من شأنها أن تؤثر على الخرسانة باتخاذ تدابير خاصة، وبفضل كل هذه التدابير يتم إنجاز بناية مستدامة وقوية.
العزل الحراري لتحقيق النّجاعة الطّاقوية
من جهة أخرى، يعمل القطاع على توفير شروط الرفاهية والراحة داخل البناية، من خلال عملية العزل الحراري للبنايات، وتقويتها وتعزيزها، إلى جانب إدخال تدابير النجاعة الطاقوية في البنايات تماشيا مع التوجهات العالمية للاقتصاد من الطاقة وتقليص انبعاث الغازات الحبيسة في اطار الجهود الدولية لمحاربة الآثار السلبية للتغيرات المناخية؛ وقطاع السكن جزء لا يتجزأ من هذه الإجراءات، وقد التزمت الجزائر – غداة اتفاق باريس – بخفض انبعاث الغازات الدافئة في إطار المساهمة الوطنية المحددة، بتقليصها إلى حدود 07 % في آفاق 2030.
وحسب المتحدّث، فإن السكن له حصة معتبرة في الاستهلاك الطاقوي؛ لهذا فإن النمط الحالي يراعى فيه العزل الحراري، من خلال عزل الأغلفة الخارجية للبنايات، وعزل الأسطح بفضل استعمال مادة عازلة، إلى جانب تقوية التهوية، وكذلك العزل بين الكهرباء والماء، مذكرا بتعليمة عام 2021 التي تحث جميع أصحاب المشاريع على عدم استعمال نجارة الخشب، وتعويضها بالألمنيوم لما له من نجاعة فيما يخص العزل، وبالفعل، يلاحظ في المشاريع المنجزة أن النجارة الخارجية من الألومنيوم.
من جهة أخرى، أشار المدير العام للبناء ووسائل الانجاز إلى مراعاة الدراسات لتوجه البناية، تقليل عدد الفتحات، تصميم عمارة مناخية حيوية، والاستعمال التدريجي للطاقات المتجددة وللألواح الشمسية، وكانت للقطاع تجربة – في هذا الخصوص – على مستوى المدن الجديدة سيدي عبد الله بوينان، حيث أن الإنارة الخارجية مزودة بالألواح الشمسية، إضافة إلى تشجيع المواطنين على اقتناء سخانات المياه بالألواح الشمسية خاصة في بعض المناطق الداخلية كالهضاب العليا التي كانت تعاني مشاكل الربط بالشبكات التقليدية.
وفيما يتعلق بالإشكاليات المطروحة بخصوص الأشغال الخارجية، أكد المسؤول أن الوزارة لا تتسامح مع أي إخلال قد يمس بنوعية السكنات، مشيرا إلى توجيه تعليمات بعدم انتظار الانتهاء من انجاز السكنات للانطلاق في عملية التهيئة، إذ بمجرد بلوغ نسبة الإنجاز 60 %، يتم الانطلاق، بالإضافة إلى وجود وثيقة تقنية تنظيمية متعلقة بالأشغال والطرقات والشبكات الخارجية الواجب احترامها، وتحيين دفاتر الشروط حسب ما توفره السوق الوطنية واستعمال مواد جديدة محليا، إلى جانب تعزيز الرقابة والمتابعة على مستوى الورشات.
وأكّد بوعريوة أن السكنات لا تسلم إلى أصحابها إلا بعد التأكد من توفرها على جميع الشروط، حتى يتمكن المواطن من سكناها بكل أريحية دون أي إشكال، سواء على مستوى السكنات أو على مستوى التهيئة الخارجية، خاصة وأنّ السياسة السكنية للجزائر، وفي إطار التخطيط الحضري، تتحدث عن أحياء مندمجة تتوفر على جميع وسائل الترفيه والمرافق العمومية من مساحات خضراء ومساحات للتنزه، وفضاءات اللعب، حيث أن كل هذه الأمور تؤخذ بعين الاعتبار بطريقة استباقية، وتنفذ بصفة فعلية على أرض الواقع.
البطاقية الوطنية.. 10 ملايين مستفيد مسجّل
بخصوص البطاقية الوطنية، يؤكد المتحدث أن قوامها اليوم 10 ملايين مسجّل من الأشخاص الطبيعيين الذين استفادوا من سكنات عمومية أو إعانات موجهة للسكن أو عقود التعمير من أجل انجاز سكنات فردية، مشيرا إلى أن هذه البطاقية الوطنية مرقمنة 100 %، حيث تم إدخال ما يسمى بالرقم التعريفي الوطني الموحد في إطار التبادل البيني للمعلومات مع القطاعات الأخرى، كقطاع الداخلية، كما تم ربطها مع قاعدة المديرية العامة لأملاك الدولة في إطار تعزيز الرقابة ومحاربة الغش، وإضفاء الشفافية لمنح السكنات لمستحقيها، وهذا مبدأ ثابت.
وذكّر بوعريوة أن رئيس الجمهورية كان قد ألح كثيرا على محاربة كل الممارسات السلبية، وبفضل كل هذه الإجراءات، فإن السكنات لا تمنح إلا لمستحقيها، فقد أصبحت هذه البطاقية تشكل أداة فعالة بالنسبة للسلطات المكلفة بتوزيع السكنات من خلال الرقابة القبلية والبعدية، وكل القوائم تغربل بصفة آلية على مستوى البطاقية الوطنية للسكن.
أما فيما يخصّ الرقمنة، فقد أكد المدير العام للبناء ووسائل الانجاز أن عملية التقييم الأولية للعملية، تؤكّد تحقيق تقدم ملحوظ جدا فيها، سيما فيما يخص الخدمات العمومية الموجهة للمواطنين أو المتعاملين، فكل النشاطات المقننة والخاضعة للاعتماد كشهادة التأهيل المهني والتشريف المهني لمؤسسة الإنجاز، شهادة اعتماد المهندس المدني، اعتماد المرقي العقاري اعتماد الوكيل العقاري وغيرها من المعاملات والخدمات العمومية، أصبحت تقدم بصفة آلية عبر منصات رقمية طورت لهذا الغرض.
في سياق المنجز الرقمي، تحدّث بوعريوة عن استخراج رخصة البناء الرقمية، حيث تمّ وضع أربع ولايات نموذجية للقيام بالعملية كمرحلة أولى، في انتظار التعميم على جميع الولايات، مشيرا إلى أن منح رخصة البناء يستدعي انخراط جميع القطاعات؛ لأن هناك بعض المصالح التي تبدي رأيها.
وفيما يخص طلبات السكن على مستوى وكالة “عدل” مثلا، فهي منذ عدة سنوات قامت برقمنة جميع العملية من بداية الاكتتاب الى غاية تسليم العقود، وكذلك الأمر بالنسبة للمؤسسة الوطنية للترقية العقارية، ولا يختلف الطلب الترقوي الحر، حيث تتم كل هذه الطلبات عبر منصات رقمية صممت لهذا الغرض.
تأمين شامل للأرضيـة الرّقمية للسّكن
في المقابل، هناك التطبيقات المهنية الخاصة بالهيئات الموضوعة تحت الوصاية، والمتعلقة بنشاطاتها، مثل الهيئة الوطنية للمراقبة التقنية التي طورت تطبيقا بالذكاء الاصطناعي في اطار عملية تقييم البنايات ما بعد الكوارث وإسقاطها خرائطيا حسب درجة التقييم، وتكون مربوطة بشبكة على مستوى السلطات المحلية والمركزية، بحيث تعد أداة فعالة لأخذ القرار وتحديد التدابير الاستعجالية الواجب اتخاذها في حالة أي حادثة.
وبالنسبة للبنية التحتية والتجهيزات، تم القيام بتعزيز كل ما يتعلق بنظام الأمن للإعلام الآلي..طلبات أو تسخيرات الخادم، وذلك موازاة مع الخدمات المرقمنة بالقطاع، فيما تصبو الوصاية إلى تحقيق رقمنة شاملة في جميع المعاملات، كاشفا عن إنشاء فوج تقني فني متخصص على مستوى الوزارة، يتولى إعداد الاستراتيجية القطاعية للرقمنة وتحديد مخطّط عمل برزنامة محددة، وتطبيقها وتنفيذها الصارم، وهي مؤمنة بشكل جيد، حيث تم القيام بعملية التشخيص لما هو معمول به.
وحسب المتحدّث يتم حاليا السهر على التأمين من الهجمات السّيبرانية، حيث تمّ أخذ كل الاحتياطات من أجل ذلك، وتتولى المهمة كفاءات من القطاع إلى جانب العمل والتنسيق المستمر مع قطاعات أخرى فيما تعلق بتعزيز الأمن المعلوماتي، كاشفا على أنّ قطاع السكن سيكون من بين القطاعات الخمس الأولى التي سيتم توطين قواعد بياناتها على مستوى المركز الوطني للبيانات، وكذا العدد المعتبر لمنصاته، مشيرا إلى وجود ورشات تكوينية بهذا الخصوص مع المحافظة السامية للرقمنة.