التنمية الاقتصادية والمشاريع الكبرى المرتبطة بها وبجوانب استراتيجية أخرى، ملف يوليه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون اهتماما خاصا ومتزايدا، ويتابعه بفواصله، ذلك أن هذا الملف أحد معززات الاقتصاد الوطني..
ملف: زهراء بن دحمان وسعاد بوعبوش
البنى التّحتية الجديدة..قاعدة صلبة لتحقيق القفزة الاقتصادية
يولي رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، منذ تولّيه سدّة الحكم، اهتماما متزايدا بملف التنمية الاقتصادية والنهوض بالمشاريع الكبرى، ويعتبر المشاريع التنموية الكبرى مثل بناء البنى التحتية وتطوير الصناعة والطاقة والزراعة، أساسا لتحسين مستوى معيشة المواطنين وتعزيز الاقتصاد الوطني، خاصة وأن الظروف الاقتصادية العالمية الحالية تفرض تسريع تنفيذ المشاريع لمواجهة التحديات، لذلك يرفض أي نوع من التراخي أو الإبطاء في تنفيذ هذه المشاريع والالتزامات خاصة المشاريع الكبرى.
أكّد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في عدة مناسبات على أهمية التنسيق بين الوزارات وولاة الجمهورية لتحقيق الهدف، كما طالب بوضع جداول زمنية واضحة لتقدم المشاريع، مع تشديده على ضرورة محاسبة المسؤولين عن أي تأخير.
يُظهر هذا الموقف رغبة الرئيس تبون في إعادة الثقة للمستثمرين المحليين والدوليين، ودفع عجلة النمو الاقتصادي في البلاد، لذلك وضع على رأس الأولويات الاستمرارية والالتزام بتنفيذ المشاريع التنموية خاصة الكبرى، مع التركيز على تحقيق التنمية المستدامة وخلق فرص العمل.
ويعتبر موقف رئيس الجمهورية رفض التراخي في تنفيذ الالتزامات والمشاريع الكبرى خطوة مهمة نحو تحقيق التنمية المنشودة في الجزائر، لذلك يتطلّب الأمر جهدا جماعيا وتعاونا بين جميع الجهات المعنية، خاصة وأنّ الرئيس تبون رفع في عهدته الرئاسية الثانية سقف الطموحات الاقتصادية، فيما يتعلق بتقوية الدخل المحلي الخام وزيادة الاستثمارات للارتقاء أكثر بالأداء الاقتصادي، ومواصلة العمل على تشجيع وتوسيع نطاق الاستثمارات الوطنية والأجنبية، وحدّد هدف رفع الناتج المحلي الخام إلى 400 مليار دولار والمحافظة على مستوى النمو بحوالي 4 بالمائة، لتأهيل الجزائر أن تكون ضمن الدول الصاعدة، وهي مهمة ليست بالمستحيلة خاصة وأنّها حقّقت معدل نمو يعتبر من أقوى النسب في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط، وكان محل إشادة هيئات دولية وإقليمية.
تحقيق الأهداف المسطّرة ضمن برنامج الرئيس استدعى مضاعفة جهود الحكومة التي فضّل الإبقاء عليها بعد أدائه اليمين الدستورية، لمواصلة العمل بالسرعة المطلوبة، خاصة بالنسبة للملفات المستعجلة التي تتطلب دراية من الوزراء الحاليين، غير أن بطء بعض القطاعات في تنفيذ الالتزامات، جعله يوجّه تعليمات للحكومة لاستدراك التأخر والانتقال للسرعة القصوى في الإنجاز، ولكن بالجودة والمقاييس العالمية المطلوبة.
ويصف متابعون للشأن الاقتصادي القطاعات الوزارية «العمود الفقري» لتنفيذ المشاريع الكبرى التي أطلقها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، إذ تقوم هذه القطاعات بتنسيق الجهود وتنفيذ السياسات الضرورية لضمان نجاح المشاريع والأهداف التنموية المرجوة، لضمان نجاح المشاريع وتحقيق الأهداف التنموية المرجوة.
وتقع على مسؤولية القطاعات الوزارية وضع الخطط الاستراتيجية لتنفيذ المشاريع الكبرى، من خلال دراسة الاحتياجات الوطنية وتقييم الموارد المتاحة، ويمكن لكل وزارة إعداد خطط ترتكز على تحقيق الأهداف التنموية ضمن إطار زمني محدد، وكل وزارة تلعب دورا حيويا في تنفيذ مشروعاتها، فعلى سبيل المثال لا الحصر وزارة الأشغال العمومية تتولى مسؤولية بناء وتحديث البنية التحتية مثل الطرق والجسور، وزارة الفلاحة تتولى تطوير الإنتاج والإنتاجية لتعزيز الأمن الغذائي للبلاد وغيرها من القطاعات.
وتتطلّب المشاريع الكبرى تنسيقا جيدا بين مختلف الوزارات لضمان التكامل بين القطاعات المختلفة، وعلى هذا الأساس قامت الحكومة بتشكيل لجان تنسيقية لجمع المعلومات وتبادل الخبرات وتحسين آليات العمل بين الوزارات المختلفة، لتقييم ومتابعة فعالة لمختلف المشاريع وضمان الأهداف المرجوة، حيث يعتبر إعداد التقارير الدورية حول تقدّم العمل ومؤشرات الأداء جزءً حسّاسا من عملية الإدارة الحكومية، وهو ما يحرص عليه رئيس الجمهورية في كل اجتماع وزراء، حيث يستمع بدقة للتقارير المقدمة من قبل كل قطاع، ويمنح توجيهات وتعليمات لتصحيح المسار في حال وجود تحديات أو عراقيل.
إزالة العقبات
على هذا الأساس، رفع الجهاز التنفيذي درجة التنسيق بين مختلف القطاعات المعنية بتنفيذ برنامج المشاريع الكبرى التي أطلقها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الهادفة إلى ضمان تنمية مستدامة، وتحقيق الأهداف المرتبطة بها خاصة فيما يتعلق بتحسين المستوى المعيشي للمواطن، جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية والانتقال بالجزائر إلى مصاف الدول الناشئة.
وانتقلت عدة قطاعات وزارية من التخطيط إلى التنفيذ، بإطلاق المشاريع الكبرى المبرمجة التي كان قد أعلن عنها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، وتعهّد بتنفيذها خلال فترة حكمه، تخص قطاعات استراتيجية كبرى، وجّه عدة تعليمات باحترام آجال تنفيذيها.
وعن طريق تعبئة الإمكانيات والقدرات، بدأت القطاعات الوزارية في تحقيق الأهداف المسطرة ضمن البرنامج الرئاسي للرئيس تبون، وقد انطلق البعض منها في تنفيذ المشاريع الكبرى في مجال تطوير البنى التحتية، الزراعة بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي في الزراعات الاستراتيجية، النقل والسكن والتي من شأنها مرافقة الحركية التي يشهدها الاقتصادي الوطني.
وفي هذا الصدد، حقّقت بعض القطاعات تقدّما ملحوظا في تنفيذ المشاريع المسندة عليها، على غرار مشروع «بلدنا» الجزائري -القطري، الذي نظّمت بشأنه عدة لقاءات لإزالة جميع العقبات، خاصة بعد رفع سقف طموحه الاقتصادي بتوقيع مذكرة تفاهم لتصنيع حليب الأطفال، إضافة إلى المشروع الأول الهادف لتحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي في القمح الصلب بحلول نهاية 2025، بحيث يجب على الجزائر أن تتوقف عن استيراد هذه الحبوب.
ولبلوغ هذه الأهداف، تمّ تحقيق شرط يعتبر من شروط نجاح هذا المشروع الاستراتيجي، وهو ربطه بالكهرباء والغاز، حيث تم تقديم عرض مفصل حول المشاريع المبرمجة وكذا الحلول المقدمة بخصوص إنتاج ونقل وتحويل الكهرباء على المدى القصير والمتوسط والبعيد، وحسب متطلبات هذا المشروع. وفي هذا الصدد، جدّد وزير الطاقة والمناجم تأكيده على الأهمية الاستراتيجية لهذا المشروع، الذي يعتبر ثمرة التعاون والشراكة المميزة بين الجزائر ودولة قطر الشقيقة، كما أكّد على أنّه تمّ اتخاذ كل التدابير اللازمة من طرف مجمع سونلغاز، خاصة وأنها أطلقت، بعد دراسة تقنية، لعدد من مشاريع إنجاز محولات كهربائية بعين المكان. ويصنّف هذا المشروع ضمن المشاريع الاستراتيجية للدولة، من أجل إنتاج الاحتياجات الوطنية من المواد ذات الاستهلاك الواسع وتقليص الواردات، إضافة إلى أنه ثمرة الشراكة المميزة بين الجزائر ودولة قطر الشقيقة، حيث يعتبر أيضا نموذجا حقيقيا لتجسيد الاستراتيجية المسطرة من طرف الدولة الجزائرية لتعزيز الأمن الغذائي للبلاد.
بدورها، أعلنت وزارة الأشغال العمومية، شهر سبتمبر الماضي، الانتهاء من أشغال ربط منجم الفوسفاط لبلاد الحدبة بولاية تبسة والخط المنجمي الشرقي للسكك الحديدية على مسافة 23 كلم، وهو المقطع الذي يمكّن من نقل الفوسفاط من منجم بلاد الحدبة نحو مصانع التحويل المبرمج إنجازها على مستوى واد الكبريت.
ويعتبر مشروع عصرنة وازدواجية الخط المنجمي الشرقي الممتد من عنابة إلى تبسة على مسافة 422 كلم أحد المشاريع الاستراتيجية للدولة الجزائرية التي تندرج في إطار تعزيز البنية التحتية المرافقة لمشروع الفوسفات المدمج، حيث يشكّل هذا الخط حلقة الربط الرئيسية بين وحداته، بالإضافة الى مضاعفة قدرات استيعاب الخط للمواد المنجمية بما يتلاءم مع احتياجات النقل الضرورية لهذا المشروع الاستثماري الضخم في مختلف مراحله، كما سيساهم في تعزيز حركة نقل المسافرين والبضائع انطلاقا من تبسة نحو جميع الشبكة الوطنية للسكة الحديدية.
دعم الحركية الاستثمارية
تنفيذا لالتزامات رئيس الجمهورية المتعلقة بدعم الحركية الاستثمارية كأحد روافد إستراتيجية تعزيز وتنويع الاقتصاد الوطني، توقّف وزير الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية إبراهيم مراد، مؤخرا، عند وتيرة الاستثمار على المستوى المحلي، وذلك خلال اجتماع تنسيقي مع المدير العام للوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار، وحضره الأمين العام للوزارة وعدد من ولاة الجمهورية، فضلا على إطارات عن الهيئتين.وشكّل هذا اللقاء التنسيقي فرصة لتبادل الرؤى، والوقوف على ما تم تحقيقه في إطار المنظومة الجديدة للاستثمار التي أقرها رئيس الجمهورية، وكذا الاتفاق على تدابير عملية لتعزيز التنسيق والتعاون، بما يسمح بدفع الحركية الاستثمارية بصفة ملموسة على المدى القصير والمتوسط.وفي هذا الشأن، جدّد الوزير التذكير بالأولوية القصوى التي يخصها رئيس الجمهورية لملف تشجيع الاستثمار وتعليماته المتواصلة لتحسين مناخه على المستوى المحلي، مع إيلاء كل الدعم والمرافقة لحاملي المشاريع الخلاقة للثروة، مشدّدا على أهمية مضاعفة الجهود وتكثيف التنسيق قصد توفير أمثل الشروط التي تسمح بتحقيق الأهداف المسطرة.من جهته، قال المدير العام للوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار، «إن وتيرة الاستثمار عبر ولايات الوطن تشهد حركية ايجابية، لاسيما المشاريع المندرجة ضمن الأهداف الاقتصادية الوطنية بخصوص تقليص الواردات وتشجيع إنتاج المواد الأولية، ودعم الابتكار»، مؤكّدا أنّ المقاربة الحالية تتماشى ومبادئ التنمية المتوازنة، من خلال الحرص على توجيه المبادرات الاستثمارية بما يتناسب والمؤهلات المحلية والخارطة الاقتصادية للوطن، وذلك تحقيقا للنجاعة الاقتصادية للمشاريع بالموازاة مع تعزيز المكاسب التنموية محليا ووطنيا.
الخبيرة في التّحليل الاقتصادي سليمة سايح: النّجاعة والكفاءة والفاعلية.. مفاتيح الاقتصاد الجديد
تسابق الجزائر الزمن لتجسيد مشروعها النهضوي الكبير الذي يرتكز على مشاريع ضخمة تترجم الرؤية الاستراتيجية لرئيس الجمهورية التي أعلن عنها، وشرع في تنفيذها عبر تعبئة كل الإمكانات الوطنية مع التأكيد على ضرورة ربح معركة التسيير وإدارة هذه المشاريع عبر تحقيق جودة إنجازها وتنفيذها في آجال المحددة من أجل تحقيق النجاعة الاقتصادية، ما سيمنح لبلادنا انطلاقة تنموية حقيقية ومستقبل مشرق بمفاتيح نجاح وطنية تضمن الصمود والمرونة في مواجهة التحديات المستجدة.
أعادت المشاريع التنموية المعلن عنها من طرف رئيس الجمهورية، الجزائر إلى الواجهة كقبلة استثمارية وكقوة اقتصادية نامية، تسعى بكل جهد لإيجاد مكان لها في السوق الدولية من أجل ترويض التوازنات الاقتصادية العالمية بما يخدم مصلحتها الوطنية في إطار رؤية طموحة انطلاقا من قاعدة رابح – رابح، بعيدا عن أي تنازلات لا تخدمها.
وترى الخبيرة في التحليل الاقتصادي سليمة سايح، أن الدمج بين تعبئة الموارد والامكانات والتسيير الراشد، يشكّل بوصلة للتوجيه الصحيح لدفة الاقتصاد الوطني، خاصة فيما يتعلق بالمشاريع الكبرى وضمان نسب نجاح كبيرة جدا لهذه المشاريع وللعمل الاقتصادي ككل في الجزائر.
إمكانيات تنموية هائلة
فبالنسبة للمسار الأول المتعلق بتعبئة الإمكانيات، ذكّرت المتحدّثة بإمكانيات الجزائر التنموية الهائلة على جميع الأصعدة المادية المعنوية الفكرية والبشرية، وضرورة تعبئتها لكسب رهان تحقيق النجاعة والكفاءة والفاعلية الاقتصادية، وهي نقاط لا بد من توفرها في المشاريع حتى توصف بأنّها ناجحة، مشيرة إلى أن التعبئة تكون انطلاقا من إحصاء الإمكانيات، ومقابلتها بالاحتياجات التنموية للجزائر حسب خصوصية كل منطقة، ومن ثم حصر الفجوة الاقتصادية الموجودة إنتاجيا وتسويقيا، ليتم بعدها القيام برسم خارطة شاملة لهذه الإمكانيات، مع الاسناد الجيد لها وفقا لاحتياجات كل منطقة وقطاع اقتصادي.وفيما تعلّق بالتسيير الفعال الذي لا يكون – حسب الخبيرة – في التحليل الاقتصادي إلا عبر التفعيل العقلاني للحوكمة لهذه الموارد، وهو المبدأ المعروف في إدارة الأعمال، والعمل على تقليل الهدر والضياع اللذين يضران بالإمكانيات، والذهاب إلى إعادة هندسة أساليب وتقنية التسيير للوصول إلى نتائج تقارب فيها قيمة الخطأ قيمة الصفر.
وأكّدت الخبيرة سايح أنّ الجزائر تمتلك فعليا مفاتيح النجاح الاقتصادي، ويبقى فقط تفعيل هذه المفاتيح أو تجسيدها من خلال العمل على تحسين وتطوير العمليات الادارية، وإن لزم الأمر إلغاء وإعادة رسم وتنفيذ بعضها، فمثلا إدارة الوقت تبقى عاملا حيويا في ضمان نجاح المشاريع، فالجودة في إدارة الوقت هي عامل حيوي واستراتيجي لضمان نجاح المشاريع، لذلك يجب تشديد الرقابة وتتبع سير المشاريع، والعمل على تكريس مبدأ من مبادئ النجاعة الاقتصادية، وهو ما يعرف في أدبيات الاقتصاد تعويض تكلفة الفرصة الضائعة، وهو ما سيقلّل من هدر الوقت والمال – على حد قولها – ويحدّد مدى جدية المستثمر أو مؤسسة الإنجاز في إنجاز المشاريع.
تحديث أساليب التّسيير وتكييفها
في المقابل شدّدت المتحدّثة على أهمية عصرنة وتحديث أساليب التسيير وفق أساليب علمية، وتكييفها وفق خصوصية الاقتصاد الوطني، ما يعني – حسبها – تفادي استنساخ نموذج وتطبيقه مباشرة على الاقتصاد الوطني دون تكييفه وفقا للخصوصية الوطنية للجزائر، ما سيساهم في توفير عوامل الانتاج من رأس المال، التنظيم والأيدي العاملة، ناهيك عن تقليص مدة الإنجاز.