خطت الجزائر خطوات فعلية وفاعلة في مجال تنويع مصادرها الطاقوية، وتطوير مصادر جديدة ونظيفة، مثل الطاقات المتجددة والهيدروجين، التي تنوي توسيع استعمالها في السنوات القادمة، فتحدي كسب رهانات الانتقال الطاقوي أضحى حسب مسؤولين ومختصين يشكّل مطلبا ملحا للبشرية جمعاء، وليس للجزائر فقط، التي تؤكّد في كل مناسبة وطنية أو دولية على ضرورة بل حتمية حشد وتعبئة أدوات ووسائل التنفيذ المتمثلة في توفير التمويل، نقل التكنولوجيا، بناء القدرات، والمساعدة التقنية ضمن مقاربة تهدف لتحقيق شراكة طاقوية مستدامة، فعلية، وفعالة.
ملف: زهراء بن دحمان وحبيبة غريب وسعاد بوعبوش
تلبية الطّلب المتزايد على الطاقة بطرق آمنة ومستدامة
تسير الجزائر في إطار تحقيق الانتقال الطاقوي نحو مزيج طاقوي متنوع ومتوازن، يهدف إلى تلبية الطلب المتزايد بطريقة مستدامة واقتصادية وآمنة، مع تقليل التأثيرات البيئية، بحيث تمّ اتخاذ التزام كبير لتحقيق 30 ٪ من الطاقات المتجددة في المزيج الطاقوي الوطني بحلول عام 2035. وتستند هذه الخطة على تنفيذ البرنامج الوطني للطاقات المتجددة، الذي يهدف إلى تحقيق قدرة 15.000 ميغاواط، حيث تم إطلاق 3000 ميغاواط بالفعل مما يسمح للجزائر بتضاعف قدراتها من الطاقة المتجددة.
وفي هذا السياق، كلّف مجمّع سونلغاز بإنجاز مشروع 15 ألف ميغاواط من الطاقة الشمسية الكهروضوئية آفاق 2035، وقد تمّ إبرام شهر مارس من العام الماضي، 19 عقدا لصالح الشركات الفائزة لإنجاز في المرحلة الأولى من المشروع، 000 2 ميغاواط وصولار 1000 للطاقة الشمسية الكهروضوئية، تمكّنت شركتين جزائريتين وثلاث شركات جزائرية في تجمع مع شركات أجنبية من الظفر بعديد العقود في هذه المرحلة التي تتضمن إنجاز 20 محطة للطاقة الشمسية الكهروضوئية بقدرة إجمالية تبلغ 000 3 ميغاواط، مع نسبة إدماج محلي تصل إلى 35 بالمائة، مع العلم أن العقود تشمل أيضا التصميم، والهندسة، وأشغال الهندسة المدنية، والعتاد، والتركيب، والتكوين، والتجارب ووضع المشاريع حيز الخدمة، ومن المتوقع أن تتجاوز القدرة الإجمالية للطاقات المتجددة في الجزائر 4000 ميغاواط، ما يوفّر ما يعادل 1.3 مليون طن من الغاز الطبيعي.
هذا المشروع يعتبر تقدّما بارزا في مسار الانتقال الطاقوي الذي تنتهجه الجزائر وفقا لبرنامج رئيس الجمهورية، والذي سيسمح بالحفاظ على البيئة واقتصاد الغاز الطبيعي، وقد خطت الجزائر بفضله خطوة حاسمة وتحققت أول مرحلة لتجسيد البرنامج الطموح لتطوير الطاقات المتجددة في البلاد، ناهيك عن السير نحو تحقيق مستقبل طاقوي آمن عن طريق تعزيز الاستغلال الأمثل للطاقات النظيفة والمتجددة، لاسيما مصادر الطاقة الشمسية وفقا للقدرات الكبيرة التي تتمتع بها الجزائر.
وتتوفّر الجزائر على واحد من أعلى الحقول الشمسية في العالم، حيث تتجاوز مدة سطوع الشمس في كامل الإقليم الوطني تقريبا 2000 ساعة سنويا ويمكن أن تصل إلى 3900 ساعة في منطقة الهضاب والصحراء، وتبلغ الطاقة المتحصل عليها سنويا على سطح أفقي 1م²، أي ما يقارب 3 كيلو واط/متر مربع في الشمال، وتتجاوز 5.6 كيلو واط/متر مربع في الجنوب الكبير.
وتدرس وزارة الطاقة إطلاق مشروع لتوليد 1000 ميغاواط من طاقة الرياح، بعد أن أظهرت دراسة حديثة إمكانيات كبيرة في هذا المجال، المشروع سيتم بالتعاون مع البنك الدولي ويستهدف 10 مواقع واعدة.
أما المحور الثاني من البرنامج الوطني للطاقات المتجددة فيمثل في تطوير الهيدروجين الأخضر، عبر مشاريع نموذجية مثل مشروعي أرزيو وحاسي مسعود، حيث تطمح الجزائر لتصدير 40 تيراواط/ساعي (حوالي 2 مليون طن) من الهيدروجين ومشتقاته.
ويعد تطوير الهيدروجين أحد أولويات الحكومة، فالجزائر تمتلك مزايا هامة لتصبح مركزا إقليميا للطاقات المتجددة، وذلك بفضل إمكانياتها في مجال الطاقة الشمسية.وسيضع مشروع “ساوث 2 كوريدور” الذي يهدف إلى ربط الجزائر بأوروبا عبر خط أنابيب مخصص لنقل الهيدروجين الأخضر، المنتج محليا من مصادر نظيفة، الجزائر في مرتبة متقدمة في صناعة الهيدروجين الواعدة، حيث سيسمح مستقبلا بتصدير الهيدروجين انطلاقا من الجزائر نحو ألمانيا، مرورا بتونس وإيطاليا والنمسا، بشراكة بين مؤسسات من الدول المعنية.
ومن بين المشاريع الرائدة في الجزائر تطوير الربط البيني الوطني لشبكة الكهرباء الشمالية مع شبكة الجنوب، باستثمار يقارب 3 مليارات دولار، ويكتسي هذا المشروع أهمية حيوية للبلد والمنطقة، كونه سيؤدي إلى تعزيز تكامل الطاقة خاصة المتجددة من خلال تحسين إمدادات الكهرباء المحلية بشكل كبير، كما أنه سيفتح آفاقا جديدة لتصدير الكهرباء النظيفة الى أوروبا، مع تمكين البلدان الأفريقية من تزويد بالكهرباء النظيفة والموثوقة، وبالتالي المساهمة في تنميتها الاقتصادية والاجتماعية.
دمج الطّاقات المتجدّدة في محطّات تحلية مياه البحر
تعد الشّركة الجزائرية للطاقة شركة رائدة في مجال إنجاز وتسيير محطات تحلية مياه البحر بمهارات وسواعد جزائرية، وهي تسير اليوم بخطى ثابتة نحو مرحلة دمج الطاقات الجديدة لإنتاج الطاقة الكهربائية، حيث تسعى إلى كسب رهان الانتقال الطاقوي انطلاقا من مشاريع نموذجية تم تجسيدها ميدانيا في انتظار توسيعها في المستقبل القريب.
ترتبط محطات تحلية مياه البحر التي تنجزها وتسيرها الشركة الجزائرية للطاقة التابعة لمجمع سوناطراك بصورة وطيدة بالطاقة الكهربائية في إنتاجها اليومي، حيث يعول عليها في توفير وتعزيز الأمن المائي، وبالتالي الانخراط الكلي في مسار التنمية المستدامة.
ولا يمكن الحديث عن التنمية المستدامة دون الوقوف أمام حتمية الانتقال الطاقوي، وضرورة اللجوء الى الطاقات الخضراء والمتجددة، حفاظا على البيئة والمحيط ومن أجل تقليص بصمة الكربون، وأيضا تفادي استعمال الطاقات الأحفورية على المدى المتوسط والبعيد.
وفي هذا السياق، تعمل اليوم الشركة الجزائرية للطاقة التابعة لمجمع سوناطراك على تطوير مشروع رائد يتعلق بدمج الطاقات المتجددة في تسيير محطات تحلية مياه البحر الجديدة المقرر إنجازها في المستقبل القريب.
في هذا الشأن، كشف مدير التطوير بالشركة الوطنية للطاقة سفيان زعميش، الذي التقته “الشعب” خلال الطبعة 14 لصالون الطاقات المتجددة وطاقات المستقبل والتنمية المستدامة “ايرا” بوهران، عن انخراط سوناطراك في سياسة الانتقال الطاقوي وتخفيض بصمة الكربون، واستعدادها التام لتبني استعمال الطاقات المتجددة والنظيفة في تسيير محطات تحلية مياه البحر الستة التي سيتم إنجازها في آفاق 2025-2030.
خطوة أولى
يضع مجمّع سوناطراك من خلال فرعه الجزائرية للطاقة مشروع الانتقال الطاقوي في تسيير واستغلال محطات تحلية مياه البحر صلب اهتماماته، ويوجد هذا المشروع حاليا قيد الدراسة، حسب ما أشار اليه مدير قسم التطوير سفيان زغميش.
ومن المقرر وفق زغميش أن يتم “إدماج الطاقة الشمسية في تسيير محطات تحلية مياه البحر 6 الجديدة، والتي ينتظر الانطلاق في انجازها خلال السنة الجارية، بعد الانتهاء من الإجراءات الادارية، والافصاح عن المناطق المخصصة ولها.
ويمثل مشروع الانتقال الطاقوي الذي تبنته الشركة الجزائرية للطاقة “خطوة عملاقة” و«رائدة”، يمكن من خلالها يقول مدير قسم التطوير “الوصول إلى انتاج نسبة تتراوح من 30 الى 50 % من احتياجات هذه المحطات من الكهرباء المولدة بالطاقة الشمسية والوصول إلى دمج الطاقوي، يفتح آفاقا كبيرة أمام مشاريع توظيف والتحكم في الطاقات المتجددة والنظيفة”.
وتقوم الشركة حاليا حسب المتحدث، بتجريب هذه التكنولوجيا الحديثة من خلال انشائها لمحطات نموذجية مصغرة لتوليد الطاقة الكهربائية من خلال الألواح الشمسية بكل من محطات تحلية البحر ببني صاف وهنين بالغرب، وسكيكدة بالوسط كتجربة أولى، مشيرا إلى “فرضية إنجاز محطات لإنتاج الطاقة المتجددة بسعة كبيرة مستقبلا في كل من مناطق الجنوب والهضاب العليا بحكم توفرها على مخزون وإمكانيات كبيرة في هذا المجال الطاقات المتجددة”.
واعتبر زغميش أن مشروع الدمج الطاقوي على مستوى محطات تحلية هو قيد الدراسة، في انتظار إصدار النصوص القانونية المتعلقة بالانتقال الطاقوي.
الطّاقـة المستقبلية
لا يقتصر تحدي الانتقال الطاقوي الذي تسعى الشركة الجزائرية للطاقة إلى كسبه على استغلال الطاقة الشمسية فقط، بل تم إطلاق حاليا دراسات جدوى لمشروع إنتاج الهيدروجين الأخضر في محطات تحلية مياه البحر.
وفي هذا الشأن، كشف مدير التطوير زعميش أنه “سيتم تصنيع الهيدروجين الأخضر في محطات تحلية مياه البحر وفق مبدأ التحليل الكهربائي الذي يفصل الأكسجين عن الهيدروجين في الماء، والذي سيسترجع على شكل غاز سيتم استغلاله في انتاج الطاقة الكهربائية”، مشيرا الى أنه خلال عملية تحلية مياه البحر تذهب 45 بالمائة إلى التزويد بالماء الشروب بعد اعادة معدنتها، فيما يتم صرف 55 بالمائة الباقية في البحر بعد معالجتها، وفقا للمعايير الدولية.
وتدرس الشركة للجزائرية للطاقة حاليا، حسب ذات المسؤول، “امكانية استغلال 55 بالمائة في انتاج الهيدروجين الاخضر لاستغلاله في انتاج الطاقة الكهربائية”.
لكن يستلزم المشروع دراسة محكمة من باب التأمين وتوفير كل سبل السلامة، لأن الهيدروجين مادة قابلة للانفجار وبالتالي يحتاج مشروع إنتاج الطاقة من خلاله توفير أوعية عقارية مؤمنة وبعيدة عن النسيج العمراني والمناطق السكنية، كما يستلزم المشروع إيجاد حلول لتقليص تكلفة الإنتاج التي ما زالت مرتفعة، وهي محل بحث وتفكير عند جل دول العالم في المرحلة الراهنة.
وتفتح هذه المعضلة اليوم الآفاق واسعة أمام مراكز البحث العالمي في الجامعات والمخابر للخوض فيها واستنتاج حلولها، فيما سيفتح أيضا الوصول إلى انجازها مناصب شغل عديدة، ممّا يؤكد انخراط مجمع سوناطراك وفرعه الجزائرية للطاقة كشريك اقتصادي في مسار التنمية المستدامة.
للتذكير، تقوم الشركة الجزائرية للطاقة اليوم بتسيير 14 محطة لتحلية مياه البحر بسعة 3.72 مليون متر مكعب في اليوم، وهي السعة المقرر رفعها قريبا لتصل نسبة 42 بالمائة مع دخول حيز الخدمة المحطات الخمس الأخرى التي هي في طور الإنجاز وفق البرنامج الاستعجالي2021 – 2025، إضافة الى مشروع المحطات 6 المندرجة في آفاق 2025-2030، حيث سترتفع نسبة الإنتاج اليومي إلى 60 بالمائة، ويتم بذلك كسب رهان توفير الأمن المائي، وفتح الآفاق لكسب تحدي الدمج الطاقوي.
مجمع الطّاقات الخضراء يقترح خطّة طريق للانتقال الطّاقوي
تعكس خطة قطاع الطاقة المتجددة في الجزائر رؤية استراتيجية طموحة، تمهّد الطريق لمستقبل طاقوي مستدام وتنافسي بحلول عام 2050، من خلال تبني أهداف جريئة تتعلق بانتقال الطاقة وكفاءة الطاقة والتصنيع الأخضر، حيث تعتمد هذه الخطة على الابتكار والتآزر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لوضع الجزائر كقائد للثورة الخضراء. وإثراء لهذه الخطة قدّم مجمّع الطاقات الخضراء الجزائر خريطة طريق ذات رؤية استشرافية لآفاق 2050 مدعّمة بمقترحات عملية من شأنها تعزيز مكانة الجزائر، وتضمن تلبية احتياجاتها الداخلية والخارجية.
أوضح المدير العام لمجمع الطاقات الخضراء الجزائر بوخالفة يايسي في تصريح لـ “الشعب”، أنّ مجمّع الطاقات الخضراء الجزائر يتابع باهتمام الانتقال الطاقوي السلس للجزائر من خلال التخلي تدريجيا عن استعمال الطاقات الأحفورية والاعتماد على الطاقات المتجددة، مع الموازنة بين تلبية احتياجاتها الوطنية المتزايدة والتزاماتها تجاه شركائها من خلال التصدير الذي لم يعد يقتصر فقط على المواد الطاقوية بل حتى الكهرباء، والتوجه التدريجي من تصدير الغاز الطبيعي إلى تصدير الهيدروجين الأخضر، وهو المسعى الذي تحدّث عنه رئيس الجمهورية في عدة محطات.
وانطلق مجمّع الطاقات الخضراء الجزائر من توقعات استشرافية، حيث توقع بحلول عام 2050 أن يبلغ عدد سكان الجزائر 65 مليون نسمة، مقارنة بـ 50 مليون نسمة في عام 2030، مع تزايد في الطلب على الكهرباء بنحو 27 جيغاوات للاستهلاك المنزلي وحده، وتؤكّد هذه التوقعات التي تستثني الاحتياجات المرتبطة بالتصنيع وقطاع التعدين والتنقل وإنتاج الهيدروجين الأخضر، على الحاجة الملحة إلى التفكير الاستباقي والمنظم للاستجابة لهذه التحديات.
وفيما تعلق بالتحديات والأهداف، فيرى رئيس المجمّع أن العولمة تفرض قدرة تنافسية متزايدة، ممّا يجبر الجزائر على تجاوز دورها التقليدي كمستهلك بسيط للحلول المستوردة، لهذا تحدّد هذه الخطة أولويتين استراتيجيتين، الأولى تتعلق بكسر الأنظمة القائمة تعزيز التعاون بين القطاعات، وتطوير حلول تتكيف مع الواقع الجزائري والإفريقي، والثانية تتعلق بالإنتاج المحلي من خلال تصنيع معدات تنافسية عالية الأداء تتكيف مع الخصائص الإقليمية.
ولتجسيد ذلك لابد من التزام جماعي، حيث يتطلب المخطط الوطني للطاقات المتجددة مشاركة جميع القطاعات، وجميع أصحاب المصلحة في خطوة جريئة لإنتاج واستهلاك الحلول الوطنية محليا لتلبية احتياجات الجزائريين والأفارقة وتطوير نموذج مستدام ومنهجي، ووضع الجزائر كدولة رائدة في مجال الطاقة ومزود للحلول القابلة للتصدير.
انتقال الطّاقة
وقدّم المجمع عشرة محاور لإنجاح مخطط الطاقات المتجددة بالجزائر، إنتاج الطاقة المتجددة المتوافقة مع السياق الجزائري، تحول الطاقة وكفاءة الطاقة، الاستراتيجيات والإجراءات الرئيسية، بالإضافة إلى تطوير وهيكلة سلاسل قيمة مصادر الطاقة المتجددة، التصنيع الأخضر، الابتكار واعتماد التصميم المبتكر لمصادر الطاقة المتجددة، الشراكات الإستراتيجية مفتاح لتطوير هذا النوع من الطاقات، ناهيك عن إنشاء سوق لها وتأمينها، المؤسسات والتنسيق بين القطاعات، التصدير، التثقيف والتوعية.
ويركّز محور “إنتاج الطّاقات المتجدّدة الملائمة مع النمط الجزائري” على مصادر الطاقة المتجددة من خلال عدة إجراءات، منها تعظيم استغلال الطاقة الشمسية دون التعدي على الأراضي الزراعية، تطوير طاقة رياح مرنة، تتكيف مع الظروف القاسية والحارة في القارة، مع تبسيط الصيانة والاستغلال الدائم لممرات الرياح للاستهلاك عندما يكون هناك طلب وللتخزين، تعزيز منشآت الهيدروجين الأخضر الصغيرة والمتوسطة الحجم لتخزين الطاقة الخضراء والمواقع النائية (مثل مزارع الصحراء) والقرى الأفريقية، استعادة النفايات العضوية والقابلة لإعادة التدوير لإنتاج الكهرباء والمنتجات الثانوية، مع تعزيز بيئة نظيفة.
أما محور “تحوّل الطاقة وكفاءة الطاقة” فيحدّد الهدف الطموح المتمثل في تحقيق إنتاج أخضر بنسبة 100 % بحلول عام 2050، من خلال تعزيز الموارد الوطنية، ويجب أن يكون هذا الهدف مصحوبا بمجموعة كبيرة من الإجراءات والآليات التي تجمع بين الجوانب التنظيمية وجوانب التسعير وجوانب تيسير ودعم الاستثمارات الجديدة، وتمويل الإجراءات وإنشاء آليات مبتكرة جديدة تهدف إلى تشجيع مواطنينا ورجال الأعمال على القيام بذلك جعل استهلاكهم مسؤولاً باستخدام الطاقة الخضراء ذات التأثير المنخفض للكربون.
في المقابل، يعد محور “تطوير سلاسل القيمة” قلب تقرير مجمع الطاقات الخضراء الجزائر من خلال بناء قطاعات محلية كاملة لكل تكنولوجيات الطاقة المتجددة، تتكيف مع السوقين الجزائرية والإفريقية، وتكون قادرة على المنافسة على المستوى الدولي، تطوير المهارات الجزائرية وتعزيز المنظمات والشركات الوطنية في هذا المجال من أجل تحقيق منتجات وحلول جزائرية بالكامل في يوم من الأيام.
أما محور التصنيع الأخضر، فيهدف إلى دعم الإنتاج المحلي للمعدات اللازمة للطاقة المتجددة للتوجه نحو منتجات وحلول الطاقة المتجددة، إنتاج المعدات المستخدمة في تصنيع المعدات نفسها.
جيل الابتكار
وفيما يتعلق بمحور “الابتكار وتبني مفهوم الابتكار لمصادر الطاقة المتجددة”، فيمثل تغييرا أساسيا لأنه قطاع يتمتع بقدرة تنافسية قوية، يحفزه إلى حد كبير سرعة التقدم التكنولوجي والظهور المتكرر للابتكارات المعطلة للأنظمة القديمة، ومن بين المقترحات الدعوة لدعم الابتكار وتكوين جيل مكرّس للابتكار، خاصة وأنه من المتوقع تسريع الصناعة بالبلاد، وتعزيز القدرة التنافسية الوطنية وبناء التآزر بين البحث والصناعة. أما محور “الشراكات الاستراتيجية: كمفتاح لتطوير الطاقة المتجددة” فيرتكز على اعتماد مقاربة جماعية ومترابطة مع الشبكات والتعاون التي تشكل جوهر استدامة الأوضاع الاقتصادية، وتبرز أهميتها في كونها ضرورية من أجل السماح بتجميع الموارد وتسريع عملية تطوير الحلول وتعظيم تأثيره، تطوير القدرات الوطنية من خلال التعاون مع اللاعبين الدوليين لتعزيز نقل المعرفة وبالتالي تعزيز النظام البيئي المحلي، ومن شأن هذه الشراكات أن تسهل التطوير المشترك للمنتجات والمكونات، وتعزيز القدرات الوطنية على الابتكار والإنتاج المحلي لتلبية الاحتياجات الوطنية والإقليمية.ويرتكز محور “إنشاء سوق الطاقة المتجددة والتأمين” على ظهور نماذج اقتصادية جديدة، وأن لاعبين جدد يأخذون مكانهم داخل مجتمع الإنتاج والمستهلك الأخضر، وينبغي ملاحظة مشاركة المواطنين والمجتمع الاقتصادي وتقديم الدعم لتحقيق ظهور لاعبين محليين رئيسيين من المرجح أن يصبحوا منافسين على المستوى الوطني ومن ثم الدولي.
ومن بين المقترحات التي يقدّمها مجمع الطاقات الخضراء الجزائر في هذا الخصوص، السماح للمواطنين بأن يصبحوا مستثمرين من خلال إنتاج الكهرباء بأنفسهم كالأسطح الشمسية أو من خلال آليات الادخار المخصص، إنشاء نظام لتصنيف الأعمال لتعزيز قابليتها المصرفية، تقديم التأمين لتأمين المشاريع وتشجيع ظهور الشركات الوطنية الرائدة.ويركّز محور “المؤسسات والتنسيق بين القطاعات” على المؤسسات التي يعتبر دورها حاسما لنجاح خطة القطاع المخصصة للطاقة المتجددة، لهذا يعد إنشاء وزارة وصية مكلفة بالطاقة والمناجم والطاقات المتجددة يجعل من الممكن بناء التآزر بين إنتاج الطاقة ونقلها وتوزيعها وتسويقها.لهذا كان الجانب التنظيمي موضوع مقترحات تتعلق بمراجعة قانون الكهرباء والغاز (القانون 02-01)، إعادة إطلاق عملية مناقصة المزاد رقم 17-98، تطبيق النظام الضريبي التفضيلي 20-313 على الألواح الشمسية المنتجة محليا، ناهيك عن الجوانب الأخرى المتعلقة بالصناعة، وظهور قطاعات سوقية جديدة للطاقة الشمسية الكهروضوئية، وإنشاء شبكات مصغرة للزراعة والمنازل المتفرقة، وإنشاء الموافقات لمكاتب الدراسات وشركات التركيب وكذلك مراقبة ومطابقة تركيب منشآت الطاقة المتجددة بهدف تبادل الطاقة مع موزع الطاقة.
التّحوّل الطّاقوي
ويكمن الهدف من التنسيق بين القطاعات في جمع العناصر التي تضمن النشر الناجح لبرنامج الطاقة المتجددة من خلال ظهور مؤسسات تشغيلية قادرة على ضمان التحول الطاقي في البلاد، التعاون بين القطاعات لتحقيق أقصى قدر من التآزر وتحسين الكفاءة الجماعية وتسريع تحول الطاقة.
فيما يهدف محور “التصدير” إلى تطوير نهج يقوم على بيع الكهرباء للدول المجاورة ودول حوض البحر الأبيض المتوسط، استغلال المهارات المكتسبة للاستيلاء على حصص السوق الدولية، لا سيما في أفريقيا، على سبيل المثال في إنتاج الطاقة والنقل، فضلا عن المعرفة في البنية التحتية للطاقة، من التصميم إلى الاستغلال.
أما المحور الأخير المتعلق بـ “التثقيف والتوعية”، فقد خصّص للبحث عن أفضل السبل لتثقيف شرائح المجتمع المختلفة في المجتمع الوطني في الاستخدام الرشيد للطاقة وإرشادهم لاستخدام مصادر الطاقة الجديدة، وذلك من خلال خلق ثقافة الاستهلاك المسؤول من خلال حملات التوعية، تعزيز الفوائد الاقتصادية والبيئية والاجتماعية للطاقة المتجددة.
خبير الهندسة الكيميائية والطّاقة توهامي مقراني: الليثيوم مورد أساسي لتعزيز الانتقال الطّاقوي والتكنولوجيا
أكّد البروفيسور توهامي مقراني بقسم الهندسة الكيميائية والطاقة بجامعة جنوب افريقيا، أن البرنامج الجزائري لتنمية الطاقات المتجدّدة يشهد تطورا ملحوظا، وهذا بفضل عدة عوامل أهمها إدراجها تحت وصاية واحدة وهي وزارة بالطاقة والمناجم والطاقات المتجددة، إلى جانب وضع مشروع طموح لإنتاج 15 ألف ميغاوات من الطاقة الشمسية منها 3 آلاف ميغاوات قيد الإنجاز.
أشار البروفيسور مقراني في تصريحه لـ«الشعب”، إلى دعوة رئيس الجمهورية الجادة والصريحة والمباشرة للجالية بالخارج للانخراط بفاعلية في ديناميكية التنمية الوطنية، والتي كانت محل تثمين من قبلهم، داعيا السلطات العليا للبلاد لوضع آليات ترسّخ ذلك، وإزالة جميع العوائق الادارية من أجل مشاركة فعالة ومجدية وفي أقل وقت ممكن.
تأتي الدعوة انطلاقا من كون أن رئيس الجمهورية يؤمن بالإمكانيات الهائلة لأبناء الجالية التي لها مكانتها ضمن أفضل المؤسسات والشركات الكبرى، ويمكن التعويل عليهم في نقل المعارف والمهارات في إطار التعاون ضمن منطق رابح – رابح، والاعتراف وتقديم التسهيلات اللازمة في الجزائر خاصة في الميادين المصنفة بالاستراتيجية.
وذكّر د – تهامي بورشة عمل مخصصة لتطوير شعبة معدن الليثيوم بوهران، والتي سلّطت الضوء على الأهمية الاستراتيجية لمعدن الليثيوم، المعروف بـ “الذهب الأبيض”، واستكشاف إمكاناته الواعدة في الجزائر كأحد الموارد الأساسية لتعزيز التحول الطاقوي، ما يؤكد على الرؤية الطموحة التي يقودها رئيس الجمهورية، الرامية إلى تنويع الاقتصاد الوطني عبر استغلال الثروات الاستراتيجية الكامنة في البلاد.
في السياق، أشار إلى تصريح الوزير عرقاب الذي تحدّث فيه عن ضرورة تطوير هذه الشعبة والتوجه نحو صناعة البطاريات، وقد تمّ دعوة الخبير الدولي البروفيسور كريم زريب من كيبيك بكندا، ما من شأنه المساهمة في تدريب الباحثين الجزائريين في مجال البطاريات وكذا في إعادة التدوير.
الهيدروجين الأخضر
وحسب المختص في مجال الهندسة الكيميائية والطاقة، تتزامن هذه الورشة مع مشروع الهيدروجين الأخضر الجزائري، الذي تمتلك الجزائر فيه إمكانيات هائلة أكثر من غيرها من الدول الإفريقية، حيث أشار إلى خبرته في هذا المجال لـ 25 عاما الماضية، وعمله على خلية وقود الهيدروجين في جنوب أفريقيا.
وكشف المتحدّث عن مشروع له مع شركة جنوب أفريقية تقوم بتصنيع “PEMEA A« قلب خلية وقود الهيدروجين غير القابلة للاحتراق، والذي سيشرع في إنجازه بداية هذا العام معه من خلال لقاء أفريقي مع الاتحاد الأوروبي حول الطاقات المستدامة، يجمع بين عدة شركاء منها جامعة”Unisa” الجنوب أفريقية التي يعمل بها، ومدرسة البوليتكنيك في ميلانو بإيطاليا، ومؤسسة ألمانية مختصة في التحليل الكهربائي لخلية وقود الهيدروجين، حيث سيكون هذا المشروع مح تطوير وتصنيع بجنوب أفريقيا ثم في الجزائر حسب الطلب طبعا.
في السياق، يرى د – تهامي أنه لنقل أحدث ما توصل إليه من علوم وتكنولوجيا، يجب تكثيف التعاون بين المؤسسات الجزائرية من جامعات ومراكز بحوث وطنية ومراكز شركات الجزائرية والجالية الجزائرية بالخارج سيما خاصة بأوروبا وشمال أمريكا، من خلال المشاركة المباشرة للجالية المتخصصة بالخارج في انشاء شركات ناشئة في الجزائر ذو كفاءة عالمية خاصة الشركات الرائدة.
وحسب الأستاذ يمكن للجزائر تحقيق الكثير خاصة بعد تحول أنظارها إلى افريقيا التي تعد سوقا تجارية كبيرة وبواحد مليار و300 مليون ساكن، ومع وجود المنطقة التجارية الافريقية الحرة، فالجزائر يمكنها أن تحول فائض إنتاجها في أي مجال للدول الافريقية، على غرار الزراعة مثلا والتي تعد من أهم استثماراتها الحالية، وما عليها سوى تقديم التسهيلات اللازمة للاستثمار والتصدير انطلاقا من الفرص التي يمنحها قانون الاستثمار، مشيرا إلى ضرورة تبني امتيازات خاصة حسب نوعية المشاريع فهي ليست متشابهة، فهناك مشاريع متكاملة وأخرى استراتيجية.
وأكّد د – مقراني الذي يمثل مجموعة من الجالية الجزائرية في جنوب افريقيا أنهم يحاولون الترسيخ لتعاون تجاري بين الجزائر وجنوب افريقيا، خاصة بعد الزيارة التاريخية لرئيس جمهورية جنوب إفريقيا، سيريل رامافوز للجزائر، عبر تقديم عدة مقترحات في مجال الطاقة والمناجم، الصناعة الميكانيكية خاصة المناولة في صناعة السيارات، الصناعة التحويلية للحديد، البناء، الزراعة، تربية المواشي والسياحة.