تمكنت الإصلاحات المالية التي حرص على تجذيرها الرئيس تبون منذ تولي سدة الحكم، من تطوير أداء البنوك، وتحسين الخدمات، فقد رفعت رهان العصرنة، وتبنت نهج الشفافية والموثوقية من أجل خوض معترك الاستثمار باقتدار، واستقطاب موارد مالية أكبر عبر تحفيزات موضوعية، وإجراءات تنظيمية مضبوطة، فالتحدّي كان إرساء صناعة مصرفية عالية الكفاءة، ترافق الانتقال من اقتصاد الريع إلى اقتصاد الإنتاج.
ملف: فضيلة بودريش وهيام لعيون وفايزة بلعريبي
الإصلاحات التاريخية العميقة، فعّلت أداء المنظومة المالية، وسمحت لها بالاستفادة من عمليات مكثفة من التحديث، فوسعّت تواجدها عبر كامل التراب الوطني وفي الخارج عبر استحداث وكالات تُتيح للمؤسسات البنكية القرب من المواطنين أينما كانوا؛ ذلك أن الاستراتيجية المعتمدة سطرت لتكون منظومة المال منسجمة مع طبيعة الأعمال، متكيّفة ومتناسقة مع وتيرة التنمية الاقتصادية، سواء على صعيد التدفقات المالية من خلال إعطاء نظام الادخار مزايا غير مسبوقة، أو على صعيد التسهيلات الكبيرة التي أتاحتها الرقمنة الشاملة، ما سمح بتنويع الخدمات المالية، وإدراج الشمول المالي عن طريق التوطيد للخدمات المالية الإسلامية التي تمكنت من استقطاب شريحة واسعة من المدخرين الجزائريين، إضافة إلى تعزيز الرقابة، والحرص على الشفافية.. عقب ذلك شرع في فتح رساميل بعض البنوك العمومية بهدف تكريس المنافسة في السوق المالية الوطنية..
الإصلاح المالي قطع أشواطا كبرى بما تحقق للمنظومة، فعبّد – منذ انطلاقته – المسار القويم بتوجيهات صارمة من رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، فتحوّلت البنوك من «حصّالات» يعاني زبائنها الأمرّين للوصول إلى خدماتها، إلى مؤسسات فاعلة تسهم في تعزيز محركات الاقتصاد الجديد..
عبد القادر بريش: الورشات الكبرى للإصلاح المالي حققت أهدافها
كيّفت الحكومة المنظومة التشريعية مع الإصلاحات الشّاملة التي يشهدها النظام المالي بالجزائر مع فتح ورشات كبرى على جميع المستويات، باشرتها السلطات العمومية، وتندرج ضمن أهم الالتزامات لرئيس الجمهورية، وهذا استجابة للتحولات الاقتصادية والمالية والتحديات التقنية والتكنولوجية، من أجل إعادة الاعتبار للسياسة النقدية بالجزائر والتكيف مع المستجدات الحاصلة في المنظومة الاقتصادية العالمية.
أكد الخبير الاقتصادي عبد القادر بريش، أن ملف الإصلاح المالي يعتبر من بين الورشات التي كانت مؤجلة منذ سنوات، مبرزا أن رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، جعلها من بين التزاماته 54، حيث تم فتح ورشة الإصلاح المالي تحت عنوان كبير «إصلاح عميق للحكامة المالية» وهو الالتزام رقم 23.
ومن بين أهم العناوين لهذا الالتزام –يقول دريش- تعزيز التخطيط المالي والتحكم في مخاطر الميزانية، من خلال التنفيذ السريع لنظم المعلومات، عصرنة النظام المصرفي والمالي، مع التركيز على إصلاح البنوك والمؤسسات المالية لتحسين كفاءتها وربحيتها ومساهمتها في تمويل الاقتصاد، وكذا تكييف الإطار التنظيمي والتشريعي الذي يحكم النشاط المصرفي، إلى جانب تعزيز نظم المعلومات للبنوك العمومية والفاعلين في الأسواق المالية، بهدف تمكينهم من تعزيز التحكم في عملياتهم وفق المعايير الدولية، فضلا عن تنويع المنتجات البنكية وتطوير التمويل الإسلامي، إلى جانب تطوير الشبكة البنكية الوطنية من خلال فتح فروع لها في الخارج.
وأكد بريش، أنه من بين أهم الإصلاحات التي باشرتها الجزائر، اتباع نهج جديد في الميزانية للحفاظ على التوازنات المالية وتوفير موارد إضافية في السوق المالية الداخلية، حيث دخل القانون العضوي رقم 18/15 المتعلق بقوانين المالية حيز التنفيذ، من أجل إصلاح الميزانية وإعطاء حوكمة أكبر للميزانية وترشيد الإنفاق العام.
رهان فتح مكاتـب الصرف
وجاء ضمن الإصلاحات المالية، والتزامات الرئيس، تدشين بنك الاتحاد الجزائري بنواكشوط (AUB) والبنك الجزائري السنغالي (ABS) بداكار والمعرضين الدائمين بكلتا العاصمتين، إلى جانب البنك المنتظر افتتاحه بفرنسا من خلال بنك الجزائر الخارجي، حيث ستسمح هذه البنوك بتوسيع آفاق فرص الاستثمار والمرافقة في تجسيد مشاريع استثمارية جزائرية في تلك الدول. كما أن فتح مكاتب الصرف بالجزائر، سيساعد في تحويل الأموال إلى السوق المحلية وتحسين صورة المنظومة المالية والبنكية الجزائرية في الأسواق المالية الخارجية، على غرار البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وغيرها من الهيئات المالية التي تعنى باقتصادات الدول في العالم وتصدر تقارير دورية حول مؤشرات تحسنها أو تراجعها، وهذا من شأنه تحسين صورة الجزائر على المستوى الدولي، حيث يمنح صورة شاملة للأجانب حول الاقتصاد الوطني، وهو ما حدث فعلا، حيث أصدرت الهيئات المالية الدولية، مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي خلال سنة 2024 تقارير إيجابية تشيد باقتصاد الجزائر.
مكافحـة السوق الموازية
ويرى بريش، أن أهم الورشات الإصلاحية كذلك، مصادقة المجلس النقدي والبنكي على مشروع نظام يتعلق بشروط الترخيص وإنشاء واعتماد وعمل مكاتب الصرف في الجزائر. ومن مزايا فتح مكاتب الصرف، أنها ستوحد سعر الصرف الرسمي مع سعر الصرف الموازي بدرجة كبيرة، وفي خطوة مهمة نحو القضاء على السوق الموازية المتداول بها قيمة مالية تعادل 90 مليار دولار.
في هذا الإطار، أكد الخبير الاقتصادي أن الإصلاح المالي والمصرفي الذي عرفته الجزائر الجديدة، تضمنه القانون النقدي والمصرفي الصادر عام 2023، والذي يعتبر من بين أهم الإصلاحات التي وجه إليها الرئيس تبون الورشات الاقتصادية في الجزائر الجديدة، حيث يعتبر قانونا مهما جدا باعتباره ينظم ويعطي حوكمة جدية للبنوك، ويوضح الأدوار بين البنك المركزي والبنك التجاري، كما يهدف إلى تحديث وعصرنة النظام المصرفي الجزائري وإدخال التكنولوجيا وتطوير مجالات الصيرفة الإسلامية والبنوك الاستثمارية وغيرها…
وتمكّن بنك الجزائر بفضل القانون، من إرساء مهمته المتمثلة في الاستقرار المالي. وتم استحداث لجنة الاستقرار المالي وتكليفها بالمراقبة الاحترازية الكلية وإدارة الأزمات. كما تم الأخذ بعين الاعتبار الحالات الاستثنائية التي قد تقع، مثل حدوث أزمة استثنائية غير متوقعة ومعلن عنها، على غرار جائحة كوفيد-19، ويرفع تقريرها السنوي لرئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون.
أدوات جديدة للسياسة النقدية
وعرفت الإصلاحات المالية –يقول بريش- أدوات جديدة للسياسة النقدية، بهدف جعلها أكثر نجاعة وتعزيزا لآليات انتقالها، حيث يتيح تكييف أدوات التدخل على مستوى السوق النقدية مع خصوصيات العمليات المصرفية، لاسيما تلك المتعلقة بالصيرفة الإسلامية، إذ يمكن اعتماد البنوك والمؤسسات المالية التي تقوم بالعمليات المصرفية المتعلقة بالصيرفة الإسلامية حصرا، وكذا الحفاظ على الشبابيك المخصصة لذلك.
وبرزت إصلاحات النظام المالي في الجزائر، من خلال التعافي التاريخي للدينار بعد صعود وانتعاش قيمته أمام الدولار الأمريكي، ويعود ذلك إلى عوامل اقتصادية ساعدت في دعم العملة الوطنية.
بالمقابل، تحدث الخبير عن استكمال هذه الورشات التي تدخل ضمن الإصلاحات الكبرى والمهمة جدا، خاصا بالذكر موضوع السوق المالي وتنشيطه، ويتطلب مواصلة الإصلاحات من خلال إصلاح القوانين وإصدار بعض القوانين، خاصة قانون الصكوك، سواء تعلق الأمر بالصكوك السيادية التي تصدرها مؤسسات الدولة والخزينة العمومية أو الصكوك التجارية التي تصدرها المؤسسات، وهو ما يتطلب إصلاح القانون التجاري وإدخال الصكوك كآلية من أدوات التمويل.
وتحدث بريش عن توسيع المؤسسات التي تدخل البورصة، على غرار ما سجل منذ أشهر قليلة من خلال الإدراج الرسمي لبنك القرض الشعبي الجزائري في التسعيرة الرسمية لبورصة الجزائر وانطلاق التداول العلني بين المستثمرين لأسهم هذه المؤسسة المالية العمومية، ليكون بذلك أول بنك يلتحق بالبورصة، في إطار استكمال مسار الإصلاح البنكي والمالي بالجزائر. إلى جانب ذلك، تعد ورشة إصلاح كل ما يتعلق بالنقد والصرف وحركة تحويل الأموال، مهمة جدا، لأن قانون الاستثمار الجديد ينص صراحة على حرية تحويل رؤوس الأموال والأرباح.
وأشار الخبير، إلى أن «أي إصلاحات تجنى ثمارها على المديين المتوسط والطويل وبعد تهيئة وانسجام كل الأطر المؤسساتية وإنضاج القوانين وتكامل الأدوار ما بين مختلف الفاعلين». وأضاف، أن «الرئيس تبون في آخر تدخل له مع وسائل الإعلام قال، إن استكمال المشروع الوطني «الجزائر الجديدة»، سنبدأ في جني ثماره ابتداء من عام 2026 وبداية 2027، لأن المشاريع المهيكلة أو الاستثمارات الكبرى التي ضخّتها الدولة في البنية التحتية وفي المشاريع العملاقة في المعادن والمناجم أو الإصلاحات في الجانب المؤسساتي والمالي، تأخذ وقتا وتتفاعل في مدة قد تصل إلى ثلاث سنوات».
الخبير نبيل جمعة: الإصلاحات أنتجت بيئـة مصرفيـة مستقرة وموثوقة
أكد الخبير نبيل جمعة، أن الجزائر نجحت بالإصلاحات المعمقة في استعادة المنظومة المالية إلى خدمة الاقتصاد الوطني. وقال إن الإصلاحات حققت وثبة مهمة في ترتيب أولويات القطاع المالي، فهو رافعة حقيقية للدورة الاقتصادية، تعززت بطرح خدمات جديدة جاذبة للموارد المالية.
وبدا الخبير متفائلا باتضاح معالم بيئة مالية ومصرفية تتسم بالاستقرار والشفافية والمرونة، وفوق ذلك منفتحة على العصرنة والرقمنة، وقال إنها تسير في طريق سليم لتحقيق كفاءة الأداء العالية.
يرى الخبير المالي والاقتصادي نبيل جمعة، أن الإصلاحات المالية خلال الأربع سنوات الماضية، أفضت إلى تغيير كبير وعميق لم يسبق له مثيل في المنظومة المالية والمصرفية، وقال إنها إصلاحات جدية ودقيقة، دفعت القطاع المالي إلى انفتاح تدريجي على الأسواق المالية الخارجية.
في سياق متصل، قال الخبير إن التزامات رئيس الجمهورية في بناء الجزائر الجديدة، تجسدت من خلال تعزيز الاستقرار الاقتصادي وتحفيز النمو في عدة مجالات، لعل أبرزها سهر رئيس الجمهورية على تحرير القطاع المصرفي، من خلال تعزيز المنافسة بين البنوك والرفع من كفاءة أدائها. وأشار جمعة إلى القفزة النوعية المحققة من خلال فتح رأسمال القرض الشعبي الجزائري ونجاح هذه العملية، في انتظار فتح رأسمال بنك التنمية المحلية خلال الأيام المقبلة. علما أن هذه الخطوة تسمح بمساهمة الخواص بنسبة 30٪ في رأسمال البنك، وهذا ما تتطلبه الساحة المالية العالمية والبنوك الدولية في إطار تنويع الموارد المالية، كما أنها تصنف على أنها أحد المعايير التي تعكس تحسين المنافسة وجودة الأداء.
تقوية الدور الرقابي
من بين التغييرات المسجلة على صعيد إصلاحات القطاع البنكي، تطرق الخبير جمعة إلى تشجيع دخول البنوك الأجنبية إلى السوق المالية الجزائرية، بهدف تشجيع المستثمرين الأجانب على خوض معترك التنافس في الميدان الجزائري. كما شكل إنشاء بنك الإسكان الحلقة الأهم، ورصد 70٪ من الإيرادات للبنى التحتية وشمل ذلك كل من السكن والبيئة والأشغال العمومية والري.
وسلط الخبير جمعة الضوء على جملة الإصلاحات المجسدة على أرض الواقع، وهي التي سمحت للمنظومة البنكية بترسيخ خطواتها الأولى في مساحات الحداثة، بفضل رؤية رئيس الجمهورية، وعلى رأسها تحديد الأطر التنظيمية والقانونية. وجاء القانون النقدي والمصرفي الجديد، ليمنح الحرية الكاملة للبنك المركزي «بنك الجزائر»، عن طريق تحديد القوانين المصرفية المواكبة لمعايير الأسواق المالية العالمية.
من جهة أخرى، يعوّل القانون النقدي والمصرفي، في المرحلة الحالية والمقبلة على تقوية الدور الرقابي والإشراف الدقيق لبنك الجزائر على البنوك، خاصة على صعيد إدراج أنظمة المخاطر والامتثال إلى معايير مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وعدم منح القروض إلا بضمانات.
وعقب التغيير الساري في القطاع المالي والمصرفي، اعتبر الخبير جمعة أن عملية الإصلاح سجلت آثارا إيجابية ومؤشرات محفزة على عدة مستويات، أبرزها ارتفاع حجم القروض. وذكر أنه منذ عام 2019 إلى غاية 2024 سجلت زيادة سنوية في حجم القروض قدرت بنحو 13٪، مشيرا – في السياق – إلى أن مبالغ ضخمة تدفقت كتمويلات للقطاعات الاستراتجية من فلاحة وصناعة، ومولت بها العديد من المشاريع الاستراتجية.
وبخصوص القروض الموجهة للقطاعين العمومي والخاص، أفاد الخبير أنها تكاد تكون متطابقة، على اعتبار أن قروض القطاع العام، تناهز 50,5٪، فيما تقدر القروض التي استفاد منها القطاع الخاص بـ49,5٪.
تعزيز الثقة وتحقيق الاستقرار
من المؤشرات القوية العاكسة لإصلاحات مثلت محطة حاسمة في مسار المنظومة المالية، تناول الخبير جمعة وضع الإطار القانوني رقم 20-02، الذي سمح ذلك، ولأول مرة، بتحفيز التمويلات الإسلامية، وانسجم ذلك مع المادة 2 من الدستور.
ويرى الخبير، أن الإصلاحات المحققة بفضل رؤية وحنكة رئيس الجمهورية، حققت مستوى رفيعا من الشفافية والمرونة والمساءلة في النظام المالي والمصرفي، متوقعا أن يقود في الفترة المقبلة إلى أداء عصري.
ولم يخف جمعة أن الإصلاحات شملت كذلك نظام الادخار على مستوى البنوك الوطنية، بهدف تعزيز الثقة، مما سمح وساهم بتحقيق استقرار أكبر وتوفير موارد مالية مستدامة للاستثمار، خاصة بعد صدور قانون الاستثمار وتخصيص إدخارات لفائدة الأطفال والشباب، بهدف تشجيع الادخار المبكر، عبر تعزيز الأمان والثقة في النظام المصرفي، وعن طريق حماية النظام والودائع لتحقيق سلامة المدخرين، وفي صدارتها الرفع من سقف الشفافية وتقديم تقارير دورية من أجل سلامة البنوك، لأنه كل شهر، يعكف بنك الجزائر على نشر كتيب عن أصول البنك المركزي، إلى جانب أن بنك الجزائر يسعى من أجل توسيع الشبكة وتطوير خدمات بنكية إلكترونية عن طريق الهاتف النقال، ورقمنة النظام المالي والمصرفي.
وبحسب تقديرات الخبير، فإن الإصلاحات الجارية ستفضي إلى تحقيق بيئة مصرفية مستقرة وموثوقة، تشجع على الادخار وتوفر موارد مالية مهمة لتمويل الاستثمار، في ظل طرح التعديلات لبرامج مغرية للمدخرين من مكافآت، علما أن الأموال المدخرة معفاة من الضرائب.
محمد حيمران: النظام المالي الجديد.. رهان على الشفافية وانتصار للمواطن
حظيت المنظومة المالية الجزائرية، باهتمام خاص من رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون الذي أولاها بعنايته، وأدخل عليها تغييرات جذرية طالت قوانين مالية ومصرفية أثبتت قصورها عن مواكبة النظام المالي الدولي.. التغيير كان جذريا على قدر التكامل والتداخل القوّي بين مختلف المواد القانونية. والتعديلات لم تفوت أهمية تحصين آليات عمل الهيئات المالية ذات الأهمية الحساسة، على غرار البنك المركزي الذي استفاد من صلاحيات أوسع..
أوضح الخبير الاقتصادي محمد حيمران، في اتصال مع «الشعب»، أن رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، التزم بجملة من الإصلاحات المالية، وأوفى بها، ما منح المنظومة المالية القدرة على مواكبة المتغيرات العالمية، فقد تم تعديل قانون النقد والصرف، في خطوة طال انتظارها – يقول حيمران – وعرف المشهد المالي بالجزائر الإفراج عن القانون النقدي والمصرفي الجديد الذي يحمل بين مواده ما يستجيب لعدّة أهداف بينها التكيف مع المقاربة الاقتصادية الجديدة، وقد سطر القانون على رأس الأولويات تسريع الخدمات المصرفية وتحسينها، إلى جانب توسيع الشمول المالي، مما يعزّز التمويلات لفائدة الاقتصاد الوطني، وإلزام البنوك بوضع قواعد داخلية للحوكمة.. إصلاحات – يؤكد محدّثنا – رافقها إعداد الاستراتيجية الوطنية لتطوير وسائل الدفع الالكتروني لتعزيز المعاملات المصرفية، وعمليات الصيرفة الإسلامية واستحداث شكل جديد للعملة ممثلا في الدينار الرقمي الذي سيصدره ويديره البنك المركزي.
رؤيـة جديدة..
في السياق، أشار الخبير الاقتصادي إلى أن القانون 23/09، تضمن في جوهره هيكلا نقديا يعمل على تنظيم وتسيير المجال النقدي والمصرفي، بجميع مكوّناته، بدءا من البنك المركزي والمجلس النقدي، ثم اللجنة المصرفية ولجنة الاستقرار المالي واللجنة المصرفية للدفع. وقد شملت الإصلاحات المعمقة للمنظومة المالية، تغييرات جذرية مسّت حتى تسمية القوانين تبعا لأهدافها الجديدة، فمن قانون النقد والقرض، إلى قانون النقد والصرف. ومن النتائج التي تمخضت عن التعديلات التي مسّت النظام المالي الجزائري، ذكر حيمران تعزيز استقلالية البنك المركزي الجزائري ومكانته، مع اقتراح نظام العهدة بالنسبة لمحافظ البنك ونوابه لمدة 05 سنوات، إضافة إلى توسيع صلاحيات المجلس النقدي والمصرفي من خلال اعتماد وسطاء مستقلين ومكاتب صرف، حيث لاحظنا مؤخرا – يقول حيمران – إصدار لوائح تنظيمية خاصة بمكاتب الصرف، في انتظار افتتاحها رسميا في آجال قريبة، مع تدعيم وتعزيز مزودي خدمات الدفع الالكتروني التي كانت في صلب ما جاء به قانون المالية لسنة 2024، حيث تم وضع آجال أقصاها 31 ديسمبر 2024، لتعميم استعمالاته من طرف جميع المتعاملين التجاريين. كما تم إدخال عدّة تعديلات على مستوى السياسة النقدية، علما أن مستوى الاحتياط على مستوى البنوك التجارية قد ارتفع من1 بالمائة إلى 3 بالمائة بحسب الإحصائيات المسجلة إلى غاية نهاية أفريل 2023.
مزيدا من الاستثمارات
وكان رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، قد دعا إلى المزيد من الإجراءات التحفيزية لفائدة المتعاملين الاقتصاديين، بينها تخفيض نسبة الفائدة على القروض الاستثمارية من أجل الوصول إلى قفزة على مستوى حجم الاستثمارات الداخلية والخارجية.. تعليمات – يقول حيمران – ترجم تنفيذها والاستجابة لها من خلال نتائج مشجعة فيما يتعلق بتحسين نوعية الخدمات وتعزيز التغطية البنكية وتوسيع الشمول المالي، وأوضح حيمران أن عدد الوكالات البنكية عرف ارتفاعا ملحوظا مقارنة بالسنوات الماضية، بلغ 7134 وكالة بنكية، بالمقابل تم إحصاء 6500 نقطة بيع لمؤسسات التأمين، بالإضافة إلى مؤسسات التأمين التكافلي الإسلامي، وحوالي 4 آلاف وكالة تابعة لبريد الجزائر، و12 مليون حساب فردي للادخار، بمبلغ إجمالي يقدر بـ3600 مليار دج، وهي ترسانة هيكلية – يقول حيمران – مجنّدة بأكملها لدعم أدوات وآليات الدفع الالكتروني، وكذا دعم الاستثمار والارتقاء بنوعية الخدمات البنكية، مما سمح بارتفاع الموارد البنكية إلى 14917 مليار دج نهاية سنة 2023، مقارنة مع السنوات الماضية.
من جهته سجل قطاع التأمينات، رقم أعمال معتبر، فقد سجل 170 مليار دج مقابل، 25 مليار دج مسجلة سنة 2014، بمعدل ارتفاع قارب 600 بالمائة، وسجلت التأمينات بصيغة التكافل ارتفاعا ملحوظا بلغت نسبته 335 بالمائة خلال الثلاثي الثالث من سنة 2023، ورقم أعمال قدر بـ121 مليون دج.. أرقام مهمة سجلتها مختلف فروع قطاع المالية، أرجعها الخبير الاقتصادي إلى الإصلاحات المالية والهيكلية التي تقوم بها السلطات العمومية على مستوى القطاع، وجملة التشريعات القانونية التي تمت إعادة النظر في مدى مواكبتها للتحوّلات الاقتصادية العالمية، بما فيها قانون النقد والصرف وقانون التأمينات قيد الدراسة، ومراجعة القانون 04/15، في ظل ديناميكية جديدة لقطاع المالية تعتمد على الرقمنة والإجراءات الالكترونية، خاصة الإمضاء الالكتروني.
في هذا الإطار، دعا حيمران إلى ضرورة اعتماد الرقمنة وأدوات الذكاء الاصطناعي وتسريع وتيرة تقدمهما، وتعميم مجالات استعمالهما، خاصة في ظل توفر الكفاءات المؤهلة من خريجي الجامعة الجزائرية، وقدرتها على تغيير طبيعة الخدمات البنكية الكلاسيكية، من أجل تخفيض التكاليف وإضفاء الشفافية التامة.
الصيرفـة الإسلامية..
أما بالنسبة للصيرفة الإسلامية، كمنتج مصرفي عرف انتشارا واسعا خلال السنتين الأخيرتين، مباشرة بعد صدور قانون النقد والصرف، قال الخبير الاقتصادي إن القانون الجديد أعطى حيزا مهما للصيرفة الإسلامية، بما هي نشاط بنكي يضبطه وينظمه بنك الجزائر من خلال شروط محدّدة، ويمكن أن يتخذ هذا النشاط صيغتين مختلفتين، تتمثل الأولى في إنشاء بنوك إسلامية قائمة بذاتها، أما الثانية فتتمثل في إنشاء شبابيك إسلامية كما هي الحال على مستوى البنوك العمومية والخاصة الناشطة بالسوق المالية.
خطوة مشجعة لدخول مجال الصيرفة الإسلامية – يقول محدثنا – تسمح اللوائح التي تؤطرها بانتعاشها وتوسيعها إلى مجال الاستثمار من طرف البنوك العمومية والخاصة، كما ينتظر أن يكون هناك استثمارا خارجيا لهذا النوع من الصيرفة، كسوق مهمة وواعدة ذات رواج واسع، تمكنت من تحقيق رقم أعمال قدر بـ445 مليار دج عام 2021، و545 مليار دج عام 2022، لتقفز إلى 678 مليار دج عام 2023، بفضل تشجيع المواطن على الادخار خاصة وأن القانون المصرفي الجديد منح حماية قانونية وتحفيزات عديدة للمدخرين والمودعين. ومن أجل توضيح مفهوم الصيرفة الإسلامية الذي حظيت باهتمام شريحة واسعة من المواطنين، قال حيمران إنها صيرفة بديلة للمنتجات المصرفية الكلاسيكية، أين تلعب المؤسسة المالية دور وسيط مالي، من خلال اقتراض الأموال عن الزبائن المودعين وتحويلها في شكل قروض للزبائن المقترضين في شكل قروض استثمارية أو لاقتناء معدات وعقارات، بنسبة فائدة يتم اقتسامها بين المؤسسة المالية والمودعين. في حين تلعب دور الوسيط التجاري في حالة الصيرفة الإسلامية، عكس الوساطة المالية، حيث تقوم المؤسسة المالية باقتناء الأصول من عقارات ومعدات، وإعادة بيعها لزبائنها مع اقتطاع هامش ربح عن كل عملية. وهنا تكمن المخاطرة التي يتبناها البنك من خلال امتلاكه لهذه الأصول وتسديد قيمتها على مدى طويل يصل إلى 40 سنة في حالة القروض المتعلقة بالعقارات.
التصدّي للتضخّم.. هاجـس عالمي
وخلص محمد حيمران إلى القول إن جملة الإصلاحات التي عرفتها المنظومة المالية، على غرار جميع القطاعات التي شملتها الإصلاحات، في خضم القطيعة مع الممارسات البيروقراطية، وتقويم اختلالات المنظومة الاقتصادية، تتمحور جميعها حول الظروف المعيشية للمواطن، وتهدف إلى تحسين القدرة الشرائية. فالانتعاش والأريحية المالية التي تعرفها المنظومة المالية، تقف وراءها إرادة سياسية صادقة، وتجلت فعاليتها في الرفع من رواتب الموظفين ومعاشات المتقاعدين، وإقرار منحة البطالة، وعدم فرض ضرائب جديدة، وهذا التزام رئيس الجمهورية أوفى به، برفع نسبة الأجور بما لا يقل عن 47 بالمائة، حيث قامت الحكومة بمراجعة الجدول لحساب الضريبة على الدخل الإجمالي عام 2021، بالإضافة إلى إعفاء ذوي الأجور التي تقل عن 30 ألف دج، لتتم بعد ذلك مراجعة قيمة النقطة الاستدلالية عبر مختلف قوانين المالية لسنوات2023،2022، ومن المنتظر أن يشهد العام الجاري، زيادات في الأجور تتراوح بين 4500 دج و8500 دج بحسب طبيعة المنصب والوظيفة. وذلك بهدف تحسين القدرة الشرائية وبالتالي منع ارتفاع نسبة التضخم الذي بقيت الجزائر في منأى عنه بفضل التدابير الاحترازية التي اتخذتها، أهمها الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن.