يواصل الاحتلال الصهيونى حرب الإبادة الجماعية بحقّ شعبنا في غزّة منذ عام، ويرافق ذلك عدوان شامل على كافة الجغرافيات الفلسطينية دون استثناء، لتشكّل هذه المرحلة، محطة جديدة في تاريخ جرائم الاحتلال المتواصلة منذ عقود، ولتكون شاهدة على أكثر الفترات دموية بحقّ شعبنا منذ ما قبل النكبة الفلسطينية عام 1948.
استعاد الاحتلال مستوى إجرامه الحقيقيّ الذي كان يمارسه بوتيرة مختلفة على الرغم من حالة الامتداد لكلّ ما نشهده اليوم. لذا من الضروري الإشارة إلى أن كافة الجرائم التي نشهدها اليوم، والتي وصلت إلى ذروتها، ولم تصل إلى تلك المرحلة حتى في أوج الانتفاضتين والهبات الشعبية، هي جرائم ثابتة وممنهجة، إلا أن المهغير الأساسي في هذه الحرب، هو كثافة الجرائم التي لم يعد لها سقف ولا حدود، والتي تهدف إلى محو الوجود الفلسطيني بأدقّ تفاصيله، كامتداد لهدف الاحتلال المستمرّ منذ عقود طويلة.
وشكلت قضية الأسرى الفلسطينيين، وجها من أوجه حرب الإبادة، نتيجة لمستوى الجرائم – غير المسبوقة – التي رصدناها ووثقناها على مدار فترة الحرب، وهي كذلك تشكل أساسا لجرائم انتهجها الاحتلال بحق الأسرى على مدار عقود طويلة، خلالها حاولت منظومة السجون الانقضاض على ما تبقى للأسرى من حقوق، وبقي الأسرى طوال هذه العقود في حالة مواجهة دائمة ومتواصلة من أجل الحفاظ على أدنى شروط الحياة الاعتقالية، وقد خاضوا العديد من الإضرابات والمعارك والتي ارتقى فيها الشهداء.
وقد عمل الاحتلال على استغلال تاريخ السابع من أكتوبر، لتنفيذ مخطط الإبادة الجماعية، وتعذيب الأسرى بشكل – غير مسبوق – حيث مارس كل أشكال الجرائم بحق الأسرى، بهدف قتلهم، وقد ارتقى العشرات من الأسرى والمعتقلين في سجون ومعسكرات الاحتلال بعد هذا التاريخ، ليشكل أعداد الشهداء في هذه المرحلة الأعلى تاريخيا منذ عام 1967، وقد أعلنت المؤسسات عن هويات (40) شهيداً من الأسرى منهم (24) من معتقلي غزة.
هذا إلى جانب الإعدامات الميدانية التي نفّذت بحق المعتقلين، وقد شكلت جرائم التّعذيب بكافة مستوياتها، وجريمة التجويع، والجرائم الطبية، والاعتداءات الجنسية منها الاغتصاب، الأسباب الأساسية التي أدت إلى استشهاد أسرى ومعتقلين بوتيرة أعلى مقارنة مع أي فترة زمنية أخرى، وذلك إستنادا لعمليات الرصد والتوثيق التاريخية المتوفرة لدى المؤسسات.
وعكست الشهادات والإفادات من الأسرى داخل سجون الاحتلال التي نقلتها الطواقم القانونية والشهادات التي جرى توثيقها من المفرج عنهم، مستوى صادما ومروّعا لأساليب الهعذيب الممنهجة، تحديدا في روايات معتقلي غزة، وتضمنت هذه الشهادات إلى جانب عمليات التعذيب، أساليب الإذلال – غير المسبوقة – لامتهان الكرامة الإنسانية، منها الضرب المبرح والمتكرر، والحرمان من أدنى شروط الحياة الاعتقالية اللازمة، وشكلت بعض الجرائم؛ (جرائم حرب)، ونجد أن الاحتلال عمل على مأسسة جرائم بأدوات وأساليب معينة، تتطلب من المنظومة الحقوقية الدولية النظر إليها كمرحلة جديدة تهدد الإنسانية جمعاء وليس الفلسطيني فحسب، وهذا ما ينطبق أيضا على قضية الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين.
وفي هذا السياق، نشير إلى أن حكومة الاحتلال المتطرفة (حكومة المستوطنين)، كانت قد صعدت من حملاتها التحريضية لاستهداف الأسرى منذ ما قبل تاريخ السابع من أكتوبر، عبر عمليات القمع ومحاولتها سلب الأسرى ما تبقى لهم من حقوق، وكانت المرحلة التي سبقت تاريخ السابع من أكتوبر، مقدّمة لنوايا حكومة المستوطنين التي دعت لإعدام الأسرى عبر وزيرها الفاشي المتطرف (بن غفير)، والذي شكل عنوانا لعمليات التحريض على الأسرى لقتلهم وإطلاق النار على رؤوسهم لحل مشكلة الاكتظاظ في السجون، وهذه الدعوة هي عنوان المرحلة التي يعيشها الأسرى فعليا في ظل وجود حكومة مستوطنين تنفذ إبادة على مرأى من العالم وبدعم من قوى دولية واضحة.
ونستعرض من خلال هذه الورقة أبرز التحولات التي فرضتها هذه المرحلة على واقع حملات الاعتقال، وواقع الأسرى والمعتقلين في السجون الصهيونية:
ملخص لمعطيات حملات الاعتقال بعد السابع من أكتوبر
معطيات عن حملات الاعتقال في الضفة منذ بدء حرب الإبادة المستمرة بعد السابع من أكتوبر (هذه المعطيات لا تشمل حالات الاعتقال من غزة)
بلغت حصيلة حملات الاعتقال أكثر من 11 ألف و100 حالة اعتقال في االضفة بما فيها القدس.
– النساء: بلغت حصيلة حالات الاعتقال بين صفوف النساء بعد السابع من أكتوبر، أكثر من (420) (تشمل هذه الإحصائية النساء اللواتي اعتقلن من الأراضي المحتلة عام 1948، وحالات الاعتقال بين صفوف النساءاللواتي من غزة وجرى اعتقالهن من الضفة)، لا يشمل هذا المعطى أعداد النساء اللواتي اعتقلن من غزة، ويقدر عددهن بالعشرات.
– الأطفال: بلغ عدد حالات الاعتقال بين صفوف الأطفال في الضفة، ما لا يقل عن (740)
– الصحفيون: بلغ عدد حالات الاعتقال بين صفوف الصحفيين منذ بدء حرب الإبادة (108) صحيا/، تبقى منهم رهن الاعتقال (58) من بينهم (6) صحفيات، و(22) صحفيا من غزة على الأقل ممن تمنا التؤكد من هوياتهم، ومن بين الصحفيين (16) رهن الاعتقال الإداري.
وبلغت عدد أوامر الاعتقال الإدارى منذ بدء حرب الإبادة، أكثر من (9000) أمر، ما بين أوامر جديدة وأوامر تجديد، منها أوامر بحق أطفال ونساء.
يرافق حملات الاعتقالات المستمرة، جرائم وانتهاكات متصاعدة، منها: عمليات تنكيل واعتداءات بالضرب المبرح، وتهديدات بحق المعتقلين وعائلاتهم، إلى جانب عمليات التخريب والتدمير الواسعة في منازل المواطنين، ومصادرة المركبات، والأموال، ومصاغ الذهب، إلى جانب عمليات التدمير الواسعة التي طالت البُنى التّحتية تحديدا في مخيمات طولكرم، وجنين وومخيمها، وهدم منازل تعود لعائلات أسرى، واستخدام أفراد من عائلاتهم كرهائن، إضافة إلى استخدام معتقلين دروعا بشرية.
تشمل حصيلة حملات الاعتقال منذ بدء حرب الإبادة، كل من جرى اعتقالهم من المنازل، وعبر الحواجز العسكرية، ومن إضطروا لتسليم أنفسهم تحت الضغط، ومن اُحتجزوا كرهائن.
إلى جانب حملات الاعتقال هذه، فإن قوات الاحتلال نفذت إعدامات ميدانية، منهم أفرا من عائلات المعتقلين.
يُشار إلى أنّ المعطيات المتعلّقة بحالات الاعتقال في الضّفة، تشمل من أبقى الاحتلال على اعتقالهم، ومن تمّ الإفراج عنهم لاحقًا.
سُجّلت أعلى حالات اعتقال في محافظتي القدس والخليل.
استشهد في سجون الاحتلال بعد السابع من أكتوبر، ما لا يقلّ عن (40) أسيرًا ممّن تم الكشف عن هوياتهم وأعلن عنهم، بالإضافة إلى العشرات من معتقلي غزّة الذين استشهدوا في السّجون والمعسكرات ولم يفصح الاحتلال عن هوياتهم وظروف استشهادهم، إلى جانب العشرات الذين تعرضوا لعمليات إعدام ميداني.
– يذكر أنّ (38) أسيرًا ممّن استشهدوا وأعلن عنهم منذ بدء حرب الإبادة محتجزة جثامينهم، وهم من بين (49) أسيرًا من الشهداء يواصل الاحتلال احتجاز جثامينهم، ممّن تم الإعلان عن هوياتهم.
– هذه المعطيات لا تشمل أعداد حالات الاعتقال من غزّة، علمًا أنّ الاحتلال اعترف أنّه اعتقل أكثر من (4500) مواطن من غزّة، أفرج عن المئات منهم، مع الإشارة إلى أنّ الاحتلال اعتقل المئات من عمال غزّة في الضّفة، إضافة إلى مواطنين من غزّة كانوا متواجدين في الضّفة بهدف العلاج.
إجمالي أعداد الأسرى في سجون الاحتلال حتى بداية أكتوبر 2024
– ويبلغ عدد الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال أكثر من عشرة آلاف و100، وذلك حتى بداية شهر أكتوبر 2024، فيما يبلغ عدد المعتقلين الإداريين (3398)، كما يبلغ عدد من صنّفتهم إدارة سجون الاحتلال من معتقلي غزّة (بالمقاتلين غير شرعيين) الذين اعترفت بهم إدارة سجون الاحتلال (1618)، علما أنّ هذا المعطى لا يشمل كافة معتقلي غزّة وتحديدا من هم في المعسكرات التابعة لجيش الاحتلال.
– ويبلغ عدد الأسيرات المعلومة هوياتهنّ (96) أسيرة، من بينهنّ ثلاث من غزّة معلومة هوياتهنّ وهن في سجن (الدامون)، فيما يبلغ عدد المعتقلات إداريا (27)، عدد الأسيرات المذكور لا يشمل كافة الأسيرات من غزّة، قد يكون هناك أسيرات في المعسكرات التابعة للاحتلال.
– ويبلغ عدد الأطفال ما لا يقلّ عن (270) طفلاً.
قبل السابع من أكتوبر، بلغ عدد إجمالي الأسرى في السجون أكثر من (5250)، وعدد الأسيرات (40)، فيما بلغ عدد الأطفال في السجون (170)، وعدد الإداريين نحو (1320).
ملاحظة: المعطيات المتعلّقة بحالات الاعتقال متغيّرة بشكل يومي، نتيجة لحملات الاعتقال المتواصلة.
صادر عن مؤسسات الأسرى: (هيئة شؤون الأسرى والمحرّرين، نادي الأسير الفلسطيني، مؤسّسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان). حتى تاريخ 7/10/2024
واقع عمليات الاعتقال في الضفّة وغزّة: جرائم –غير مسبوقة- بحقّ المعتقلين وعائلاتهم
وثقّت مؤسّسات الأسرى العشرات من شهادات لمعتقلين جرى الإفراج عنهم بعد تاريخ السابع من أكتوبر، وكذلك شهادات لعائلات المعتقلين، وشهادات حصلت عليها المؤسّسات عبر الطواقم القانونية التي تمكّنت من إجراء زيارات للأسرى داخل السّجون، والتي عكست مستوى عالياً من جرائم التّعذيب الممنهجة بكافة مستوياتها.
ومن ضمن ما عكسته الشهادات: تهديدهم بإطلاق النار عليهم بشكل مباشر، والضرب المبرّح، والتّحقيق الميدانيّ معهم، والتّهديد بالاغتصاب، واستخدام الكلاب البوليسية، واستخدام المواطنين كدروع بشرية ورهائن، واستخدام القيود كأداة للتنكيل، عدا عمليات الإعدام الميداني التي نُفّذت بحقّ المواطنين خلال حملات الاعتقال منهم أشقّاء لمعتقلين، وغيرها من الجرائم والانتهاكات الوحشية، وعمليات التّخريب الواسعة التي طالت المنازل، ومصادرة مقتنيات وسيارات، وأموال، ومصاغ ذهب وأجهزة الكترونية، إلى جانب هدم وتفجير منازل تعود لأسرى في سجون الاحتلال.
وأدّت هذه الاعتداءات، والجرائم الممنهجة إلى إصابة العديد من المعتقلين، وأفراد من عائلاتهم، بإصابات جسدية مختلفة، وتعمّد الاحتلال بعد اعتقالهم بتركهم دون علاج، وعكست شهادات العائلات العديد من الأعراض النّفسية التي ظهرت على أفراد من العائلة، ومنهم الأطفال جرّاء عمليات الاقتحام الوحشية التي جرت لمنازل المواطنين.
وفي إطار هذه الجرائم، تابعنا، قيام جنود الاحتلال بتصوير فيديوهات للمواطنين الذين يتم اعتقالهم، وكان من بينهم فيديو ظهر فيه جنود جيش الاحتلال الصهيوني، يقومون بتعذيب مجموعة من المواطنين المدنيين العزّل في ظروف حاطة بالكرامة الإنسانية، بعد تجريدهم من ملابسهم، إلى جانب فيديوهات يقوم فيها جنود الاحتلال بتصوير مواطنين فلسطينيين بعد اعتقالهم وهم في ظروف مُهينة، والتّعمّد بوضع علم الاحتلال على المعتقلين وهم معصوبي الأعين، ومقيّدين.
وعلى صعيد عمليات الاعتقال في غزّة، شكّلت هذه العمليات أحد أوجه حرب الإبادة، باعتقال آلاف المدنيين إلى جانب عمليات الإعدام الميداني، وقد انتشرت صوراً للمئات من المدنيين الذين جرى اعتقالهم من مناطق مختلفة من القطاع، وهم عراة، ومكدّسين بأعداد كبيرة في أماكن مفتوحة، وفي الشوارع، وفي ناقلات تابعة لجيش الاحتلال، وقد ظهروا في ظروف حاطة بالكرامة الإنسانية ومذّلة.
وقد عمل الاحتلال على استحداث معسكرات خاصّة لاحتجاز معتقلي غزّة، إلى جانب السّجون المركزية، وكان من أبرزهم معسكر (سديه تيمان) الذي شكّل العنوان الأبرز لجرائم التعذيب، إضافة إلى معسكر (عناتوت) ومعسكر (عوفر)، وهي معسكرات تابعة لإدارة جيش الاحتلال.
وفي شهر نوفمبر 2023 مع بدء الاحتلال بالإفراج عن عمال احتجزوا في معسكرات تابعة للجيش، بدأ الأسرى المفرج عنهم بالكشف عن الظروف اللاإنسانية والمذّلة التي تعرضوا لها، إلى جانب الاعتداءات المتكررة عليهم، وممارسة سياسة التّجويع والتّعطيش، إلى جانب حرمانهم من العلاج، وممارسة أساليب وحشية بحقّهم، ومنها إبقاؤهم معصوبي الأعين ومقيّدين على مدار الوقت.
ولاحقاً مع بدء عمليات الإفراج عن مزيد من الأسرى والمعتقلين، كشفت شهاداتهم عن جرائم مروّعة وصادمة نفّذت بحقّهم، وأبرزها جرائم التّعذيب والإذلال، إلى جانب الاعتداءات الجنسيّة ومنها عمليات اغتصاب، وشكّلت الصور الأولى للمعتقلين المفرج عنهم شهادات حيّة للجرائم التي نفّذت بحقّهم، وتوالت عمليات الكشف عن هذه الجرائم عبر عدّة تقارير وتحقيقات صحفيّة جرت حول معكسر (سديه تيمان)، وحول الظروف اللاإنسانية التي يعيشها المعتقلون في المعسكر.
كيف ساهمت تعديلات الأوامر العسكرية والتعديلات القانونية التي أجراها الاحتلال على توسيع دائرة الاعتقال وترسيخ جرائم التّعذيب وجريمة الإخفاء القسري؟
من أجل منح قوات الاحتلال تنفيذ وتوسيع نطاق حملات الاعتقال، عمل الاحتلال على تطويع القانون، من خلال تعديلات تمّت على الأوامر العسكرية في الضّفة لضمان تسهيل عمل المحاكم العسكرية التابعة للاحتلال، واعتقال المزيد من المواطنين، كما أدخلت تعديلات قانونية على ما يسمّى بقانون “المقاتل غير الشرعي” الذي فرضه الاحتلال على معتقلي غزّة، وهو أشبه بقانون الاعتقال الإداريّ، وقد ساهمت هذه التّعديلات في الضّفة بزيادة مستوى حملات الاعتقال التي طالت – كما ذكرنا – أكثر من عشرة آلاف و400، وتنفيذ المزيد من الجرائم بحقّ المعتقلين، أما على صعيد معتقلي غزّة، فقد رسّخت التعديلات التي جرت على قانون المقاتل غير الشرعي، جريمة (الإخفاء القسري) التي تشكّل جريمة ضدّ الإنسانية.
معتقلو غزّة يواجهون الإخفاء القسري في سجون الاحتلال
منذ بداية العدوان الشامل والإبادة الجماعية في غزّة، فرضت سلطات الاحتلال الصهيوني جريمة (الإخفاء القسري) والتي تشكّل جريمة ضدّ الإنسانية بموجب (اتفاقية حماية ضحايا جريمة الاختفاء القسري)، والتي تُعرّف الاختفاء القسري بأنّه: “الاعتقال أو الاحتجاز، أو الاختطاف، أو أيّ شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن، أو دعم من الدّولة، أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان شخص من حرّيته، أو إخفاء مصير الشخص المخفيّ، أو مكان وجوده، ما يحرمه من حماية القانون”، فقد استخدمت دولة الاحتلال جملة من الأدوات لترسيخها، وذلك من خلال تطويع القانون بفرض تعديلات على ما يسمى بقانون (المقاتل غير الشرعي) كما ذكرنا أعلاه، وكذلك منع اللجنة الدّولية للصليب الأحمر من زيارتهم، وعدم الإفصاح عن أعدادهم وأماكن احتجازهم، وظروف اعتقالهم، أو أيّ شيء يتعلّق بمصيرهم، وتعمّد الاحتلال بالتعامل معهم كأرقام، على غرار ما استخدمته النازية في سجونها. وسعت مجموعة من المؤسّسات الحقوقية إلى تقديم عدّة التماسات لمحكمة العليا للاحتلال، لكسر جريمة الإخفاء القسري، وفي كلّ مرة كانت تثبت المحكمة العليا ما أثبتته على مدار عقود طويلة أنّها ذراع أساسي لترسيخ الجرائم بحقّ الفلسطينيين، وأداة سياسية مركزية لدولة الاحتلال، إلى أن أتاحت لاحقا بعض التعديلات القانونية من الكشف عن مصير بعض المعتقلين وزيارتهم تحت ظروف مشدّدة وصعبة.
ونستعرض هنا أبرز الحقائق عن قضية معتقلي غزّة
– منذ بدء حرب الإبادة المستمرة بحقّ شعبنا في غزّة، وتصاعد حملات الاعتقال -غير المسبوقة- اعتقل الاحتلال الآلاف من المدنيين من مختلف أنحاء غزّة خلال الاجتياح البري، منهم عشرات النساء، والأطفال، والطواقم الطبيّة التي استهدفت بشكل بارز مع استهداف المستشفيات الفلسطينية، والتي شكّلت هدفا من أهداف الإبادة.
– يواصل الاحتلال تنفيذ جريمة الإخفاء القسري بحقّ المعتقلين، ويرفض الإفصاح – بشكل كامل – عن هوياتهم وأماكن احتجازهم، كما ويرفض حتّى اليوم السماح للجنة الدولية للصليب الأحمر بزيارتهم.
– تعمّد الاحتلال حرمان أسرى غزّة الذين انتهت محكومياتهم من الإفراج عنهم، حتى وإن تم الإفراج عن عدد منهم من سجن (نفحة)، منهم من استشهد عدد من أفراد عائلته خلال الحرب.
– شكّلت روايات وشهادات معتقلي غزّة، تحوّلا بارزا في مستوى توحّش منظومة الاحتلال والتي عكست مستوى – غير مسبوق – لجرائم التّعذيب، وعمليات التّنكيل، وجريمة التّجويع، بالإضافة إلى الجرائم الطبيّة الممنهجة، والتي أدّت بمجملها إلى استشهاد العشرات من المعتقلين، هذا عدا عمليات الإعدام الميداني التي نُفّذت بحقّ آخرين، علماً أنّ المؤسّسات المختصّة أعلنت عن (24) شهداء من معتقلي غزّة فقط، وهم من بين (40) معتقلا وأسيرا استشهدوا منذ بدء حرب الإبادة، فيما يواصل الاحتلال إخفاء بقية أسماء معتقلين استشهدوا في المعسكرات والسجون، علما أنّ إعلام الاحتلال كشف عن استشهاد طبيب آخر وهو إياد الرنتيسي ولم تبلغ أيّ جهة فلسطينية عن استشهاده بشكل رسمي.
– ما تزال آلاف العائلات لا تعلم أيّ شيء عن مصير أبنائها المعتقلين، خاصّة أنّ الاحتلال عمل منذ بدء الحرب على تطويع قوانين لترسيخ هذه الجريمة.
– مؤخرا، تبذل عدد من المؤسّسات الحقوقية الفلسطينية، ومن المؤسّسات في الأراضي المحتلة عام 1948، جهودا في ضوء بعض التعديلات القانونية التي طرأت على اللوائح الخاصّة بمعتقلي غزّة، من أجل معرفة أماكن احتجازهم، والسعي لاحقًا من أجل زيارتهم، إلا أنّ تلك المحاولات تتم تحت قيود مشدّدة، وصعوبات كبيرة.
– وفي ضوء ذلك، تمكّن عدد من المحامين، مؤخرًا، من إتمام زيارات محدودة لعدد من معتقلي غزّة كان من بينهم زيارات لمعسكر (سديه تيمان) الذي شكّل عنوانا بارزا لجرائم التّعذيب، والجرائم الطبيّة، إضافة إلى ما حملته روايات وشهادات معتقلين وآخرين مفرج عنهم عن عمليات اغتصابات واعتداءات جنسية فيه، وقد جاءت هذه الزيارات بعد عدد من التّقارير والتّحقيقات الصحفية التي كشفت جانبا عن عمليات التّعذيب التي يتعرض لها المعتقلون في معسكر (سديه تيمان)، مع العلم أنّ هذا المعسكر ليس المكان الوحيد الذي يحتجز فيه معتقلو غزّة، فالاحتلال وزّعهم على عدّة سجون مركزية، ونفّذ بحقّهم عمليات تعذيب ممنهجة، توازي عمليات التعذيب في معسكر (سديه تيمان)، منهم سجني (النقب وعوفر).
الاعتقال الإداري.. القضية الأبرز التي فرضت تحوّلات على أعداد الأسرى ومصير الآلاف من الفلسطينيين
شكّلت قضية المعتقلين الإداريين التّحول الأبرز إلى جانب جملة الجرائم الممنهجة التي نفّذها الاحتلال بعد تاريخ السابع من أكتوبر، وقد تصاعد أعداد المعتقلين الإداريين ليكون الأعلى تاريخيا، فقد وصل عدد المعتقلين إلى أكثر من (3398) حتى بداية أكتوبر 2024، من بينهم ما لا يقلّ عن (50) طفلاً، (27) أسيرة، مع العلم أنّ عدد المعتقلين الإداريين قبل السابع من أكتوبر بلغ نحو (1320) معتقلاً، وهذا التصاعد قد ترافق مع قدوم (حكومة المستوطنين) المتطرفة، أيّ قبل بدء حرب الإبادة وبلغ ذروته منذ ذلك التاريخ.
وبالعودة إلى السياق التاريخي لجريمة الاعتقال الإداري، نؤكّد أنّ سلطات الاحتلال الصهيوني منذ احتلالها للأراضي الفلسطينية استخدمت سياسة الاعتقال الإداري التعسّفي بحقّ الفلسطينيين، وعلى مدار كلّ تلك الأعوام اعتقل عشرات الآلاف من الفلسطينيين تحت الاعتقال الإداري.
ويتيح الاعتقال الإداري اعتقال الفلسطينيين دون تقديم تهم أو محاكمة استنادًا على ما تسميه “بالملف السري”، ولا يسمح للمعتقل أو محاميه الاطّلاع على الملف، وحسب الأوامر العسكرية الصهيونية، فإنّه يمكن تجديد أمر الاعتقال الإداري مرات غير محدودة، حيث يتم استصدار أمر اعتقال إداري لفترة أقصاها ستة شهور غالبًا ما يتم تجديدها، ويطال الاعتقال الإداري كافة شرائح وفئات الشعب الفلسطيني من طلبة الجامعات، وصحفيين، ونساء، ونواب سابقين في المجلس التشريعي، ونشطاء حقوق إنسان، وعمال، ومحامين، وأمهات، ومعتقلين سابقين.
وتتزايد حالات الاعتقال الإداري تحديدًا في فترات الهبات والانتفاضات في الأراضي المحتلة، حيث تلجأ سلطات الاحتلال لاستخدام سياسة الاعتقال الإداري كأداة للقمع والسيطرة وترهيب الفلسطينيين، ولا تقتصر سلطات الاحتلال على إصدار أوامر اعتقال إداري جديدة، بل في معظم الأحيان تقوم بتجديد أوامر الاعتقال بحقّ المعتقلين الذين ينهون أوامر اعتقالهم أثناء الهبات والانتفاضات، فخلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى “انتفاضة الحجارة” وصل عدد المعتقلين إدارياً في العام 1989 إلى ما يزيد على (1700) معتقل، أما في الانتفاضة الفلسطينية الثانية وتحديدا في عام 2003، فقد بلغ عدد المعتقلين الإداريين نحو (1140)، ومنذ بدء حرب الإبادة، لجأت سلطات الاحتلال لشنّ حملات اعتقالات واسعة لا زالت مستمرّة طالت مختلف مدن وقرى ومخيّمات الضفة والقدس، حيث جرى تحويل غالبيتهم إلى الاعتقال الإداري.
السّجون والمعسكرات الصهيونية تحوّلت إلى محطة مركزية لجرائم التّعذيب
إجراءات انتقامية مكثّفة وواسعة تندرج ضمن جريمة (العقاب الجماعي) فرضها الاحتلال بحقّ الأسرى- جرائم مروّعة وصادمة نفّذتها منظومة السّجون بحقّ الأسرى والمعتقلين أدّت لاستشهاد 40 أسيرا ومعتقلا ممّن تمّ الكشف عن هويّاتهم حتى شهر أكتوبر 2024.
مع بداية حرب الإبادة، بدأت سلطات الاحتلال وإدارة سجونها، بتضييق الخناق والانتقام من الأسرى الفلسطينيين داخل السجون، ورغم كلّ التضيقات التي أجرتها سلطات الاحتلال بحقّ الأسرى منذ استلام الحكومة اليمينية الأكثر تطرفا في تاريخ (دولة) الاحتلال، أيّ ما قبل تاريخ السابع من أكتوبر، إلا أنّ هذه الإجراءات قد بلغت ذروتها بعد تاريخ السابع من أكتوبر، حيث بدأ الاحتلال بقمع الأسرى وتعذيبهم بشكل جماعيّ، وسُجّلت العشرات من الإصابات بين صفوف الأسرى والأسيرات الذين تعرضوا للاعتداء من قبل وحدات القمع، وتنوّعت سبل التّنكيل منذ ذلك التاريخ بين تعطيش وتجويع بالإضافة إلى سحب كلّ مستلزمات الحياة الأساسية، والإبقاء على الحدّ الأدنى منها، حيث سحبت إدارة السّجون جميع الأدوات الكهربائية، والملابس، والطعام الخاص بالأسرى، وعزلتهم عن العالم الخارجي لغاية اليوم، بعد سحب بعض الأدوات كالتلفاز والراديوهات، وقامت بزجّ العشرات من المعتقلين في غرف صغيرة مكدّسة بأجسادهم.
وأصدرت دولة الاحتلال أمرا يُعدّل قانون السّجون (طوارئ السجون) والذي ينصّ على عدم الإلتزام بمساحة العيش المقرّرة لكلّ أسير، وذلك يكون حسب ظروف الزنزانة وحجمها، وينصّ أيضاً على إمكانية احتجاز الأسرى دون سرير، على أن يتم تزويد الأسير بفرشة مزدوجة في هذه الحالة.
إلا أنّ إدارة السّجون لم تلتزم بتزويد الأسرى بفرشات مزدوجة، بل يُجبر كلّ أسيرين النوم على فرشة واحدة في بعض السّجون.
وتعمّدت إدارة السّجون سحب البطانيات والفراش، وذلك مع دخول فصل الشّتاء والبرد القارس داخل السّجون في بداية الحرب، وقد تركّزت عمليات التّعذيب والتّنكيل في سجن (النقب) الذي كان الشّاهد الأبرز على جرائم التّعذيب، وكذلك في سجون (جلبوع، مجدو، وعوفر)، ومنعت قوات الاحتلال اللجنة الدولية للصليب الأحمر من تنفيذ أيّ زيارة للسجون بالتزامن مع إيقاف الزيارات العائلية بشكل مطلق، ووضع العراقيل أمام زيارات المحامين، التي تكاد تكون محدودة حتّى اليوم، وتتم بصعوبة بالغة في عدد من السّجون، عدا خلق أدوات تنكيلية وطرق لإجبار الأسير على عدم الخروج للزيارة ومنها عمليات الضرب المبرّح.
جرائم التّعذيب بحقّ معتقلي غزّة: تشكّل محطّة تحوّل في تاريخ التّعذيب في سجون الاحتلال ومعسكراته كامتداد لجريمة ممنهجة
مع بدء عمليات الإفراج عن معتقلين من غزّة من السّجون والمعسكرات الصهيونية، بدأت الشهادات تكشف مستوى – غير مسبوق – من جرائم التّعذيب التي نفّذت بحقّهم، والتي تصاعدت تدريجيا مع استمرار عمليات الإفراج عن معتقلين من كافة الفئات والأعمار، واستمرّت المؤسّسات بمتابعة هذه الشهادات من خلال المفرج عنهم فقط، حتى أتاحت بعض التعديلات القانونية التي أجراها الاحتلال لاحقا مع الضغط الذي أحدثته بعض المؤسّسات، الكشف عن أماكن احتجاز بعض المعتقلين، وتنفيذ زيارات محدودة للبعض منهم، وفعليا نقلت الطواقم القانونية شهادات صادمة عن جرائم التّعذيب، عبر العديد من الأدوات والأساليب التي استخدمها جنود الاحتلال، وفي مختلف أماكن الاحتجاز بما فيها السّجون المركزية إلى جانب المعسكرات، والتي أدّت إلى استشهاد العشرات من معتقلي غزّة، الذي يواصل الاحتلال إخفاء هوياتهم، هذا إلى جانب عمليات الإعدام الميداني الممنهجة التي طالت العشرات.
ورغم ما أتاحته هذه التعديلات، إلا أنّه وبعد مرور عام على حرب الإبادة، إلا أنّ سلطات الاحتلال الصهيوني، تواصل فرض جريمة الإخفاء القسري بحقّ الغالبية من معتقلي غزّة.
وتجدر الإشارة إلى أنّه وحتّى اليوم لا توجد معلومات واضحة ودقيقة عن كافة أعداد معتقلي غزّة بما فيهم النساء والأطفال، والشهداء الذين ارتقوا نتيجة لجرائم التعذيب أو الإعدام، وفقط ما هو متوفر بحسب ما أعنلت عنه إدارة سجون الاحتلال في بداية شهر آب/ أوت باحتجاز (1618) ممّن صنّفهم (بالمقاتلين غير الشرعيين) في السجون، وهذا المعطى لا يشمل المعتقلين في المعسكرات التابعة للجيش.