تُراهن الجزائر على إنعاش السياحة الصحراوية، وجَعلِها كأحد أهمّ الموارد الدّاعمة للاقتصاد الوطني الذي تواجهه تحدّيات مرتبطة بتقلّبات الأسواق المالية الخارجية، وبروز توترات جيوسياسيّة واضطرابات أمنية بالإقليم والعالم، فرضت مسار التنويع للدخل القومي والبحث عن منافذ جديدة لاجتذاب العملة الصعبة وتعضيد مستويات النمو في البلاد.
سعت السلطات العمومية في الجزائر، خلال الأعوام الأخيرة، إلى طرح عديد المشاريع والبرامج الاستثمارية السياحية في الجنوب الكبير بهدف النهوض بالسياحة الصحراوية عبر ولايات الوطن المعنية على غرار غرداية وجانت وإليزي والوادي وتمنغاست وتيميمون وأدرار وبشار وتوقرت وبني عباس وورقلة والأغواط والبيض وبسكرة وتندوف وغيرها، بالإضافة إلى برمجة كثير من التظاهرات والفعاليات الترويجية الثقافية والفولكلورية وعروض الفانتازيا، وإقامة سباقات الهجن والمهرجانات التقليدية والفنية الشعبية التي تنظمها الدواوين التابعة لوزارة السياحة والجمعيات والمنظمات المتخصّصة في هذا الجانب، ساهمت كلّها في استقطاب واسع للجمهور والسياح بالموسم الفارط، بحسب متابعين.
انتعاش السياحة الصحراوية
وكمؤشر إيجابي على انتعاش السياحة الصحراوية وتعافي قطاع السياحة الوطنية بكل فروعه بشكل عام، سجّلت ولايات الجنوب بالموسم السياحي المنقضي «الخريف والشتاء والربيع»، توافد عشرات الآلاف من سياح الداخل والخارج الذين قصدوا العديد من المناطق والمعالم المسجلة ضمن المسارات السياحية الرسمية، وقد راقت لهم نظير ما تتمتع به من مكنونات فريدة مثل محميات الطاسيلي ناجر والهقار المصنفة من عجائب العالم، وقصور تيميمون التراثية الحمراء، وواحات سوف وريغ والساورة الغنّاء.
ولمُواصلة مسار تطوير السياحة الصحراوية في المناطق الجنوبية، وجعله أكثر تنافسية عالميا، تواصل السلطات في الجزائر، تدعيم هذا النمط من خلال انجاز مشاريع سياحية استثمارية متماشية مع الخصوصيات الصحراوية والحضارية لكل منطقة وإقليم، وكذا فتح خطوط جوية وبرية جديدة نحو الجنوب، مع إقرار تأشيرة التسوية التي فتحت المجال لآلاف السياح الأجانب لدخول البلاد عبر مطارات ومعابر ولايات الجنوب عن طريق وكالات السياحة والأسفار الوطنية المعتمدة، وذلك بدلا عن ترتيبات التأشيرة السياحية العادية.
أساليب سياحية مُبتكرة
أوضح الإستشاري رئيس الجمعية الوطنية للاتصال السياحي، زهير مقداد، أن السياحة الصحراوية في الجزائر تُمثِّل واحدة من أكثر القطاعات الواعدة، المُنتظر مساهمتها بشكل أكبر في الاقتصاد المحلي وتوفير فرص عمل جديدة.
وأكد مقداد في تصريح لـ»الشعب»، أن تزايد الاهتمام العالمي بالسياحة البيئية والتجارب الثقافية، سيُحوِّل الجزائر إلى وجهة رئيسية للسياح من مختلف أنحاء العالم، ويمكن أن تكون صحراؤها الشاسعة كنزا سياحيا يحظى بالاهتمام الدولي، شريطة الاستثمار أكثر في البنية التحتية، وتسويق السياحة الصحراوية على المستوى العالمي، وتبنّي أساليب سياحية مبتكرة ومستدامة.
وتابع المستشار قائلاً: «تعتبر الجزائر واحدة من أكبر الدول الإفريقية من حيث المساحة، وتغطي الصحراء فيها حوالي 80 % من أراضيها، وهي صحراء شاسعة ليست مجرد أرض جرداء، وإنما عالم بيئي متنوّع يجمع بين جمال الطبيعة الأخّاذ وتاريخ الحضارات القديمة جدا، إلى جانب رسوخ ثقافة الطوارق العريقة. ورغم أن السياحة الصحراوية في الجزائر ما زالت بحاجة إلى مزيد من التطوير، إلا أن الإمكانات المستقبلية لهذا القطاع تَعِد بمستقبل مشرق للاقتصاد الوطني، شرط تحقيق استثمارات ذكية وتواصل الدعم من الجهات المعنية».
مناظر طبيعية خلاّبة
ومن أهمّ مكونات السياحة الصحراوية، مثلما أبرز مقداد، توجد المناظر الطبيعية الخلابة، والتضاريس المتنوّعة التي تشمل الكثبان الرملية مثل العرق الشرقي الكبير، والهضاب، والجبال الصخرية والواحات الخضراء مثل ما هو متوافر في جانت وتمنراست، وكل هذه المناطق تقدم للسائح المحلي والأجنبي تجارب استثنائية، سواء من خلال رحلات السفاري أو المشي لمسافات طويلة أو التخييم.
كما يُتاح للسياح في الصحراء الجزائرية – يقول محدثنا – فرصة استكشاف حياة السكان المحليين، خاصة مجتمع الطوارق الذي يتميز بعادات وتقاليد متجذّرة، في حين يقدم البدو أنشطة تفاعلية بديعة مثل ركوب الجمال، وتجارب الطهي الصحراوي التقليدي، والحرف اليدوية التي تعكس تاريخ المنطقة الضارب في أطناب التاريخ.
وأضاف مستطردا: «الصحراء الجزائرية تزخر بمعالم تاريخية تعود إلى آلاف السنين، من أهمها الرسومات الصخرية في الطاسيلي ناجر التي تعتبر واحدة من أبرز الشواهد الأثرية العالمية، وتروي قصة الحضارات القديمة التي عبرت الصحراء. ورغم ثراء الصحراء الجزائرية بالموارد السياحية الطبيعية والثقافية، إلا أن تطوير القطاع السياحي في تلك المناطق يواجه بعض التحديات، لكن تظل الآفاق المستقبلية مشرقة إذا ما تم تبنّي استراتيجيات مناسبة لتطويره».
التسويق الرقمي والافتراضي
اعتبر زهير مقداد الترويج للسياحة الصحراوية الجزائرية على المستوى العالمي، أمراً ضرورياً، بهدف تعريف السياح والمهتمين بجمال صحراء بلد الشهداء عن بعد، وتستطيع الجزائر من خلال ذلك استخدام تقنيات حديثة في المجال مثل الواقع الافتراضي لتمكين السائح من القيام بجولات افتراضية في الصحراء قبل زيارتها فعلياً، بالإضافة إلى أن تطوير تطبيقات سياحية توفر معلومات مفصلة حول الأنشطة، والمواقع السياحية، وأسعار الجولات، قد يُسهِّل التّواصل بين السياح والوكالات المحلية.
وفي جانب آخر، يشكل تحسين البنية التحتية أحد العوامل الأساسية لزيادة جاذبية السياحة الصحراوية؛ ذلك أن تحسين الطرق التي تربط المدن الكبرى بالمناطق الصحراوية، وتطوير المطارات في المدن القريبة مثل تمنراست يمكن أن يسهل وصول السياح إلى المواقع النائية، كما أن إنشاء مرافق إيواء ملائمة على مستويات مختلفة، من الفنادق الفاخرة إلى المخيمات التقليدية التراثية، سيُعزِّز من جاذبية المنطقة، بحسب ما ذكره المستشار السياحي.
مشاركة المجتمعات المحلّية
لمواصلة جهود تطوير السياحة الصحراوية، اقترح مقداد دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي يمكن أن يُديرها السكان المحليون، مثل إنشاء نزل تقليدية أو تقديم جولات خاصة بالثقافة والتراث المحلي، فضلا عن توفير قروض ميسرة وتسهيلات ضريبية من شأنها تشجيع الساكنة على الاستثمار في القطاع السياحي، مما سيخلق فرص عمل جديدة، ويزيد من مشاركة المجتمعات المحلية في عملية التنمية.
وأشار المتحدث ذاته إلى أهمية الابتكار في الأنشطة السياحة الصحراوية، وتنويع الأنشطة التي يمكن تقديمها في الصحراء الجزائرية، مثل سياحة المغامرات التي تشمل تسلق الجبال الصحراوية، والتزلج على الرمال، إلى جانب تنظيم سباقات السيارات في الكثبان الرملية؛ كونها أنشطة تستهوي هوّاة وعشاق المغامرة، وتمنح الصحراء الجزائرية تفردًا في السّوق السياحية العالمية.
أما على صعيد التعاون الإقليمي، يمكن تعزيز السياحة الصحراوية في الجزائر من خلال التعاون مع الدول المجاورة مثل ليبيا وتونس، وإنشاء مسارات سياحية مشتركة عبر الصحراء الكبرى، لأن هذا التعاون يزيد من جاذبية المنطقة ككل، ويُشجِّع على تطوير بنيتها التحتية، ويسمح بتبادل الخبرات بين البلدان، يضيف زهير مقداد.
مورد اقتصادي بامتياز
اعتبر رئيس جمعية صدى الجزائر لتشجيع السياحة وتطويرها، طلحي عبد العزيز، السياحة الصحراوية الجزائرية شريانا للقطاع السياحي الوطني عموماً، وموردا مهما للعملة الصعبة إذا ما تواصل التّكفّل بترقيته.
وقال طلحي في تصريح لـ»الشعب»، أن هذا النّمط السياحي الجزائري يأتي كقوة سياحية معروفة في كل العالم لما يمتلكه من مؤهلات طبيعية وبيئية كبيرة، بداية من المساحة الضخمة التي تشغلها الصحراء الجزائرية، أو الجمال الربّاني الذي حباها الله سبحانه وتعالى به، وكذا الإرث الحضاري الهام الذي يُميِّزها، ولعلّ آثار إنسان ما قبل التاريخ في حظيرة طاسيلي ناجر خير مثال على البعد العالمي الذي تنفرد به الصحراء الجزائرية.
وأضاف المتحدث ذاته، أن المؤهّلات الطبيعية والحضارية للصحراء الجزائرية لم يتمّ استغلالها بالطريقة الأنسب إلا في السنوات القليلة الماضية، حيث تمّ اعتماد تأشيرة التسوية التي تسمح للأجانب بالولوج إلى الصحراء بطريقة أسهل من ذي قبل، ما سمح بارتفاع عدد السياح الأجانب الوافدين، وكذا اعتماد خطوط جوية مباشرة من بعض العواصم الأوروبية نحو ولايتي تيميمون وجانت انطلاقا من العاصمة الإسبانية مدريد والعاصمة الفرنسية باريس، واللذان يعتبران من القرارات المجسّدة الصائبة جداً.
بُعد إقليمي وعالمي
ولعلّ أهمّ ما يميّز السياحة الصحراوية في الجزائر – وفقاً لطلحي – هو بعدها الإقليمي والعالمي، حيث صارت محطّ اهتمام السياح وهواة المغامرات العالميين، نظرا للترويج الواسع الذي حظيت به في الأعوام القليلة الماضية، كما يبقى تواصل تحفيز الاستثمار العملية الأنسب لوضع لبنة استثمارية حقيقية من بنى تحتية خدماتية تتناسب مع البيئة المحلية الصحراوية، ونمط عيش العائلات في الجنوب الكبير، وكذا تحافظ على العادات والتقاليد النابعة من صلب الهوية والموروث الثقافي والحضاري الجزائري.
وبحسب محدثنا، يعدّ الترويج للاستثمار السياحي في الأماكن الجذّابة الصحراوية، عنصرا هاما جدا، طالما نادت به جمعية صدى الجزائر لتشجيع السياحة وتطويرها، من أجل جذب استثمارات سواءً محلية أو أجنبية، كما له دور في التعريف بالموروث الحضاري والثقافي والسياحي الجزائري عموماً.
وعلى هذا الأساس، اقترح عبد العزيز طلحي، عقد شراكات مع دول شقيقة وصديقة لها باع في السياحة الصحراوية كدولة قطر على سبيل المثال لا الحصر، بغية تنشيط الاستثمار السياحي الذي صار يستثني المستثمر الأجنبي من قاعدة 49\51 في قانونه الجديد، مع تمتعه بجملة من الحوافز الأخرى، مع ضرورة الاستثمار في العنصر البشري من حيث تكثيف التكوين في مجال الحرف والصناعات التقليدية التي يتميز بها أهل الجنوب، وكذا تنويع الخدمات في هذا القطاع الخصب.
جدير بالذكر، أن موسم السياحة الصحراوية الجزائرية، ينطلق بداية شهر أكتوبر من كل سنة ويُسدل ستاره نهاية أفريل، إذ يشهد تنظيم فعاليات رسمية وغير رسمية واسعة النطاق في إطار التسويق والتعريف بالمنتج السياحي الوطني الصحراوي، وذلك ضمن مسارات محدّدة وفريدة من نوعها.