بعد احتلال الغزاة الفرنسيين لتقرت في 5 ديسمبر 1854، وقضائهم على مملكة بني جلاّب، وتدنيسهم إقليم وادي سوف في 14 ديسمبر 1854 بقيادة السفاح العقيد ديفو.
لم يبق أبناء المنطقة مكتوفي الأيدي بل تصدّوا لهذا الدّخيل بمقاومة مسلحة دامت أياما، وقد وثّقها العلاّمة إبراهيم العوامر في كتابه (الصُّروف في تاريخ الصحراء وسوف) بقوله: «ثم بعد أن نزلت تلك المحلة بتقرت وأخضعت أهلها ارتحلت متوجهة إلى سوف لتخبر أحوالها، وبعد قتال بين الطرفين أياما عديدة في النخيل والسيوف تغلّبت المحلة على سوف»، (ص 313).
في رَكْـبِ المقاومة الشعبية والحركة الوطنية وثورة نوفمبر 1954
وآزر السّوافة المقاومات الشعبية المسلحة بالوطن، على غرار مقاومة ابن ناصر بن شُهرة والشيخ محمد بوشوشة والشيخ الشريف محمد بن عبد الله والشيخ المقراني، حيث نزل بها في شهر جانفي 1872 الشيخ بومزراقوسي عزيز بن الشيخ الحدّاد، رفيقا المقراني بمعية ابن ناصر بن شهرة، وكانت مقصدا للثائر المجاهد محمد بوشوشة في مارس 1871، كما شملتها مقاومة محيي الدين بن الأمير عبد القادر خلال عام 1871..
ومن خارج الوطن، آزر أبناء وادي سوف الثائر الليبي غومة المحمودي، عندما تقهقر إليها سنة 1855 في ثورته ضد الأتراك، فكانت ملاذا آمنا للثوّار والمقاومين، مما أدى بالاحتلال الفرنسي إلى الإسراع في عملية السيطرة الرسمية والكاملة على إقليم وادي سوف والاستقرار به خلال سنة 1882.
واستمرارا لنهج المقاومة، وبعد أن أقنع الاحتلال الفرنسي نفسه أن جذوة المقاومة الشعبية قد انطفأت في نفوس الجزائريين، فإذا بأبناء وادي سوف يعلنون المقاومة، ويتجمّعون وهم مسلحون بآلات العمل والعصي والبنادق في (هَدَّة عْميش الأولى) في نوفمبر 1918 بقيادة الشيخ الهاشمي شيخ الزاوية القادرية بالبياضة، لتعقبها انتفاضة (هدّة عْميش الثانية) في أفريل 1938 بقيادة ابنه الشيخ عبد العزيز الشريف بن الهاشمي.
وادي سوف في قلب الحركة الوطنية:
رغم أن وادي سوف – على غرار كل الصحراء الجزائرية – كانت تخضع للحكم العسكري الجائر والممزوج بتعسّف الإدارة الفرنسية، إلا أنها شهدت في النصف الأول من القرن العشرين نشاطا متميزا من خلال انخراط مناضليها ضمن خلايا ومكاتب الأحزاب السياسية؛ كحزب الشعب الجزائري الذي حُل عام 1939، حيث تم تأسيس أول خلية سرية له بالمنطقة عام 1943، بقيادة مجموعة من المناضلين، كان منهم: أحمد ميلودي، ميهي البشير المدعو محمد بلحاج، عبد القادر العمودي، البشير بن موسى.. وغيرهم.
وبعد تأسيس حركة انتصار الحريات الديمقراطية عام 1946 خلفا لحزب الشعب، ازداد وتوسّع نشاط الحركة الوطنية بالوادي، التي شاركت بقائمة ضمن انتخابات17 أكتوبر 1948، إضافة إلى قائمة أخرى مستقلة. كما نشط الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري ولو بصفة محتشمة.
وفي أكتوبر 1947، قام أبناء وادي سوف بتأسيس فوج الرمال، كأول فوج للكشافة الإسلامية الجزائرية من قِبَل مجموعة من المناضلين كان منهم المناضلون: أحمد ميلودي، عبد القادر العمودي، إلى جانب كل من: عيادي علي، علوي صالح، نوبلي العروسي، لرقط الكيلاني، بن موسى البشير، عبيدي القروي، ميلودي العروسي، الشيخ حسني الهاشمي، ميهي البشير.. وخلال الأربعينيات وبداية الخمسينيات، شهدت وادي سوف زياراتٍ لعديد رموز الحركة الوطنية، منهم: مصطفى بن بولعيد، محمد بوضياف، محمد العربي بن مهيدي، محمد بلوزداد، وغيرهم، لا سيما في إطار التحضير لثورة نوفمبر 1954 في سبيل الحصول على الذخيرة والسلاح.
كان لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين وشُعَبها نشاط متميز، من خلال إنشاء عديد المدارس العربية الحرة والنوادي الثقافية، وزادها وهَجًا الزيارة التاريخية للشيخ عبد الحميد بن باديس إليها رفقة أعضاءٍ من المجلس الإداري للجمعية في ديسمبر 1937.
وقبل ذلك، شارك وفدٌ من أعلام المنطقة في تأسيس جمعية العلماء المسلمين، كان منهم: الأديب المصلح الشهيد محمد الأمين العمودي والشيخ حمزة بوكوشة والشيخ عمار بن الأزعر لقماري، الذين حضروا مؤتمرها التأسيسي بنادي التّرقّي بالعاصمة في 05 ماي 1931.
مساهمة أعلام وادي سوف في صحافة الحركة الإصلاحية:
ضمن نشاط أبناء وادي سوف في الحركة الوطنية والإصلاحية وروافدها المتعدّدة، أصدر بعض أعلامها عددا من الصحف، منها جريدة الدفاع La défense للمصلح محمد الأمين العمودي باللغة الفرنسية التي صدر عددها الأول في26 جانفي1934، وجريدة (الليالي) للمصلح الشيخ علي بن سعد لقماري التي رأت النور خلال شهر فيفري 1936، وجريدة (المغرب العربي) للشيخ حمزة بوكوشة التي بزغ عددها الأول في 21 ماي 1937. أما الذين لم يتمكّنوا من إصدار صحف خاصة بهم، فقد واكبوا الصحافة الوطنية سواء الصادرة بالعربية أو بالفرنسية، من خلال نشر قصائدهم الشعرية ومقالاتهم وردودهم وتعقيباتهم وأخبار منطقتهم..
مدارس وزوايا ومساجد في مواجهة إدارة الاحتلال
قامت عديد الزوايا والمساجد بدور فعّال في التصدّي للغزو الثقافي وسياسة الفرنَسة والتجهيل والتنصير التي اعتمدتها وقنّنت لها إدارة الاحتلال، حيث اضطلع شيوخ وعلماء هذه المؤسسات بتحفيظ القرآن الكريم وتعليم اللغة العربية رغم ضعف إمكاناتها المالية وقدراتها المادية، على غرار الزوايا:الرحمانية والتجانية والقادرية، إلى جانب عديد المدارس العربية الحرة والمساجد والكتاتيب القرآنية الخاصة بالبنين والبنات التي قامت بدور طلائعي وواجهت ممارسات إدارة الاحتلال الفرنسي.
تسليح ثورة نوفـبر 1954
بعد سلسلة المجازر ضد الإنسانية وحرب الإبادة الشاملة التي اعتمدها الجيش الفرنسي منذ أن وطئت أقدامه أرض الجزائر في جوان 1830، إلى غاية إخراجه منها ذليلا في 5 جويلية 1962.. وعقب تأسيس المنظمة الخاصة O.S خلال المؤتمر التاريخي لحركة انتصار الحريات الديمقراطية الذي انعقد يومي 15 و16 فيفري 1947، وتحضيرا للثورة المسلحة، كان لوادي سوف فضل السبق في تسليح النواة الأولى للثورة التحريرية المجيدة، من خلال أول قافلة سلاح تم شحنها من الوادي نحو الأوراس الأشم، مرورا بالزاب الشرقي وتحديدا زريبة الوادي بولاية بسكرة خلال عام 1947.
وقد توالت بعد ذلك قوافل الجِمَال المحمّلة بكميات كبيرة من الذخيرة الحية وأنواع السلاح، هذا الأخير الذي قام مناضلو وادي سوف بجلبه من الجارة تونس ومن صحراء ليبيا، وهو من بقايا الحرب العالمية الثانية، خاصة أن السلاح كان في تلك الفترة منتشرا بين مواطني المنطقة بكثرة، كما كان للمنطقة شرف التمثيل في اجتماع مجموعة الـ22 الذي انعقد بالمدنية في العاصمة في جوان 1954 من خلال حضور المجاهد عبد القادر العمودي أحد قياديي الحركة الوطنية بالوادي.
وادي سوف في طليعة ثورة نوفمبر 1954:
بالرغم أن وادي سوف منطقة صحراوية مكشوفة ومنبسطة وخالية تماما من الجبال والمغارات والكهوف والغابات، إلا أنها واكبت ملحمة نوفمبر 1954، من خلال أبنائها الذين سارع الكثير منهم إلى الانخراط ضمن صفوفها، سواء بكتائب جيش التحرير الوطني أو المنظمة المدنية، كما شهدت رُبُوعها عديد المعارك الفاصلة والاشتباكات النوعية، واستشهد كثير من أبنائها قربانا للحرية والكرامة.
لذلك خصّها شاعر الثورة الجزائرية المجاهد مفدي زكريا بمقطع ضمن (إلياذة الجزائر)، مطلعه:
ويا وادي سوف العرينَ الأمينْ **ومعقل أبطالنا الثائرينْ
ومن أبرز المعارك، بحسب السجل الذهبي المنجز من قِبَل مديرية المجاهدين وذوي الحقوق وإصدار الجمعية التاريخية أوّل نوفمبر1954 عام 2021، والمصادق عليه من قِبل الأمانة الولائية للمنظمة الوطنية للمجاهدين بولاية الوادي، ومن هذه المعارك:
معركة هـود كْرَيَّـم بحاسي خَلِيفـة:
وقعت هذه المعركة في 17 نوفمبر 1954، أي بعد أسبوعين فقط من اندلاع ملحمة نوفمبر، وقد قادها البطل الشهيد حَمّه لخضر، بمشاركة المجاهدين: صوادقية صالح، لمقدم مبروك، عمارة العربي، بلالة بشير، دردوري خزاني، ريغي عبد الرزاق، فرجاني العربي، شعباني بلقاسم، العايب بشير، وبالرغم من عدم تكافؤ القوّتين إلا أن الجيش الاستعماري أصيب بالذعر الشديد، مما تسبّب في مقتل 62 من أفراده، بينما أُسِر الجريح المجاهد شعباني بلقاسم، فيما انسحب بقية المجاهدين.
معركة صحن الرّتـم بالمقـرن:
قادها الشهيد حمه لخضر بتاريخ 15 مارس 1955، وكان سببها الرئيس أن فرقة من المجاهدين تضم (7 أفراد)، قَدِمت إلى المنطقة من أجل دعم الثورة بالمال والسلاح وتجنيد مجموعة من الشباب، وقد توقفت الدورية ببلدة الطريفاوي، ثم واصلت سيرها نحو خبنة النخلة، ثم الرّباح، حيث تم استلام مجموعة من قطع السلاح واللّباس والذخيرة، ممثلة في (2000 رصاصة)، إلى جانب تجنيد نخبة من الشباب، ليرتفع عدد أفراد الدورية إلى (22 مجاهدا)، ثم اتجهت صوب الزقم، ومنها الى المقرن، وقد تفطن جيش العدو إلى مكان تمركزها فطوّق المكان ونشبت معركة غير متكافئة، مما أدّى إلى استشهاد (7 مجاهدين)، وهم: ريغي عبد الرزاق، سديرة بشير، وادة قدور، خالدي العيد، حامد إبراهيم، حماتي علي، عمارة العربي. كما أُسر المجاهد لمقدم مبروك.
معركـة هـود شيكه بسيدي عـون:
وهي من المعارك الكبرى لجيش التحرير الوطني، استمرت ثلاثة أيام 8، 9، 10 أوت 1955 بقيادة الشهيد حمه لخضر الذي استشهد فيها مع أغلب المجاهدين، كما تم أسر المجاهد داسي محمد بن الساسي، وقتل عدد كبير من جنود العدو مع تحطيم جزء كبير من آلياته وعتاده. رغم استخدامه قوة ضخمة مدعمة بالمركبات والآليات والطائرات.
وبالرغم من استشهاد قائد المعركة إلا أن مقاتليه استبسلوا في القتال، مما أدّى إلى استشهاد ستة منهم، فيما أصيب (14 مجاهدا) بجروح متفاوتة، ولما جَنَّ الليل انسحب المجاهدون. أما خسائر العدو فتراوحت بين (500 و600 عسكري)، وإسقاط (4 طائرات) وتحطيم مجموعة من العربات والسيارات العسكرية.
معركة الدبيديبي بالرَّبَّاح
بغية توسيع دائرة تجنيد الشباب وجمع السلاح والذخيرة، قام القائد عباس لغروز بتكليف دورية من المجاهدين ضمّت (34 فردا)، يقودهم الشهيد فرجاني العربي، وقد كان العدو لهم بالمرصاد، مما أدّى إلى نشوب معركة حامية الوطيس وسط غوط من النخيل في 15 جانفي 1956، ومازالت آثار القَنبلة بادية إلى اليوم على نخيل ذلك الغوط. وقد نتج عن هذه المعركة استشهاد (30 مجاهدا)، وأَسْرِ أربعة، وهم: خالدي السايح، بوغزالة بشير، بكوش خليفة، أما العدو فتمثلت خسائره في سقوط أكثر من (70 عسكريا) بين قتيل وجريح، إلى جانب إسقاط طائرة للعدو.
معركة هـود سلطان بتغزوت
وقعتْ في 16 جانفي 1956 وهي امتداد لمعركة الدبيديبي، وقد دامت يوما كاملا، قادها الشهيد البشير نعيمة الشهير باسم مزيان، وقد شُرع في إطلاق النار بهود سلطان بين الطرفين، إلا أن العدو الفرنسي استخدم الطائرات المقنبِلة، مما أدى إلى استشهاد كل من: قائد المعركة، العيد تواتي، مبارك الحرّاشي، عبد العزيز اللموشي، سعودي عبيد، إبراهيم اللموشي، سلطاني المكي، وتركي علي.. وغيرهم، ونجا واحدٌ فقط هو العيد بركة، فيما تمثلت خسائر العدو في 120 بين قتيل وجريح.
مجازر رمضــان/أفريـل 1957
قام بارتكابها الجيش الاستعماري عقب اكتشافه التنظيم المدني بوادي سوف، وعثوره على قوائم المناضلين أعضاء المنظمة المدنية لجبهة التحرير الوطني، وقد ذهب ضحيتها (136 شهيدا) ــ بحسب تحقيق وإحصاء الأمانة الولائية للمنظمة الوطنية للمجاهدين بولاية الوادي ــ وقد مسّت هذه الجرائم النكراء كل إقليم وادي سوف.
معارك واشتباكات أخرى في ربوع وادي سوف:
ــ معركة تكسبت، بمدينة الوادي، في 17 جانفي 1956 بقيادة الشهيد فرحات بن عمارة.
– معركة خبنة العسكري، بالحدود التونسية في 15 مارس 1956 بقيادة الشهيد الطالب العربي (قمودي).
– معركة جبل بوهلال، بالحدود التونسية في مارس 1956 بقيادة الشهيد الطالب العربي.
– معركة شعبة القصب الأولى، بالحدود التونسية في جوان 1956 بقيادة المجاهد بوغزالة محمد علي وهزلة المولدي.
– معركة جبل زاريف، بالحدود التونسية، في 13 ديسمبر 1956.
– معركة عين طاهر، بالحدود التونسية، في جانفي 1957 بقيادة المجاهد وادّة خليفة.
– دورية جنوب مركز بوعروة، في 4 جانفي 1958 بقيادة المجاهد صوادقية صالح.
– عملية فدائية، بنواحي بئر سيار في 18 جانفي 1958.
– معركة لمقيبرة، في فيفري 1958 بقيادة المجاهد أحمد جغلول.
– معركة غديرة القطاع، شمال مدينة الوادي في 11 ماي 1958 بقيادة المجاهد أحمد عمرون.
– هجوم بئر الرومي، شمال الوادي في سبتمبر 1958 بقيادة المجاهد زايد الملكي.
ـ اشتباك بئر بن قشّة، شمال الوادي، في 10 ديسمبر 1958 بقيادة المجاهد ميدة خنوفة.
-اشتباك بئر الطوح، في جانفي 1959 بقيادة المجاهد المولدي هزلة.
– هجوم بئر العتروس، في 15 أفريل 1959 بقيادة المجاهد محمد الحبيب جراية.
– دورية بئر الوصيف، في 30 ماي 1959 بقيادة المجاهد شكيري علي.
– معركة بئر سيار، في 19 سبتمبر 1959 بقيادة المجاهد محمد الحبيب جراية.
– هجوم بئر الغرافة، في 19 سبتمبر 1959 بقيادة المجاهد بوغزالة محمد صالح.
– معركة بئر رومان، في 30 أكتوبر1959 بقيادة المجاهد محمد الحبيب جراية.
– معركة صحن الوصيف، في 01 نوفمبر 1959 بقيادة المجاهد محمد الحبيب جراية.
– معركة حمادة سلامة، في مواجهة طائرات العدو في 04 نوفمبر 1959 بقيادة المجاهد محمد الحبيب جراية.
– معركة بئر الشعير، في 10 جانفي1960 بقيادة المجاهد المولدي بريك.
– معركة زبارة حليمة، في 24 فيفري 1961 بقيادة المجاهد بوغزالة محمد علي.
– عملية رفع العلم الوطني وزرع ألغام بالناظور في جويلية 1961، بقيادة المجاهديْن غنبازي الجيلاني وبريك مصباح.
ملاحظة: لمزيد من التوسع في سير هذه المعارك والاشتباكات وغيرها بولاية وادي سوف يمكن الرجوع إلى السجل الذهبي المشار إليه آنفا.
للمقال مراجع