من المعروف أن فيروس جذري القرود ينتقل من الحيوانات إلى البشر، ويعدّ من الفيروسات المعروفة منذ الستينيات في مناطق وسط وغرب أفريقيا. ورغم ندرته، إلا أن تفشيه المفاجئ في مناطق جديدة أثار قلقاً عالمياً، خاصة مع ارتباطه بانتقال العدوى بين البشر في حالات نادرة.
تم التعرّف على فيروس جدري القرود لأوّل مرّة عام 1958 في مستعمرات للقرود كانت تستخدم في الأبحاث العلمية، ومن هنا جاء اسم “جدري القرود”. ومع ذلك، فإن الحيوانات المستضيفة الرئيسية للفيروس هي القوارض مثل الجرذان والسناجب، بينما تعد القرود مستضيفًا عرضيًا. وقد سُجلت أوّل حالة إصابة بشرية بهذا الفيروس في جمهورية الكونغو الديمقراطية عام 1970.
كيف تكون طرق الانتقال والعدوى؟
ينتقل الفيروس إلى البشر من خلال الاتصال المباشر مع الدماء أو السوائل الجسدية أو الجلد المصاب للحيوانات المصابة. قد يحدث الانتقال أيضًا عند تناول لحم الحيوانات البرية المصابة أو من خلال لدغات الحيوانات أو الخدوش. أما بين البشر، فقد يحدث الانتقال عبر قطرات الجهاز التنفسي أو من خلال ملامسة الجلد المتقرّح أو السوائل الجسدية لشخص مصاب. ومع ذلك، فإن الانتقال من إنسان لآخر يعد نادراً مقارنة بطرق الانتقال الأخرى.
فيم تتمثل الأعراض وكيف يكون التشخيص؟
تشمل الأعراض الأولية لجدري القرود الحمى والصداع وآلام العضلات والظهر، والإرهاق. بعد عدة أيام، يبدأ ظهور الطفح الجلدي، الذي يتطور من بقع حمراء إلى بثور مليئة بالسوائل، والتي قد تتقشّر وتسقط في النهاية. وتظهر الأعراض عادةً بعد فترة حضانة تتراوح بين 5 و21 يوماً، وتستمر الأعراض لمدّة تتراوح بين أسبوعين إلى أربعة أسابيع. يمكن تشخيص المرض من خلال الاختبارات المخبرية للكشف عن وجود الفيروس في العيّنات المأخوذة من الجلد أو الدم.
مـا العلاج؟
لا يوجد علاج محدّد لجدري القرود، إذ يعتمد العلاج على تخفيف الأعراض وتقديم الرعاية الداعمة للمصابين. هناك بعض الأدلة على أن لقاح الجدري التقليدي يمكن أن يوفّر حماية متقاطعة ضد جدري القرود، لكن استخدامه أصبح محدوداً بعد القضاء على الجدري في الثمانينيات. كما تم تطوير لقاحات جديدة مثل لقاح “جينيوس” الذي تم ترخيصه للاستخدام ضد كل من الجدري وجدري القرود، والذي أظهر فعّالية جيّدة في الوقاية.
كيفية الوقايـة؟
ومن بين أحد التحدّيات الكبيرة في مواجهة جدري القرود هو قلّة المعرفة حوله، خاصّة في الدول التي لم يكن المرض منتشراً فيها سابقاً. كما أن صعوبة اكتشاف الحالات في المراحل المبكّرة تعقّد السيطرة على تفشي المرض. وللوقاية، تُوصي السلطات الصحّية بتجنب ملامسة الحيوانات البرّية وعدم تناول لحومها، إضافة إلى استخدام وسائل الوقاية الشخصية عند التعامل مع المرضى المحتملين.
متى كانت عودة الفيروس؟
في ماي 2022، تم الإبلاغ عن حالات متعدّدة من جدري القرود في دول خارج إفريقيا، مما أثار قلقاً واسعاً. تفشي المرض في مناطق مثل أوروبا وأمريكا الشمالية دفع الحكومات والمنظمات الصحّية إلى اتخاذ إجراءات سريعة لمحاولة احتواء انتشاره، مثل عزل المصابين وتتبّع المخالطين.
يمثل جدري القرود مرضا نادرا لكنه خطير، يستدعي اليقظة والتوعية الصحية المستمرة. التطورات الأخيرة في انتشاره تسلط الضوء على أهمية تعزيز الجهود الدولية لمراقبة الأمراض الفيروسية النادرة وتطوير استراتيجيات فعّالة للوقاية منها والسيطرة عليها.
ما هي أعراض جدري القرود؟
ينتشر الجدري، أو جدري القرود، من خلال الاتصال المقرب مع الأشخاص المصابين. وتشمل الأعراض الحمى والصداع والتوّرم وآلام الظهر والعضلات.
بمجرد أن تهدأ الحمى، قد يتطور الطفح الجلدي، وغالبًا ما يبدأ على الوجه ثم ينتشر إلى أجزاء أخرى من الجسم، والأكثر شيوعًا راحتّي اليدين وأخمص القدمين. يتطوّر الطفح الجلدي، الذي يمكن أن يسبب حكّة شديدة أو مؤلمة، عبر مراحل مختلفة قبل أن يشكل قشرة تسقط لاحقًا. يمكن أن تسبب الإصابة ندبات، عادة ما تختفي العدوى من تلقاء نفسها وتستمر ما بين 14 إلى 21 يومًا.
في الحالات الشديدة، يمكن أن تنتشر الإصابة في جميع أنحاء الجسم، وخاصة الفم والعينين والأعضاء التناسلية.
تنصح منظمة الصحة العالمية الأشخاص الذين أصيبوا بفيروس Mpox بالعزل الذاتي في المنزل طوال فترة العدوى، حتى تسقط القشور. للعلم أن تغطية الاصابة وارتداء قناع طبي يمكن أن يساعد أيضًا في منع انتشار المرض.
هل يتحوّل جدري القرود إلى وباء عالمي؟
أولاً، جدري القرود أقل عدوى مقارنة بفيروسات أخرى مثل فيروس كورونا المستجد (COVID-19). حيث يتطلب انتقاله عادةً اتصالاً مباشراً مع الشخص المصاب أو مع المواد الملوثة بالفيروس، مثل سوائل الجسم أو القروح الجلدية. كما أن الانتقال عبر قطرات الجهاز التنفسي محدود نسبياً، مما يقلّل من احتمالية انتشاره على نطاق واسع مثلما يحدث مع الفيروسات التي تنتقل عبر الهواء.
ثانيًا، الأعراض المميزة لجدري القرود، مثل الطفح الجلدي والبثور، تسهل التعرف على الحالات وعزلها بسرعة، مما يقلل من فرصة انتقال الفيروس إلى الآخرين. بالإضافة إلى ذلك، فإن فترة حضانة المرض (الفترة بين الإصابة وظهور الأعراض) قد تصل إلى 21 يومًا، مما يمنح الجهات الصحية وقتًا لتتبع المخالطين واتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة.
ثالثاً، هناك لقاحات متاحة مثل لقاح الجدري، والذي أظهر فعّالية في الوقاية من جدري القرود. تم بالفعل ترخيص بعض اللّقاحات الحديثة مثل لقاح “جينيوس” للاستخدام ضد جدري القرود، مما يوفّر أداة فعّالة للسيطرة على تفشي المرض في حال ظهوره.
ورغم ذلك، لا يمكن تجاهل التحدّيات التي قد تواجه السيطرة على تفشي جدري القرود. فانتشاره في مناطق غير مألوفة بها يعني وجود فجوات في الوعي الطبّي والعام حول كيفية التعامل مع المرض. كما أن السفر والتنقلات العالمية تزيد من احتمال انتقال الفيروس إلى مناطق جديدة.بناءً على هذه العوامل، يمكن القول إن خطر تحوّل جدري القرود إلى وباء عالمي لا يزال محدوداً، لكنه يستدعي اليقظة والتعاون الدولي لضمان عدم تفاقمه. السيطرة على الانتشار تعتمد على التوعية الصّحية، الرصد المبكر، والإجراءات الوقائية المناسبة، بما في ذلك العزل والتطعيم عند الضرورة.