استطاع الصحراويون من خلال طرق باب العدالة الأوروبية أن يحقّقوا نصرا قضائيا كبيرا يحفظ مواردهم التي ظل الاحتلال وزبانيته من لصوص الثروات ينهبونها لسنوات طويلة. ورغم أن المعركة القضائية لم تكن سهلة، فإن العمل والإصرار مكّنهم من كسبها ومن لفت انتباه العالم إلى قضيتهم التي تأخّر حلّها نصف قرن، فارتفعت الأصوات من كلّ جهة تستعجل تسويتها وفق قرارات ولوائح الأمم المتحدة.
ومثلما تمكّن الصحراويون من ربح معركة الثروات، عليهم أن يبادروا إلى خوض معركة جديدة من أجل وقف الانتهاكات التي تطالهم على يد الاحتلال المغربي، فما يتكبّده الصحراويون من معاناة في الأراضي المحتلة، شيء فظيع تنوء الجبال بحمله، والعالم الذي يتغنى صباح مساء بالدفاع عن حقوق الإنسان، لا يبالي ولا يعير اهتماما حتى للتقارير الحقوقية التي تصدرها بعض المؤسسات وتكشف بالأدلّة القاطعة الجرائم الوحشية التي يرتكبها الاحتلال المغربي.
على الصحراويين أن يستغلوا انتصارهم أمام «العدل الأوروبية» لخوض معركة حقوقية يطالبون من خلالها إما بتوسيع مهام البعثة المكلفة بتنظيم استفتاء تقرير مصير الشعب الصحراوي «المينورسو» لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في الإقليم المحتل، أو إيجاد حلّ آخر يضمن حمايتهم خاصة بعد أن تزايدت الاعتداءات والجرائم التي يتعرّضون لها من طرف الاحتلال الذي يسعى لإفراغ الأرض الصحراوية من أبنائها وتهجيرهم قسرا.
جرائم لا تستثني الأطفال
أعادت جريمة القتل الشنيعة التي راح ضحيتها الطفل الصحراوي القاصر أسامة مولود المحجوب على يد قوات الاحتلال المغربي، إلى الواجهة قضية الانتهاكات الحقوقية والجرائم التي يرتكبها الاحتلال المغربي بحق المدنيين الصحراويين والتي تضاعفت منذ استئناف الحرب قبل أربع سنوات، وهي في تفاقم مطرد مع كل انتصار يحققه الصحراويون على الصعيد الدبلوماسي أو القضائي كما يحصل اليوم بعد انتزاع الجمهورية الصحراوية حكما قضائيا ثمينا من محكمة العدل الأوروبية يحفظ ثرواتها من النهب، حيث جنّ جنون المخزن، وها هو يحوّل انتكاسته إلى انتقام مروّع من الصحراويين لا يستثني الأطفال والنساء.
وقد أدانت اللجنة الصحراوية لحقوق الإنسان جريمة قتل الطفل أسامة مولود البالغ من العمر 16 سنة، وحملت سلطات الاحتلال المغربية المسؤولية الكاملة عن هذه الجريمة النكراء في حق الطفل الصحراوي، وكل جرائم القتل المتعمد التي ترتكبها بحق المواطنين الصحراويين العزل، ودعت إلى ضرورة محاسبتها أمام القضاء والعدالة الدولية على جرائمها البشعة وفي مقدمتها جرائم القتل خارج نطاق القضاء، كما أدانت انتهاكاتها المتواصلة لقواعد القانون الدولي الإنساني والمواثيق والاتفاقيات الدولية ذات الصلة.
وجدّدت اللجنة الوطنية الصحراوية لحقوق الإنسان، استنكارها الشديد لهذا العمل العدواني الجديد الذي ارتكبته قوات الاحتلال في حق طفل أعزل في إطار التصفية الممنهجة للعنصر الصحراوي، وأشارت إلى أنها ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها الصحراويون للقتل الممنهج والاغتيالات الشنيعة، فقد شهدت السنوات الماضية، كثيرا من الحالات التي أدت إلى إزهاق أرواح بشرية في ظروف غامضة دون أن تحرك السلطات المغربية أي ساكن ولا القيام بأي تحريات أو متابعات قضائية حولها.
وفي السياق، ذكّرت وزارة الأرض المحتلة والجاليات، بجريمة اغتيال الطفل الصحراوي «الناجم الكارحي» رميا بالرصاص بتاريخ 24 أكتوبر 2010 قبل أسبوعين من الهجوم العسكري الذي شنّه الجيش المغربي على مخيم «اكديم ازيك» وارتكابه لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بالعدوان على الآلاف من المدنيين الصحراويين النازحين بهذا المخيم في الفترة الممتدة من تاريخ 10 أكتوبر إلى 08 نوفمبر 2010، كما باتت قوات عسكرية مغربية تحمل الأسلحة بالشريط الساحلي، وتهدد المدنيين الصحراويين بمختلف الشواطئ المحاذية للمحيط الأطلسي لمدن الصحراء الغربية المحتلة.
بدوره، أوضح المرصد الصحراوي للطفل والمرأة، أن «قوات القمع المغربية ترتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الطفل الصحراوي من خلال تعرضه لشتى أنواع التعذيب الجسدي واللفظي وللتوقيف التعسفي والاختفاء القسري والاعتقال المباشر، وكذا المعاملة السيئة، حيث لم تسلم منازل المناضلين وعائلات المعتقلين السياسيين الصحراويين بالسجون المغربية ولا المؤسسات التعليمية من حصار وقمع أمام أنظار الأطفال القصر، وهو ما يتنافى مع جميع المواثيق الدولية».
مع العلم أن المؤسسات التعليمية وكافة الأحياء التي يقطنها الصحراويون في الجزء المحتل من الأراضي الصحراوية تشهد حصارا بشكل يومي وخصوصا بعد استئناف الكفاح المسلح نتيجة لخرق المغرب لاتفاق وقف إطلاق النار وما سيترتب عن ذلك من تصعيد خطير يهدد السلامة الجسدية والنفسية للمدنيين الصحراويين وخاصة فئة الأطفال.
المرأة الصحراوية تعاني..
ومثل الأطفال، تعاني النساء الصحراويات من انتهاكات واعتداءات مريعة من طرف قوات الاحتلال المغربية، خاصة بالنسبة للناشطات اللواتي يناضلن من أجل إنهاء الاحتلال، حيث يتعرضن للضرب المبرح والسحل والممارسات الحاطة من الكرامة الإنسانية في الشارع العام، وإذا نظمن وقفات احتجاجية سلمية، فيواجهن بالقوة المفرطة والاعتداءات الجسدية واللفظية المشينة.
وكم من منظمة حقوقية أعلنت رفضها لما تتكبده النساء الصحراويات من معاناة خاصة بالنسبة للأسيرات والناشطات، وعرضت أرقاما مخيفة لحالات العنف والتعذيب المغربي ضد النساء الصحراويات.
كما عرضت حالات تمّ استخدام العنف المفضي للموت مثلما حدث مع جريمة اغتيال الشابة الصحراوية، صباح عثمان أحميدة، دهسا بسيارة رباعية الدفع تابعة للقوات المغربية والتي أثارت موجة غضب شديد وتنديد واسع النطاق في صفوف أبناء الشعب الصحراوي بكل أطيافهم.
الانتهاكات تتضاعف والعالم لا يبالي
هذا، وسجلت منظمة تجمع المدافعين الصحراويين عن حقوق الإنسان بالصحراء الغربية «كوديسا»، أن الاحتلال المغربي ضاعف من جرائم الإبادة وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بحق المدنيين الصحراويين، وذلك بالتزامن مع الانتصارات والمكاسب التي تحصدها القضية الصحراوية والدعم الكبير الذي باتت تحظى به، وهو الأمر الذي لم يعد الاحتلال المغربي يتحمّله، فلجأ للانتقام من الصحراويين ليس فقط بالقمع والعنف بل عبر الإمعان في تنفيذ مخطط التهجير القسري للصحراويين، وتفريغ الإقليم المحتل من سكانه الأصليين عبر تهديم بيوتهم وسرقة أراضيهم ومنحها للمستعمرين المغاربة.
وقد أكّد الرئيس الصحراوي، إبراهيم غالي، أن الاعتداء الوحشي للاحتلال المغربي على عشرات المنازل التي تقطنها العائلات الصحراوية بضواحي مدينة العيون المحتلة يعد تصعيدا خطيرا في سياسة الأرض المحروقة التي تنتهجها دولة الاحتلال المغربية ضد الصحراويين في الأراضي الصحراوية المحتلة.
وأفادت تقارير موثقة بالصور والشهادات الحية واردة من المناطق الصحراوية المحتلة، أن سلطات الاحتلال المغربية قامت عدّة مرات خلال هذه السنة بمهاجمة عشرات العائلات الصحراوية مثلما حصل بمنطقة لمريات جنوب شرق مدينة العيون المحتلة، حيث استخدمت الجرافات لتدمير منازلهم وتخريب ممتلكاتهم ومعاملتهم بوحشية وإجبارهم بالقوة على الخروج من المنطقة.
وقد بعث الرئيس الصحراوي، رسالة للأمين العام الأممي يبلّغه فيها بأن هذه الممارسات الاستعمارية «هي جزء من سياسة استعمارية استيطانية تهدف إلى إدامة الاحتلال والضم غير الشرعي للصحراء الغربية من خلال جعل الصحراويين لاجئين فوق أرضهم وتوطين المزيد من المستوطنين المغاربة وغيرهم في الإقليم في خرق سافر لاتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب للعام 1949 ومبادئ القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي ذات الصلة».
ودعا غالي من جديد «الأمين العام ومجلس الأمن بنحو استعجالي إلى اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لتحميل دولة الاحتلال المغربية مسؤولية انتهاكاتها الصارخة والمتواصلة للقانون الدولي الإنساني وإلى الإسراع في وضع الآليات الضرورية لحماية المدنيين الصحراويين في الصحراء الغربية المحتلة بكونها إقليما خاضعا لتصفية الاستعمار تحت رعاية الأمم المتحدة».
آلية لحماية المدنيين
في الواقع، لقد حمّلت مختلف المنظمات الحقوقية، المنظمة الدولية مسؤولية الوضع الحقوقي الكارثي في الصحراء الغربية، في ظل غياب آلية أممية لحماية المدنيين الصحراويين، وتغييب دور «المينورسو» وتقييد عملها بعدم إدراج مراقبة وضعية حقوق الإنسان ضمن مهامها.
واعتبرت هذه المنظمات، أن عدم توسيع مهام بعثة «مينورسو» لتشمل مراقبة حقوق الإنسان وعجز المجتمع الدولي على فرض تطبيق الشرعية الدولية بالصحراء الغربية وفشله في الضغط على قوة الاحتلال المغربي من أجل فرض احترام حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير»، من أهم العوامل التي ساهمت في تدهور الوضع الحقوقي في المدن الصحراوية المحتلة».
كما طالبت هذه المنظمات الأمم المتحدة بأن لا تكتفي في كلّ سنة بتمديد ولاية هذه البعثة، بل عليها أن تبادر إلى تكليفها بمسؤولية مراقبة الانتهاكات التي يرتكبها الاحتلال في حق الصحراويين، واتّخاذ الإجراءات الضرورية لوقفها في انتظار تنفيذ استفتاء تقرير المصير، وهو مهمّة «المينورسو» الأساسية التي تنتظر التطبيق منذ 32 عاما.
وفي انتظار إنشاء آلية لمراقبة حقوق الإنسان في الصحراء الغربية المحتلة، يجب الإسراع بكسر الحصار الذي يفرضه المغرب على الأراضي المحتلة، وفتح الأبواب أمام المراقبين الدوليين من منظمات دولية حقوقية وصحافة ووسائل إعلام أجنبية، كما يجب رفع العراقيل التي يضعها الاحتلال أمام وصول مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إلى المناطق المحتلة من الصحراء الغربية.
الملفت للانتباه، أن الأمين العام الأممي، أنطونيو غوتيريش، أشار في تقريره السنوي الأخير حول الصحراء الغربية، إلى القلق الذي يساوره إزاء استمرار عدم تمكن مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان من الوصول إلى الإقليم المحتل ودعا إلى احترام وحماية وتعزيز حقوق الإنسان لجميع السكان في الصحراء الغربية بما في ذلك معالجة قضايا حقوق الإنسان العالقة، وضمان الوصول إلى العدالة والمساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان وزيادة التعاون مع مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان وآليات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وتيسير بعثات الرصد التابعة لها.
لكن، إذا كان تقرير غوتيريش قد ضع الأصبع على الجرح، فالأمر غير كاف بتاتا، والمسؤولية تحتّم على الأمم المتحدة أن تجد حلاّ سريعا للانتهاكات التي تطال الصحراويين على أرضهم، كما عليها أن تتحرّك بحزم لتجسيد مخطط التسوية الاممي وتمكين الصحراويين من ممارسة حقهم في تقرير المصير والاستقلال دون تأخير.