أوضح الخبير الأمني والاستراتيجي أحمد ميزاب، أن التوصيات التي رفعها رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، أمام اجتماع الاتحاد الإفريقي، تتّسم ببعد الاستراتيجي، باعتبار أنها انطلقت من تشخيص دقيق للوضع العام المتعلّق بمفهوم الأمن والسلم في القارة الإفريقية، وارتباطاته بطبيعة التحوّلات والتقلّبات التي تشهدها الساحة العالمية، والعجز الذي تعرفه الهيئات الدولية أمام مختلف الأزمات المطروحة على المجتمع الدولي.
وأشار ميزاب إلى أن كلمة رئيس الجمهورية التي وجّهها إلى اجتماع الاتحاد الإفريقي والمجموعات الاقتصادية والآليات الإقليمية، تضمّنت استعراضاً لبعض التجارب التي كان يُفترض أن تكون تجارب يعوّل عليها من خلال الميكانيزمات التي اعتُمدت في السابق، إلا أنها لم تُترجم تطلعات دول القارة بالشكل الدقيق.
وتابع محدّثنا قائلاً، إن رئيس الجمهورية حدّد في كلمته مجموعة من المسارات التي يمكن انتهاجها في إطار إعادة بعث القوة الإفريقية الجاهزة، من خلال إعادة مراجعة المهام والهيكل التنظيمي والآليات التي تشتغل على أساسها، بالإضافة إلى تأكيده على أهمية آلية قدرة شمال إفريقيا، باعتبارها تشكّل قيمة مُضافة في مجموع الجهود التي تُبذل على مستوى الاتحاد الإفريقي.
وأضاف محدثنا قائلا: “كلمة رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون حملت في طيّاتها مجموعة من الأولويات التي يُمكن الاعتماد عليها في سياق مواجهة مختلف التحديات وسد الطُرق والذرائع أمام التدخلات الخارجية، أو استهداف القارة الإفريقية من خلال الاستثمار في أزماتها الداخلية”. وأشار إلى أن هذه المقاربة مبنية على أساس تسوية الصراعات وحلّ الأزمات إفريقيا.
في السياق، دعا الخبير الأمني والاستراتيجي أحمد ميزاب، إلى ضرورة تحليل الواقع الذي تعيشه القارة الإفريقية “تحليلاً دقيقاً”، مبنيا على أسس ومعطيات موضوعية، حيث أن غياب بعض الأطراف التي أثّرت في السابق سلباً على استقرار المنطقة ودخول أطراف أخرى خارجية، فتح الباب على مصراعيه أمام التنافس الدولي على المنطقة، بدل البحث عن تسوية أزماتها أو النهوض بها أو التوجه نحو تكريس مفهوم التنمية في القارة.
وشدّد المتحدث على ضرورة إعادة هيكلة وتنظيم ومراجعة النُظم الأساسية للآليات المنشأة في إطار الاتحاد الإفريقي، خاصة ما تعلّق بجاهزية القوة الإفريقية أو قدرة شمال إفريقيا، باعتبارها من الآليات الناجعة التي يُمكن التعويل عليها.
وأشاد ميزاب بآلية قدرة شمال إفريقيا المُنشأة حديثاَ، والتي كانت خطواتها الأولى “ناجحة”، ولها العديد من الدلالات، خاصة وأننا على مشارف التمرين الذي سوف تُنفّذه قدرة شمال إفريقيا، والذي سيُعطينا صورة حقيقية وشاملة عن أهمية مثل هذه الآليات في إحلال مفهوم السلم والأمن ومواجهة مختلف التحدّيات والتحوّلات التي تعرفها القارة الإفريقية، وانعكاسات التحوّلات العالمية الكبرى على استقرار وأمن وسلامة القارة الإفريقية.
وفي معرض حديثه لـ “الشعب”، نوّه الخبير أحمد ميزاب بأهمية اعتماد القارة الإفريقية على إمكاناتها وقدراتها الذاتية لحل أزماتها الداخلية، بدل البحث عن حلول تأتي من خارج حدود القارة الإفريقية، وأكّد أن القارة الإفريقية استُنزفت قدراتها وإمكاناتها وخَيَاراتها وخَيراتها بسبب تدخلات خارجية، وتوظيف خارجي للأزمات في إطار الصراع في إطار التنافس والتصادم الدولي، حريٌّ بها اليوم أن تنهض بنفسها، من خلال إرساء الآليات التي يمكن أن تعالج بواسطتها أزماتها ومختلف القضايا المطروحة، بدل “البقاء تحت رحمة الآخر الذي لا يهتم لا من قريب ولا من بعيد بمصالح هذه القارة أو مصير دولها، بقدر ما يُنظر إليها كمصدر للمادة الأولية، وساحة لتصفية الحسابات في إطار الصراع الدولي، وسوق عذراء يمكن أن تُسوّق فيها المنتجات الغربية”.
واختتم ميزاب قائلاً، إن رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، قد أرسى أسساً قوية ستكون انطلاقة فعلية لمسار طويل من الأمن والسلم في القارة الإفريقية، وستشكّل قطيعة مع الماضي الدامي الذي أرهق القارة وأدخلها في صراعات هي في غنىً عنها، داعياً -في الوقت ذاته- إلى ضرورة التعجيل بتجسيد ما جاء في كلمة رئيس الجمهورية والإسراع في اكتساب الآليات التي يمكن من خلالها معالجة قضايانا بأنفسنا خارج إدارة الآخر، “لأنه لا يمكن في أي حال من الأحوال أن ننتظر حلولاً تأتي من خارج حدود القارة الإفريقية”.