أكّد مختصّون في القانون والعلوم السياسية، أنّ قيام القضاء الجزائري بتطبيق العقاب على الفساد السياسي، سيما الانتخابي، ولأول مرة، يؤكّد عزم السلطة على مكافحة الظاهرة، ويعيد ثقة المواطن في العملية الانتخابية، ويحول دون عزوفه عن المشاركة في الاستحقاقات، سيما الرئاسية نظرا لأهميتها، وكذلك يشكل تطبيق العقاب على مرتكبي الجرائم الانتخابية، عامل ردع ضدهم وحتى يكونوا عبرة لغيرهم، كما يحث الجميع سواء كانوا ناخبين أم منتخبين على احترام القانون.
قالت أستاذة العلوم السياسية بجامعة الجزائر 3، البروفيسور نبيلة بن يوسف، إنّ تطبيق الأحكام بعد الإعلان عن قضية شراء توقيعات استمارات الاكتتاب ووضع المتهمين المرشحين غير المقبولين (سعيدة نغزة، عبد الحكيم حمادي وبلقاسم ساحلي) تحت الرقابة القضائية، إلى جانب إيداع 68 متهما متورط في القضية الحبس المؤقت، يفضي إلى النزاهة الانتخابية التي تؤدي بدورها إلى إرساء مصداقية المؤسسات الرقابية باعتبارها ضرورة حتمية، سيما وأن الفساد السياسي وعلى رأسه الانتخابي يعصف بالنزاهة والمصداقية ويدمر الاستقرار السياسي ويزيد الشرخ بين المواطن وحكامه، وعليه تجب الصرامة في تنفيذ ما نص عليه الدستور والنصوص التشريعية.
نزاهة الاقتراع
وأردفت البروفيسور بن يوسف، بالقول إن الفساد الانتخابي يحدث في حالة ضعف الأجهزة الرقابية وتلاعبها وعدم كشفها عن الحقائق، وعند تقديم الترشح وإيداع ملفات مزيفة كاستمارات الاكتتاب للترشح المضروبة، أو الذي يثبت أنها جاءت عن طريق شراء الموقعين عليها ما تعتبر رشوة (الرشوة الانتخابية)، وهي مقدمات لاستعمال الرشوة أيضا يوم الاقتراع من خلال شراء الأصوات أو الضغط عليهم باستعمال الاكراه والتهديد، ولا تحدث الرشوة على مستوى الناخب فقط بل قد تحدث على مستوى المرشح ذاته لما يدفع له متنافسه في الانتخابات أموالا نظير الانسحاب من السباق الانتخابي أو التراجع عن استكمال الحملة الانتخابية بصفة كاملة.
وأشارت في هذا الصدد، إلى أن استحداث المحكمة الدستورية بدلا من المجلس الدستوري تجربة جديدة من حيث النوع، ولا زال عملها قائما خلال العملية الانتخابية الجارية في اليات مراقبة تمويل الحملة الانتخابية التي ستنطلق في 15 أوت الجاري من حيث مصدرها وطرق إنفاقها، ومن حيث صحة العمليات المقيدة في الحسابات الخاصة بها حتى تضمن شفافية التمويل الانتخابي التي يمكن أن تكون بابا للفساد الانتخابي إذا ما لم تحظ بالرقابة الجيدة التي هي في حد ذاتها آلية لمكافحة الفساد.
أخلقة الحياة السياسية
قالت البروفيسور بن يوسف، إنّ الدولة الجزائرية اهتمت في الدستور وفي نصوصها القانونية بأخلقة الحياة السياسية انطلاقا من توفير الجو القانوني المناسب لتحقيق انتخابات نزيهة وعادلة لاسيما من خلال استحداث المؤسسات القائمة على المراقبة الصارمة للعملية الانتخابية منذ انطلاقها الى غاية الإعلان عن النتائج والنظر في الطعون إن وجدت.
وأوضحت أن البحث عن أخلقة الحياة السياسية يستوجب النزاهة والمصداقية بداية من احترام العملية الانتخابية بكامل مراحلها، والعمل بما ينص عليه الدستور والتشريعات القانونية المتعلقة بالانتخابات.
وخلصت إلى أن الابتعاد عن الفساد السياسي ومنه الفساد الانتخابي يضمن النزاهة وثقة الهيئة الناخبة في مؤسسات الدولة المكلفة بصون المصداقية الانتخابية، ضد الانحراف القانوني الذي سيعرض المواطن مستقبلا إلى العزوف الانتخابي واللامبالاة السياسية، ومنه الى اختلال فكرة المواطنة لديه التي تعد ركيزة أساسية في بناء المجتمع المتحضر والآمن، ومن الأسس الصلبة لقيام الحكم الراشد.
عمل جاد
وتم الاعلان عن القائمة النهائية لمترشحي رئاسة الجمهورية للمشاركين في السباق الرئاسي يوم 25 جويلية المنصرم، وبعد فرز ومعالجة السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات كشفت عن قائمة الملفات التي لم تستوف الشروط المطلوبة بعد فحص جميع الملفات (الاستمارات) التي جندت لدراستها الوسائل التقنية والبشرية، وكل ملف مرفوض عرض أسباب رفضه بدقة. لتنقل تلك النتائج والملفات المرفوضة والتي هي محل طعن من المرشح المرفوض ملفه، للمحكمة الدستورية وفق ما ينص عليه الدستور للفصل النهائي فيها، حيث تمارس اختصاصا قضائيا وتبلغ قراراها النهائي.
ومن بين 16 ملفا ثم قبول 3 ملفات، والطعون التي رفعت للمحكمة الدستورية والتي لم تتعد 48 سا كانت أربع عرائض طعون، فأعيد دراسة ملفاتها الإدارية والتقنية، ودقّق في استمارات الاكتتاب وسجلت وجود استمارات فارغة إذا لا تحتسب، ولقد أثبتت المحكمة الدستورية بذلك رفض الطعون لعدم التأسيس.
فرصة لإعادة النّظر
وتبقى الطعون المقدمة للسلطة المستقلة للانتخابات جديرة أيضا بالاهتمام، فقد تكون أرضية لإعادة النظر في بعض المواد القانونية المتعلقة بالترشح والانتخابات عامة، كأن يعاقب المترشح ــ المتهم ــ على استمارات تكررت مع مرشحين آخرين (مواطن وقّع لمرشحين ويبقى الامر متعلقا بغياب الثقافة الانتخابية، ومنها ما جاء في النص القانوني الخاص بالانتخابات).
من جهته، نبّه أستاذ القانون بجامعة الجزائر 1 الدكتور موسى بودهان، إلى أن قرارات القضاء تؤكد العزم على مكافحة الفساد السياسي سيما الانتخابي، ضد مرتكبي الجرائم الانتخابية، الذين جمعوا التوقيعات بشراء الذمم وتقديم رشاوى، للناخبين أو المنتخبين الذين وقّعوا استمارات الاكتتاب وباعوا أصواتهم بمبالغ تراوحت بين 20 و30 ألف دينار.
واعتبر أن سلوك هؤلاء يدخل في نطاق الرشوة والفساد اللذين يعاقب عليهما القانون، خاصة وأنه سلوك صدر من راغب في الترشح لمنصب رئيس الجمهورية، وكان لابد من وضع حد له، من خلال تطبيق ما جاء في الدستور الجديد والقوانين التي سنت من أجل أخلقة الحياة السياسية، والتي أنشئت من أجلها آليات مخولة بمكافحة ظاهرة الفساد، منها السلطة المستقلة للانتخابات التي تضم لجنة لمراقبة تمويل الحملة الانتخابية، والسلطة العليا للوقاية من الفساد ومكافحته، ومجلس المحاسبة، والديوان المركزي لقمع الفساد وغيرها.
تسليط أقصى العقوبات يردع المخالفين
وقال الدكتور بودهان، بضرورة تشديد تطبيق القانون لأنه رغم كل ذلك ما زال هناك من يتعدى على القانون، موضحا أن هكذا تصرفات تشوه العملية الانتخابية وتتسبب في إخراجها من أطرها وهي الشفافية والمصداقية، وتضرب ثقة المواطن في العملية الانتخابية.
وعليه فإن تطبيق القانون على المخالفين ـ وفق توضيحاته ـ من شأنه أن يعيد الأمور إلى نصابها، ويكون رادعا في المواعيد الانتخابية القادمة إذا ما تمّت فعلا معاقبة المتورطين بما تنص عليه مواد القانون العضوي المتعلق بالانتخابات، بما أن الأمر يتعلق بالفساد الانتخابي، وهذا من شأنه أن يعيد هيبة الدولة، وثقة المواطن في العملية الانتخابية، بعد أن تسببت الممارسات السابقة في ضربها.
وأوضح أنه في تطبيق العقاب ردع عام وخاص حتى يتعظ الغير من العقوبات التي تسلط على أي جرم مرتكب، سيما شراء الذمم والتوقيعات، وقال إنه بالنسبة للناخبين فإن للقاضي السلطة التقديرية في تطبيق القانون والأخذ بالأسباب المخففة، كأن يكون الشخص مسنا، أو غير عارف بتفاصيل القانون، وهناك نوعان من الردع العام والخاص، أما الخاص فهو متعلق بمرتكب الجريمة، وعليه فلا بد من تطبيق أقصى العقوبات بالنسبة للمترشحين أو من ناب عنهم في جمع التوقيعات والتورط في الفساد السياسي.