يتداول مستخدمون بـ “فايسبوك”، هذه الأيام، على نطاق واسع، ما يزعمون أنه حادثة معاقبة أستاذة لتلميذ نسي إحضار أدوات مدرسية، بالكتابة على وجهه عبارة “كراس 96 صفحة”..
صورة مرفوقة بنص، مثلما موضح في أمثلة أدناه لهذا الادعاء، حُظيت بتفاعل واسع من قبل حسابات شخصية، صفحات، وتعليقات مصحوبة بعبارات تعاطف مع “التلميذ” واستهجان الفعل، تطالب بمعاقبة “الأستاذة”..
من خلال متابعة التفاعل مع هذه “الحادثة”، بمنصة “فايسبوك”، والبحث باستعمال كلمات مفتاحية، والبحث المتقدم على “غوغل”، وجدنا أن الحادثة تداولت أيضا في وسائل إعلام محلية ودولية، منها موقع قناة العربية وصفحتها في “فايسبوك”.
الواضح في هذا الادعاء، الذي يحمل نصا مرفوقا بتلك الصورة، غياب تفاصيل وجزئيات، تجيب عن أسئلة مثل من؟ متى؟ وأين؟. وتقريبا جل الحسابات والصفحات التي رصدناها شاركت المنشور “نسخا ولصقا”، مع اضافة تعليقات تدعو الى معاقبة الأستاذة.
في تفحصنا لصفحة بـ “فايسبوك”، حظيب بتفاعل واسع مع المنشور، تدعي أن مصدر الحادثة من رسائل المتابعين، وجدنا أن الصفحة لها سوابق في نشر محتوى غير دقيق، مضلل وأحيانا كاذب.
إلى غاية كتابة هذه الأسطر، لا يوجد ما يشير إلى صحة حادثة يغيب فيها السياق الزماني والمكاني وتفاصيل أخرى، كما أن الصورة تظهر بها تشوهات.
“محاكمة افتراضية”
الحادثة المزعومة التي أمامنا، مثلما هي منشورة بمنصة “فايسبوك”، لا يوجد فيها ما يُرجح استهلاك صحة حدوثها، رغم ذلك حظيت بتفاعل واسع تعاطفا مع “الضحية”، وأيضا التعبير عن استهجان “الفعل” والمطالبة بمعاقبة “الفاعلة” في حادثة غير موجودة.
يرى الناشط التربوي، الدكتور بلال بن زهرير، في حديث لـ”الشعب أونلاين”، أن “الادعاء لا أساس له من الصحة، هدفه نشر بلبة وتحريض وتشويه صورة المعلم وضرب رسالته.”
ويدعو المتحدث فاعلين ومهتمين ومنتسبين إلى قطاع التربية التريث في التفاعل مع مثل هذه المنشورات وعدم الانسياق وراء نشر معلومات خاطئة يراد منها أهداف دنيئة.”
التعاطي مع منشورات مثيرة للجدل تأخذ بالتوسع بمنصات التواصل الاجتماعي مثل “كرة ثلج”، يستدعي تبني سلوكا نقديا يتيح للمستخدمين قدرات تقييم الرسالة، تحليلها والحكم عليها، مثل:
– التدقيق جيدا في النص والصورة وسياق توظيفهما، وما قد تحمله هذه عناصر من مؤشرات مضللة.
– طرح تساؤلات تخص الجهة التي تنشر “الرسالة”، هل هي وسيلة إعلامية، صحفي، مصدر محلي موثوق، جهة تنتمي إلى القطاع المعني، طرف رسمي.. الخ؟
– التحقق من المصدر: تفحص محتويات سابقة للحساب أو الصفحة الذي ينشر الرواية، والتأكد من “سوابق” ما تنشره ومصداقيتها، ويحضر في هذه الحادثة المزعومة مثلا سبق ذكره.
ويعد السلوك السليم في التعاطي مع محتوى منصات التواصل الاجتماعي، أحد أنجع سبل دحض الرويات المضللة وكبح توسع رقعة تأثيرها، في فضاء لا توجد به حدود في الزمان والمكان.
هي “محاكمة” افتراضية انخرطت فيها صفحات وحسابات، في “قضية” لا تستند لأي مصدر، ولم تؤكدها أي جهة، صورة لتلميذ مرفقة بنص.. تثير عواطف كثير من المستخدمين.
تربية رقمية..
ما وقفنا عليه في رصد نماذج كثيرة تخص نشر اخبار كاذبة أو غير دقيقة، يفيد انه في الغالب ينجر المتفاعلون وراء عواطفهم دون التفكير في صحة المحتوى، وقد يبدو للبعض أن انتشار ادعاءات مسألة عادية ولا تحمل أي ضرر..
غير أن المسألة، في أبعاد أخرى، ليست كذلك اطلاقا، الأمر يتعلق بنشر “فتنة” وإثارة نقاش يحمل خطابا في اتجاه معين، وهذا الجانب بالتحديد من بين مخاطر مشاركة محتوى دون التحقق منه، بحسب ما يذهب إليه الدكتور خالد لرارة، باحث أكاديمي، مهتم بالتربية الإعلامية والمعلوماتية.
يبرز خالد لرارة، في تصريح لـ”الشعب أونلاين”، أهمية العناية بإرساء تربية رقمية لمجابهة “فيروس” الأخبار الكاذبة والمضللة، التي تنتشر كالنار في الهشيم، إزاء ما تفرزه منصات التواصل الاجتماعي من اضطراب معلومات ومخاطر مصاحبة.
ويوضح المتحدث أن الناس بطبيعتهم يميلون إلى تصديق ما يتطابق مع عواطفهم، معتقداتهم، وما يتبنوه من أفكار، قضايا ومسائل مجتمعية، لذلك قد يسهل “تجييش” المستخدمين بمحتوى مضلل لا يحتاج إلى اتقان مهارات وأدوات معقدة لكشفه.
ويقول ايضا: ” بات من الضروري تظافر جهود تمكين التربية الإعلامية والمعلوماتية لدى الشباب والأطفال. وتلقينهم الأساليب اللازمة للتعامل مع المحتوى الكاذب أو المضلل.”
تمكين الأفراد من تقييم محتوى منصات التواصل الاجتماعي والتعاطي معها بفكر ناقد، يمثل جدار صد، في نظر المتحدث، ازاء ما ينشر من معلومات خاطئة، مضللة وضارة.. هذا الأمر بات حتمية في البيئة الرقمية وليس رفاهية.”
وبرأي لرارة: ” لابد من ادراج التربية الإعلامية والمعلوماتية، في مناهج التدريس بالمؤسسات التربوية والجامعية لكبح موجة الأخبار المضللة التي تهدف في الغالب إلى إثارة الفتن وزعزعة الأمن المجتمعي وانتهاك الخصوصية الشخصية للأفراد والمؤسسات.”
إضاءات..
ومعلوم أن التربية الإعلامية والمعلوماتية (Media and Information Literacy – MIL)، مفهوم طوّرته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، لمساعدة الأفراد على فهم الإعلام والمعلومات وتطوير القدرة على التفكير النقدي في التعامل مع مختلف وسائل الإعلام والمصادر المعلوماتية.
ويشمل المفهوم، بحسب اليونسكو، القدرة على الوصول إلى المعلومات، تحليلها، تقييمها، واستخدامها بشكل أخلاقي ومسؤول، ويعرف على أنه مزيج من الكفاءات والمهارات تمكن الأفراد:
• الوصول إلى المعلومات
• القدرة على تحديد الحاجة إلى المعلومات والوصول إليها من مصادر متعددة.
• تحليل المعلومات: تقييم صحة المعلومات وتحديد مصداقيتها من خلال التفكير النقدي.
• فهم الرسائل الإعلامية في السياقات الثقافية والسياسية والاجتماعية.
• استخدام المعلومات بشكل أخلاقي.
ومن أهدافها:
• تعزيز التفكير النقدي
• مساعدة الأفراد في التعرف على الأخبار المضللة والتمييز بينها وبين الحقائق.
• تشجيع الأفراد على استخدام المعلومات في عملية التعلم المستمر والتفاعل مع العالم الرقمي.
ومن الشائع تداول استعمال مصطلحات ومعلومات خاطئة، معلومات مضللة، معلومات ضارة، غير أنها مصطلحات مختلفة في سياق اضطراب المعلومات.
وتُشير المعلومات الخاطئة، وفق دراسات، إلى مشاركة محتوى مزيف أو مضلل بدون التحقق من صحته أو يعتقد أنها معلومات حقيقية.
بينما المعلومات الضارة هي معلومات صحيحة يستهدف مروجوها إحداث ضرر، أما الصنف الثالث من المعلومات المضللة فهي معلومات خاطئة تنشر بنية إحداث الضرر.