وري الثرى، جثمان الفنان والمجاهد، عضو الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني، عبد الرحمان بسطانجي، المعروف باسم طه العامري، اليوم الأربعاء بمقبرة سيدي امحمد بالجزائر العاصمة.
الراحل وافته المنية، أمس الثلاثاء، عن عمر ناهز 97 عاما، بحضور شخصيات سياسية وعدد من المثقفين والمجاهدين وإطارات وزارة الثقافة والفنون وكذا عائلة ومحبي الفقيد.
وحضر تشييع جثمان الفقيد وزير المجاهدين وذوي الحقوق، العيد ربيقة، الذي ألقى كلمة تأبينية أشاد فيها بخصال ومناقب طه العامري “المجاهد والمسرحي الكبير والعضو بالفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني التي أبلت البلاء المحمود عهد الكفاح من أجل تحرير الوطن واسترجاع سيادتنا الوطنية”.
وذكر الوزير بأن الفقيد قد “نشأ في كنف نضال رواد الحركة الوطنية، بما تحمله تلك الفترة من زخم سياسي وإصلاح ثقافي، فأدرك مبكرا بحسه الوطني حقيقة الاستعمار وهو شاب يافع مما أهله لأن يلتحق بصفوف الثورة التحريرية المباركة، ويكون بذلك من جيل نوفمبر الأغر”.
وأشار إلى أن “قناعته كانت راسخة بأن الفن رسالته عظيمة تقترن دوما بالنضج الفكري والوعي المدني والتضحية بباعث من البر بالوطن والدفاع عنه والتضحية من أجله، فقد كان من أولئك الأفذاذ الرواد الذين وفقتهم عبقريتهم النادرة إلى توظيف الفن لمحاكمة الظلم وإيقاظ الضمائر وتبليغ صوت الشعب الجزائري في مختلف المحافل الثقافية الدولية”.
وأكد السيد ربيقة أن الفقيد “كان ممن تركوا بصمات خالدة في وجدان الأجيال، وحملوا رسالة الوطن بكل حب وشغف وإخلاص”، مضيفا في سياق كلامه بأنه “حق لشباب اليوم أن يستلهم من قيم هؤلاء الرموز المضيئة الذين اختزلوا في إبداعاتهم معاني التضحية والإيثار والارتقاء بالهمم إلى الإقدام على خوض الفعل الثوري النوفمبري الذي حقق للجزائر حريتها واستقلالها ومجدها”.
وختم الوزير كلمته التأبينية بالقول إن “رحيل طه العامري، الذي عاش للوطن، وأخلص للفن بعد حياة حافلة مكتملة من كافة الأوجه، خلف في وجداننا ذلك الألم الساكن المسبوغ بالعرفان بتضحياته وإنجازاته وإرثه الراسخ كرائد من الرواد المبدعين”.
وحضر أيضا تشييع جثمان الفقيد، الذي وصل مسجى بالعلم الوطني، المفتش العام بوزارة الثقافة والفنون، ميسوم لعروسي، ممثلا لوزيرة الثقافة والفنون، صورية مولوجي، والذي نقل تعازي الوزيرة لعائلة الفقيد والعائلة الفنية، معتبرا أن “المجاهد طه العامري كان مدرسة وقدوة للشباب، حيث إنه في سن الثمانين كان لا يزال يقدم أعمالا مسرحية على الخشبة ..”, مشيدا بـ “نضاله الثوري” و”حبه الكبير للجزائر”.
وقال، من جهته، الفنان عبد النور شلوش، أن الفقيد “قامة من قامات المسرح والمسرح الإذاعي”، مضيفا أنه” عندما انتسب إلى الإذاعة وهو في العشرين من عمره كان الراحل رئيسا لقسم الدراما الإذاعية “، وأنه قد “تشرف أيضا بالعمل معه في فيلم “الطاحونة” عام 1983 ..”.
وأكد الفنان حميد مصباح أن الراحل “مثل أعلى لكل الفنانين الجزائريين، فهو مدرسة فنية في التمثيل الإذاعي والمسرحي والسينمائي والتلفزيوني ومدرسة نضالية في توظيف الثقافة في الدفاع عن الجزائر التي سكنت وجدانه منذ صغره”.
وتعلم الراحل، وهو من مواليد 1927 بحي القصبة بالعاصمة، الفن الدرامي على يد أب المسرح الجزائري محي الدين بشطارزي, قبل أن يبدأ مشواره عام 1947 حيث شارك في العديد من الأعمال المسرحية على غرار “عطيل” و”صلاح الدين الأيوبي”.
وكان الفقيد عضوا بحزب الشعب الجزائري، وبعد اندلاع الثورة التحريرية وبفعل نشاطه النضالي نجا عام 1956 من متابعات السلطات الاستعمارية ليلتحق بعدها بالعاصمة التونسية، وينضم إلى الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني التي كان من مؤسسيها عام 1958، وقد تميز خصوصا بمشاركته في المسرحيات التي ألفها المرحوم عبد الحليم رايس “أولاد القصبة” و”دم الأحرار” و”الخالدون”.
وبعد الاستقلال شارك في العديد من المسرحيات، كما ترك بصمات بارزة في الفن السابع من خلال أدواره في أفلام شهيرة من قبيل “الليل يخاف من الشمس” (1965) و”وقائع سنين الجمر” (1975) و”صراخ الحجر” (1987), وكذا مسلسلات على غرار “الوصية” و”القلادة”، كما تقلد عدة مناصب من بينها مدير للمسرح الوطني الجزائري (1972- 1975).
وتم تكريم العامري في مناسبات عديدة عرفانا بجهوده في عالم الفن والنضال، وباعتباره أيضا ذاكرة فنية ونضالية حية شاهدة على عراقة وثراء الفن الجزائري.