شكّل الجانب الاجتماعي للثورة الجزائرية أحد أهم المحاور المعتمدة في مواثيق الثورة.
بدءا ببيان أول نوفمبر الذي نصّ في أحد محاوره، على تحقيق الهدف الاجتماعي من الثورة، بالإشارة إلى إقامة الدولة الديمقراطية ذات الطابع الاجتماعي، ونفس الشيء أشارت إليه مواثيق الثورة التي تلت بيان إعلان الثورة 1954.
عانى الشعب الجزائري تحت نير المستعمر الفرنسي بؤسا شديدا، تجلّى في مآسي “الفقر والجوع والمرض”.. ثلاثي جهنّمي كان سياسة ممنهجة للمستعمر الفرنسي، حيث تسجّل أحداث التاريخ الوطني عنصرية الاستيطان الفرنسي في التعامل مع كلّ فئات الشعب الجزائري.
فقد كانت كلّ الخدمات الاجتماعية موجّهة بالأساس لـ«الكولون”، وبالمقابل عاش أفراد الشعب الجزائري في حالات صاحبتها في كثير من الأحيان موجات من المجاعة والأوبئة التي أودت بآلاف الضحايا من أبناء شعبنا.
في هذا الصدد، يقول رئيس جمعية أول نوفمبر لتخليد مآثر الثورة بولاية بسكرة، المجاهد بشير زاغز، إنّ الوضع الاجتماعي للجزائريين تحت نير الاحتلال الفرنسي البغيض، كان مثالا للبؤس والظلم المسلّط من طرف المستعمر والمعمّرين وأذناب الاستعمار أمثال عائلة بن قانة.
وكان ثلّة من هؤلاء يستغلّون المواطنين في أعمال شاقّة بالفلاحة، مقابل كميات بسيطة من الأغذية، وعادة ما تكون تمرا من التمور الرديئة التي لا تتجاوز سدّ الرمق، وحتى المواطنين الذين يمتلكون فلاحة بسيطة، كانوا تحت رحمة المعمّر هنري ديفور بالوطاية، أو بيسكوس باورالال وغيرهم من المعمّرين الذين يحرمونهم الاستفادة من المياه عن طريق إقامة سدود وحواجز مائية تمنع المياه عن بساتين المواطنين.
وعن الجانب الصحّي، قال المجاهد زاغز إنّ الخدمات الصحّية كانت محدودة وتكاد تكون منعدمة خاصّة في القرى والمداشر، بينما لا يقدّم التلقيح ضدّ الأمراض والأوبئة إلا للعائلات المتعاونة مع المستعمر، ولا تختلف الحال مع التعليم، فالطالب الجزائري يطرد حتما، هذا إذا وجد فرصة لدخول المدرسة عند بلوغ الحادية عشرة، لهذا لم يكن للجزائريين من حظّ في التعليم إلا في المدارس القرآنية بالقرى والأرياف التي كانت أكثر المناطق حرمانا.
الاستقلال..والإرث الاستعماري
وقال محدّثنا إنّ الجزائر واجهت – غداة الاستقلال – وضعا اجتماعيا مأساويا، في جميع النواحي الاجتماعية، مسّت أفراد المجتمع الجزائري الذي خرج محطّما نتيجة القهر الاستعماري، في ظلّ غياب أدنى الإمكانات لانتشال الجزائريين من حالات الفقر وغياب الخدمات من تعليم وصحّة وغيرها.
وقد شكّل الوضع تحدّيا كبيرا للدولة الجزائرية التي استرجعت سيادتها بعد ثورة مسلّحة قدّم خلالها الشعب الجزائري تضحيات جسام، واستطاعت الجزائر من خلال سياسة ذات طابع اجتماعي تجاوز هذه الأوضاع والعمل على “هيكلة اجتماعية “ قوامها تحسين الوضعية الاجتماعية للمواطن وتأمين حاجياته الأساسية من صحّة وتعليم وسكن وإطار معيشي لائق.
خطوات عملاقة نحو مجتمع مزدهر
اليوم، تغيّرت الأوضاع كثيرا يقول المجاهد زاغز، فقد نجحت الجزائر في تجاوز الفراغ والانطلاق في تنفيذ سياسات تنموية عمادها ترقية حياة المواطن وخلق مجتمع عادل يتمتّع فيه المواطنون بالحقوق الاجتماعية التي أقرّتها مواثيق الثورة وجسّدتها سياسات الحكومة الجزائرية عبر عقود من الزمن.
ولقد نجحت الجزائر في إرساء دعائم مجتمع راق، حيث لم تتخل الدولة على هذا الجانب الاجتماعي، ولم يعد بالإمكان المقارنة بين وضع الأمس البائس والوضع الذي تعيشه الجزائر المنتصرة، فقد أصبحت احتياجات المواطن كبيرة وتطلّعاته أكبر. وقد دأب رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبّون على التأكيد على السياسة الاجتماعية للدولة، وأنّ المجال الاجتماعي يحظى بالعناية اللازمة إذ يحظى الملف بأولوية كبيرة للارتقاء بالمستوى المعيشي للمواطن.
وأضافت التعهّدات التي أطلقها الرئيس في عهدته الأولى، الشيء الكثير للجانب الاجتماعي، حيث رسمت منحة البطالة للعاطلين عن العمل وهو إجراء فريد وسابق على مستوى الدول النامية، إضافة إلى رفع مستوى الأجور والتكفّل بالفئات الهشّة وتحسين مستوى الخدمات الصحّية بفتح هياكل صحّية ومدرسية عبر مختلف مناطق الظلّ التي وضعت ضمن الأولويات التنموية.
ونجحت الجزائر – يقول محدّثنا – في الحفاظ على رسالة نوفمبر التي أقرّت بناء مجتمع عادل قوامه المحافظة على الجانب الاجتماعي لحياة المواطن، ودعا إلى ضرورة العمل والمثابرة من أجل تعزيز وتطوير هذه المكاسب والعمل على الاكتفاء الذاتي في مختلف المجالات.