أسدل الستار على فعّاليات الطبعة 27 من صالون الجزائر الدولي للكتاب، والذي جاء هذه السنة تحت شعار «نقرأ لننتصر»، تزامناً مع احتفالات الجزائر بالذكرى السبعين لاندلاع ثورة أول نوفمبر المجيدة..حيث عرفت التظاهرة الثقافية مشاركة 1007 ناشر من 40 دولة، من بينهم 290 ناشراً جزائرياً، استعرضوا على مدار 10 أيام (من 06 إلى 16 نوفمبر)، ما يزيد عن 300 ألف عنوان..
أمينة جابالله وفاطمة الوحش
شهد صالون الجزائر الدولي للكتاب ومنذ الإعلان عن افتتاح فعّالياته وإلى غاية يوم الاختتام إقبالا منقطع النظير للزوار، جاؤوا من مختلف ولايات الوطن للوقوف على آخر ما جادت به قريحة الكتّاب من الجزائر ومن مختلف دول العالم المشاركين في هذه التظاهرة التي صنعت الحدث بامتياز ببرنامجها الثريّ وبندواتها التي أثراها كتّاب ونقّاد وأدباء وأكاديميون من داخل الجزائر وخارجها.
توجيهات رشيدة.. وصالون بروح نوفمبرية
يولي رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبّون أهمية كبيرة للصالون الدولي للكتاب، حيث أشارت وزيرة الثقافة صورية مولوجي أنّه ووفق توجيهاته الرشيدة دأب الصالون على بذل الجهود من أجل أن يكون مركز إشعاع حقيقي وطنيا ودوليا، قائلة إنّ الكتاب وإضافة لكونه أداة المعرفة الأولى منذ قرون خلت، سيظلّ أرضا خصبة للحوار الحضاري الرفيع بين الشعوب والأمم، والدرب الأسمى لنشر القيم الإنسانية بين شعوب المعمورة، لا سيما والعالم يشهد انتكاسة خطيرة فرضتها الصراعات والحروب التي أخذت أبعادا لا إنسانية ستظلّ وصمة عار على البشرية».
ويكتسي صالون الكتاب في طبعته السابعة والعشرين أهمية خاصّة، لتزامنه واحتفاء الجزائر بالذكرى السبعين لاندلاع الثورة التحريرية المجيدة، لذلك سطّرت وزارة الثقافة والفنون برنامجا ثقافيا وفنيا وفكريا يسمو إلى عظمة هذا الحدث الوطني، من خلال تنظيم ملتقيات حول السينما والذاكرة وأدب المقاومة وعروض فنية وأوبيرالية.
فلسطين وقطر.. قبلة الزوار
على مدار 10 أيام شهد جناح دولة فلسطين رغم المشاركة الضئيلة بفعل الأحداث التي يشهدها هذا البلد، إقبالا كبيرا لزوار «سيلا»، الذين أبوا إلاّ أن يعبّروا عن تضامنهم اللاّمشروط مع ما يحدث في غزّة الجريحة من إبادة جماعية من طرف الكيان الصهيوني الغاشم.
ومن جهته، أثار جناح قطر التي شاركت في هذا الحدث كضيفة شرف، اهتمام وفضول القارئ الجزائري، قصد الاطّلاع على الثقافة القطرية والإرث الفكري والأدبي لهذا البلد، حيث كان الجناح زاخرا بالكثير من الكتب وكذا المخطوطات التي تبرز تاريخ قطر وثقافتها وتراثها وفنّها المعماري.
برنامج فكري وأدبي ثريّ
في إطار البرنامج الثقافي والفكري لصالون الكتاب، عرفت الفعّالية تنظيم ندوات فكرية وثقافية احتفاء بالذكرى التاريخية لاندلاع الثورة المجيدة، وذلك بقاعة المحاضرات الكبرى بالجناح المركزي لقصر المعارض، على غرار الندوة الافتتاحية «روح ثورة 1 نوفمبر 1954 المجيدة: إرث للأجيال»، بمشاركة رئيس مجلس الأمة صالح قوجيل، وكذا ثلّة من المجاهدين والباحثين الجامعيين، إلى جانب ندوة «المؤرّخون والكشف عن الجرائم الاستعمارية»، «كتاباتنا حول نوفمبر»، «النصوص المؤسّسة للثورة الجزائرية»، «بيان نوفمبر..النصّ والثورة» و»الثورة الجزائرية في الكتابات العربية»، وهي الندوات التي شهدت إقبالا للمهتمين بتاريخ الجزائر الثوري.
وعرف من جهته، فضاء فلسطين برمجة عدّة نشاطات ثقافية وأدبية تضامنا مع الأشقاء الفلسطينيين في غزّة، على غرار ندوة «الجزائر وفلسطين، التزام دائم، «إبادة في غزّة»، «فلسطين كتابات من السجن»، «أدب المقاومة في فلسطين، أقلام في وجه النار»، و»فلسطين في الشعر الجزائري»، «السينما في مواجهة الصهيونية»، «التفاتة إلى الشعراء الشهداء في غزّة»، إضافة إلى سلسلة من الأمسيات الشعرية التضامنية، بمشاركة مبدعين من الجزائر وضيف الشرف قطر وبلدان عربية.
كما شهد فضاء إفريقيا الحاضر كعادته في هذه التظاهرة بقوّة، نشاطات ثقافية وأدبية، من بينها ندوة «الأدب الإفريقي الحضور والوعي الجديد»، «إشعاع الثورة التحريرية في إفريقيا»، «الصحراء الغربية: آخر المستعمرات في إفريقيا»، «أصوات من موريتانيا»، «الجزائر وإفريقيا، قوافل ثقافية»، وكذا «الموروث العربي في الأدب الإفريقي» و»التراث الجزائري في اليونسكو».
وفي ذات الجانب، شارك خبراء وإعلاميون وأدباء قطريون أمثال محمد سعيد البلوشي وعبدالرحمان السلامة ومريم ياسن الحمادي ومها العلي في البرنامج الثقافي، حيث قدّموا ندوات ومحاضرات أكاديمية هامّة، من بينها «جهود قطر في حفظ التراث»، «تجربة دعم التنوّع الثقافي في دولة قطر»، إلى جانب ندوة قدّمتها الدكتورة حنان الفياض والموسومة بـ»من المعرفة المحلية إلى العالمية..كيف تسهم الترجمة في نشر الأفكار»..
أسماء أدبية وفكرية وازنة
أسماء أدبية وفكرية وازنة من الجزائر وخارجها، كان لهم حضور في صالون الكتاب، ناقشوا العديد من المواضيع المتعلّقة بالأدب والتراث والتاريخ والسينما وغيرها..على غرار واسيني الأعرج، محمد لامين كامارا (السنيغال)، أرمون غوز (كوت ديفوار)، كونيي علام (الطوغو) وسانسي كابا دياكيتي (غينيا)، كما استضاف الصالون كلّ من سوزان الكنز (فلسطين)، ميشال كولون (بلجيكا)، جيم هاوس (بريطانيا)، نيلس أندرسون (السويد)، كارولين كينيدي (الولايات المتحدة الأمريكية)، روزا أنجيلا ماتيي (إيطاليا)، محمد البعلي (مصر)، حسين القاصد (العراق)، أمينة النيفر (تونس)، نانسي إبراهيم (مصر) وسعدية مفرح (الكويت).
حضور مميّز..
شاركت في فعّاليات الصالون الدولي للكتاب العديد من الهيئات الوطنية والوزارات لإثراء البرنامج الثقافي للتظاهرة، على غرار وزارة المجاهدين وذوي الحقوق، المجلس الإسلامي الأعلى، المحافظة السامية للأمازيغية، المجلس الأعلى للّغة العربية، المجمع الجزائري للّغة العربية، وكذا الديوان الوطني لحقوق المؤلّف والحقوق المجاورة.
قطر تحتفي بالطفولة
وفي ذات السياق، شهد جناح الأطفال بفضاء الهڤار سلسلة من الأنشطة التفاعلية، وبرنامجا ثريّا ومتنوّعا شاركت فيه دولة قطر بجناح مهيئ للطفولة، تمّ من خلاله توزيع هدايا تعليمية وتثقيفية على االقرّاء الصغار تحاكي عادات وتقاليد قطر، كما تمّ على مستوى فضاء الأطفال تنشيط حفل على شرف الفائزين في الطبعة الأولى من مسابقة «مجلّة غميضة في أدب الطفل» فئة القصّة القصيرة..
استحداث أجنحة جديدة
شهدت الطبعة 27 من معرض الكتاب، استحداث أجنحة جديدة، كانت بمثابة فضاء حيوي سمحت لأصحابها بتسليط الضوء على مختلف نشاطاتها، وتسنّى للزوّار اكتشاف ما في جعبتها من جديد، وعلى أمل أن تصبح هذه الأجنحة من بين أهم التقاليد التي تحرص عليها محافظة الصالون في الطبعات المقبلة.
فقد نالت هذه الأجنحة الثلاثة حظّا مميّزا من توافد الجمهور عليها، على غرار جناح «جامع الجزائر» الذي لفت انتباه الزوّار بتصميمه الرائع، ناهيك عمّا استعرضه من مجسّمات لهياكله ومرافقه التي تمّ تقديمها بكلّ دقّة وجمال، تعكس تلك الهندسة الإسلامية والنقوش المميّزة التي تعرفها كلّ زاوية من زوايا هذا الصرح الدّيني، الذي يعتبر ثالث أكبر مسجد في إفريقيا.
واستعرض الجناح «المركز الثقافي»، «دار القرآن» و»المكتبة البحثية» التي تضمّ مليون عنوان في شتى العلوم والمجالات، إضافة إلى «معهد البحوث في العلوم الدّينية وحوار الحضارات» و»متحف الحضارة الإسلامية في الجزائر».
ومن جهته، كان جناح «بيت الشعر الجزائري» محطّة استقبال ولقاءات تفاعلية وتوثيق لحظات تاريخية للشعراء والأدباء والمثقفين القادمين من مختلف ولايات الوطن والوافدين من الوطن العربي، كما كان فرصة لعشّاق الحرف للتعرّف على المنتوج الشعري وآخر ما جادت به قريحة رواد القصائد وجديدهم من مؤلّفات وإصدارات.
وحسب الرئيس الجديد لبيت الشعر الجزائري عبد القادر مكاريا والرئيس الأسبق سليمان جوادي، فإنّ شعار الطبعة 27 «نقرأ لننتصر» كان فأل خير لانتصار الحرف والشعر والقصيدة وانتصار لبيت الشعر الجزائري ورواده ومحبيه.
وفي ذات الجانب، استحدثت محافظة الصالون جناحا خاصّا بذوي الهمم الملقبين بمتلازمة الحب، روّجوا عبر منصّة «تكنو» لمنتوجات اعتمدوا في صنعها على عملية رسكلة الورق، حيث استعرضوا تحفا فنية ومستلزمات مكتبية.
وفي هذا السياق، صرح نايت قاسي بوساعد مكوّن مختصّ وأخصّائي نفساني لدى جمعية «أنيت» الجمعية الوطنية للإدماج المدرسي والمهني الخاصّة بالأطفال المصابين بالتريزوميا، أنّ هذا الجناح يمثل ورشة إنتاجية لأطفال من متلازمة الداون، تلقّوا تكوينا معمّقا نظريا وتطبيقيا وبعدّة مستويات، ويأتي ـ حسبه ـ تشجيعا لهم باعتباره أجمل ما اختتموا به مسارهم الدراسي، مشيرا إلى أسماء المشاركين في هذا الجناح وهم على التوالي السعيد حاج موسى، صالح حمادة، مزاري أمين وابتسام بن سبتي.
ممثل دار النشر “سمير المنصور”: صالون الجزائر.. فضاء هامّ لدعم القضية الفلسطينية
أكّد ممثل عن دار النشر «سمير المنصور» من قطاع غزّة بفلسطين، سامر المقيد أنّ صالون الجزائر الدولي للكتاب له دور أساسي في تعزيز القضية الفلسطينية، وإنشاء جيل واع في التحضير لمعركة الوعي التي يخوضها العالم العربي أجمع.
أشار سامر المقيد في تصريحه لـ»الشعب»، إلى أنّ «دار سمير المنصور» تحضر صالون الجزائر الدولي في طبعته 27 بالعديد من الإصدارات، في كافة المجالات، سواء كانت الأدبية أو ما يخصّ التعليمية والعلمية.
وأوضح ممثل الدار: «ما نسلّط عليه الضوء في هذه المرحلة الكتب والروايات التي تختصّ بالقضية الفلسطينية عموما، وقطاع غزّة وتاريخ غزّة تحديدا، نظرا لما يقوم به الاحتلال الصهيوني في قطاع غزّة الآن من قصف وتهجير وتدمير وتجويع وأهدافه في طمس للهوية».
وأضاف «لهذا بدورنا كدار نشر نسعى دائما لتعزيز الكاتب، سواء كان الفلسطيني أو العربي بشكل عام في إبراز الهوية الفلسطينية أينما كان».
وأردف حديثه: «جئنا لمعرض الكتاب في طبعته 27 وفي جعبتنا الكثير من الكتب التي تتحدّث عن قطاع غزّة، ومن أهمّها كتاب «تاريخ غزّة»، ورواية كتبها الدكتور محمود عساف من قلب قطاع غزّة هذه السنة 2024، بعنوان «كم موتا يريدنا»، كتبها وهو نازح في خيمة كما باقي الشعب».
وأشار سامر المقيد، إلى أنّ الرواية تحمل في طيّاتها المعاناة الحقيقية التي يعاني منها الشعب الفلسطيني في خيمات النزوح من قتل وتجويع وإهانة وذلّ.
ومن إصدارات الدار أيضا – يقول ذات المتحدّث – «ثلاث روايات للأسير الفلسطيني هيثم جابر الذي يقبع داخل سجون الاحتلال، الرواية الأولى (الأسير)، تتحدّث عن معاناة الأسرى داخل السجون، وكيفية التعذيب وآليات التحقيق، وتحمل في طيّاتها للمهتمين بأدب السجون العديد من الرسائل التي يجب الاهتمام بها، أما الرواية الثانية تحمل عنوان (الشهيدة) والثالثة بعنوان (العريس الأبيض)».
وأضاف «كذلك لدينا العديد من الروايات التي تخصّ الأدب الفلسطيني تحديدا ولها علاقة بالتراث الفلسطيني، كروايات الأديب الفلسطيني غسان كنفاني وكتب لمحمود درويش.»وبخصوص ما يحدث الآن في فلسطين، أكّد سامر أنّ «ما يحدث في غزّة لا يخفى على أحد فهو واضح أمام الجميع على شاشات التلفاز، ما يحدث في غزّة رهيب ومخيف، فالدماء تنتشر في كلّ الأماكن، ورائحة القتل والتدمير تفوح في كلّ مكان، سكان غزّة جرحهم النازف الذي لا يندمل..على الرغم من كلّ الشهداء والجرحى والدمار والتهجير والإجرام النازي، فثمّة إجماع على الاعتزاز بغزّة وأهلها ومقاومتها الباسلة، فبصمود شعبنا الفلسطيني وبصمود أهالينا في قطاع غزّة وبدعواتنا نحن الجالية الفلسطينية، والشعوب العربية الحاضنة للشعب الفلسطيني، بإذن الله سننتصر.»
وأضاف «في هذا الموقف لا ننسى الشعب الجزائري والحكومة الجزائرية الحاضنة والداعمة دائما للثوابت الفلسطينية، سواء على الشكل الدولي أو الشعبي أو الجمهوري..دائما الجزائر حاضنة لها في كلّ الأوقات وجميع الظروف.»ونوّه سامر المقيد، بأنّ صالون الجزائر الدولي للكتاب له دور أساسي في تعزيز القضية الفلسطينية، وإنشاء جيل واع في التحضير لمعركة الوعي التي يخوضها العالم العربي أجمع.كما لفت إلى التوافد الكبير للزوار من كافة فئات المجتمع سواء أساتذة أو طلاب جامعات.
وختم بقوله «لاحظنا حضور أيضا كتّاب ناشئين بكتبهم، ومن هذا المنطلق ندعو الشباب تحديدا لقراءة واعية، بمعنى الالتفات نحو قراءة واعية للتاريخ للتراث الجزائري والعربي وكلّ ما يخصّ القضية الفلسطينية، نحن بحاجة إليه بشدّة في معركة الوعي القائمة حاليا في كافة بلدان العالم، نحن بحاجة إلى شباب قارئ».