أكّد الخبير الأمني والاستراتيجي الدكتور أحمد ميزاب على أن الخطوة التي أقدمت عليها فرنسا باعترافها بمقترح المخزن في قضية الصحراء الغربية يُعدُّ انحرافاً خطيرا في سياسة فرنسا الخارجية من جهة، وانكشافا استراتيجيا للمواقف التي تجعلنا نبني عليها مستقبلا من جهة أخرى.
أكد ميزاب، أن الأمر الثابت في المسألة هو أن الموقف الفرنسي المؤيد عبثاً لادعاء مغربي، لا أساس له من الناحية القانونية ولا التاريخية، هو موقفٌ ليس بالجديد ولا يعدو كونه خروجا للعلن وانكشافا حقيقيا لنظام لطالما كان معرقلاً بصفته عضواً دائماً في مجلس الأمن، وانخراطه في القرن الماضي في عمليات استهدفت الشعب الصحراوي الأعزل.
أوضح ميزاب بأن قرار السلطات الفرنسية ليس مفاجئاً بقدر ما أكّد مرة أخرى على أن الأنظمة الاستعمارية تواصل التحالف فيما بينها حتى لو تعارضت مصالحها مع الشرعية الدولية وحق الشعوب في تقرير مصيرها.وأفاد الخبير الأمني، بأن هذه الخرجة الجديدة وراءها صفقة غير بريئة بين سياسات فرنسا الاستعمارية ونظام المخزن المحتل ذي الأطماع التوسعية في المنطقة.
وذكّر الخبير الأمني والاستراتيجي بفضيحة التجسّس باستخدام نظام بيغاسوس الصهيوني الذي تورّط فيها المخزن المغربي وكان إمانويل ماكرون أحد ضحاياه، حيث تسبّبت الحادثة في حالة فتور في علاقة البلدين.
وذهب ميزاب إلى الاستنتاج بوجود وضعية ابتزاز ومساومة جديدة مورست ضد النظام الفرنسي أو بعض الشخصيات النافذة فيه لافتكاك هذا الموقف، على شاكلة ما حدث في ملف ماروكو غيت وغيرها من الأساليب المخزنية.
ولفت ميزاب إلى أن الوضع الداخلي في فرنسا والحسابات السياسية الداخلية المعقّدة في الشارع الفرنسي الناجمة عن الانتخابات الأخيرة، قد تكون أحد الأسباب التي أدت إلى هذه المناورة التي «ستكون لها انعكاسات تتحمّلها فرنسا لوحدها».
وأردف قائلاً، إن فرنسا العضو الدائم في مجلس الأمن الدولي، كان حريٌ بها الدفاع باستماتة عن مبدإ الشرعية الدولية والعمل على إنفاذ القانون الدولي وحماية ميثاق الأمم المتحدة، بدل «انتهاج سلوك أعرج يتناقض وكل ما سبق».
وقال، في الوقت الذي تبذل فيه الأمم المتحدة وأمينها العام ومنظمة الاتحاد الإفريقي جهوداً حثيثة من أجل إعادة بعث مسار التسوية وإرجاع طرفي الصراع إلى طاولة المفاوضات، تخرج فرنسا بهذا القرار غير المدروس الذي لن يغيّر شيئاً في الواقع، لأن القضية الصحراوية مصنّفة كقضية تصفية استعمار باعتراف أممي.
في سياق موصول، أكد أن فقدان فرنسا لمواقع استراتيجية في إفريقيا على العموم وبمنطقة الساحل على وجه التحديد، وخسارتها لمناطق واسعة من نفوذها في القارة السمراء، دليلٌ واضح وأكيد على أنها تتخبّط «وتعيش خارج الإطار»، وبالتالي فهي تعمل جاهدةً لتكريس سياسة فرّق تسُد، وتتفنّـن في خلط أوراق المنطقة، لأن مواقف الجزائر الثابتة من القضايا العادلة وعلى رأسها قضيتا فلسطين والصحراء الغربية تُزعج أصحاب المصالح الضيقة من المنطقة وخارجها.
واختتم الخبير الأمني والاستراتيجي بالإشارة إلى أن بيان وزارة الخارجية يؤكّد بأن الخطوة التي أقدمت عليها فرنسا هي انحراف خطير يتعارض ومسؤولياتها كعضو دائم بمجلس الأمن، ويتناقض وجهود الأمم المتحدة لبعث مسار التسوية فيما يخص القضية الصحراوية، وكنتيجة أولية لهذه الخطوة سحبت الجزائر سفيرها من فرنسا في رسالة واضحة المعالم والمضمون بأن الجزائر ثابتة في مواقفها وقناعاتها.