يهتم كتاب من هواة التاريخ بتاريخ الثورة ويكتبون سيرا نضالية لبعض المجاهدين والشهداء، صونا للذاكرة، مثلما ما لاحظناه في الصالون الدولي للكتاب “سيلا 2024″، الذي إختتم مؤخرا.
زارت السيدة مزاش، جناح “الشعب” بالصالون الدولي للكتاب، وهي ابنة شهيد وابنة مجاهدة، مسنة، لكنها بروح شابة، مهتمة بتاريخ الثورة التحريرية، الموجه للأطفال لترسيخ الروح الوطنية، فيهم، تقول إن الإستقلال لم يأت على طبق من فضة بل بتضحيات رجال ونساء وأطفال.
المجاهد الصغير قصة تروي معاناة أطفال الثورة
صدر للسيدة مزاش، في سلسلة أطفال نوفمبر، قصة “المجاهد الصغير”، والفتى الشجاع، تروي فيه معاناة الأطفال أثناء الثورة ممثلة في الطفل رابح، من منطقة عزازقة. علما أنها زارت جناح “الشعب” العام الماضي، وعادت هذه السنة قادمة من تيزي وزو، حاملة معها كتيب “المجاهد الصغير”.
تقول مزاش: ” كانت والدتي تروي لي قصصا عن ثورة التحرير، وما كان يعانيه المجاهدون والأطفال ، تخيلت تلك المعاناة وحاولت الكتابة عنها لتقديمها للأطفال، بدءا بسلسلة أطفال نوفمبر، التي تحكي معاناة الأطفال اثناء الثورة، والمجاهد الصغير”.
وتضيف محدثتنا، أن قصة “المجاهد الصغير”، قصة حقيقية للطفل رابح، الذي كان يقطن إحدى قرى عزازقة، يدرس في الكُتاب (مدرسة قرآنية)، حفظ القرآن الكريم، وكان له أصدقاء، وفي إحدى المرات قصفت طائرات العدو الفرنسي المدرسة فتوفي زميلا، كان التلاميذ يحبونه، فتوقفوا عن الدراسة واتجهوا لرعي الأغنام.
وتشير مزاش إلى أن الأطفال آنذاك كانت لديهم ألعاب يصنعونها بأيديهم للترفيه عن أنفسهم، كانوا يصنعون كراسي بالفلين، ورابح صنع بندقية بألواح الفلين، لأنه شاهد بندقية عند جاره، وفي أحد الأيام حلقت طائرة مروحية فوق القرية ونزل منها المظليون، توجهوا نحو الطفل رابح، ونزعوا برنوسه فظهرت البندقية فحطموها، ما أثار غضبه، مثلما تروي الكاتبة، وتضيف: ” في تلك الأثناء اشتبك المجاهدون مع عساكر الجيش الفرنسي، قُتل جنود فرنسيون، وهرب الأطفال وفي تلك الاثناء انتهز الطفل رابح، الفرصة بعد أن نظر يمينا وشمالا ثم نزع رشاشا من جثة وهرب، وكانت تلك انطلاقة أول نوفمبر 1954. وبطل القصة وهو مجاهد ما يزال حيا”.
وللكاتبة قصة بعنوان” شروق الشمس” تروي فيها اليوم الذي رُفع فيه العلم في قريتها وهو يوم 11 ديسمبر 1960. تقول: ” والدتي كانت تخيط للمجاهدين، وفي شهر ديسمبر قدم اليها مجاهدون حاملون قطعة قماش بألوان الأبيض، الأحمر، والأخضر، تعجبت فقالت: أهذا هو القماش الذي يستعمل للسراويل، ضحكوا وغادروا تاركين لها القماش، وهربوا لأن المستعمر كان يطاردهم”. وتضيف: “تفقدت أمي القماش فخاطته، وفي الصباح جاءت امرأة قالت لها علمت أن المجاهدين وضعوا لك القماش فإسرعي في الخياطة لقد جاء اليوم، الذي نعلن فيه العلم للاستعمار، وكانت تلك هي مظاهرات 11 ديسمبر 1960ـ”.
بيعت سلسلة أطفال نوفمبر، بما فيها كتيب “المجاهد الصغير”، في المعارض. وتهدي الكاتبة مزاش كتبها للتلاميذ النجباء لتحفيزهم على الإجتهاد والعلم. وتشير إلى أن هذه السلسلة ترجمت للأمازيغية.
وأبرزت محدثتنا أن، الهدف من إصدار هذه السلسلة التاريخية هو الحفاظ على ذاكرة الشهداء، وقريبا سيصدر لها كتاب رابع بعنوان” إرث الشهيد”، يتحدث عن أرملة لها بنتان، إحداهما حصلت على شهادة البكالوريا، وقصة سوار الفضة القديم، الذي أهدته الأم للأخت الصغرى عندما تزوجت، فقامت هذه الأخيرة ببيعه وشراء سوار من الذهب، وأرادت الأخت الكبرى استرجاعه بعد الإستقلال لأنه يمثل إرث والدها.
بالرغم تقدمها في السن، ما تزال تكتب تاريخ الثورة، كي لا تنسى أجيال اليوم تضحيات الشهداء ، وتقول: ” عندما يطالعون هذه الكتب سيدركون ما عاناه المجاهدون والشهداء اثناء الثورة واليوم ننعم بالحرية والإستقرار والعيش الكريم”.
وللكاتبة قصائد شعرية نظمتها ستصدر قريبا، تتحدث دائما عما عانه الجزائريون أثناء الإحتلال الفرنسي.
نور الدين ساهلة يكتب عن تاريخ مدينته معسكر
نور الدين ساهلة، كاتب من ولاية معسكر، أصدر كتابا حول تاريخ مدينته معسكر. قلة المراجع التي تتحدث عن المدينة رغم تاريخها منذ عهد الرومان إلى الإحتلال الفرنسي، دفعته للكتابة عن معسكر، كما أن صديقه قويدر، مثلما يقول حفزه للكتابة عن معسكر، بعدما غضب في إحدى الأيام وهو شاهد حصة تلفزيونية تتحدث عن معسكر، لكن ليس بالطريقة التي يليق بها.
إضطر ساهلة للبحث في الأرشيف الفرنسي وكل ما كتبه المؤرخون الأجانب عن المنطقة، ما جعله يكتشف أمورا لم يكن يعرفها عن مدينته، رغم أنه ولد وترعرع فيها ودرس بها، فمثلا اكتشف أن الجدار الموجود في المدينة جدار بناه الجنرال السفاح بيجو، وليس جدار الأمير عبد القادر، مثلما يقال، والجدار الذي شيده الأمير يقع في الحديقة العمومية بالمدينة.
يقول نور الدين ساهلة، لـ”الشعب أونلاين”: ” كنت أظن أنني أعرف مدينتي معسكر جيدا، والحقيقة أنني كنت أجهل الكثير، كان لزاما علي البحث والتعمق لإكتشاف الحقيقة، للأسف بعض مثقفي معسكر لم يكتبوا عن مدينتهم”. ويضيف، أنه خلال بحثه إكتشف أن مدينة معسكر بنيت في 195 قبل الميلاد، من طرف الرومان، الذين كانوا يشيدون قلاعا حول المدينة لتحصين أنفسهم من الهجومات”.
وبحسب دراسته، حملت مدينة معسكر اسمين خلال الفترة الرومانية، الإسم الأول فكتوريا، والاسم الثاني مستعمرة فكتوريا أو المستعمرة المنتصرة، وفي 910 هجري عندما دخل الفاتحون العرب المنطقة أطلقوا عليها اسم الراشدية، نسبة الى راشد بن راشد، الذي كان أميرا قدم من الحجاز، بعدها سميت بإسم أم العساكر، وعندما احتلت فرنسا الجزائر، سميت معسكر، وهي تسمية سهلة النطق بالنسبة للفرنسيين، يوضح محدثنا.
يبرز ساهلة، في مؤلفه خصائص المدينة الطبيعية والبشرية، وهي مدينة خليط من أجناس مختلفة تعاقبوا عليها من البيزنطيين، والرومان، والوندال، الى العرب الفاتحين.
يتطرق الكتاب إلى تضاريسها الجبلية، والآثار الرومانية التي بقيت بالمنطقة، علاوة على أن المستوطنون الأوروبيون اخذوا كل الحجارة الخاصة بالمدينة الرومانية، بقلب المدينة، لتشييد فيلاتهم.
ويصف الكاتب المدينة، بأنها مدينة بيضاء جميلة قبل الاحتلال أحرقت مرتين من طرف الفرنسيين في 1835 من طرف الجنرال تريزال، وفي 1845 من طرف الجنرال بيجو، لم يبق أي أثر لمرور العرب بالمنطقة، فرنسا عملت على مسح كل الاثار، طيلة قرن و132 سنة من الإستيطان والإستدمار.
ودعا الباحث الى ضرورة المحافظة على كل الآثار لتبقى شاهدة للأجيال المقبلة.
كتاب جديد عن الأمير عبد القادر
وبطبيعة الحال لا يمكن للمؤلف الكتابة عن معسكر دون الحديث عن تاريخ الأمير عبد القادر، وفي هذا الصدد، أصدر كتابا جديدا، عُرض في الصالون الدولي للكتاب “سيلا 2024″، يتناول تاريخ ومكان ميلاد الأمير ، وحياته العسكرية والثقافية من 1830 الى 1847، وتأسيس الدولة الجزائرية الحديثة، وصك العملة وبناء مصنع للأسلحة وغيرها من إنجازات الأمير عبد القادر. ويتحدث أيضا عن حصانه والإدعاءات بأن الأمير استسلم وأعطى حصانه للكونت دومال.
يؤكد الباحث أن كل هذه الأقاويل لا أساس لها من الصحة، وأنه قدم كل الأدلة التي تنفي هذه الأكاذيب التي تحاول تشويه صورة الأمير عبد القادر، مستندا في ذلك إلى ماكتبه القنصل الفرنسي دوماس، وابنة أحد الضباط الفرنسيين في مذاكراتها.
ويكشف الكاتب ساهلة، عن كتاب له حول تاريخ الكشافة في العالم، وقصتين لشخصية غامضة تعمل عند مستوطن أوروبي ابان الثورة، وما واجهه من إهانة من هذا المستوطن، وبعده من بني جلدته، الذين اتهموه بأنه يعمل لصالح العدو والمتاعب التي واجهها، وقصة أخرى بعنوان “لا تلمسني” قصة فتاة يزوجها والدها من شاب لا تحبه.