الدبلوماسية الجزائرية.. قوّة ضاربة في مرحلة التحرير الوطني، فهي تمثل الجناح الثاني للكفاح إلى جانب جيش التحرير الوطني، فلما تحقّق الوعد، ورفرف لواء الأحرار عاليا في سماوات الجزائر، حافظت أجيال متعاقبة من الدبلوماسيين على ثوابت سياسة الجزائر الخارجية، ومنها نصرة حقّ الشعوب في تقرير المصير، وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية للدول، وتسوية النزاعات بالطرق السلمية، وتعزيز ترقية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، إلى جانب ضرورة إقامة علاقات دولية متوازنة وعادلة وعدم الانحياز.
زهراء. ب/ سعاد. ب
أدّت الدبلوماسية الجزائرية ولا زالت “دورا محوريا” في دعم حركات التحرّر حول العالم، فبعدما سعت خلال مرحلة الثورة من 1954 إلى 1962 للحصول على الدعم الدولي لقضيتها العادلة ضدّ الاستعمار الفرنسي، نجحت في كسب تأييد العديد من الدول والمنظمات الدولية، ممّا ساهم في تعزيز موقفها على الساحة الدولية، أصبحت بعد الاستقلال، “منارة” لحركات التحرّر في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، بما في ذلك دعم نضال جنوب إفريقيا ضدّ النظام العنصري.
وجعلت الجزائر من دعم حركات التحرّر، وعلى رأسها حقّ الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلّة، وحقّ الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، “واجبا مقدّسا” و«مبدأ لا نقاش فيه”، تناضل من أجله في مختلف المحافل الدولية، وقد أكّد رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبّون، في أكثر من مناسبة أنّ “حقّ الشعبين الصحراوي والفلسطيني في الحرية والاستقلال قضية مبدئية لا نقاش فيه ولا حوار حولها”، تلتزم الجزائر بالدفاع عنهما من أجل حقّ الشعوب في تقرير المصير.
القضية الفـلسطينية.. مـقدّسة
بالنسبة للقضية الفلسطينية العادلة، بقيت الجزائر دائما إلى جانب الشعب الفلسطيني “قولا” و«فعلا”، وفي الوقت الذي صمت كثيرون عن الإبادات الجماعية في غزّة وفلسطين، بقيت الجزائر تنادي بصوت مسموع كلّ الأطراف الإقليمية والدولية، وتسعى في المحافل والهيئات الأممية إلى استفاقة عاجلة لضمير المجتمع الدولي، ووقف العدوان المتعجرف على الأطفال والنساء والشيوخ، وثبتت على هذا الموقف المعبّر عن الوفاء لتاريخنا المجيد، ورسالة نوفمبر الخالدة في نصرة الحقّ والتمسّك بدعم الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، والتضامن اللاّمحدود واللاّمشروط معه في هذه الظروف الخاصّة، ودعت، ومازالت، كلّ الضمائر الحية والإرادات الصادقة النزيهة إلى ردع الجريمة الكاملة الأركان ضدّ الإنسانية التي يقترفها الاحتلال الصهيوني في جهرة النهار.
الجزائر، مثلما قال رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبّون، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، “تعي جيّدا ثمن انتزاع الحرية”، لذلك “لن تتخلّى عن مساندة القضايا العادلة، ودعم الشعوب المضطهدة التي تكافح من أجل التحرّر، ومن هذا المنطلق، سعت على الدوام إلى دعم القضية الفلسطينية لتمكين الشعب الفلسطيني الشقيق من حقوقه غير القابلة للتصرف، في إقامة دولته المستقلّة على حدود الرابع من جوان 1967 وعاصمتها القدس الشريف، طبقا لقرارات الشرعية الدولية”.
ولأنّ الجزائر دفعت الثمن غاليا لاستعادة سيادتها، هي اليوم وفية لمسؤولياتها التاريخية إزاء الشعب الفلسطيني الشقيق، وتجسيدا لمركزية قضيته في وجدان الشعب الجزائري، سخّرت دبلوماسيتها خدمة لهذه القضية التي وصفها الرئيس عبد المجيد تبّون بـ«القضية المقدّسة”.
وواصلت الجزائر المساعي – على مستوى الأمم المتحدة – لحشد الدعم اللاّزم بغية توسيع قاعدة الاعترافات الدولية بدولة فلسطين وحصولها على العضوية الكاملة في منظمة الأمم المتحدة، ولقد نجحت في ذلك بعد تبنّي الجمعية العامة للأمم المتحدة بالأغلبية الساحقة لأعضائها، قرارا يدعم حقّ دولة فلسطين في العضوية الكاملة بمنظمة الأمم المتحدة، وذلك بالتنسيق مع كافة الأشقاء العرب، كما طالبت المجتمع الدولي بتحمّل مسؤولياته التاريخية والسياسية والقانونية والأخلاقية والإنسانية تجاهَ الشعب الفلسطيني، ليس لوضع حدّ لتعنّت الاحتلال ورفضه الالتزام بالشرعية والقرارات الدولية فقط، وإنّما لاتخاذ الإجراءات الكفيلة بوضع حدّ لسياسة الاستبطان التي تمارسها سلطة الاحتلال.
وتخوض الجزائر معارك دبلوماسية شاملة، منذ نالت العضوية غير الدائمة بمجلس الأمن جانفي الفارط، نصرة للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وفاء لالتزاماتها بدعم قضايا التحرّر في العالم انسجاما مع المبادئ الثابتة لسياستها الخارجية، ورمت بكلّ ثقلها للوصول إلى وقف العدوان الهمجي على قطاع غزّة، وإنهاء الاحتلال وتمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلّة.
ولم تفوّت الجزائر أيّ فرصة نقاش في مجلس الأمن، إلاّ وأعادت ملف مستجدّات الوضع في غزّة إلى الواجهة، لكسب مزيد من الدعم للقضية الفلسطينية العادلة، على غرار إعلان العديد من دول العالم الاعتراف بدولة فلسطين.
وتتمسّك الجزائر بمبادرة السلام العربية كإطار لتسوية القضية الفلسطينية وإنهاء الاحتلال من أجل تمكين الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره واسترجاع حقوقه كاملة غير منقوصة.
وتتطلّع الجزائر كذلك إلى الوصول إلى تصفية نهائية لظاهرة الاستعمار مع آخر مستعمرة إفريقية، حيث ما يزال شعب بأكمله في الصحراء الغربية محروما من حقّه الأساسي في استقرار المصير، عبر استفتاء حرّ ونزيه يتوافق مع خطة التسوية الأممية الإفريقية التي اعتمدها مجلس الأمن سنة 1991، ووافق عليها الطرفان والتي تظلّ تنتظر التطبيق.
حقّ الصحراويين في تقرير المصير.. غير قابل للتصرّف
وتدعم الجزائر الجهود الأممية في مساعي إعادة بعث مسار المفاوضات المباشرة من أجل تنظيم استفتاء يسمح بتقرير مصير الشعب الصحراوي طبقا لقرارات مجلس الأمن، وفي الوقت نفسه، تضع على عاتق دعاة السلام العادل مسؤولية بذل المزيد من الجهود، والعمل على إعلاء مبادئ ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة، وتوفير الحماية اللازمة للشعب الصحراوي وتمكينه من حقّه قي تقرير المصير غير القابل للتصرّف، وفق الشرعية الدولية واللوائح والقرارات الأممية، ووضع حدّ للظلم التاريخي المسلّط عليه، وهي على يقين أنّ ظاهرة الاستعمار مآلها الزوال طال الزمن أو قصر، وبأنّ الحقوق الشرعية والمشروعة للشعب الصحراوي ستجد طريقها للنّفاذ.
المتفحّص لمسار الجزائر في دعم قضية الصحراء الغربية كقضية تصفية استعمار، يلاحظ أنّ موقف الجزائر الثابت مستمدّ من مبدأ أساسي ووثيقة دستورية بنيت عليها الثورة التحريرية وهي بيان أول نوفمبر الذي حدّدت فقراته السياسة الخارجية للجزائر الداعمة للدول المستعمرة لتحقيق استقلالها، ويؤكّد أنّ الدبلوماسية الجزائرية تعتمد على المواقف وليس على المتغيّرات؛ لأنّها منبثقة من تاريخ عريق، وثابتة على قواعد متينة ومبادئ لا مجال معها للتراجع إلا بزوال الاستعمار.
ولم يقتصر دور الجزائر على دعم حركات التحرّر، بل لعبت دورا بارزا في حلّ العديد من النزاعات الإقليمية والدولية مثل الوساطة بين إيران والعراق خلال الحرب بينهما، وأزمة الرهائن الأمريكيين في طهران، مستفيدة من تجربتها في الكفاح ضدّ الاستعمار، وتتولّى في الوقت الراهن دعم جهود حلّ الأزمات في كلّ من ليبيا، والسودان واليمن، ومالي وترافع لاعتماد الحلول السلمية للحفاظ على وحدة هذه البلدان وسلامة أراضيها.
بن يـحيى: الجزائر تواصل إعلاء صوت الإنـسـانية
في السياق، أكّدت أستاذة العلوم السياسية والعلاقات الدولية، نبيلة بن يحيى، أنّ الدبلوماسية الجزائرية قادت معركة حقيقية في المحافل الدولية واستمدّت قوّتها من الثورة التحريرية التي لم تكن ثورة عادية، بل كانت منظومة سياسية اجتماعية ثقافية فكرية قادها مجموعة من الأحرار وألّفت حولها الشعب الجزائري، ما أعطى لها صدى عالميا في تمجيد القيم الإنسانية والقيم التحرّرية من الظلم، الاستعباد والاستغلال.
وأوضحت بن يحيى في تصريح لـ«الشعب” أنّ كلّ عناصر العمل الدبلوماسي الجزائري، ارتبطت بالثوابت المؤسّسة للدولة الجزائرية الحديثة، خاصّة في المنظمات الإقليمية والعالمية، وها هي اليوم عضو غير دائم في مجلس الأمن، ولم تتوان في اغتنام فرصة وجودها بهذه المنصّة العالمية، وتحريك قضايا التحرّر العادلة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية التي تحاول الحركة الكولونيالية العالمية اليوم، بدفع من الصهاينة، تصفيتها، سواء على المستوى الجغرافي من خلال احتلال الأرض، أو على المستوى التاريخي من خلال التهويد والاستيطان الصهيوني في الأراضي المحتلّة والاقتصادي كذلك من أجل استغلال ثروات هذه المنطقة خاصّة وأنّ فلسطين تمتلك موقعا استراتيجيا في غرب آسيا، وتطلّ على البحر الأبيض المتوسط.
وأشارت بن يحيى إلى أنّ الاستعمار الاستيطاني يحاول محو الوجود الفلسطيني، لهذا “نجد الدبلوماسية الجزائرية التي تعدّ هويتها مرتبطة ارتباطا وثيقا بقيم هذه الثورة المجيدة العظيمة تفهم معنى وفحوى أهداف الاستيطان وأبعاده الاستراتيجية في محو هوية الشعب الفلسطيني”.
وقالت المتحدّثة إنّ موقف الدبلوماسية الجزائرية منسجم مع القيم الوطنية الراسخة، فهي عريقة في نضالها منذ الثورة المجيدة، واليوم يعيش الجزائريون الذكرى السبعين لثورتنا المجيدة، فخورين بما يحقّق دبلوماسيونا من إنجازات لصالح الإنسان.
وأشارت بن يحيى إلى أنّ النضال مستمرّ ومتجدّد، والدبلوماسية الجزائرية أكّدت هذا المسلك من خلال دعم قضايا حقّ تقرير المصير ودعمها لكلّ القضايا الإنسانية المرتبطة ارتباطا وثيقا بـ«التحرّر” وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وقضية الصحراء الغربية وكلّ من يسير على درب الحقّ مرتبطا بدعمه للمفهوم الحقيقي والعقلاني للقوّة.
وأكّدت المتحدّثة أنّ الجزائر – من خلال دبلوماسيتها – تساند القوى التي تدعم الحقّ في التحرّر وتعلي القيم الإنسانية التي أصبحت اليوم مهدّدة من خلال الكولونياليات الجديدة التي تسعى إلى تدمير البشرية، وأشارت إلى أنّ الدبلوماسية الجزائرية حيّة في تحرّكها، عقلانية في توجّهاتها، وبراغماتية في أدائها، وقالت : “هكذا علّمنا بيان أول نوفمبر والثورة المجيدة التي نحتفل بذكراها 70 وهكذا نحن الأجيال المتعاقبة سائرون على درب من صنع ثورة أول نوفمبر”، مشيرة إلى أنّ الجزائر ترفع يدها لكلّ من يدعم قضايا التحرّر من أجل الحفاظ على السّلم والأمن الدوليين”.