تولي الجامعة الجزائرية بالغ الاهتمام للشباب الجامعي، الذي أبدى استعداده من أجل الدخول في مشاريع استثمارية تساعد في تحقيق أهدافه وإثبات ذاته، كما تساهم في التنمية وتحقيق قيمة مضافة خارج قطاع المحروقات.
تحدّث الباحث المتابع للشؤون الوطنية والدولية عبد الرحمان بوثلجة في تصريح لـ “الشعب”، عن حقيقتين أساسيتين تؤكّدهما الإحصاءات الرسمية للدولة، أولهما أن الجامعة الجزائرية كوّنت منذ الاستقلال إلى اليوم ملايين من حملة الشهادات العليا بمختلف درجاتها وتسمياتها، والحقيقة الثانية أن الاقتصاد الجزائري يعتمد في مجمله على تصدير المحروقات، إلاّ أنّ النسبة تختلف من مرحلة إلى أخرى.
وأضاف بوثلجة، بالفعل عملت الدولة في السنوات الماضية على محاولة تقليص هذه النسبة من خلال تشجيع الإنتاج المحلي من أجل الوصول إلى الاكتفاء الذاتي والتصدير بالنسبة لبعض السلع.
وبالموازاة عملت على تنظيم الاستيراد من أجل التحكم أكثر في السوق الوطنية، ومن بين المجالات التي عملت عليها في السنوات الأخيرة، ويمكن أن تقلص نسبة الاعتماد على عائدات المحروقات، مجال المقاولاتية الابتكارية، الذي يعتمد في الأساس على أفكار إبداعية واختراعات وابتكارات في مختلف المجالات، واستطرد قائلا: “كان للجامعة نصيب كبير من هذا الاهتمام، حيث تم فتح دور للمقاولاتية وحاضنات للأعمال في كل المؤسسات الجامعية تقريبا، بالإضافة إلى دور للذكاء الاصطناعي، على أساس أنه تكنولوجيا العصر، بالإضافة إلى مكاتب للربط بين الجامعة والمحيط الاقتصادي، والهدف هو تحقيق شراكة حقيقية بينهما مبنية على مبدا رابح ـ رابح، وقامت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بتجنيد إمكانيات مادية وبشرية هائلة لتحقيق هذا الغرض، لاسيما في جوانب التحسيس والتكوين في المقاولاتية، لتكون النتائج أكبر.
أفاد في ذات السياق، المساهمة الملموسة لقطاع المؤسسات الناشئة والمصغّرة المنشأة على أساس اختراعات وأفكار إبداعية في الاقتصاد الوطني، يعتمد على الكثير من العوامل الرئيسية، غير تهيئة البيئة الحاضنة التي عمل عليها في السنوات الماضية، أهمها إيمان الأسرة العلمية في الجامعات ومراكز البحث من طلبة وباحثين وأساتذة بهذا المشروع وسعيهم الدائم لتحقيقه، وهذا يستلزم ـ حسبه ـ توفير بيئة ملائمة في المؤسسات الجامعية والبحثية من طرف المسؤولين المحليين خاصة، من شأنها أن تبعث روح المنافسة وسط الأسرة العلمية، وتجعل الامتياز مرادف للمجهودات الاستثنائية وذات القيمة المعترف بها عالميا، سواء على شكل اختراعات أو بحوث علمية مفيدة.
وفي الحقيقة ميدان المقاولاتية وريادة الأعمال جذاب بطبعه – يضيف المتحدّث – وهناك الكثير يرغب في الانضمام إليه، لكن اختيار الأفضل والأهم والأولى يتم من خلال البيئة المنظمة ومن مسؤولية المسؤولين المحليين، الذين عليهم بذل جهود من أجل اكتشاف الكفاءات الحقيقة ومرافقتها من أجل تحقيق الهدف، وحتى لا يضطرون إلى إشراك أفكار مشاريع أقل أهمية باعتبارهم مسؤولين أمام الوزارة وعليهم تقديم حصيلة في كل مرحلة.
كما أنّ التّوجّه نحو العلوم الدقيقة والتكنولوجية – يضيف الاستاذ – يعتبر ذا أهمية بالغة، وهذا ما أكد عليه رئيس الجمهورية من قبل، لأن هذه التخصصات، المقصود بها العلوم الدقيقة والتكنولوجية وعلوم الطبيعة والحياة، قد تخدم قطاعات مهمة واستراتيجية مثل الطاقة، الصناعة، الفلاحة وتوفير المياه الصالحة للشرب وتربية الحيوانات والصيد البحري وغيرها.
وما يضاعف من حظوظ التعويل على الجامعة – يقول المتحدث – في المساهمة على خلق الثروة استنساخ فكرة المدارس العليا المنشأة في السنوات الاخيرة، الرياضيات والذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا النانو في الجامعات الجزائرية، أي أن التكوين وحتى البحث يكون حسب الحاجة وحسب طلبات سوق العمل، هذا في التخصصات التطبيقية على الأقل، وصحيح رغم المجهودات المبذولة قد لا تكون النتائج مماثلة لسقف عال من الطموح، باعتبار أن الجامعات تعودت على التكوين النظري وتقديم الشهادات، وباعتبار الطابع الاجتماعي للدولة الجزائرية، التي لا تجعل من الجامعة مؤسسة اقتصادية تخضع لمبدأ الربح والخسارة فقط، بل هناك عوامل أخرى، لذلك نجد مقاومة للتغيير أحيانا لبعض الاصلاحات التي تسعى إليها الوزارة وأحيانا أخرى بطئا في التكيف.وعليه، يؤكّد الأستاذ عبد الرحمان بوثلجة في الختام، أنّ البناء على قواعد صلبة هو الأساس، وكلّما كانت الاصلاحات بهذا المفهوم سريعة كلما ظهرت النتائج أسرع، وتحققّت مساعي الدولة في تكوين شباب طموح في مجال ريادة الأعمال والمقاولاتية.